المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التواب ومن أسمائه الحسنى عز وجل: التواب. قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ - موسوعة فقه القلوب - جـ ١

[محمد بن إبراهيم التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفقه أسماء الله وصفاته

- ‌1 - فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

- ‌2 - فقه عظمة الرب

- ‌3 - فقه قدرة الرب

- ‌4 - فقه رحمة الرب

- ‌5 - فقه علم الرب

- ‌6 - فقه جمال الرب

- ‌7 - فقه أسماء الله الحسنى

- ‌الله…جل جلاله

- ‌الرحمن

- ‌الملك

- ‌القدوس

- ‌السلام

- ‌المؤمن

- ‌المهيمن

- ‌العزيز

- ‌الجبار

- ‌الكبير

- ‌الخالق

- ‌البارئ

- ‌المصور

- ‌الغفور

- ‌القاهر

- ‌الوهاب

- ‌الرزاق

- ‌الفتاح

- ‌العليم

- ‌السميع

- ‌البصير

- ‌الحكيم

- ‌اللطيف

- ‌الخبير

- ‌الحليم

- ‌العظيم

- ‌الشكور

- ‌العلي

- ‌الحفيظ

- ‌الرقيب

- ‌المقيت

- ‌الشهيد

- ‌الحاسب

- ‌الكريم

- ‌الواسع

- ‌المجيد

- ‌الرب

- ‌الودود

- ‌الحق

- ‌المبين

- ‌الوكيل

- ‌الكفيل

- ‌القوي

- ‌المتين

- ‌الولي

- ‌الحميد

- ‌الحي

- ‌القيوم

- ‌الواحد

- ‌الصّمد

- ‌القادر

- ‌الأول

- ‌الآخر

- ‌الظاهر

- ‌الباطن

- ‌البر

- ‌التواب

- ‌العفو

- ‌الرؤوف

- ‌الغني

- ‌الهادي

- ‌النور

- ‌البديع

- ‌الفاطر

- ‌المحيط

- ‌القريب

- ‌المستعان

- ‌المجيب

- ‌الناصر

- ‌الوارث

- ‌الغالب

- ‌الكافي

- ‌ذو الجلال والإكرام

- ‌ذو العرش

- ‌ذو المعارج

- ‌ذو الطول

- ‌ذو الفضل

- ‌الرفيق

- ‌الشافي

- ‌الطيب

- ‌السبوح

- ‌الجميل

- ‌الوِتر

- ‌المنان

- ‌الحيي

- ‌الستير

- ‌الديان

- ‌المحسن

- ‌السيد

- ‌المقدم والمؤخر

- ‌القابض والباسط

- ‌8 - فقه صفات الله وأفعاله

- ‌9 - فقه أحكام الأسماء والصفات

- ‌10 - فقه التعبد بأسماء الله وصفاته

- ‌الباب الثانيفقه الخلق والأمر

- ‌1 - فقه الخلق والأمر

- ‌2 - فقه أوامر الله الكونية والشرعية

- ‌3 - خلق الله للكون

- ‌4 - فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به

- ‌5 - فقه خَلق المخلوقات

- ‌1 - خلق العرش والكرسي

- ‌2 - خلق السموات

- ‌3 - خَلق الأرض

- ‌4 - خلق الشمس والقمر

- ‌5 - خلق النجوم

- ‌6 - خلق الليل والنهار

- ‌7 - خلق الملائكة

- ‌8 - خلق المياه والبحار

- ‌9 - خلق النبات

- ‌10 - خلق الحيوانات

- ‌11 - خلق الجبال

- ‌12 - خلق الرياح

- ‌13 - خلق النار

- ‌14 - خلق الجن

- ‌15 - خلق آدم

- ‌16 - خلق الإنسان

- ‌17 - خلق الروح

- ‌18 - خلق الدنيا والآخرة

- ‌البَابُ الثّالثفقه الفكر والاعتبار

- ‌1 - فقه الفكر والاعتبار

- ‌2 - فقه الفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌1 - الفكر والاعتبار في عظمة الله

- ‌2 - الفكر والاعتبار في قدرة الله

- ‌3 - الفكر والاعتبار في علم الله

- ‌3 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات الكونية

- ‌4 - فقه الفكر في نعم الله

- ‌5 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات القرآنية

- ‌1 - فقه التأمل والتفكر

- ‌2 - فقه التصريف والتدبير

- ‌3 - فقه الترغيب والترهيب

- ‌4 - فقه التوجيه والإرشاد

- ‌5 - فقه الوعد والوعيد

- ‌6 - فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر

- ‌البَابُ الرَّابعكتاب الإيمان

- ‌1 - فقه الإيمان بالله

- ‌1 - فقه الإحسان

- ‌2 - فقه اليقين

- ‌3 - فقه الإيمان بالغيب

- ‌4 - فقه الاستفادة من الإيمان

- ‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

- ‌3 - فقه الإيمان بالكتب

- ‌4 - فقه الإيمان بالرسل

- ‌5 - فقه الإيمان باليوم الآخر

- ‌6 - الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌1 - فقه الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌2 - فقه المشيئة والإرادة

- ‌3 - فقه خلق الأسباب

- ‌4 - فقه خلق الخير والشر

- ‌5 - فقه النعم والمصائب

- ‌6 - فقه الشهوات واللذات

- ‌7 - فقه السعادة والشقاوة

- ‌8 - فقه كون الحمد كله لله

- ‌9 - فقه الولاء والبراء

الفصل: ‌ ‌التواب ومن أسمائه الحسنى عز وجل: التواب. قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ

‌التواب

ومن أسمائه الحسنى عز وجل: التواب.

قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 37].

وقال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)} [التوبة: 104].

الله تبارك وتعالى هو التواب، الذي يتوب على من يشاء من عباده، ويقبل توبته، الذي كلما تكررت توبة العبد تكررمنه القبول، المعيد إلى عبده فضله ورحمته إذا هو رجع إلى طاعته، وندم على معصيته، الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الموفق من أحب منهم إلى ما يرضيه عنه.

وهو سبحانه التواب على من تاب إليه من عباده المذنبين، التارك مجازاته بعد توبته بما سلف من ذنبه.

وهو عز وجل التواب الرحيم، الذي يسر أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى، بما يظهر لهم من آياته، ويسوق إليهم من تنبيهاته، وما يطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته، حتى إذا اطلعوا وعرفوا غوائل الذنوب، استشعروا الخوف بتخويفه، فرجعوا إلى التوبة، فرجع إليهم فضل الله التواب بالقبول.

فالعبد تائب، والله تواب، وإذا تاب الله على العبد وفقه للتوبة، فتاب العبد، ثم قبل الله توبته، وغفر ذنبه:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} [البقرة: 37].

وهو سبحانه التواب، الذي من رأفته ورحمته أن مَنَّ على من شاء من عباده بالتوبة، وحببها لهم، وقبلها منهم، وثبتهم عليها، وأثابهم عليها، وتاب عليهم قبل أن يتوبوا كما قال سبحانه: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ

ص: 280

عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)} [التوبة: 118].

وهو سبحانه التواب، الذي لم يزل يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المنيبين، وسمى الله نفسه تواباً، لأنه خالق التوبة في قلوب عباده، الذي يسر لهم أسبابها، والراجع بهم من الطريق الذي يكره إلى الطريق الذي يرضى.

ولما كانت المعاصي متكررة من العباد، جاء بصيغة المبالغة (توّاب) ليقابل الخطايا الكثيرة، والذنوب العظيمة، بالتوبة الواسعة الدائمة.

ووصف تبارك وتعالى نفسه بالتواب مبالغة، لكثرة من يتوب عليه من العباد في مشارق الأرض ومغاربها، ولتكرره ذلك في الشخص الواحد، وتنوع الذنوب واختلافها:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)} [النور: 10].

وهو سبحانه التواب، الذي تفرد بقبول توبة التائبين من عباده، لا يشركه في ذلك أحد من خلقه، ولا يغفر الذنوب والخطايا إلا هو، وليس لأحد غير الله قدرة على خلق التوبة في قلب أحد من الناس.

وليس لأحد كذلك أن يقبل توبة من أسرف على نفسه، ولا أن يعفو عنه ذنوبه وآثامه، سوى الرب التواب وحده.

وقد كفر إليهود والنصارى بهذا الأصل العظيم في الدين، فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وجعلوا لمن أذنب من العباد أن يأتي الحبر أو الراهب فيعترف أمامه بالذنب، ويعطيه شيءاً من المال فيحط عنه ذنوبه.

وهذا من ضلالاتهم الكثيرة التي أضلوا بها الناس، وأكلوا بها أموال الناس بالباطل دهوراً طويلة كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34].

فما أعظم افتراء هؤلاء على ربهم، وما أشد ضلالهم عن الصراط المستقيم.

ص: 281

فلله كم لعب الشيطان بعقول هؤلاء فكذبوا؟، وبعقول أولئك فقبلوا؟، وكيف سفّه عقل الإنسان إلى هذه الدرجة؟.

وكيف أضل هؤلاء وهؤلاء بمكره وكيده؟: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النحل: 63].

ألا إن التوبة بيد الله وحده، ومغفرة الذنوب بيد الله وحده، فهو وحده الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات.

فكم تاب على التائبين؟ وكم غفر من ذنوب المستغفرين؟: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}

[آل عمران: 135].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إنَّك أنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» متفق عليه (1).

وهو سبحانه التواب الرحيم، الوهاب لعباده الإنابة إلى طاعته، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد التوبة، أو يخذل من أراد منهم التوبة فلا يتوب عليه.

وهو سبحانه التواب الحكيم، الذي لا يعاجل أهل المعاصي بالعقوبة، بل يمهلهم ليتوبوا إليه، ويرجعوا عن معاصيهم إليه، الحكيم الذي لا يفضح أهل الذنوب ابتداءً، بل يسترهم ليكون ذلك عوناً لهم على توبتهم، ولولا فضل الله ورحمته وحكمته لعاجل من عصاه بالعقوبة، وفضح أهل الذنوب بذنوبهم، ولكنه المولى الكريم، التواب الرحيم، ستر أهل الذنوب والمعاصي فضلاً منه ورحمة:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)} [النور: 10].

فسبحانه من تواب ما أكرمه .. ومن كريم ما أجوده .. ومن عظيم ما أرحمه.

والتوبة واجبة على كل عبد من جميع الذنوب، وهي ترك الذنب لقبحه، والندم

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (834)، ومسلم برقم (2705).

ص: 282

على ما فرط منه، والعزم على ترك العود إليه، وتدارك ما فاته من الأعمال بالإعادة، ورد المظالم والحقوق لأهلها، وأفضل الناس أحسنهم قياماً بها، وتكرارها والإكثار منها، فإذا تخلى العبد عنها صار ظالماً لنفسه، فالناس رجلان، تائب وظالم لا ثالث لهما:{وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11].

وقد أمرنا الله عز وجل بالتوبة، وعلق بها الفلاح فقال سبحانه:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} [النور: 31].

والتوبة لا يستغني عنها أحد من الخلق، لأنها ليست نقصاً، بل هي من الكمال الذي يحبه الله ويرضاه ويأمر به.

فالله عز وجل يبتلي عبده المؤمن بما يتوب منه، ليحصل له بذلك تكميل العبودية والتضرع، والخشوع لله، والإنابة إليه، فلا يكمل أحد ويحصل له كمال القرب من الله، ويزول عنه ما يكره إلا بها، والله يحب التوابين كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة: 222].

وقد أخبر الله عن عامة الأنبياء بالتوبة والاستغفار:

فقال آدم صلى الله عليه وسلم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23].

وقال نوح صلى الله عليه وسلم: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)} [هود: 47].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرَّةٍ» أخرجه مسلم (1).

ومحمد (أكمل الخلق، وأكرمهم على الله، والمقدم على الخلق كلهم في جميع أنواع الطاعات، وكان أصحابه يعدون له في المجلس الواحد مائة مرة من

(1) أخرجه مسلم برقم (2702).

ص: 283

قبل أن يقوم:

«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ» أخرجه أبو داود والترمذي (1).

فهو أفضل المحبين لله، وأفضل المتوكلين على الله، وأفضل العابدين له، وأفضل التائبين إليه، وتوبته أكمل من توبة غيره، ولهذا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبهذه العبودية التامة نال الشفاعة الكبرى في الخلق يوم القيامة.

فصلوات الله وسلامه على أنبياء الله ورسله، الذين هم أعرف الخلق بربهم، وأكملهم عبادة له، خاصة سيدهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم.

فما أجهل الإنسان بربه .. وما أظلمه لنفسه .. وما أشد إعراضه عن مولاه .. مع تواتر إحسان ربه إليه على مدى الأنفاس.

فسبحان التواب الرحيم، ذي الجود والإحسان، وذي العفو والصفح، الذي يخلق ويعبد غيره، ويرزق ويشكر سواه، الذي يتحبب إلى عباده بالنعم وهو الغني عنهم، ويتبغضون إليه بالمعاصي وهم أفقر شيء إليه.

فسبحانه ما أعظمه .. وسبحانه ما أكرمه .. وسبحانه ما أحلمه.

من تاب إليه تاب عليه، ومن تقرب إليه تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه ناداه من بعيد، ومن تصرف بحوله ألان له الحديد.

يشكر سبحانه وتعالى اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، رحمته سبقت غضبه، وحلمه سبق مؤاخذته، وعفوه سبق عقوبته، يحب توبة عبده، ويفرح بها أشد الفرح، ويدعوه إليها، ويعينه عليها، ويثيبه عليها:{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة: 74].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيرِهِ، قَدْ

(1) صحيح: أخرجه أبو داود برقم (1516) صحيح سنن أبي داود رقم (1342).

وأخرجه الترمذي برقم (3434) وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (2731).

ص: 284

أضَلَّهُ بِأرْضِ فَلاةٍ» متفق عليه (1).

وهذه فرحة إحسان وبر ولطف، لا فرحة محتاج إلى توبة عبده، منتفع بها، وكذلك موالاته لعبده إحساناً إليه، ومحبة له، وبراً به، لا يتكثر به من قلة، ولا يتعزز به من ذلة، ولا ينتصر به من غلبة، ولا يستعين به في أمر، بل له سبحانه الملك وله الحمد، وله الخلق والأمر:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} [الإسراء: 111].

فاللهم: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)} [آل عمران: 147].

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6309)، ومسلم برقم (2747) واللفظ له.

ص: 285