المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفقه أسماء الله وصفاته

- ‌1 - فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

- ‌2 - فقه عظمة الرب

- ‌3 - فقه قدرة الرب

- ‌4 - فقه رحمة الرب

- ‌5 - فقه علم الرب

- ‌6 - فقه جمال الرب

- ‌7 - فقه أسماء الله الحسنى

- ‌الله…جل جلاله

- ‌الرحمن

- ‌الملك

- ‌القدوس

- ‌السلام

- ‌المؤمن

- ‌المهيمن

- ‌العزيز

- ‌الجبار

- ‌الكبير

- ‌الخالق

- ‌البارئ

- ‌المصور

- ‌الغفور

- ‌القاهر

- ‌الوهاب

- ‌الرزاق

- ‌الفتاح

- ‌العليم

- ‌السميع

- ‌البصير

- ‌الحكيم

- ‌اللطيف

- ‌الخبير

- ‌الحليم

- ‌العظيم

- ‌الشكور

- ‌العلي

- ‌الحفيظ

- ‌الرقيب

- ‌المقيت

- ‌الشهيد

- ‌الحاسب

- ‌الكريم

- ‌الواسع

- ‌المجيد

- ‌الرب

- ‌الودود

- ‌الحق

- ‌المبين

- ‌الوكيل

- ‌الكفيل

- ‌القوي

- ‌المتين

- ‌الولي

- ‌الحميد

- ‌الحي

- ‌القيوم

- ‌الواحد

- ‌الصّمد

- ‌القادر

- ‌الأول

- ‌الآخر

- ‌الظاهر

- ‌الباطن

- ‌البر

- ‌التواب

- ‌العفو

- ‌الرؤوف

- ‌الغني

- ‌الهادي

- ‌النور

- ‌البديع

- ‌الفاطر

- ‌المحيط

- ‌القريب

- ‌المستعان

- ‌المجيب

- ‌الناصر

- ‌الوارث

- ‌الغالب

- ‌الكافي

- ‌ذو الجلال والإكرام

- ‌ذو العرش

- ‌ذو المعارج

- ‌ذو الطول

- ‌ذو الفضل

- ‌الرفيق

- ‌الشافي

- ‌الطيب

- ‌السبوح

- ‌الجميل

- ‌الوِتر

- ‌المنان

- ‌الحيي

- ‌الستير

- ‌الديان

- ‌المحسن

- ‌السيد

- ‌المقدم والمؤخر

- ‌القابض والباسط

- ‌8 - فقه صفات الله وأفعاله

- ‌9 - فقه أحكام الأسماء والصفات

- ‌10 - فقه التعبد بأسماء الله وصفاته

- ‌الباب الثانيفقه الخلق والأمر

- ‌1 - فقه الخلق والأمر

- ‌2 - فقه أوامر الله الكونية والشرعية

- ‌3 - خلق الله للكون

- ‌4 - فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به

- ‌5 - فقه خَلق المخلوقات

- ‌1 - خلق العرش والكرسي

- ‌2 - خلق السموات

- ‌3 - خَلق الأرض

- ‌4 - خلق الشمس والقمر

- ‌5 - خلق النجوم

- ‌6 - خلق الليل والنهار

- ‌7 - خلق الملائكة

- ‌8 - خلق المياه والبحار

- ‌9 - خلق النبات

- ‌10 - خلق الحيوانات

- ‌11 - خلق الجبال

- ‌12 - خلق الرياح

- ‌13 - خلق النار

- ‌14 - خلق الجن

- ‌15 - خلق آدم

- ‌16 - خلق الإنسان

- ‌17 - خلق الروح

- ‌18 - خلق الدنيا والآخرة

- ‌البَابُ الثّالثفقه الفكر والاعتبار

- ‌1 - فقه الفكر والاعتبار

- ‌2 - فقه الفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌1 - الفكر والاعتبار في عظمة الله

- ‌2 - الفكر والاعتبار في قدرة الله

- ‌3 - الفكر والاعتبار في علم الله

- ‌3 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات الكونية

- ‌4 - فقه الفكر في نعم الله

- ‌5 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات القرآنية

- ‌1 - فقه التأمل والتفكر

- ‌2 - فقه التصريف والتدبير

- ‌3 - فقه الترغيب والترهيب

- ‌4 - فقه التوجيه والإرشاد

- ‌5 - فقه الوعد والوعيد

- ‌6 - فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر

- ‌البَابُ الرَّابعكتاب الإيمان

- ‌1 - فقه الإيمان بالله

- ‌1 - فقه الإحسان

- ‌2 - فقه اليقين

- ‌3 - فقه الإيمان بالغيب

- ‌4 - فقه الاستفادة من الإيمان

- ‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

- ‌3 - فقه الإيمان بالكتب

- ‌4 - فقه الإيمان بالرسل

- ‌5 - فقه الإيمان باليوم الآخر

- ‌6 - الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌1 - فقه الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌2 - فقه المشيئة والإرادة

- ‌3 - فقه خلق الأسباب

- ‌4 - فقه خلق الخير والشر

- ‌5 - فقه النعم والمصائب

- ‌6 - فقه الشهوات واللذات

- ‌7 - فقه السعادة والشقاوة

- ‌8 - فقه كون الحمد كله لله

- ‌9 - فقه الولاء والبراء

الفصل: ‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر: 1].

وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة: 285].

الله تبارك وتعالى خلق جميع الكائنات:

خلق السموات والأرض .. وخلق الشمس والقمر .. وخلق الليل والنهار .. وخلق ما نراه وما لا نراه.

فخلق الدنيا والآخرة .. وخلق الأجساد والأرواح .. وخلق الإنس والجن .. وخلق الملائكة.

والملائكة خلق عظيم من خلق الله خلقهم الله من نور.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُم» أخرجه مسلم (1).

والملائكة من حيث الرتبة عباد مكرمون.

وهم من حيث الطاعة لله منحهم الله عز وجل الانقياد التام لأمره، وأعطاهم القدرة على تنفيذه، وجبلهم على الطاعة فهم:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].

وهم من حيث العمل يعبدون الله ويسبحونه على الدوام: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 19، 20].

وهم من حيث العدد خلق كثير لا يحصيهم إلا الله جل جلاله.

(1) أخرجه مسلم برقم (2996).

ص: 826

منهم حملة العرش .. ومنهم الذين حول العرش .. ومنهم ملائكة السموات .. فالسموات السبع كل سماء مملوءة بالملائكة .. بل ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد لله .. يصلي منهم كل يوم في البيت المعمور فوق السماء السابعة سبعون ألف ملك، فإذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم.

ففي قصة المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى السماء السابعة قال: «فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَألْتُ جِبْرِيلَ فَقال: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» متفق عليه (1).

والملائكة عالم غيبي لا يحصيهم إلا الله منهم من أعلمنا الله بأسمائهم وأعمالهم، ومنهم من اختص الله بعلمهم.

فنؤمن بمن سمى الله منهم كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ومالك خازن النار، ورضوان خازن الجنة، ومن لم نعلم اسمه منهم نؤمن بهم إجمالاً.

والملائكة كغيرهم من المخلوقات:

متفاوتون في الخلق .. متفاوتون في الصفات .. متفاوتون في الأعمال .. جعلهم الله رسلاً في تدبير أوامره القدرية .. ورسلاً بينه وبين خلقه في تبليغ أوامره الدينية لرسله وأنبيائه.

ومنحهم سبحانه من القوة والقدرة ما يستطيعون به تنفيذ أوامر ربهم في أسرع وقت.

فقوة جميع الخلائق كلها لا تساوي قوة ملك من الملائكة، فكيف بقوة جميع الملائكة؟، فكيف بقوة من خلقهم سبحانه؟.

فإسرافيل (ملك من الملائكة وكله الله بالنفخ في الصور، والصور قرن كالبوق، وبنفخة واحدة منه يصعق من في السموات السبع ومن في الأرضين السبع.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3207) واللفظ له، ومسلم برقم (162).

ص: 827

فهذه نفخة الصعق.

ثم ينفخ في الصور نفخة البعث، فإذا الخلائق كلهم قيام ينظرون.

بنفخة واحدة يصعق من في العالم العلوي، ومن في العالم السفلي، إلا من شاء الله.

وبنفخة أخرى يقومون لرب العالمين كما قال سبحانه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر: 68].

فهاتان نفختان من إسرافيل، بالأولى مات من في العالم، وبالأخرى دبت الحياة في جميع من في العالم.

فماذا يملك إسرافيل من النفخات؟.

وإذا كانت هذه قوة نفخته، فكم تكون قوة جسده؟.

وكم تكون قوة من خلقه وأمره جل جلاله؟.

فسبحان العزيز الجبار الكبير المتعال الذي قهر جميع الخلائق، وخلق القوة في كل قوي:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)} [هود: 66].

وجبريل صلى الله عليه وسلم ملك من الملائكة وكله الله بالوحي إلى الأنبياء، خلق الله له ستمائة جناح، جناح واحد منها لما نشره سد الأفق.

وبطرف جناحه قلع خمس قرى من قرى قوم لوط بما فيها من المخلوقات والجبال ثم رفعها إلى السماء، ثم قلبها عليهم بأمر الله عز وجل.

وإذا كانت هذه قوة طرف جناحه، فكم قوة كامل جناحه؟.

وكم قوة وعظمة أجنحته الستمائة التي خلقها الله له؟.

وإذا كانت هذه قوة طرف جناحه .. فكم تكون قوة جميع أجنحته؟ .. وكم تكون قوة جسده؟.

فكيف بقوة خالقه العزيز الجبار جل جلاله؟.

ص: 828

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح. متفق عليه (1).

وميكائيل صلى الله عليه وسلم ملك من الملائكة وكله الله بالقطر والنبات الذي به حياة الأبدان، فكم من المياه يكيلها ويفرقها في العالم بأمر الله؟، وكم من الأرزاق التي يكيلها للخلائق كل يوم بأمر الله؟.

فسبحان من أعطاه القدرة على معرفتها وقسمتها وتوزيعها في العالم.

وأحد حملة العرش خلقه الله ما بين شحمة أذنه ومنكبه مسيرة سبعمائة عام.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود (2).

وإذا كانت المسافة من الأذن إلى العاتق سبعمائة سنة، فكم تكون المسافة من رأسه إلى رجليه؟.

وكم تكون قوة هذا الملك الذي يحمل العرش الذي السموات والأرض بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في أرض فلاة؟.

وكم عظمة العرش الذي هذا الملك أحد حملته؟.

فكيف بقوة وعظمة الذي خلق العرش وخلق حملته، وخلق جميع ما في الكون؟.

فما أجهلنا بالرب وأسمائه وصفاته .. وما أجرأنا على معصية أوامره.

فاللهم: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23].

وخلق الملائكة سابق على خلق آدم أبي البشر، ولما كانت أجسام الملائكة نورانية لطيفة، فإن البشر لا يستطيعون رؤيتهم إلا إذا تمثلوا في صورة بشر.

ولم ير الملائكة من هذه الأمة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه رأى جبريل مرتين في

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4857) واللفظ له، ومسلم برقم (174).

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود برقم (4727)، صحيح سنن أبي داود رقم (3953).

انظر السلسلة الصحيحة رقم (151).

ص: 829

صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق.

والملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار.

فبعض الملائكة له جناحان .. وبعضهم له ثلاثة .. وبعضهم له أربعة .. وجبريل له ستمائة جناح.

وفي خلقهم يقول سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر: 1].

ومقاماتهم عند ربهم متفاوتة معلومة كما قال سبحانه: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات: 164 - 166].

وقال سبحانه في جبريل صلى الله عليه وسلم: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)} [التكوير: 19، 20].

ومنازل الملائكة ومساكنهم في السماء، وينزلون إلى الأرض بأمر الله، لتنفيذ مهمات أوكلت إليهم كما قال جبريل:{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم: 64].

ويكثر نزولهم في مناسبات وأوقات خاصة كليلة القدر التي: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} [القدر: 4].

والملائكة يموتون عند النفخ في الصور كما يموت الإنس والجن، وتقبض أرواحهم حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحي القيوم بالبقاء كما قال سبحانه:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88].

والملائكة أنصح خلق الله وأنفعهم لبني آدم، وعلى أيديهم حصل لهم كل سعادة وعلم وهدى، يستغفرون لمسيئهم، ويثنون على مؤمنيهم، ويدعون لهم، ويعينونهم على أعدائهم من الكفار والشياطين.

والشياطين أغش خلق الله لعباده، وعلى أيديهم حصل لهم كل شر وإضلال وغواية وإفساد.

ص: 830

والملائكة أهل طاعة مطلقة، فقد كانوا أولى الخلق بالطمأنينة، ولكنهم دائبون في تسبيح ربهم واستغفاره:

استدراراً لمغفرته ورحمته .. ولما يحسون من علوه وعظمته .. ولما يعلمون من جماله وجلاله .. ولما يخشون من التقصير في طاعته وحمده.

بينما أهل الأرض المقصرون الضعاف يكفرون وينحرفون في أقوالهم وأفعالهم، حتى إن السموات ليكدن يتفطرن من فوقهن من شذوذ بعض أهل الأرض، وإشراكهم بالله وكفرهم به.

بينما الملائكة الكرام يستغفرون لمن في الأرض جميعاً من هذه الفعلة الشنعاء التي جاء بها بعض المنحرفين: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)} [الشورى: 5].

فتشفق الملائكة من غضب الله، ويروحون يستغفرون لأهل الأرض، مما يقع في الأرض من معصية وتقصير لفاطر السموات والأرض، ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، كما أخبر الله عنهم بقوله:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7].

وقد وكل الله بالعرش ملائكة يحملونه .. وملائكة حوله يطوفون به .. لهم زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم لربهم .. صافون لا يسأمون ولا يفترون عن العبادة لربهم .. لا يغشاهم نوم العيون .. ولا سهو العقول .. ولا فترة الأبدان .. ولا غفلة النسيان .. ولا شراب ولا طعام.

يا حسرة على العباد ماذا علموا، وماذا جهلوا، من عظمة الرب وقدرته وجلاله وجماله وكبريائه؟.

وما الذي غرهم حتى أعرضوا عن ربهم، فعصوه وأطاعوا عدوه؟.

ص: 831

{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فصلت: 38].

وقد وكل الله سبحانه بالرياح ملائكة تصرفها بأمره .. ووكل بالقطر ملائكة .. ووكل بالسحاب ملائكة تسوقه وتفرغه حيث أمرت .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتاً فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ» أخرجه مسلم (1).

ووكل سبحانه بالجبال ملائكة يقومون عليها .. ويحركونها ويرفعونها بأمر الله.

ووكل سبحانه بالرحمة ملائكة .. ووكل بالعذاب ملائكة .. ووكل بالوحي ملائكة يؤدونه إلى أنبيائه ورسله كما قال سبحانه: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)} [النحل: 2].

ووكل سبحانه بالجنة ملائكة يبنونها ويفرشونها .. ويصنعون أرائكها وسررها .. وصحافها ونمارقها .. وزرابيها وقصورها.

ووكل بالنار ملائكة يبنونها، ويوقدونها ويسجرونها .. ويصنعون أغلالها وسلاسلها .. ويقومون بأمرها:{عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].

ووكل سبحانه بالبحار ملائكة تسجرها وتمنعها أن تفيض على الأرض فتغرق أهلها.

ووكل جل جلاله ملائكة بأعمال بني آدم .. خيرها وشرها .. تحصيها وتحفظها وتكتبها كما قال سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق: 18].

وقال سبحانه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف: 80].

فالإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الذي لا يتم إلا به، وهي:

(1) أخرجه مسلم برقم (2984).

ص: 832

الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

وإذا عرفنا ذلك فيجب أن نعلم أن كل حركة في العالم العلوي والسفلي فسببها الملائكة، وحركتهم طاعة الله بأمره وإرادته، فيرجع الأمر كله إلى تنفيذ مراد الرب تعالى شرعاً وقدراً، والملائكة هم المنفذون ذلك بأمره. فهم رسل الله في تنفيذ أوامره في ملكه:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} [الأنبياء: 27، 28].

وجميع حركات العالم العلوي والسفلي تابعة للإرادة والمحبة، وبها تحرك العالم ولأجلها، فما تحرك في العالم العلوي والسفلي إلا والإرادة والمحبة سببها وغايتها.

والملائكة هم المقسمات أمر الله الذي أمرت به بين خلقه كما قال سبحانه: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)} [الذاريات: 4].

وهم المدبرات أمر الخلائق بأمر الله كما قال سبحانه: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات: 5].

فالملائكة تقسم الأمر وتدبره بإذن الله، وكل منهم قد جعله الله على تدبير أمر من أمور الدنيا، وأمور الآخرة، لا يتعدى منه ما قدر له، ولا ينقص منه.

فالملائكة ينفذون أوامر الله في خلقه:

في كل حال، وفي كل وقت، وفي كل مكان، وفي كل مخلوق .. لايعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

فجبريل صلى الله عليه وسلم ينزل بالوحي على الرسل والأنبياء، ويقسم العذاب وأنواع العقوبة على من خالف أمر الله ورسله.

وميكائيل صلى الله عليه وسلم على القطر والنبات والبرد والثلج، يقسمهما بأمر الله على البلاد والعباد، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

وملك الموت صلى الله عليه وسلم يقسم المنايا بين الخلق بأمر الله، فلا يفر من الموت أحد، ولا

ص: 833

يموت أحد قبل أجله، ثم إلى ربهم يحشرون.

وإسرافيل يقسم الأرواح على أبدانها عند النفخ في الصور.

فتدبير أمر العالم العلوي والسفلي إنما هو بأمر الله، على أيدي الملائكة الذين يدبر الله بهم أمر العالم.

هذا مع ما في خلق الملائكة من البهاء والحسن، وما فيهم من القوة والشدة، ولطافة الجسم، وحسن الخلق وكمال الانقياد لأمر الله، والقيام بعبادته، وتنفيذ أوامره في أقطار العالم.

وكل حركة في السموات والأرض من حركات الأفلاك والنجوم، والشمس والقمر، والرياح والسحاب، والنبات والحيوان، والتراب والجبال، فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسموات والأرض ومن فيهن كما قال سبحانه:{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات: 5].

والقرآن العظيم كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين جبريل على قلب سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

وأضاف الله القرآن إلى الرسول الملكي وهو جبريل تارة فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير: 19 - 21].

وأضافه إلى الرسول البشري محمد صلى الله عليه وسلم تارة كما قال سبحانه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)} [الحاقة: 40 - 43].

وإضافة القرآن إلى كل واحد من الرسولين الملكي والبشري إضافة تبليغ لا إضافة إنشاء من عنده، فهو كلام الله الذي تكلم به حقاً، وجبريل سمعه من الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والأمة سمعته وبلغها من محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد وصف الله رسوله الملكي جبريل بأنه كريم .. قوي .. مكين عند الرب تعالى .. مطاع في السموات .. أمين.

فهذه خمس صفات تتضمن تزكية سند القرآن الكريم، فهذا الملك الذي ألقى

ص: 834

القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ملك كريم جميل المنظر كثير الخير.

وكل خير في الأرض من هدى وعلم، ومعرفة وإيمان، وتقوى وبر، فهو مما أجراه ربه على يده، وهذا غاية الكرم.

وهو ذو قوة، فبقوته يمنع الشياطين أن تدنوا منه، وأن ينالوا منه شيئاً، وأن يزيدوا في القرآن أو ينقصوا منه.

وهو قادر على تنفيذ ما أمر به لقوته، مؤد له كما أمر به لأمانته.

فهو القوي الأمين الذي تطيعه أملاك السموات فيما يأمرهم به عن الله تعالى، وله مكانة ووجاهة عند ربه، وهو أقرب الملائكة إليه، ولعلو منزلته صار قريباً من ذي العرش سبحانه.

فمحمد صلى الله عليه وسلم مطاع في الأرض .. وجبريل صلى الله عليه وسلم مطاع في السماء .. فكل من الرسولين مطاع في محله وقومه.

ووصف الله عبده ورسوله جبريل صلى الله عليه وسلم بهذه الصفات يدل على عظمة شأن المرسل .. والرسول .. والرسالة .. والمرسل إليه.

حيث انتدب له الكريم، القوي المكين عنده، المطاع في الملأ الأعلى، الأمين حق أمين، فإن الملوك لا ترسل في مهماتها إلا الأشراف، ذوي الأقدار، والرتب العالية، فكيف برسول ملك الملوك جبريل صلى الله عليه وسلم.

فعلينا أن نشعر بوجود هؤلاء الملائكة الكرام الذين هم معنا يكتبون الأعمال، والأقوال، ويحفظونها، وعلينا أن نجلهم ونوقرهم ونكرمهم ونستحي منهم.

فالملائكة هم الذين يدافعون عن المؤمن، ويستغفرون له ويدعون له، فلا يليق بالمؤمن أن ينسى جوارهم، ويبالغ في أذاهم، وطردهم عنه.

فالملك ضيف الإنسان وجاره، والإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف من لوازم الإيمان، والملائكة المرافقون للإنسان أكرم ضيف وأعز جار.

وإذا آذى العبد الملك بأنواع المعاصي والفواحش والكبائر دعا عليه ربه، كما يدعو له إذا أكرمه بالطاعة والإحسان.

ص: 835

ومعنا من الملائكة من لا يفارقنا فليستح العبد منهم، وليكرمهم، وقد نبه الله على هذا بقوله:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار: 10 - 12].

أي استحوا من هؤلاء الحافظين الكاتبين الكرام، وأكرموهم وأجلوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم.

والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه وإن كان قد يعمل مثل عمله.

فما الظن بأذى الملائكة الكرام الكاتبين؟.

وما الظن بمبارزة الملك العظيم الجبار بالمعاصي والفواحش؟.

فما الذي غر الإنسان حتى غرق في بحر المعاصي والفواحش والمنكرات؟.

أغره حلم ربه؟، أم يظن أن الله لا يراه؟، أم استغنى بما عنده عن ربه؟، أم يحسب أنه لا يعود إليه؟.

{يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)} [الانفطار: 6 - 8].

وللملائكة مع البشر ثلاثة أدوار:

الأول: دورهم مع جميع بني آدم مؤمنهم وكافرهم من تشكيلهم للنطفة، وحراسة العباد، ومراقبة كل أحد، وتبليغ الوحي، ونزع الأرواح ونحو ذلك.

الثاني: دور الملائكة مع المؤمنين، ومن ذلك:

1 -

محبتهم للمؤمنين:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُّحِبُّ فُلاناً فَأحْبِبْهُ، فَيُّحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُّحِبُّ فُلاناً فَأحِبُّوهُ، فَيُّحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأرْضِ» متفق عليه (1).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3209) واللفظ له، ومسلم برقم (2637).

ص: 836

2 -

صلاتهم على المؤمنين، كما قال سبحانه:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43].

والصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة ورحمته له.

والصلاة من الملائكة بمعنى الدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم.

والملائكة يصلون على معلمي الناس الخير .. ويصلون على الذين ينتظرون صلاة الجماعة ما لم يحدثوا .. والله وملائكته يصلون على الصف الأول، وعلى الصفوف المتقدمة .. وعلى الذين يصلون الصفوف، ويسدون الفرج، وعلى الذين يتسحرون .. وعلى الذين يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم.

والملائكة يستغفرون للذين يعودون المرضى.

3 -

تأمين الملائكة على دعاء المؤمنين، وبذلك يكون أقرب للإجابة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأخِيهِ، بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لأخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ. وَلَكَ بِمِثْلٍ» أخرجه مسلم (1).

وإذا كان الدعاء المؤمن عليه حرياً بالإجابة، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يدعو على نفسه بشر.

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ إِلا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» أخرجه مسلم (2).

4 -

استغفارهم للمؤمنين ودعاؤهم لهم كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7].

5 -

شهود الملائكة مجالس العلم وحلق الذكر.

(1) أخرجه مسلم برقم (2733).

(2)

أخرجه مسلم برقم (920).

ص: 837

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ الله تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ. قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأجْنِحَتِهِمْ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» متفق عليه (1).

وإذا جلس المسلم في حلقة العلم استفاد من الملائكة فائدتين:

الأولى: أن الملائكة تحف بمن يطلب العلم إكراماً لهم، وتدعو لهم، وتحرسهم.

الثانية: أن الصحبة مؤثرة، فإذا حفتهم الملائكة استفادوا منها كرامتين: أنهم في ذلك المجلس لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

وهذان مقصد الحياة:

امتثال أمر الله .. وعدم معصية الله.

فالأعمال الصالحة تقرب الملائكة منا وتقربنا منهم، ولو استمر العباد في حالة عالية من الإيمان والسمو الروحي لوصلوا إلى درجة مشاهدة الملائكة ومصافحتهم.

عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً» أخرجه مسلم (2).

6 -

تسجيل الملائكة للمسلمين الذين يحضرون الجمعة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلائِكَةُ عَلَى باب الْمَسْجِدِ، يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشاً، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإذَا خَرَجَ الإمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» متفق عليه (3).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6408) واللفظ له، ومسلم برقم (2689).

(2)

أخرجه مسلم برقم (2750).

(3)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (929) واللفظ له، ومسلم برقم (850).

ص: 838

7 -

تعاقب الملائكة على المؤمنين فطائفة تأتي، وطائفة تذهب.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْألُهُمْ وَهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» متفق عليه (1).

ومن الملائكة من يتنزل عند قراءة القرآن يستمعون له.

ولله ملائكة سياحون يبلغون سلام الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت.

ومنهم من يحمل البشارات للأنبياء وغيرهم كما بشرت الملائكة إبراهيم كما قال سبحانه: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)} [الذاريات: 28].

وبشرت زكريا بيحيى كما قال سبحانه: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)} [آل عمران: 39].

والملائكة تقاتل مع المؤمنين ضد أعدائهم كما قال سبحانه: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال: 12].

ومنهم من يرسله الله لحماية ونصرة صالحي عباده كما أرسل جبريل لإغاثة هاجر وابنها إسماعيل، فبحث بعقبه حتى خرج ماء زمزم بأمر الله.

والملائكة تشهد جنائز الصالحين، وتظل الشهداء بأجنحتها، وتحمي مكة والمدينة من الدجال.

والملائكة يؤمنون مع المؤمنين.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا أمَّنَ الإمَامُ فَأمِّنُوا، فَإنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ، غُفِرَ

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (555) واللفظ له، ومسلم برقم (632).

ص: 839

لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه (1).

فهذه بعض أعمال الملائكة مع المؤمنين.

فعلينا أن نتولى جميع الملائكة بالحب والتوقير والإكرام، ونتجنب ما يسيء إليهم ويؤذيهم من المعاصي والمنكرات، والروائح الكريهة.

والملائكة لا تدخل الأماكن والبيوت التي يعصى الله فيها، أو يوجد فيها ما يكرهه الله ويبغضه كالأنصاب والصور، والتماثيل والكلاب، والسكران، والجنب إلا أن يتوضأ.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأذَّى مِمَّا يَتَأذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» متفق عليه (2).

الثالث: دور الملائكة مع الكفار والفساق.

فالملائكة لا يحبون الكفرة الظالمين المجرمين، بل يعادونهم ويحاربونهم ويلعنونهم.

كما حاربت الملائكة مع المؤمنين ضد الكفار في بدر كما قال سبحانه: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} [الأنفال: 9].

وكما حاربوا الأحزاب في الخندق كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)} [الأحزاب: 9].

وقد أرسل الله ملائكة إلى قوم لوط الذين جمعوا مع الكفر فاحشة إتيان الذكران من العالمين، فرفع جبريل ديارهم بمن فيها ثم قلبها كما قال سبحانه: {قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (780) واللفظ له، ومسلم برقم (410).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (854)، ومسلم برقم (564) واللفظ له.

ص: 840

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [هود: 81 - 83].

والملائكة تلعن الكفرة الذين كفروا بالله ولم يستجيبوا لرسله وماتوا على ذلك كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)} [البقرة: 161].

ولا تلعن الملائكة الكفرة فحسب.

بل قد تلعن من فعل ذنوباً معينة، كالمرأة التي يدعوها زوجها إلى الفراش فتأبى، فالملائكة تلعنها حتى ترجع.

ومن أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، لما فيه من الترويع لأخيه.

ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فما أعظم قدرة الله، وما أعظم مخلوقاته، وما أعظم خلقه من الملائكة الذين لا يحصيهم ولا يحصي أعمالهم إلا الله.

وله الحمد سبحانه على عنايته ببني آدم حيث وكل من الملائكة من يقوم بحفظهم ونصرتهم والدعاء لهم، والاستغفار لهم.

فعلينا محبة جميع الملائكة الذين يقومون بعبادة الله، والدعاء والاستغفار للمؤمنين، وتنفيذ أوامر الله، وتبليغ الوحي إلى رسل الله.

إن الإيمان بالملائكة شأنه شأن الحقائق الغيبية المستيقنة التي جاءت من عند الله، يوسع آفاق الشعور الإنساني بالوجود، فلا تنكمش صورة الكون عنده على ما تدركه الحواس وهو ضئيل.

كما أنه يؤنس قلب الإنسان بهذه الأرواح المؤمنة من حوله، تشاركه إيمانه بربه، وتستغفر له، وتكون في عونه على الخير بإذن الله.

ص: 841