المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفقه أسماء الله وصفاته

- ‌1 - فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

- ‌2 - فقه عظمة الرب

- ‌3 - فقه قدرة الرب

- ‌4 - فقه رحمة الرب

- ‌5 - فقه علم الرب

- ‌6 - فقه جمال الرب

- ‌7 - فقه أسماء الله الحسنى

- ‌الله…جل جلاله

- ‌الرحمن

- ‌الملك

- ‌القدوس

- ‌السلام

- ‌المؤمن

- ‌المهيمن

- ‌العزيز

- ‌الجبار

- ‌الكبير

- ‌الخالق

- ‌البارئ

- ‌المصور

- ‌الغفور

- ‌القاهر

- ‌الوهاب

- ‌الرزاق

- ‌الفتاح

- ‌العليم

- ‌السميع

- ‌البصير

- ‌الحكيم

- ‌اللطيف

- ‌الخبير

- ‌الحليم

- ‌العظيم

- ‌الشكور

- ‌العلي

- ‌الحفيظ

- ‌الرقيب

- ‌المقيت

- ‌الشهيد

- ‌الحاسب

- ‌الكريم

- ‌الواسع

- ‌المجيد

- ‌الرب

- ‌الودود

- ‌الحق

- ‌المبين

- ‌الوكيل

- ‌الكفيل

- ‌القوي

- ‌المتين

- ‌الولي

- ‌الحميد

- ‌الحي

- ‌القيوم

- ‌الواحد

- ‌الصّمد

- ‌القادر

- ‌الأول

- ‌الآخر

- ‌الظاهر

- ‌الباطن

- ‌البر

- ‌التواب

- ‌العفو

- ‌الرؤوف

- ‌الغني

- ‌الهادي

- ‌النور

- ‌البديع

- ‌الفاطر

- ‌المحيط

- ‌القريب

- ‌المستعان

- ‌المجيب

- ‌الناصر

- ‌الوارث

- ‌الغالب

- ‌الكافي

- ‌ذو الجلال والإكرام

- ‌ذو العرش

- ‌ذو المعارج

- ‌ذو الطول

- ‌ذو الفضل

- ‌الرفيق

- ‌الشافي

- ‌الطيب

- ‌السبوح

- ‌الجميل

- ‌الوِتر

- ‌المنان

- ‌الحيي

- ‌الستير

- ‌الديان

- ‌المحسن

- ‌السيد

- ‌المقدم والمؤخر

- ‌القابض والباسط

- ‌8 - فقه صفات الله وأفعاله

- ‌9 - فقه أحكام الأسماء والصفات

- ‌10 - فقه التعبد بأسماء الله وصفاته

- ‌الباب الثانيفقه الخلق والأمر

- ‌1 - فقه الخلق والأمر

- ‌2 - فقه أوامر الله الكونية والشرعية

- ‌3 - خلق الله للكون

- ‌4 - فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به

- ‌5 - فقه خَلق المخلوقات

- ‌1 - خلق العرش والكرسي

- ‌2 - خلق السموات

- ‌3 - خَلق الأرض

- ‌4 - خلق الشمس والقمر

- ‌5 - خلق النجوم

- ‌6 - خلق الليل والنهار

- ‌7 - خلق الملائكة

- ‌8 - خلق المياه والبحار

- ‌9 - خلق النبات

- ‌10 - خلق الحيوانات

- ‌11 - خلق الجبال

- ‌12 - خلق الرياح

- ‌13 - خلق النار

- ‌14 - خلق الجن

- ‌15 - خلق آدم

- ‌16 - خلق الإنسان

- ‌17 - خلق الروح

- ‌18 - خلق الدنيا والآخرة

- ‌البَابُ الثّالثفقه الفكر والاعتبار

- ‌1 - فقه الفكر والاعتبار

- ‌2 - فقه الفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌1 - الفكر والاعتبار في عظمة الله

- ‌2 - الفكر والاعتبار في قدرة الله

- ‌3 - الفكر والاعتبار في علم الله

- ‌3 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات الكونية

- ‌4 - فقه الفكر في نعم الله

- ‌5 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات القرآنية

- ‌1 - فقه التأمل والتفكر

- ‌2 - فقه التصريف والتدبير

- ‌3 - فقه الترغيب والترهيب

- ‌4 - فقه التوجيه والإرشاد

- ‌5 - فقه الوعد والوعيد

- ‌6 - فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر

- ‌البَابُ الرَّابعكتاب الإيمان

- ‌1 - فقه الإيمان بالله

- ‌1 - فقه الإحسان

- ‌2 - فقه اليقين

- ‌3 - فقه الإيمان بالغيب

- ‌4 - فقه الاستفادة من الإيمان

- ‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

- ‌3 - فقه الإيمان بالكتب

- ‌4 - فقه الإيمان بالرسل

- ‌5 - فقه الإيمان باليوم الآخر

- ‌6 - الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌1 - فقه الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌2 - فقه المشيئة والإرادة

- ‌3 - فقه خلق الأسباب

- ‌4 - فقه خلق الخير والشر

- ‌5 - فقه النعم والمصائب

- ‌6 - فقه الشهوات واللذات

- ‌7 - فقه السعادة والشقاوة

- ‌8 - فقه كون الحمد كله لله

- ‌9 - فقه الولاء والبراء

الفصل: ‌16 - خلق الإنسان

‌16 - خلق الإنسان

قال الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)} [الإنسان: 2].

وقال الله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)} [النحل: 4].

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان في أحسن تقويم، وخَلقُ الإنسان من أعظم الدلائل على خالقه وفاطره.

وفي الإنسان من العجائب الدالة على عظمة الله وقدرته ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه، وتعجز العقول عن إدراك كنهه، وتعجز الألسنة عن وصفه:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)} [الطارق: 5 - 8].

وقد أمرنا الله عز وجل بالنظر والتفكر في خلق الإنسان، نظر اعتبار وتفكر، وتأمل وتدبر، كما قال سبحانه:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات: 21].

ولو فكر الإنسان في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عن كفره كما قال سبحانه: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)} [عبس: 17 - 22].

وقد خلق الله آدم من تراب كما قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)} [الروم: 20].

والتراب إذا أضيف إليه الماء صار طيناً كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} [المؤمنون: 12].

والطين إذا تغير واسودّ لطول مجاورته للماء صار حمأً، ثم صار مسنوناً، والمسنون: المصور أو المصبوب لييبس كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)} [الحجر: 26].

فإذا يبس الطين واشتد صار صلصالاً، وهي المرحلة الأخيرة من خلق الإنسان

ص: 572

كما قال سبحانه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)} [الرحمن: 14].

أما الإنسان الذرية فقد خلقه الله من نطفة وهي الماء، فهو سبحانه:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)} [السجدة: 7، 8].

وقد بين الله عز وجل أطوار خلق الآدمي من ابتداء خلقه إلى آخر ما يصير إليه فقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 12 - 14].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكاً فَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقال لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأجَلَهُ وَشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» متفق عليه (1).

وقد وكل الله بالرحم ملكاً، فإذا تم للنطفة في الرحم أربعون أو بضع وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها، وسوي أو غير سوي، وذكر أو أنثى، كل ذلك حسب أمر ربه، لا يزيد على ما أمر ولا ينقص.

فالملائكة: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ، بِأرْبَعِينَ، أوْ خَمْسَةٍ وَأرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ؟ فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ! أذَكَرٌ أوْ أنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأثَرُهُ وَأجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلا يُزَادُ فِيهَا وَلا يُنْقَصُ» أخرجه مسلم (2).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3208) واللفظ له، ومسلم برقم (2643).

(2)

أخرجه مسلم برقم (2644).

ص: 573

وهذا الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وجعله أفضل العالمين، خلقه الله ليبقى أبد الآباد، وما سواه يفنى إلا من استثناه الله.

وكل فرد من بني آدم سينتقل من حال إلى حال، ومن دار إلى دار كما قال سبحانه:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} [الانشقاق: 19].

فأول طباقه كونه نطفة .. ثم علقة .. ثم مضغة .. ثم جنيناً .. ثم مولوداً .. ثم رضيعاً .. ثم فطيماً .. ثم طفلاً .. ثم شاباً .. ثم شيخاً .. ثم هرماً .. إلى جميع أحوال الإنسان المختلفة عليه .. إلى أن يموت ثم يبعث .. ثم يوقف بين يدي الله .. ثم يحاسب .. ثم يصير إلى الجنة أو النار حسب عمله .. فهذه ستة عشر طبقاً.

ويركب أثناء هذه الأحوال أطباقاً عديدة:

فينتقل من حال إلى حال كالصحة والمرض .. والعافية والبلاء .. والغنى والفقر .. والسعادة والشقاء .. وهكذا حتى يستقر في دار القرار في الجنة أو النار .. فذلك آخر أطباقه التي يعلمها العباد.

فسبحان من هذا خلقه .. وهذا أمره .. وهذه قدرته.

وقد خلق الله الإنسان في كبد كما قال سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)} [البلد: 4].

فابن آدم يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة، فلا تلقاه إلا في مشقة، فالإنسان مخلوق في شدة بكونه في الرحم، ثم عند ولادته، ثم هو على خطر عظيم عند بلوغه حال التكليف، ومكابدة المعيشة، والأمر والنهي، والبلاء والامتحان.

ثم مكابدة الموت، وما بعده في البرزخ، ثم مكابدة أهوال يوم القيامة، ثم مكابدة العذاب في النار، ولا راحة له إلا في الجنة.

فينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم في الجنة، وذلك بالإيمان والأعمال الصالحة.

ص: 574

وقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وجعل فيه تسعة أبواب:

بابان للسمع وهما الأذنان .. وبابان للبصر وهما العينان .. وبابان للشم وهما في الأنف .. وبابان لخروج فضلات البول والغائط .. وباب للكلام والنفس، والطعام والشراب وهو الأنف.

ونشأة الإنسان كنشأة النبات من عناصرها الأولية يتكون، ومن عناصرها الأولية يتغذى، فهو نبات من نباتها كما قال سبحانه:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)} [نوح: 17، 18].

فالإنسان والنبات كلاهما نبات من نبات الأرض، وكلاهما يرضع من هذه الأم شرابه وطعامه.

وكما أن في النبات الحلو والمر .. والنافع والضار .. وذا الأزهار والثمار .. وذا الشوك والسم، فكذلك في الإنسان المسلم والكافر .. والمطيع والعاصي .. وذو الإيمان والأعمال الصالحة .. وذو الشر والفساد .. ولكل أجل .. ولكل عمل .. ولكل مقعد إما في الجنة أو النار .. وكل راجع إلى ربه .. ومحاسب على عمله:{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)} [الغاشية: 25، 26].

إن خلق الإنسان بهذا التكوين العجيب، وبهذه الخصائص الفريدة، وبهذه الوظائف اللطيفة المتنوعة الكثيرة، لآيات تدهش العقول، وتحير الألباب، ولكننا نسيناها لطول تكرارها، ولقربها منا، وإلفنا لها.

إن التركيب العضوي لجارحة واحدة من جوارح الإنسان مسألة تدير الرأس عجباً ودهشة وعبرة.

وهو في تركيبه النفسي أشد تركباً وتعقداً من تركيبه العضوي: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: 16].

إن هذا الإنسان هو العجيبة الكبرى في هذه الأرض كما قال سبحانه: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات: 21].

ولكنه يغفل عن قيمته، وعن أسراره الكامنة في كيانه، حين يغفل قلبه عن

ص: 575

الإيمان، وحين يحرم نعمة اليقين.

إن آيات الرب تبارك وتعالى في خلقه ومخلوقاته تبصرة وذكرى، يتبصر بها من عمى القلب، ويتذكر بها من غفلته، فيعظم من خلقه.

فالمضاد للعلم، إما عمى القلب، وزواله بالتبصر، وإما غفلته، وزواله بالتذكر.

وأعظم وأفضل ما أنفقت فيه الأنفاس .. التفكر في آيات الله .. وعجائب صنعه .. والانتقال منها إلى تعلق القلب بالله .. وتعظيمه وتوقيره سبحانه دون شيء من مخلوقاته بتوحيده والإيمان به .. وطاعته، وعبادته.

إن هذا الإنسان عجيبة في تكوينه الجسماني في أسرار هذا الجسد .. وعجيبة في تكوينه الروحي في أسرار هذه النفس.

وحيثما وقف الإنسان يتأمل عجائب نفسه، التقى بأسرار تدهش وتحير، خلق أعضائه وتوزيعها، وأشكالها ووظائفها، وفي كل عضو من أعضائه، بل في كل جزء من عضو، خارقة تحير الألباب، لو كانت هناك عقول.

وأعجب من هذا أسرار روحه، وطاقاتها المعلومة والمجهولة، إدراكه للأشياء، وطريقة إدراكها، وحفظها، وتذكرها.

وهذه المعلومات والصور والكلمات أين خزنت؟، وكيف انطبعت؟، وكيف تُستدعى فتجيء؟.

ومن ألف وجمع في المخ آلاف الآيات والأحاديث والكلمات والقصص والأشعار وغيرها .. ؟ ومن حفظها في الذهن كما يحفظ المال في الخزانة .. ؟

ثم أسراره في توالده وتكاثره، خلية واحدة تحمل كل رصيد الجنس البشري من الخصائص.

وكل فرد من هذا الإنسان عالم وحده، وطبعة خاصة لا تتكرر أبداً على مدى الدهور، ولا نظير له بين أبناء جنسه جميعاً، لا في شكله وملامحه، ولا في عقله ومداركه، ولا في روحه ومشاعره.

فكل فرد نموذج خاص، وطبعة فريدة لا تتكرر.

ص: 576

وما أعظم وأمتع تلك اللحظات التي يقضيها الإنسان يتأمل وجوه الخلق وسماتهم وحركاتهم، بعين العابد السائح، الذي يتجول في معرض من إبداع أحسن الخالقين.

ألا ما أعظم الخالق .. وما أعظم صنعه وخلقه.

وما أخطر الجهل .. وما أسوأ الغفلة .. وما أضل من جهل نفسه.

متى يتفكر الإنسان في نفسه؟.

ومتى ينتبه القلب من رقدته؟.

ومتى يؤوب العبد إلى ربه؟.

إن سبب الخسران في الدنيا والآخرة الفكر فيما يفنى، والجهد في غير محله، والجلوس على موائد الشيطان، والإعراض عن موائد الرحمن.

إن الرابح حقاً من حجز المقاعد كلها للدين، الفكر واللسان، والسمع والبصر، والقلب والعقل، والروح والبدن، وبقية الجوارح:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} [الطارق: 5 - 7].

انظر إلى النطفة التي خلقها الله، إنها تحتوي على أكثر من مائة ألف إنسان قابل للحياة في كل دفقة مني من الإنسان.

فسبحان من جمع هذه الخلائق في قطرة ماء مهين ضعيف مستقذر، لو مرت بها ساعة من الزمان فسدت وأنتنت.

وتأمل كيف استخرجها الرب العليم القدير من بين الصلب والترائب، منقادة لقدرته، مطيعة لمشيئته، مع ضيق طرقها، واختلاف مجاريها، إلى أن ساقها إلى مستقرها في الرحم؟.

وتأمل كيف جمع الله عز وجل بين الذكر والأنثى، وألقى المحبة بينهما، وكيف قادهما بسلسلة الشهوة والمحبة إلى الاجتماع، الذي هو سبب تخليق الولد وتكوينه؟.

وكيف قدر سبحانه اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، وساقهما من أعماق العروق

ص: 577

والأعضاء، وجمعهما في موضع واحد، جعله الله لهما قراراً مكيناً ينشأ فيه الولد؟.

ثم قلب تلك النطفة البيضاء المشرقة، إلى علقة حمراء تضرب إلى السواد، ثم جعلها مضغة لحم مخالفة للعلقة في كونها وشكلها.

ثم جعلها العزيز العليم عظاماً مجردة لا كسوة عليها، مباينة للمضغة في شكلها وقدرها.

ثم انظر كيف قسم الله تبارك وتعالى تلك الأجزاء المتشابهة إلى الأعصاب والعظام، والعروق والأوتار، والأعضاء والأجهزة، واليابس واللين؟.

ثم تأمل كيف ربط سبحانه بعضها ببعض بأقوى رباط وأشده؟. وكيف كساها لحماً ركبه عليها، وجعله وعاء لها وغشاءً وحافظاً، وجعل العظام حاملة له، فاللحم قائم بها، وهي محفوظة به؟.

ثم انظر إلى صنع الخالق البارئ المصور، كيف صورها فأحسن صورها، وشق لها السمع والبصر، والفم والأنف، وسائر المنافذ؟.

ثم تأمل كيف مد اليدين والرجلين كالأعمدة، وبسطهما، وقسم رؤوسهما بالأصابع، ثم قسمهما بالأنامل، وزود أطرافها بالأظفار؟.

ثم انظر كيف خلق سبحانه من تلك النطفة الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة، والكبد والطحال، والرئة والرحم، والأمعاء والمثانة والمرارة؟.

كل منها له قدر يخصه .. وعمل يخصه .. ومنفعة تخصه .. وشكل يخصه.

فسبحان الخلاق العليم: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} [الأعلى: 2، 3].

ثم انظر إلى حكمة العليم الحكيم في تركيب العظام قواماً للبدن، وعماداً له، وكيف قدرها ربها بتقادير مختلفة، وأشكال مختلفة:

فمنها الصغير والكبير .. والطويل والقصير .. والمنحني والمستدير .. والمصمت والمجوف .. وركب بعضها على بعض، وربط بعضها ببعض؟.

وتأمل كيف اختلفت أشكالها باختلاف منافعها، كالأضراس فإنها لما جعلت

ص: 578

آلة للطحن جعلت عريضة، ولما كانت الأسنان آلة للقطع جعلت مستدقة محددة.

ولما كان الإنسان محتاجاً إلى الحركة للتردد في حاجته لم يجعل عظامه عظماً واحداً، بل عظاماً متعددة، وجعل بينها مفاصل حتى تتيسر بها الحركة، وكان قدر كل واحد منه وشكله، على حسب الحركة المطلوبة منه.

وشد سبحانه أسر تلك المفاصل والأعضاء، وربط بعضها ببعض بأوتار ورباطات أنبتها من العظم، وأدخل بعض العظام في بعض، على شكل الذكر والأنثى، فإذا أراد الإنسان أن يحرك جزءاً من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصل لتعذر ذلك عليه.

فسبحان من هذا خلقه، وهذه قدرته، وهذه حكمته، وهذا صنعه.

وتأمل كيف خلق سبحانه الرأس، وكثرة ما فيه من العظام التي تزيد على خمسٍ وخمسين عظماً، مختلفة الأشكال والمقادير والمنافع، وكيف ركبه سبحانه على البدن، وجعله عالياً عليه علو الراكب على مركوبه؟.

ولما كان الرأس عالياً على البدن، جعل فيه الحواس الخمس، وآلات الإدراك كلها، من السمع والبصر والشم والذوق واللمس.

وجعل سبحانه حاسة البصر في مقدمته، ليكون كالطليعة والحرس والكاشف للبدن عما حوله.

وركب العين من سبع طبقات، لكل طبقة وظيفة مخصوصة، لو فقدت طبقة منها، أو زالت عن موضعها، لتعطلت العين عن الإبصار.

ثم وضع سبحانه داخل تلك الطبقات السبع خلقاً عجيباً، وهو إنسان العين بقدر العدسة، يبصر به ما بين المشرق والمغرب، وما بين الأرض والسماء.

وجعله سبحانه من العين بمنزلة القلب من الإنسان، فهو ملكها، وتلك الطبقات والأجفان والأهداب خدم له، وحجاب وحراس.

فتبارك الله أحسن الخالقين.

ص: 579

وانظر إلى عجيب صنع الله كيف حسن شكل العينين وهيئتهما ومقدارهما، ثم جمّلهما بالأجفان غطاءً لهما وستراً، وحفظاً وزينة، فهما يحفظانهما من الحر والبرد، ويتلقيان عن العين الأذى والقذى والغبار.

ثم غرس في أطراف الأجفان الأهداب جمالاً وزينة ومنافع أخرى.

ثم أودع سبحانه العينين ذلك النور الباصر، والضوء الباهر، الذي يخرق ما بين السماء والأرض.

فسبحان من أودع هذا السر العجيب في هذا المقدار الصغير، بحيث تنطبع فيه صورة السموات والأرض على عظمتهما، وللعين قدرة على على حفظ نصف مليون صورة ملونة يومياً.

وشق سبحانه له السمع، وخلق الأذن أحسن خلقة، فجعلها مجوفة كالصدفة، لتجمع الصوت فتؤديه إلى الصماخ، وليحس بدبيب الحشرات فيها، فيبادر إلى إخراجه والتخلص منه.

وجعل فيها تجاويف واعوجاجات تمسك الهواء، والصوت الداخل، فتكسر حدته، ثم تؤديه إلى الصماخ.

وجعل الحكيم العليم ماء الأذن مراً في غاية المرارة، فلا يجاوزه الحيوان إلى باطن الأذن، بل إذا وصل إليه أعمل الحيلة في رجوعه عنه.

وجعل ماء الفم عذباً حلواً، ليدرك به طعوم الأشياء على ما هي عليه، إذ لو كان على غير هذه الصفة لأحالها إلى طبيعته.

وجعل سبحانه ماء العين مالحاً، ليحفظها، فهي شحمة قابلة للفساد، فكانت ملوحة مائها صيانة لها وحفظاً.

فسبحان من خلق هذه المياه .. وجعل كلاً فيما يناسبه ويصلح له.

ونصب سبحانه قصبة الأنف في الوجه، فأحسن شكله وهيأته، وفتح فيه المنخرين، وحجز بينهما بحاجز، وأودع فيهما حاسة الشم التي تدرك بها أنواع الروائح الطيبة والخبيثة، والنافعة والضارة، ويستنشق به الهواء فيوصله إلى

ص: 580

القلب، فيتروح به ويتغذى به.

وجعله سبحانه مستقيماً لئلا يمسك الرائحة، مصباً تنحدر إليه فضلات الدماغ، فتجتمع فيه ثم تخرج منه، وجعل أعلاه أدق من أسفله، لأن أسفله تجتمع فيه الفضلات فكان واسعاً لتخرج منه بسهولة، ولأنه يأخذ من الهواء ملأه ثم يصعد في مجراه قليلاً قليلاً، حتى يصل إلى القلب بهدوء.

ثم فصل بين المنخرين بحاجز بينهما حكمةً منه ورحمة، لأنه مجرى النفس، ومنحدر فضلات الرأس، فيكون أحدهما غالباً للنفس، والآخر لخروج الفضلات، وإما أن تجري الفضلات فيهما فينقسم، فلا يفسد الأنف جملة، بل يبقى فيه مدخل للنفس، وربما أصيب أحدهما فيبقى الثاني يؤدي وظيفته.

فاقتضت الحكمة تعددهما كالأذنين والعينين: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14].

وشق سبحانه للعبد الفم في أحسن موضع وأليقه به، وأودع فيه من المنافع وآلات الذوق والقطع والطحن والكلام ما يبهر العقول عجائبه.

فأودعه اللسان الذي هو أحد آياته الدالة عليه، وجعله ترجماناً لملك الأعضاء وهو القلب، مبيناً مؤدياً عنه، كما جعل الأذن رسولاً مؤدياً إليه العلوم والأخبار، والعين رسولاً مؤدياً إليه المرئيات والمبصرات، واللسان بريده ورسوله الذي يؤدي عنه ما يريد.

وانظر إلى حكمة العزيز العليم الذي جعل اللسان مصوناً محفوظاً مستوراً غير مكشوف كالأذن والأنف، لأن هذه الأعضاء لما كانت تؤدي من الخارج إليه، جعلت بارزة ظاهرة.

ولما كان اللسان مؤدياً من القلب إلى الخارج جعله مستوراً لعدم الفائدة في إبرازه.

وأيضاً لما كان اللسان أشرف الأعضاء بعد القلب، ومنزلته منه منزلة ترجمانه ووزيره، ضرب عليه سرادقان لستره وصيانته، أحدهما الأسنان، والآخر

ص: 581

الشفتان، وجعل في ذلك السرادق كالقلب في الصدر.

وأيضاً هو من ألطف الأعضاء وألينها وأشدها رطوبة، وهو لا يتصرف إلا بواسطة الرطوبة المحيطة به، فلو كان بارزاً صار عرضة للحرارة واليبوسة المانعة له من التصرف وسهولة الحركة.

ثم زين سبحانه الفم وجمله بالأسنان، وجعلها بيضاء مصفوفة، فزادته جمالاً، وجعل بها قوام العبد وغذاءه.

وجعل بعضها آلة للقطع، وبعضها آلة للكسر، وبعضها آلة للطحن.

وأحكم سبحانه أصولها، وحدد رؤوسها، وبيض لونها، ورتب صفوفها، فكأنها الدر المنظوم بياضاً وصفاءً وحسناً.

وأحاط جل وعلا الأسنان بحائطين، وهما الشفتان، فحسن شكلهما ولونهما، وجعلهما غطاءً للفم وطبقاً له، وجعلهما إتماماً لمخارج الحروف ونهاية له، كما جعل أقصى الحلق بداية له، واللسان وسطاً له، ولهذا كان أكثر العمل فيها له إذ هو الواسطة.

وجعل سبحانه الشفتين لحماً صرفاً لا عظم فيه، ليتمكن بهما الإنسان من مص الشراب، ويسهل عليه فتحهما وإغلاقهما.

وخص سبحانه الفك الأسفل بالتحريك، لأن تحريك الأخف أيسر وأحسن، فإن الرأس يشتمل على الأعضاء الشريفة، فلم يخاطر بها في الحركة.

وخلق سبحانه الحناجر مختلفة الأشكال في الضيق والسعة، والليونة والخشونة، والصلابة والرطوبة، والطول والقصر، فاختلفت بذلك الأصوات أعظم اختلاف.

وزين الله تبارك وتعالى الرأس بالشعر وجعله لباساً له، لاحتياجه إليه، وزين الوجه بما أنبت فيه من الشعور المختلفة الأشكال والمقادير.

فزينه بالحاجبين، وجعلهما وقاية مما يتحول من بشرة الرأس إلى العينين، وزين أجفان العينين بالأهداب، وزين الوجه باللحية، وجعلها كمالاً ووقاراً ومهابةً

ص: 582

للرجل.

وزين الشفتين بما أنبت فوقهما من الشارب، وما تحتهما من العنفقة.

وخلق سبحانه اليدين اللتين هما آلة العبد وسلاحه، ورأس مال معاشه.

فطولهما بحيث يصلان إلى ما شاء من بدنه، وعرض الكف، ليتمكن من القبض والبسط، وقسم فيه الأصابع الخمس، وقسم كل أصبع بثلاث أنامل، والإبهام باثنتين.

ووضع الأصابع الأربعة في جانب، والإبهام في جانب، لتدور الإبهام على الجميع، فهي بمنزلة الراعي من الرعية، والإمام من المأمومين.

فجاءت اليد بتدبير الحكيم العليم على أحسن حال، وصلحت للقبض والبسط ومباشرة الأعمال المختلفة.

إن شئت جعلتها مطرقة، أو مغرفة، أو آخذة، أو معطية، أو جاذبة، أو دافعة، أو للربط، أو للحل، أو للكتابة، أو للرفع، أو للسحب، أو للذبح، أو للكنس، أو للمسح، أو للمشط، أو للأكل أو غير ذلك من المنافع التي لا يحصيها إلا الذي خلقها، فتبارك من أودعها هذه المنافع وغيرها.

وركب فيها سبحانه الأظفار على رؤوسها زينةً لها وعماداً ووقاية، وليلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا ينالها جسم الأصابع، وجعلها سلاحاً لغيره من الحيوان والطير، وآلة لمعاشه، وليحك بها الإنسان بدنه عند الحاجة.

وجعل سبحانه عظام أسفل البدن غليظة قوية، لأنها أساس له، وعظام أعاليه دونها في الثخانة والصلابة، لأنها محمولة.

ثم تأمل كيف جعل سبحانه الرقبة مركباً للرأس، وركبها من سبع خرزات مجوفات مستديرات، ثم طبق بعضها على بعض، حتى كأنها خرزة واحدة، ثم ركب الرقبة على الظهر والصدر.

ثم ركب الظهر من أعلاه إلى منتهى عظم العجز من أربعٍ وعشرين خرزة، وركب بعضها في بعض، هي مجمع أضلاعه، والتي تمسكها أن تنحل أو

ص: 583

تنفصل.

ثم وصل الحكيم الخبير تلك العظام بعضها ببعض، فوصل عظام الرأس بعظام الرقبة، وعظام الرقبة بعظم الظهر، وعظام الظهر بعظام الصدر، وعظام الكتفين بعظام العضدين، والعضدين بالذراعين، والذراعين بالكفين والكفين بالأصابع.

ووصل عظام الظهر بالعجز، ووصل عظام العجز بالفخذين، والفخذين بالساقين، والساقين بالقدمين، والقدمين بالأصابع، فتبارك الله أحسن الخالقين.

ثم تأمل حكمة اللطيف الخبير كيف كسا العظام العريضة كعظام الظهر والرأس كسوة من اللحم تناسبها، والعظام الدقيقة كسوة تناسبها كالأصابع والمتوسطة كذلك كعظام الذراعين والعضدين.

فالإنسان مركب على ثلاثمائة وستين عظماً، فلو زادت واحداً أو نقصت واحداً، لاختل تركيب الجسم ونظامه، واضطربت حركة الإنسان.

ثم إنه سبحانه ربط تلك الأعضاء والأجزاء بالرباطات، فشد بها أسرها لتمسكها وتحفظها، حتى بلغ عددها خمسمائة وتسعة وعشرين رباطاً، وهي مختلفة الطول والقصر، والغلظة والدقة، بحسب اختلاف مواضعها.

فجعل منها أربعة وعشرين رباطاً آلة لتحريك العين، وفتحها وضمها وإبصارها، لو نقص منها رباط واحد لاختل أمر العين.

وهكذا لكل عضو من الأعضاء رباطات، هن له كالآلات التي بها يتحرك ويتصرف.

وذلك كله صنع الرب الحكيم، وتقدير العزيز العليم، في قطرة من ماء مهين، فويل للمكذبين، وبعدٌ للجاحدين، وتبارك الله أحسن الخالقين.

ومن عجائب خلقه أنه جعل في الرأس ثلاث خزائن، في مقدمته، وفي وسطه، وفي مؤخرته، وأودع تلك الخزائن من أسراره ما أودعها، من التذكر والتفكر، والتعقل والحفظ.

ومن عجائب خلق الإنسان ما فيه من الأمور الباطنة التي لا تشاهد كالقلب

ص: 584

والكبد، والطحال والأمعاء، والرئة والمعدة، والمثانة والمرارة، وسائر ما في بطنه من الآلات العجيبة.

فأما القلب فهو الملك المستغل لجميع آلات البدن المستخدم لها، فهو مخدوم مستقر في الوسط، وهو أشرف أعضاء البدن، وبه قوام الحياة.

وهو معدن العقل والعلم، والحلم والشجاعة، والمروءة والكرم، والصبر والحب، والرضا والغضب، وسائر صفات الكمال.

وجميع الأعضاء الظاهرة والباطنة وقواها إنما هي جند من أجناد القلب:

فالعين طليعته ورائده الذي يكشف له المرئيات.

والأذن رسوله المؤدي له جميع المسموعات.

واللسان ترجمانه المخبر عنه.

وجعل الله عز وجل الرئتين كالمروحة تروح عليه دائماً، لأنه أكثر الأعضاء عملاً، وأشدها حرارة.

هذا خلق الله في قطرة واحدة من ماء مهين، فكم خلق الله من قطرة في العالم؟، وكم جعل في هذه القطرة من الأحياء؟.

هذا في عالم الإنسان .. فكم من العجائب في خلق الحيوانات .. والطيور والزواحف .. والحشرات .. وغيرها من المخلوقات .. ؟

فسبحان الخلاق العليم الذي تولى خلق هذه النطفة، وجعل منها إنساناً سوياً، سميعاً بصيراً:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)} [غافر: 62].

فما أعظم قدرة الله، وما أعظم صنعه في هذه النطفة، كيف جعلها إنساناً، وبث منها البشرية المنتشرة على وجه الأرض؟.

فمن هذه عظمته، وهذه نعمه، وهذا صنعه، كيف لا يعبده الإنسان ويطيعه، وهو الذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره؟.

أما يخاف هذا الإنسان يوماً عبوساً قمطريراً: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ

ص: 585

وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)} [غافر: 52].

إن الإنسان إذا نظر إلى غذائه، في مدخله ومستقره ومخرجه، رأى فيه العبر والعجائب:

كيف جعل الله له آلة يتناوله بها، ثم باباً يدخل منه، ثم آلة تقطعه صغاراً، ثم طاحون يطحنه، ثم أعين بماء يعجنه، ثم جعل له مجرى وطريقاً إلى جانب النفس، ينزل هذا، ويصعد هذا.

فإذا وصل إلى المعدة، التي هي خزانته، ولها بابان، باب أعلى يدخل منه الطعام، وباب أسفل يخرج منه ثفله.

والباب الأعلى أوسع من الأسفل، والأسفل منطبق دائماً، فإذا انتهى الهضم، انفتح ذلك الباب لخروج الفضلات.

وقد أحاط الله المعدة من داخلها وخارجها بحرارة نارية، ربما تزيد على حرارة النار، ينضج بها الطعام فيها، كما ينضج الطعام في القدر بالنار.

فإذا أذابته المعدة وطبخته، علا صفوه إلى فوق، ورسا كدره إلى أسفل، ومن المعدة عروق متصلة بسائر البدن، يبعث فيها نصيب كل عضو وقوامه، بحسب استعداده وقبوله.

فيبعث ألطف ما يتولد من الغذاء وأخفه وأشرفه إلى الأرواح.

وينبعث إلى الدماغ منه ما يناسبه في اللطافة والاعتدال.

وينبعث منه إلى العظام والشعر والأظافر ما يغذيها ويحفظها.

وبنبعث من الباقي إلى بقية الأعضاء كل بحسبه.

ولما كان الغذاء يستحيل في المعدة إلى دم، ومرة سوداء، ومرة صفراء، وبلغم، اقتضت حكمة العزيز الحكيم أن جعل لكل واحد من هذه الأخلاط مصرفاً ينصب إليه ويجتمع فيه، ولا ينبعث إلى الأعضاء الشريفة إلا أكمله.

فوضع سبحانه المرارة مصباً للمرة الصفراء .. ووضع الطحال مقراً للمرة السوداء .. والكبد تمتص أشرف ما في ذلك وهو الدم، ثم تصفيه وتبعثه إلى

ص: 586

جميع البدن من عرق واحد، ينقسم إلى مجار كثيرة، يوصل إلى كل واحد من العروق والأعصاب والعظام والشعور ما يكون به قوامه.

فسبحان الملك الحق ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة.

وإذا كان هذا صنعه في قطرة ماء مهين، فكيف صنعه في ملكوت السموات والأرض؟.

وكيف شأن كرسيه وعرشه العظيم؟.

وكم تكون عظمة الجنة التي خلقها؟ .. والنار التي سعرها؟

وكيف عظمته وجلاله وكبرياؤه؟: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)} [غافر: 64].

ومن عجائب خلق الإنسان، ما خلق الله فيه من الحواس الخمس التي هي آلة الإدراك، ورتبها بحكمته سبحانه:

فأولها حاسة اللمس، وهو أول حس يخلق للحيوان، وأقل درجاته أن يحس بما يلاصقه، وخلق الله للبعيد حساً آخر تدرك به ما بعد عنك، فخلق لك الشم تدرك به الرائحة من بعد.

ولكن لا تدري من أي ناحية جاءت الرائحة، فخلق الله لك البصر، لتدرك به ما بعد عنك، وتدرك جهته فتقصدها بعينها، إلا أنه لو لم يخلق لك إلا هذا لكنت ناقصاً، إذ لا تدرك بذلك ما وراء الجدار والحجاب، فقد يقصدك عدو بينك وبينه حجاب، وقرب منك قبل أن يكشف الحجاب، فتعجز عن الهرب.

فخلق الله سبحانه السمع، حتى تدرك به الأصوات من وراء الحجرات، عند جريان الحركات.

ولا يكفي ذلك لو لم يخلق لك حس الذوق، الذي تعلم به ما يوافقك، وما يضرك، وتعلم به الطعوم وأحوالها من حلو وحامض، ومر ومالح، وحار وبارد.

ثم أكرمك الله تبارك وتعالى بصفة أخرى هي أشرف من الكل، وهو العقل الذي

ص: 587

تدرك به معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته، وعظمه وقدرته، وآلائه وإحسانه، وهذه أعلى فوائد العقل.

وأدناها ما تدرك به الأطعمة ومنافعها، وما ينفعك وما يضرك.

ثم انظر إلى حكمة الله في خلق القدرة والإرادة في الإنسان، فلو خلق لك البصر حتى ترى به الطعام، ولم يخلق لك في الطبع شوق إليه، وشهوة تستحثك على القصد إليه، لكان البصر معطلاً.

فكم من مريض يرى الطعام، وهو أنفع الأشياء له ولا يقدر على تناوله، لسقوط شهوته، فخلق لك الرحيم شهوة الطعام وسلطها عليك.

ثم هذه الشهوة لو لم تسكن عند أخذ مقدار الحاجة من الطعام، لأسرفت وأهلكت نفسك، فخلق العليم الكراهة عند الشبع، لتترك الأكل بها.

وكذلك خلق لك شهوة الجماع لحكمة بقاء النسل.

وقد خلق الله عز وجل كل حيوان ورزقه، والرزق والأجل قرينان، فما دام الأجل باقياً، كان الرزق آتياً.

وإذا سد الله على العبد بحكمته طريقاً من طرق الرزق، فتح له برحمته طريقاً أنفع له منه.

فانظر إلى الجنين في بطن أمه، يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو حبل السرة.

فلما خرج من بطن الأم، وانقطعت تلك الطريق، فتح له الله طريقين اثنين وهما الثديان، وأجرى له فيهما رزقاً أطيب وألذ من الأول، لبناً خالصاً سائغاً يناسب حاله.

فلما تمت مدة الرضاع، وانقطعت الطريقان بالفطام، فتح له المولى الكريم طرقاً أربعة أكمل منها تناسب حاله، وهما طعامان وشرابان.

فالطعامان النبات والحيوان، والشرابان المياه، وما يتصل بها من الألبان والعسل، ونحوهما من المنافع والملاذ.

ص: 588

فإذا مات الإنسان، انقطعت عنه هذه الأربعة، لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيداً طرقاً ثمانية، وهي أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء، ليجد نعيماً لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17].

فأي نعيم فوق هذا .. وأي كرم من ربه عليه فوق هذا؟.

إن الرب جل وعلا لا يمنع عبده المؤمن شيئاً من الدنيا، إلا ويؤتيه ما هو أفضل منه وأنفع له، وليس ذلك لغير المؤمن.

فإنه سبحانه يمنعه الحظ الأدنى، ولا يرضى له به، ليعطيه الحظ الأعلى.

ولكن العبد لجهله بربه، وجهله بكرمه، وجهله بحكمته ولطفه، وجهله بمصالح نفسه، لا يعرف التفاوت بين ما منع منه، وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئاً فانياً، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان علياً باقياً.

ولو تأمل العبد وفكر لعلم أن فضل الله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتها، أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك، فما منعه إلا ليعطيه، ولا ابتلاه إلا ليعافيه، ولا أماته إلا ليحييه، ولا أخرجه إلى هذه الدار إلا ليتأهب للقدوم عليه، ويسلك الطريق الموصلة إليه.

وقد ركب الله سبحانه في الإنسان قوتين: هما الشهوة والغضب.

وهاتان القوتان بمنزلة صفاته الذاتية لا ينفك عنهما، وبهما وقعت المحنة والابتلاء، وبهما ينال العبد منازل الأبرار، أو ينحط تحت أقدام الأشرار في أسفل سافلين.

فمن شهوته مصروفة إلى ما أعد الله له في دار النعيم .. وغضبه حمية لله ولكتابه ولرسوله ولدينه، فهذا في الدرجات العلى، والنعيم المقيم.

ومن كانت شهوته مصروفة في هواه وأمانيه العاجلة .. وغضبه مقصور على حظه .. ولو انتهكت محارم الله وحدوده وشرائعه .. وهو ملحوظ بعين الاحترام والتقدير ونفوذ الكلمة .. فهذا في أسفل سافلين.

ص: 589

ولن يجمع الله بين الصنفين في دار واحدة.

فالأول: صعد بشهوته وغضبه إلى أعلى عليين، فهو في الجنة.

والثاني: هبط بهما إلى أسفل سافلين، فهو في النار.

فسبحان من خلق هذا الإنسان من تراب، وجعل نسله من ماء مهين، ووكل بخلقه من هذا الماء ملائكة تنفذ أمره فيه.

فهذه النطفة بمجرد استقرارها في الرحم، تتولاها ملائكة بأمر الله، فتنقسم إلى خلايا يلهمها الله ماذا تفعل؟، وماذا تريد؟.

وكل خلية من هذه الخلايا مكلفة بأمر الله ببناء ركن من أركان هذه العمارة الهائلة، عمارة الجسم الإنساني العجيب:

فتنطلق مجموعة منها لتنشئ بأمر الله الهيكل العظمي .. وأخرى تبني الجهاز الهضمي .. وأخرى تبني الجهاز العصبي .. وأخرى تبني الجهاز الدموي .. وأخرى تبني الجهاز التناسلي .. وأخرى تبني الجهاز التنفسي .. إلى آخر بقية الأركان في العمارة الإنسانية.

وهذه العمارة دقيقة الصنع، عجيبة التركيب، متنوعة الوظائف، وكل خلية مأمورة أن تقوم بنوع معين من العمل في الركن المخصص لها من العمارة.

يأمرها الملك فتنطلق بأمر الله وهي تعرف طريقها، وتعرف إلى أين هي ذاهبة، وما هو مطلوب منها، ولا تخطئ واحدة منها .. ؟

فالخلايا المكلفة أن تصنع العين تعرف أين مكانها، وتعرف أن العين ينبغي أن تكون في الوجه، ولا يجوز أن تكون في البطن أو الظهر أو القدم، مع أنه يمكن أن تنمو في أي مكان.

فمن ترى قال لها إن هذا الجهاز يحتاج إلى عين، في هذا المكان دون سواه.

إنه العلي الأعلى، الذي خلقها وهداها إلى طريقها في المتاهة التي لا هادي فيها إلا الله وحده.

وكما أودع الله في الأرض ودائعً، وبالجهد عليها تظهر هذه الودائع، وتنفع

ص: 590

الناس كالماء والحديد وسائر المعادن.

كذلك وضع الله في الآدمي ودائعَ، فإذا اجتهدنا عليها بالمنهج الصحيح ظهرت هذه الودائع، وخدمت الدين، وإلا نجتهد عليها يضيع هذا الاستعداد بين شهوات البهائم، أو غضب السباع، أو كيد الشياطين.

فكل جوارح الإنسان خلقت للعبادة، وخدمة الدين، والقيام بالدين.

فالعين عندها استعداد النظر .. والأذن عندها استعداد السمع .. والقلب عنده استعداد الإيمان .. والعقل عنده استعداد الفكر. واللسان عنده استعداد الكلام .. واليد عندها استعداد البطش بالأعداء .. والرجل عندها استعداد المشي والكر والفر، وهكذا بقية الجوارح.

فأين الذي استفاد منها حسب أمر الله؟.

وقد خلق الله اللسان، وجعل فيه استعداد الكلام، حيث يحدث الصوت من هواء ساذج، يخرج من الصدر حتى يصل إلى الحلق واللسان، والشفتين والأسنان، فيحدث منه الكلام والصوت.

نظمه ونثره .. وخطبه ومواعظه .. لينه وخشنه .. والضحك والبكاء .. والترغيب والترهيب .. والسؤال والجواب .. والإنذار والتبشير، والنداء والدعاء .. والحمد والذم .. والتسبيح والاستغفار .. وغير ذلك مما لا يمكن حصره من أنواع الكلام الذي ينطق به اللسان بإذن الله.

فسبحان القدير الذي أخرج كل ذلك من هواء ساذج يخرج من الصدر، ولا يدرى ما يراد به، ولا أين ينتهي، ولا أين مستقره، فهو بحر من الهواء يقلبه الله إلى بحر من الكلمات والجمل التي تحمل المعاني.

وأعجب من هذا اختلاف الألسنة واللغات والأصوات.

فيجتمع خلق من الناس من بلاد شتى، وكل يتكلم بلغته، ولا يدري كل منهم ما يقول الآخر، مع أن الهواء واحد، واللسان واحد، والحلق واحد، والأضراس واحدة، والشفتان واحدة، إن في ذلك لآية.

ص: 591

فمثل اللسان مثل الأرض تسقى بماء واحد، وتخرج نباتات مختلفة الأشكال والألوان والطعوم والأحجام، من الأشجار والأزهار والحبوب والثمار، مع أن التراب واحد، والماء واحد:{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} [الرعد: 4].

وعجيبة أخرى في خلق هذا الإنسان:

إنها عملية تحويل الغذاء في الجسم إلى دم، وتغذية كل خلية بالمواد التي تحتاج إليها من مواد هذا الدم.

إنها عملية عجيبة فائقة العجب، وهي بقدرة الله وتدبيره تتم في الجسم في كل ثانية، كما تتم عملية الاحتراق، كما تتم عملية التنفس.

وفي كل لحظة تتم في جسم الإنسان عمليات هدم وبناء مستمرة، لا تكف حتى تفارق الروح الجسد.

ولا يملك الإنسان أمام هذه المخلوقات العظيمة، وهذه العمليات العجيبة، إلا أن تهتف كل ذرة فيه بتسبيح الخالق المبدع لهذا الكون والإنسان.

والله سبحانه خلق الإنسان، وزوده بآلات العلم والمعرفة، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب.

فأي نعمة فوق هذه النعم؟: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [النحل: 78].

وأول الشكر وأعظمه، الإيمان بالله الواحد الأحد، وعبادته وطاعته، والدعوة إليه، والإحسان إلى خلقه.

ألا ما أعظم فضل الله على الإنسان في خلقه .. وحسن صورته الخلقية .. وحسن صورته الشعورية .. فالإنسان أكمل الأحياء في الأرض من ناحية تكوينه الجثماني، كما أنه أرقاها من ناحية تكوينه الشعوري .. واستعداده الروحي.

ومن ثم وكلت إليه الخلافة في الأرض، وأقيم خليفة في هذا الملك العريض،

ص: 592

إلى يوم الدين.

إن الله عز وجل خلق الإنسان من نطفة، وجعله يمر بمراحل:

المرحلة الأولى: في بطن الأم، ومدتها تسعة أشهر، والحكمة من وجوده هذه المدة شيئان: تكميل الأعضاء الداخلية والخارجية.

المرحلة الثانية: في بطن الدنيا، ومدتها من يوم الولادة إلى الموت، والحكمة من وجوده في الدنيا شيئان: تكميل الإيمان، والأعمال الصالحة.

المرحلة الثالثة: في القبر، ومدتها من الموت إلى قيام الساعة، والحكمة من وجوده في القبر انتظار قيام الساعة، وهو في هذه الفترة إما في عذاب، وإما في نعيم، حسب عمله، سواء دفن أو لم يدفن.

المرحلة الرابعة: في دار القرار، في الجنة أو النار، ومدتها من دخول الجنة أو النار، إلى أبد الآباد، والحكمة من وصوله إلى هذه الدار، بلوغ كمال النعيم، والتمتع برؤية ربه إن كان مؤمناً، والخلود في الجنة، أما الكافر فيصل إلى كمال العذاب جزاء على عمله في الدنيا، ويخلد في النار.

والله حكيم عليم، خلق الإنسان ضعيفاً، ومع ضعفه فعلمه قليل، فمهما علم من العلم فلن يعرف كل شيء.

والإنسان مع ضعفه وقلة علمه عجول، ومع عجلته كان أكثر شيء جدلاً، ومع جداله كان خصيماً، وقتوراً وهلوعاً.

وفوق ذلك كان ظلوماً جهولاً، وفوق ذلك كان مختالاً فخوراً، وفوق ذلك كان كفوراً:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)} [الزخرف: 15].

إن أعطى لم يشكر .. وإن ابتلي لم يصبر .. وإن أساء لم يستغفر: «يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ» أخرجه مسلم (1).

فالإنسان بحاجة إلى الوحي، وبحاجة إلى الدين، وبحاجة إلى قدوة حسنة،

(1) أخرجه مسلم برقم (2577).

ص: 593

ولذلك بعث الله إليه خيار الناس وهم الأنبياء، ليقتدي بهم.

فمن اتبعهم وسار على هديهم أفلح ونجا في الدنيا والآخرة.

ومن خالفهم وسار على هواه ضل وخسر في الدنيا والآخرة.

فسبحان العليم الحكيم، السميع البصير، الذي خلق الإنسان ورعاه ورباه، وهو جنين في بطن أمه، وجعله في موضع صغير، لا يد تناله، ولا بصر يدركه.

وسبحان من أجرى له الدم من الأم، يتغذى به كما يتغذى النبات بالماء، فينمو تدريجياً حتى يصير بشراً سوياً.

وسبحان من قلب ذلك الدم بعد الولادة لبناً خالصاً.

حتى إذا كمل خلقك، وقوي بدنك على مباشرة الهواء، واستعد بصرك لملاقاة الضياء، وصلبت عظامك على مباشرة الأيدي، هاج الطلق بأمك بأمر العزيز الحكيم، وجاءت الأوامر بخروجك.

فخرجت من الظلمات إلى النور .. ومن دار الأمن إلى عالم الابتلاء .. فبينما الرحم مبتهجٌ بحملك .. صار يعج إلى ربك من ثقلك.

فسبحان الذي فتح لك بابه حتى ولجت .. ثم ضمه عليك وحفظك فيه حتى كملت .. ثم فتح لك الباب ووسعه حتى خرجت منه كلمح البصر .. لم يخنقك ضيقه .. ولم تحبسك صعوبة طريقه.

وسبحان من صرف ذلك اللبن الذي كنت تتغذى به في بطن أمك إلى خزانتين معلقتين على صدرها، تحمل غذاءك على صدرها، كما حملتك في بطنها، وساقه إلى تلك الخزانتين أعظم سوق وألطفه، فهي بئر مملوءة بالحليب، تشرب منها كلما ظمئت وجعت لبناً خالصاً سائغاً.

فتبارك الكريم الرحيم الذي خلقه وصفاه، وأطاب طعمه، وحسن لونه، وأحكم طبخه، ليس بالحار المؤذي، ولا البارد القارس، ولا المر ولا المالح، ولا الكريه الطعم والرائحة، بل هو أحسن ما يكون.

وجعله في أعلى مكان ليناسب حالك، فإذا اشتهيت اللبن در لك الثدي بإذن

ص: 594

ربه، ولسهولة وصوله إليك جعل الله في رأس الثدي حلمة هي بمقدار صغر فمك، فلا يضيق عنها، ولا يتعب بالتقامها:{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} [الجاثية: 6].

ثم نقب سبحانه في رأس الحلمة نقباً صغيراً يناسب حالك، لم يوسعه فتختنق باللبن، ولم يضيقه فتمصه بكلفة.

فسبحان من عطف قلب الأم على مولودها، ووضع فيه الحنان العجيب، والرحمة الباهرة، تسهر من أجلك، وتؤثرك بكل شيء، وهي منقادة مسرورة.

حتى إذا قوي بدنك، واتسعت أمعاؤك، وخشنت عظامك، واحتجت إلى طعام يشتد به عظمك، ويقوى عليه لحمك، أنبت في فيك آلة القطع والطحن من الأسنان والأضراس.

فسبحان الذي حبسها وقت الرضاع رحمةً بأمك، ثم أعطاكها أيام أكلك رحمةً بك ولطفاً بك.

وكلما ازددت قوة وحاجة إلى الأسنان في أكل الطعام زيد لك في تلك الأسنان، حتى تنتهي إلى النواجذ، فتطيق نهش اللحم، وقطع الخبز، ثم إذا ازددت قوة، زيد لك فيها حتى تنتهي إلى الطواحين التي هي آخر الأضراس.

ومن رحمته سبحانه بالإنسان أن أخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فإنه على ضعفه لا يحتمل العقل والفهم والمعرفة، وإنما يعطي ذلك تدريجياً كما ينمو تدريجياً رحمةً من ربه العزيز الرحيم.

فلا يزال يتزايد فيه العقل والمعرفة شيئاً فشيئاً، حتى يألف الأشياء ويتمرن عليها، ويستقبلها بحسن التصرف فيها، وحسن التدبير لها.

وخص سبحانه الذكر بأن جمل وجهه باللحية، وقاراً وهيبةً له، وجمالاً وزينة، وفصلاً له عن سن الصبا، وفرقاً بينه وبين الإناث.

وبقيت الأنثى على حالها، لما خلقت له من استمتاع الذكر بها، فبقي وجهها على حاله ونضارته، ليكون أهيج للرجل على الشهوة، وأكمل للذة الاستمتاع.

ص: 595

فالماء واحد .. والوعاء واحد .. واللقاح واحد .. والنتاج مختلف.

فسبحان الذي أعطى الذكر الذكورية، والأنثى الأنوثية:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} [الشورى: 49، 50].

وجعل سبحانه المعدة خزانة يستقر فيها الغذاء، فتطبخه كالطباخ، وتسلمه لمن ينتفع به، فالإنسان يطبخ الطعام في الخارج، حتى يظن أنه قد كمل، وطباخه من الداخل يعاني من نضجه وطبخه ما لا تهتدي إليه، ولا تقدر عليه.

فهو يوقد عليه نيراناً تذيب الحصى، وتذيب ما لا تذيبه النار، وهي في ألطف موضع منك، لا تحرقك ولا تلتهب عليك، وهي أشد حرارة من النار.

وجعل سبحانه في بدنك المنافذ والأبواب، لإدخال ما ينفعك، وإخراج ما يضرك .. فهل من عاقل .. ؟ وهل من ذاكر .. ؟ وهل من شاكر .. ؟

فسبحان الخلاق العليم الذي خلق لك الحواس، وجعلها في الرأس كالمصابيح فوق المنارة لتتمكن بها من مطالعة الأشياء.

وجعل سبحانه الحواس خمساً في مقابل المحسوسات الخمس، كي لا يبقى شيء من المحسوسات لا يناله بحاسة:

فجعل البصر في مقابلة المبصرات .. وجعل السمع في مقابلة الأصوات، وجعل الشم في مقابلة الروائح .. وجعل الذوق في مقابلة المذوقات .. وجعل اللمس في مقابلة الملموسات .. فأي محسوس بقي بلا حاسة؟.

وأعينت هذه الحواس بمخلوقات أخر لتكمل بها منفعتها:

فأعينت حاسة البصر بالضياء والنور .. وأعينت حاسة السمع بالهواء الذي ينقل الأصوات .. وأعينت حاسة الشم بالنسيم اللطيف .. وأعينت حاسة الذوق بالريق المتحلل في الفم .. وأعينت حاسة اللمس خاصة بقوة جعلها الله فيها تدرك بها الملموسات، ولم تحتج إلى شيء من خارج.

فسبحان من أخرج الكلام من هواء ساذج في باطن الإنسان، وأخرج من

ص: 596

الحروف والكلمات والجمل أنواع الكلام:

من أمر ونهي .. ونظم ونثر .. ومضحك ومبك .. ومسل ومحزن .. وما يولد الخوف .. وما يولد الأمن .. ومنه ما يسقم الصحيح .. ومنه ما يبرئ السقيم .. ومنه ما يزيل النعم .. ومنه ما يحل النقم .. ومنه ما يستدفع به البلاء .. ومنه ما يجلب النعماء .. ومنه ما يؤلف القلوب .. ومنه ما يفرق القلوب .. ومنه ما يضل .. ومنه ما يهدي .. ومنه العالي .. ومنه السافل .. ومنه الحسن .. ومنه القبيح.

فسبحان من أخرج هذا كله من هواء ساذج يخرج من الصدر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)} [الشعراء: 8، 9].

وسبحان من أخرج من هواء واحد ما لا يحصيه إلا الله من الحروف والكلمات، والأصوات والأنغام، وأخرج بماء واحد ما لا يحصيه إلا الله من النباتات والأشجار، والأزهار والثمار .. وأخرج بلسان واحد ما لا يحصيه إلا الله من اللغات واللهجات.

فالحلق يمر به هواء واحد، والأرض تسقى بماء واحد، والمواليد من هذ وهذا مختلفة لا يحصي أنواعها إلا الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82].

وما أعظم نعمة الله في الحفظ والنسيان، والذي خص به نوع الإنسان، وما أعظم ما فيهما من الحكم، وما للعبد فيهما من المصالح.

فإنه لولا القوة الحافظة التي خص الله بها الإنسان لدخل عليه الخلل في أموره كلها، ولم يعرف ما له وما عليه، ولا ما أخذ ولا ما أعطى، ولا ما سمع وما رأى، ولا ما قال ولا ما قيل له، ولا ذكر من أحسن إليه، ولا من أساء إليه، ولا من نفعه فيقرب منه، ولا من ضره فينأى عنه، ولا يعرف علماً ولو درسه مراراً، ولا يهتدي إلى الطريق الذي سلكه أول مرة ولو سلكه مراراً، ولا ينتفع بتجربة، ولا يعرف من عامله.

ص: 597

ومن أعجب النعم عليه نعمة النسيان، فإنه لولا النسيان لما سلا أبداً، ولا انقضت له حسرة، ولا تعزى عن مصيبة، ولا ارتفع عنه حزن، ولا بطل له حقد، ولا استمتع بشيء من الدنيا مع تذكر الآفات، ولا نام من تذكر المصائب والبليات.

فما أعظم نعمة الله على العبد في الحفظ والنسيان مع تضادهما: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النحل: 53].

والله على كل شيء قدير، يفعل ما يشاء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يفعل ما يشاء بقدرته وهو الصمد:

خلق آدم بلا أب ولا أم .. وخلق زوجه من أب بلا أم .. وخلق عيسى من أم بلا أب .. وخلقنا من أب وأم.

فخلق آدم من تراب، وخلق زوجه من أحد أضلاعه، وخلق عيسى من نفخة جبريل في درع مريم، وخلق البشر من اجتماع ماء الرجل والمرأة.

فسبحان من خلق من هذا الماء بشراً سوياً يقوم ويقعد .. ويأكل ويشرب .. ويفرح ويغضب .. ويصلي ويتعبد .. ويعدل ويظلم .. ويتكلم ويسكت .. ويرحم ويبطش.

وسبحان من جعل من نسله الذكر والأنثى .. والأسود والأبيض .. والطويل والقصير .. والمؤمن والكافر .. والعاقل والمجنون .. والعرب والعجم.

وسبحان من هيأه للإيمان والكفر .. والطاعات والمعاصي .. والخير والشر .. والإحسان والإساءة .. والهدى والضلالة.

وسبحان من ملأ الأرض من نسله.

فهذا يولد .. وهذا يموت .. حتى يأكلوا أرزاقهم .. ويستكملوا آجالهم .. والله يوالي عليهم نعمه .. ويرسل إليهم رسله .. وهم يعملون بما يسر الله لهم .. ويغدون ويروحون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فما أعظم خلق هذه النفوس، وما أعجب ما فيها من الآيات والعبر والشواهد

ص: 598

والحكم، وما أدلها على قدرة بارئها وفاطرها:{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات: 20، 21].

وهذا الإنسان مركب من ستة أشياء وهي:

بدنه الجثماني .. ونفسه الشهوانية .. ونفسه الغضبية .. ونفسه الشيطانية .. وروحه الملكية .. وجوهره العقلي.

والذي يملك السمع والأبصار هو الله، فهو خالقها وحده، وهو الذي يهبها القدرة على أداء وظائفها أو يحرمها، ويعافيها أو يمرضها، ويسمعها ويريها ما تحب أو ما تكره.

وفي تركيب العين وأعصابها، وكيفية إدراكها للمرئيات.

وفي تركيب الأذن وأجزائها، وطريقة إدراكها للذبذبات.

في ذلك كله عجائب تذهل العقول، وتدير الرؤوس.

إن كثيراً من الناس يمرون غافلين بالبدائع الإلهية في الكون وفي أنفسهم، كأنهم لا يبصرون ولا يدركون:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} [يونس: 92].

والذي يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، هو الله وحده.

ألا ما أعظم الرب الخالق سبحانه، وما أعظم قدرته، وما أتقن صنعه.

إن وقفة واحدة أمام الحبة والنواة، تخرج منهما النبتة والنخلة.

أو أمام البيضة والبويضة، يخرج منهما الفرخ والإنسان.

إن ذلك لكافٍ لاستغراق حياة الإنسان في التأمل والارتعاش، إجلالاً لعظمة الله وكمال قدرته، وسعة علمه، وجميل صنعه.

فسبحان العليم القدير.

أين كانت تكمن السنبلة في الحبة؟ .. وأين كان يكمن العود؟.

وأين كانت تلك الجذور والساق والأوراق والثمار؟.

وأين في النواة كان يكمن اللب واللحاء، والساق والعراجين؟.

وأين كان يكمن الطعم والنكهة، واللون والرائحة؟.

ص: 599

وأين كان يكمن البلح والتمر، والرطب والبسر؟.

وأين في البيضة كان الفرخ؟.

وأين كانت تكمن تلك العظام واللحوم، والزغب والريش؟.

وأين كان يكمن في البويضة ذلك الكائن البشري العجيب؟.

وأين كان يكمن لحمه وعظامه، عروقه وأعصابه، وسمعه وبصره، ورأسه وأطرافه، وأفكاره وأعماله، وكلامه وحركاته؟

{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)} [لقمان: 11].

وإن تحول الطعام الذي يموت بالطهي والنار، إلى دم حي في الجسم الحي .. وتحول هذا الدم إلى فضلات ميتة بالاحتراق .. لأعجوبة يتسع العجب منها .. كلما زاد العلم بها .. وهي بعد كائنة في كل لحظة آناء الليل وأطراف النهار.

إن هذه الكائنات الحية لا تكون إلا من إله حي، يهب الحياة لكل حي:{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} [غافر: 65].

ص: 600