الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - خلق الليل والنهار
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} [الأنبياء: 33].
وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)} [غافر: 61].
الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، والسماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار من أعجب آيات الله سبحانه.
ولهذا يكرر الله ذكرها في القرآن، لما تضمنه من الآيات والعبر الدالة على ربوبية الله وقدرته وحكمته.
فانظر كيف جعل الله سبحانه الليل سكناً ولباساً يغشى العالم، فتسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس وتستريح من كد السعي والتعب.
حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها، وتطلعت إلى معايشها وتصرفها، جاء فالق الإصباح سبحانه بالنهار تقدمه الشمس، فهزم تلك الظلمة، ومزقها كل ممزق، وأزالها وكشفها عن العالم فإذا هم مبصرون.
فانتشر الحيوان والإنسان، وتصرف في معاشه ومصالحه، وخرجت الطيور من أوكارها، لتستلم أرزاقها التي قدرها الله لها:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)} [الفرقان: 47].
فيا له من معاد ونشأة دال على قدرة الله سبحانه على المعاد الأكبر، ومع تكرار ذلك، ودوام مشاهدة النفوس له، صار كالمألوف المعتاد، قل من يعتبر به:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)} [يوسف: 105].
وقد خلق الله الشمس، وجعلها علامة على النهار، وخلق القمر، وجعله علامة
على الليل، فخلق سبحانه الشمس وأمدها بالنور والنار، ففيها إشراق وإحراق لمصالح العباد والكائنات كما قال سبحانه:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} [الإسراء: 12].
ولما كان الله عز وجل يحدث عند كل واحد من طرفي إقبال الليل والنهار وإدبارهما ما يحدثه، ويبث من خلقه ما شاء، فينشر الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل، وينشر الأرواح الإنسانية عند إقبال النهار، فيحدث هذا الانتشار في العالم أثره، شرع سبحانه في هذين الوقتين الصلاتين العظيمتين المغرب والفجر، ليذكر العبد ربه، ويسبحه ويحمده عند حدوث هذا التغير الكوني العظيم.
والله تبارك وتعالى هو الذي: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)} [الزمر: 5].
وهو سبحانه الذي جعل الليل والنهار يخلف أحدهما الآخر، فلا يجتمعان أبداً، ولا يرتفعان أبداً، يذكران بعظمة خالقهما وآلائه ونعمه:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)} [الفرقان: 62].
وهوسبحانه الذي يأتي بالليل بعد النهار، وبالنهار بعد الليل، ويزيد في أحدهما ما ينقصه في الآخر وبالعكس، ويرتب على ذلك قيام الفصول، ومصالح الليل والنهار، التي تتم بها مصالح العباد:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)} [الحج: 61].
إن السكون بالليل ضرورة لكل حي، ولا بد من فترة من الظلام تسكن فيه الخلايا الحية، ولا يكفي مجرد النوم لتوفير هذا السكون، بل لا بد من ليل، ولا بدَّ من ظلام، فالخلية الحية التي تتعرض لضوء مستمر تجهد ثم تتلف، لأنها لم تتمتع بفترة من السكون والظلام.
ونوم الإنسان انقطاع عن النشاط والإدراك، وهو سر من أسرار تكوين الحي، لا
يعلمه إلامن خلق هذ الحي، وأودعه ذلك السر، وجعل حياته متوقفة عليه.
وما من حي يطيق أن يظل من غير نوم، فالنوم ضرورة لكل إنسان، وسر من أسرار القادر الحكيم، ونعمة من نعم الله على عباده:{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)} [الروم: 23].
والله حكيم عليم جعل حركة الكون، موافقة لحركة الأحياء، فكما أودع الإنسان سر النوم والسبات بعد العمل والنشاط، فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل، ليكون لباساً ساتراً يتم فيه السبات والانزواء، وظاهرة النهار، ليكون معاشاً تتم فيه الحركة والنشاط كما قال سبحانه:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران: 190].
وقد خلق الله عز وجل السموات والأرض بالحق، لتكون صالحة ومجهزة لحياة هذا الجنس البشري كما قال سبحانه:{خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)} [العنكبوت: 44].
وكما جهز الخالق هذه السموات وهذه الأرض بما يصلح لحياة هذا الإنسان، جهز كذلك هذا الإنسان باستعدادات وطاقات، وبنى فطرته على معرفته، وترك له جانباً اختيارياً في حياته، يملك معه أن يتجه إلى الهدى، فيعينه الله عليه ويهديه، أو أن يتجه إلى الضلال، فيمد الله له فيه، وترك الناس يعملون بعد إرسال الرسل إليهم، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً.
يبلوهم لا للعلم فهو يعلم كل شيء، ولكن يبلوهم ليظهر المكنون من أفعالهم، فيتلقوا جزاءهم عليها كما اقتضت إرادة الله وعدله.
فسبحان الذي خلق كل شيء وقدره تقديراً:
خلق الأرض وما فيها .. وخلق السماء ورفعها بلا عمد .. وأمسكها أن تقع على الأرض إلا بإذنه .. وخلق الفلك العظيم الذي لا تبدو له حدود معروفة .. والذي
تسبح فيه ملايين المليارات من الكواكب والنجوم والأجرام التي لا يحصيها إلا الله وحده.
هذه المخلوقات الكثيرة الضخمة، لا يلتقي فيها اثنان، ولا تصطدم منها مجموعة بمجموعة.
وكل هذه النجوم، وكل هذه الكواكب، تجري في هذا الفضاء الهائل بسرعات مخيفة، ولكنها في هذا الفضاء الهائل ذرات سابحة متباعدة لا تلتقي ولا تتصادم، لأنها في قبضة الله، خلقها بأمره، تبقى بأمره، وتسير بأمره، وتقف بأمره.
فسبحان من خلقها، وسبحان من دبرها، وسبحان من سيرها، وسبحان من نورها:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام: 102].