المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الملك ومن أسمائه الحسنى عز وجل: الملك، والمالك، والمليك. قال الله تعالى: - موسوعة فقه القلوب - جـ ١

[محمد بن إبراهيم التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفقه أسماء الله وصفاته

- ‌1 - فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

- ‌2 - فقه عظمة الرب

- ‌3 - فقه قدرة الرب

- ‌4 - فقه رحمة الرب

- ‌5 - فقه علم الرب

- ‌6 - فقه جمال الرب

- ‌7 - فقه أسماء الله الحسنى

- ‌الله…جل جلاله

- ‌الرحمن

- ‌الملك

- ‌القدوس

- ‌السلام

- ‌المؤمن

- ‌المهيمن

- ‌العزيز

- ‌الجبار

- ‌الكبير

- ‌الخالق

- ‌البارئ

- ‌المصور

- ‌الغفور

- ‌القاهر

- ‌الوهاب

- ‌الرزاق

- ‌الفتاح

- ‌العليم

- ‌السميع

- ‌البصير

- ‌الحكيم

- ‌اللطيف

- ‌الخبير

- ‌الحليم

- ‌العظيم

- ‌الشكور

- ‌العلي

- ‌الحفيظ

- ‌الرقيب

- ‌المقيت

- ‌الشهيد

- ‌الحاسب

- ‌الكريم

- ‌الواسع

- ‌المجيد

- ‌الرب

- ‌الودود

- ‌الحق

- ‌المبين

- ‌الوكيل

- ‌الكفيل

- ‌القوي

- ‌المتين

- ‌الولي

- ‌الحميد

- ‌الحي

- ‌القيوم

- ‌الواحد

- ‌الصّمد

- ‌القادر

- ‌الأول

- ‌الآخر

- ‌الظاهر

- ‌الباطن

- ‌البر

- ‌التواب

- ‌العفو

- ‌الرؤوف

- ‌الغني

- ‌الهادي

- ‌النور

- ‌البديع

- ‌الفاطر

- ‌المحيط

- ‌القريب

- ‌المستعان

- ‌المجيب

- ‌الناصر

- ‌الوارث

- ‌الغالب

- ‌الكافي

- ‌ذو الجلال والإكرام

- ‌ذو العرش

- ‌ذو المعارج

- ‌ذو الطول

- ‌ذو الفضل

- ‌الرفيق

- ‌الشافي

- ‌الطيب

- ‌السبوح

- ‌الجميل

- ‌الوِتر

- ‌المنان

- ‌الحيي

- ‌الستير

- ‌الديان

- ‌المحسن

- ‌السيد

- ‌المقدم والمؤخر

- ‌القابض والباسط

- ‌8 - فقه صفات الله وأفعاله

- ‌9 - فقه أحكام الأسماء والصفات

- ‌10 - فقه التعبد بأسماء الله وصفاته

- ‌الباب الثانيفقه الخلق والأمر

- ‌1 - فقه الخلق والأمر

- ‌2 - فقه أوامر الله الكونية والشرعية

- ‌3 - خلق الله للكون

- ‌4 - فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به

- ‌5 - فقه خَلق المخلوقات

- ‌1 - خلق العرش والكرسي

- ‌2 - خلق السموات

- ‌3 - خَلق الأرض

- ‌4 - خلق الشمس والقمر

- ‌5 - خلق النجوم

- ‌6 - خلق الليل والنهار

- ‌7 - خلق الملائكة

- ‌8 - خلق المياه والبحار

- ‌9 - خلق النبات

- ‌10 - خلق الحيوانات

- ‌11 - خلق الجبال

- ‌12 - خلق الرياح

- ‌13 - خلق النار

- ‌14 - خلق الجن

- ‌15 - خلق آدم

- ‌16 - خلق الإنسان

- ‌17 - خلق الروح

- ‌18 - خلق الدنيا والآخرة

- ‌البَابُ الثّالثفقه الفكر والاعتبار

- ‌1 - فقه الفكر والاعتبار

- ‌2 - فقه الفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌1 - الفكر والاعتبار في عظمة الله

- ‌2 - الفكر والاعتبار في قدرة الله

- ‌3 - الفكر والاعتبار في علم الله

- ‌3 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات الكونية

- ‌4 - فقه الفكر في نعم الله

- ‌5 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات القرآنية

- ‌1 - فقه التأمل والتفكر

- ‌2 - فقه التصريف والتدبير

- ‌3 - فقه الترغيب والترهيب

- ‌4 - فقه التوجيه والإرشاد

- ‌5 - فقه الوعد والوعيد

- ‌6 - فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر

- ‌البَابُ الرَّابعكتاب الإيمان

- ‌1 - فقه الإيمان بالله

- ‌1 - فقه الإحسان

- ‌2 - فقه اليقين

- ‌3 - فقه الإيمان بالغيب

- ‌4 - فقه الاستفادة من الإيمان

- ‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

- ‌3 - فقه الإيمان بالكتب

- ‌4 - فقه الإيمان بالرسل

- ‌5 - فقه الإيمان باليوم الآخر

- ‌6 - الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌1 - فقه الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌2 - فقه المشيئة والإرادة

- ‌3 - فقه خلق الأسباب

- ‌4 - فقه خلق الخير والشر

- ‌5 - فقه النعم والمصائب

- ‌6 - فقه الشهوات واللذات

- ‌7 - فقه السعادة والشقاوة

- ‌8 - فقه كون الحمد كله لله

- ‌9 - فقه الولاء والبراء

الفصل: ‌ ‌الملك ومن أسمائه الحسنى عز وجل: الملك، والمالك، والمليك. قال الله تعالى:

‌الملك

ومن أسمائه الحسنى عز وجل: الملك، والمالك، والمليك.

قال الله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116].

وقال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران:26].

وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54، 55].

الله تبارك وتعالى هو الملك الذي له ملك السموات والأرض وما فيهن، والملك هو النافذ الأمر في ملكه، والملك أعم من المالك، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه.

والله جل جلاله هو الملك الذي يملك كل شيء، وهو مالك المالكين كلهم، وما يملكون كله، وإنما استفادوا التملك والتصرف في أملاكهم من جهته سبحانه، فهو الذي خلقهم وملَّكهم ما هم فيه.

فهو سبحانه ملك الملوك، ومالك الملك، ومالك الممالك، له الملك كله في الدنيا والآخرة، وله ملك السموات والأرض، وما فيهن من الملائكة والملوك والممالك والمماليك.

وسائر المخلوقات في العالم العلوي والعالم السفلي ملكه:

من شمس وقمر، وليل ونهار، وكواكب ونجوم، وملائكة وأرواح، وإنس وجن، وطير وحيوان، وجماد ونبات، وبحار وأنهار، وسحب ومياه، وتراب وجبال، وهواء ورياح، وغير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه، أو الوقوف على آحاده:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}

[المائدة: 120].

والله جل جلاله هو الواحد القهار، المالك لجميع المخلوقات قاطبة، المتصرف

ص: 140

فيها بلا ممانعة ولا مدافعة، ملكه كبير عظيم واسع، وقدرته في ملكه تامة مطلقة، فلا يعجزه شيء:{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)} [الحديد: 2].

وهو سبحانه الملك الحق، الحي القيوم، القادر الذي لا يثقل عليه، ولا يعجزه حفظ هذا الملك العظيم، الواسع الكبير:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة: 255].

والله تبارك وتعالى هو الغني الذي يملك كل شيء، وبيده كل شيء، وله كل شيء، وهو المالك لخزائن السموات والأرض، ينفق كيف يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء:{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)} [المنافقون: 7].

والله جل جلاله هو الملك الذي يتصرف في ملكه كيف يشاء، وكل يوم هو في شأن، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويخفض آخرين، ويفعل ما يشاء:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}

[آل عمران: 26، 27].

والله عز وجل مالك يوم الدين، والملك في ذلك اليوم العظيم لله الواحد القهار، لا ينازعه فيه أحد من ملوك الدنيا وجبابرتها:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)} [الفرقان: 26].

فيحكم الملك الحق في ذلك اليوم بالحكم الذي لا يجور، ولا يظلم أحداً مثقال ذرة، ويجازي المحسن بإحسانه، ويجازي المسئ بإساءته.

عَنْ عبد اللهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ: أنَّ الله يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى

ص: 141

إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أنَا الْمَلِكُ.

فَضَحِكَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقاً لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزمر:67]» متفق عليه (1).

والله سبحانه من كمال ملكه كمال رحمته، وكمال قدرته كما قال سبحانه:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 2 - 4].

ومن الرحمة للخلق أن الله سبحانه مالك يوم الدين وحده، وله الملك يوم القيامة وحده، لأنه الذي يحاسب بالعدل والإحسان، ويعفو ويسامح، ويغفر ويستر، ولا يظلم ولا يجور:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} [غافر: 17].

والله تبارك وتعالى هو الملك الحق، وله الملك في السموات والأرض، وله الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة، والعزة والقوة:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)}

[الحشر: 23].

وصفة الملك تستلزم سائر صفات الكمال:

فالملك الحقيقي التام يستلزم الحياة المطلقة .. والقدرة التامة .. والعلم الشامل .. والإرادة النافذة .. ويستلزم السمع والبصر .. والكمال والفعل .. وغير ذلك من صفات الكمال والجلال والجمال.

فالله سبحانه هو الملك القوي القادر القاهر، الذي يدبر الأمر، ويصرف الأحوال، ويقلب الليل والنهار، ويفعل ما يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ملك عظيم قادر حكيم:

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4811) واللفظ له، ومسلم برقم (2786).

ص: 142

يأمر وينهى .. ويثيب ويعاقب .. ويعطي ويمنع .. ويعز ويذل .. ويكرم ويهين .. وينعم وينتقم .. ويخفض ويرفع .. ويحيي ويميت .. ويرسل الرسل إلى أقطار مملكته .. ويحكم عباده بأمره وشرعه، ويتقدم إليهم بأمره ونهيه، ويعمهم بفضله ورحمته:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)} [الفتح: 14].

فسبحانه لا إله غيره، ولا رب سواه.

له الحمد على ملكه العظيم، وله الحمد على فضله الكبير، وله الحمد على رحمته الواسعة، وله الحمد على آلائه ونعمه السابغة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)} [سبأ: 1].

وكمال ملكه سبحانه لا بد أن يكون مقروناً بكمال حمده، وعموم حمده يستلزم ألا يكون في خلقه وأمره مالا حكمة فيه، وهو سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأحسن الخالقين.

فلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

وإذا كان المُلك المطلق إنما هو لله وحده لا شريك له، فالطاعة المطلقة إنما هي له وحده لا شريك له، لأن ما سواه من ملوك الأرض وغيرهم إنما هم عبيد له، وتحت أمره وقهره، فلا بد من تقديم طاعة الملك الحق على طاعة من سواه، وتقديم حكمه على حكم غيره، ولا طاعة لأحد إلا في حدود طاعته، أما في معصيته فلا سمع ولا طاعة لأحد كائناً من كان.

وقد يسمى بعض المخلوقين ملكاً إذا اتسع ملكه، إلاأن الذي يستحق هذا الاسم على وجه الكمال هو الله جل جلاله، لأنه مالك الملك، وليس ذلك لأحد غيره سبحانه.

والمخلوقات كلها مملوكة لله، محتاجة إليه، لا تملك من السموات والأرض شيئاً، ولا مثقال ذرة، ولا تنفع أحداً ولا تضره إلا بإذن الله سبحانه: {قُلْ

ص: 143

أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة: 76].

ومن الناس من يطغى، ويظن أنه المالك الحقيقي، وينسى أنه مستخلف فقط فيما آتاه الله من ملك ومال، وجاه وسلطان، فيتكبر ويتجبر، ويظلم الناس بغير حق، ويفسد في الأرض كما قال فرعون لقومه:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)} [الزخرف:51].

وقال لقومه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)} [النازعات: 24].

فلما جنى هذه الجناية العظمى، ودعا قومه إلى هذه الضلالة الكبرى، واستجابوا له عاقبهم الله وأغرقهم جميعاً:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)} [الزخرف: 54 - 56].

وإهلاك الله عز وجل لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم متكبر من ملوك الأرض، تفرعن على الناس فيما آتاه الله من ملك، وظن أنه مخلد، ونسي أن ملكه زائل، وأن إقامته في ملكه مؤقتة، وإن ربك لبالمرصاد لكل طاغية.

فسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وتبارك:{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)} [البروج: 9].

والله تبارك وتعالى هو الملك الحق، والملك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي، ويتصرف في خلقه وأمره كما يشاء، فمن ظن أن الله عز وجل خلق خلقه عبثاً لم يأمرهم ولم ينههم، فقد طعن في ملكه، ولم يقدره حق قدره:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)} [الأنعام: 91].

فكل من جحد شرع الله، وأمره ونهيه، وجعل الخلق بمنزلة الأنعام المهملة، فقد

ص: 144

طعن في ملك الله، ولم يقدره حق قدره.

وكونه تعالى إله الخلق يقتضي كمال ذاته وأسمائه وصفاته، ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه وأتمها، فكما أن ذاته الحق، فقوله الحق، ووعده الحق، وأمره الحق، ولقاؤه حق، والجنة حق، والنار حق، وأفعاله كلها حق، فمن أنكر شيئاً من ذلك فما وصف الله بأنه الحق.

وكيف يظن أحد بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثاً، وأن يتركهم سدى، لا يأمرهم ولا ينهاهم، ولا يثيبهم ولا يعاقبهم؟:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 115 - 116].

وهو سبحانه الملك الذي خلق الممالك كلها، المتصرف فيها كيف يشاء وحده، تصرف ملك قاهر عادل رحيم تام الملك، لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارضه فيه معارض.

وتصرفه سبحانه في ملكه دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة، والرحمة والمغفرة، لا يخرج تصرفه عن ذلك:{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية: 36، 37].

والله تبارك وتعالى هو الملك الذي له ملك كل شيء، وله ملك السموات والأرض، وله وحده الملكية الشاملة المطلقة في هذا الكون، والناس ليس لهم ملكيةً ابتداءً لشيء، إنما لهم استخلاف من الملك الواحد الذي يملك كل شيء، ويستخلف من يشاء، وعليهم أن يخضعوا في خلافتهم لشروط المالك الذي استخلفهم، فإن خالفوا فإن الله سيسألهم ويحاسبهم ويعاقبهم.

فالله أعطى آل إبراهيم الملك والنبوة والكتاب، وآتى فرعون الملك والسيادة، وابتلى هذا .. وابتلى ذاك، فخسر هذا .. وفاز ذاك كما قال سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

ص: 145

وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} [النساء: 54 - 55].

فسبحان الملك الذي بيده ملكوت كل شيء، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، وله ملك السموات والأرض وما بينهما، وله العزة والكبرياء، وله القهر والسيطرة المطلقة على هذا الكون العظيم، سيطرة الملكية والاستعلاء، وسيطرة التصريف والتدبير، وسيطرة التبديل والتغيير.

باقٍ لا يفنى، قوي لا يغلب، عدل لا يظلم، جبار لا يقهر، قادر لا يعجزه شيء، غني لا يحتاج إلى شيء.

واحد لا شريك له في ملكه وخلقه وتدبيره: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} [الفرقان: 1، 2].

سبحانه وتعالى خلق كل شيء فقدره تقديراً .. قدر حجمه وشكله .. وقدر وظيفته وعمله .. وقدر مكانه وزمانه .. وقدر بقاءه وفناءه.

فله الحمد على ملكه العظيم .. وله الشكر على عطائه الجزيل.

«اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ.

اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، أنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلا أنْتَ، أوْ: لا إلَهَ غَيْرُكَ» متفق عليه (1).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1120) واللفظ له، ومسلم برقم (769).

ص: 146