الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرزاق
ومن أسمائه الحسنى عز وجل: الرزاق .. والرازق.
…
[الذاريات: 56 - 58].
وقال الله تعالى: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}
…
[الجمعة: 11].
الله تبارك وتعالى هو الرزاق، الذي خلق الأرزاق، وأعطى الخلائق أرزاقها، وأوصلها إليهم، وتكفل بأقوات المخلوقات كلها، والذي وسع الخلق كلهم برزقه ورحمته، فلم يخص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا ولياً دون عدو، بل يسوق رزقه عز وجل إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي:{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)}
…
[الإسراء: 20].
وهو سبحانه الرزاق، المتكفل بأرزاق الخلائق في العالم العلوي، وفي العالم السفلي، القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، الرزاق لكل مخلوق رزقاً بعد رزق، المكثر منه، الموسع له، المتفرد بالرزق حده لا شريك له كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)} [فاطر: 3].
وقد تكفل الله بأرزاق الخلائق جميعاً كما قال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)} [العنكبوت: 60].
وهو سبحانه الرازق، الذي رزق جميع خلقه بلا كلفة ولا ثقل ولا مشقة، وخزائن الله مملوءة بكل شيء يحتاجه الخلق.
وهو سبحانه خالق الأرزاق ومالكها ومعطيها، يصرفها ويقسمها على الخلائق حسب علمه وحكمته كيف يشاء.
ورِزق الله لعباده نوعان:
الأول: رزق عام، ينتفع به البَرُّ والفاجر، ويشمل الإنسان والحيوان والجان، وهو رزق الأبدان، وقد قسم الله وتكفل برزق كل واحد من هؤلاء كما قال سبحانه:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود: 6].
فلتطمئن هذه النفوس إلى كفاية من تكفل بأرزاقها، وأحاط علماً بذواتها وصفاتها وأسرارها، ورزقها يطلبها كأجلها أينما كانت.
الثاني: رزق رزقه الله من يشاء من عباده، على يد أنبيائه ورسله، وهو الإيمان والتوحيد، الذي يرزقه الله من يستحقه ويشكره، والله واسع الفضل، كثير الإحسان، يؤتيه من أتى بأسبابه.
وهو سبحانه العليم بمن يصلح للإحسان فيعطيه، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه:{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)} [آل عمران: 73، 74].
وفضل الله عظيم، وفضله لا يصفه الواصفون، ولا يخطر بقلب بشر، بل وصل فضله وإحسانه إلى ما وصل إليه علمه، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً، فعم بفضله وإحسانه وعلمه ورحمته جميع الخلائق.
وخزائن الله عز وجل مملوءة بكل شيء، ويعطي منها جميع الخلائق ولا تنقص إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، بل لو سأله جميع الخلائق فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً.
قال الله تبارك وتعالى: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا
ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا، عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شيئاً، يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شيئاً يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ الْبَحْرَ» أخرجه مسلم (1).
والله حكيم عليم، أرزاق العباد كلهم بيده، يجعل من يشاء غنياً، ويجعل من يشاء فقيراً، وله في ذلك حكمة بالغة، وهو سبحانه الخبير بمن يستحق الغنى، ومن يستحق الفقر:{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)} [الإسراء: 30].
ومن الناس من لا تصلح حاله إلا بالغنى، فإن أصابه الفقر فسدت حاله، ومن الناس من لا تصلح حاله إلا بالفقر، فإن أصابه الغنى فسدت حاله، ولا يعلم ذلك إلا الله:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
…
[الشورى: 27].
وكثرة الرزق في الدنيا كقلة الرزق لا تدل على محبة الله تعالى للعبد ورضاه عنه، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين إلا من يحب:{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)}
…
[سبأ: 35 - 37].
والإيمان والتقوى سبب عظيم للحصول على الأرزاق والبركات.
والكفر والفجور سبب عظيم لنقص الأرزاق، ومحق البركات، كما قال
(1) أخرجه مسلم برقم (2577).
…
[الأعراف: 96].
والأرزاق تزيد بالشكر، وتنقص بالمعاصي، وعدم الشكر، كما قال سبحانه:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} [إبراهيم: 7].
وقال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} [الروم: 41].
وأعظم رزق يرزقه الله عباده، وأحسنه وأكمله، وأفضله وأكرمه، وأعلاه وأدومه، الذي لا ينقطع ولا يزول، هو الجنة، وذلك الرزق خاص بالمؤمنين كما قال سبحانه:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)} [الطلاق: 11].
والرزاق على الإطلاق هو الله وحده، وغيره إن رزق وأعطى فإنما يرزق من رزق الرزاق الذي أعطاه، فارزق أيها العبد مما رزقك الله، يأتك الخلف من الله.
وإذا أعوزك الرزق فلا تطلبه بكثرة الحرص، فلن يزيدك في الرزق المقدر إلا ما قسمه الله لك، فاطلب منه أعلاه وأجله، وأصفاه وأحله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ» أخرجه ابن ماجة (1).
فسبحان من هذا ملكه، وهذا رزقه، وهذه قدرته، وهذا عطاؤه، وله الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا .. وزدنا ولا تنقصنا .. وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)}
…
[المائدة: 114].
(1) صحيح: أخرجه ابن ماجه برقم (2144)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1743).
انظر السلسلة الصحيحة رقم (2607).