الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - فقه الإيمان باليوم الآخر
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} [التوبة: 18].
وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)} [المائدة: 69].
الله تبارك وتعالى خلق الإنسان، وجعله يمر بأربع دور، وجعل لكل دار أحكاماً، وجعل له في كل دار أجلاً.
فخلق الله الإنسان في بطن الأم، وأمهله تسعة أشهر حتى تكمل أعضاؤه وجوارحه.
فإذا كملت خرج من بطن الأم إلى بطن الدنيا، وهي دار العمل، وطلب منه تكميل الإيمان والأعمال الصالحة.
فإذا كملت مدته جاءه أجله، وخرج من الدنيا إلى مكان الانتظار وهو القبر، وهو برزخ يعذب فيه الإنسان أو ينعم حسب عمله.
فإذا اكتمل من قدر الله خلقه من أهل الجنة وأهل النار قامت الساعة، وخرج الناس من قبورهم إلى دار القرار، حيث ينال المؤمنون كمال النعيم في الجنة، وينال أهل النار كمال العذاب في النار:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} [الروم: 14 - 16].
والإنسان في هذه الدنيا عبد مربوب كغيره، هيأ الله له كل ما يحتاجه من الطعام والشراب، والسكن والمركب، واللباس والمال.
فإذا جاء يوم القيامة هدمت أبنية الدنيا، ودكت الأرض، وسيرت الجبال، وشقت السماء، وكورت الشمس، وانتثرت النجوم، وخسف القمر، وعطلت
العشار، وتم تخريب هذا العالم وهدمه بأجمعه.
فالله تبارك وتعالى عزيز حكيم، لما بنى للناس دار الدنيا، للسكن بها، والتمتع بخيراتها، وجعل ما فيها زينة للأبصار، وعظة للاعتبار، والاستدلال بها على وحدانيته، وجميل صنعه، بما يقتضي الإيمان به، وإخلاص العبادة له، والعمل بدينه وشرعه.
فلما انقضت مدة السكنى بها، واستوفى كل إنسان رزقه وأجله، وأثره وعمله، وحقت كلمة ربك على فنائها، أجلاهم ربك منها، وهدمت وخربت لانتقال الخلق منها، وبدلت بدار أخرى، أبقى منها وأدوم، ثم نقل الخلق إليها:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [إبراهيم: 48].
والعبد المسلم في الدنيا كالأجير، والأجير حال اشتغاله بالعمل لا تدفع الأجرة بكمالها إليه، لأنه إذا أخذها كاملة لا يجتهد في العمل، فإذا أكمل عمله كان له الحق في المطالبة بكامل أجرته.
وهكذا الإنسان يعبد ربه ويمتثل أوامر خالقه في الدنيا، فيسعده الله في الدنيا، ويوفيه كامل أجرته يوم القيامة بعد فراغه من جميع أعماله.
وإذا كان محل أخذ الأجرة الكاملة هو الدار الآخرة كان الاجتهاد في العمل أشد وأكمل.
والله عز وجل عزيز حكيم منزه عن الظلم والعبث، وله عبيد بعضهم أقوياء وبعضهم ضعفاء، وهو رحيم عدل، فلا بد أن ينصف عباده المظلومين ممن ظلمهم.
وإذا لم يحصل هذا في هذه الدار فلا بد من دار أخرى، يظهر فيها العدل والإنصاف وهي الدار الآخرة التي فيها الحكم لله وحده:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} [غافر: 17].
والله سبحانه أمر بالطاعات، ورغب فيها بربط الثواب بفعلها، ونهى عن المعاصي والقبائح، وحذر منها بربط العقاب بفعلها.
والثواب المرغب فيه، والعقاب المهدد به، غير حاصل كله في دار الدنيا، فلا بد من دار أخرى يحصل فيها للعبد المطيع كمال الثواب، ويحصل للعبد المسيء كمال العقاب.
والحكمة تقتضي تمييز المحسن من المسيء، والظالم من المظلوم، والمؤمن من الكافر، وإكرام من أطاع، وإهانة من عصى، والقصاص للمظلوم ممن ظلمه:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} [الجاثية: 21].
والدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، والإنسان في الدنيا لا يزال في الحبس:
فأول الحبوس صُلب الأب .. وثانيها بطن الأم .. وثالثها المهد .. ورابعها الكد على العيال .. وخامسها مرض الموت .. وسادسها القبر.
فإن خرجت منه إلى الجنة نسيت مرارة كل حبس تقدم.
وإن خرجت منه إلى النار، فذاك حبس الأبد، وخسارة الأبد.
فالناس يوم القيامة قسمان:
إما خارج من سجن الدنيا إلى الجنة .. وإما ذاهب إلى سجن الآخرة إلى الأبد.
وأوحش ما يكون ابن آدم في ثلاثة مواطن:
يوم يولد فيخرج من بطن أمه إلى دارهم .. ويوم يموت ويدفن مع الموتى فيجاور جيراناً لم ير مثلهم .. ويوم يبعث فيشهد مشهداً لم ير مثله قط.
ولذلك قال عيسى بن مريم: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} [مريم: 33].
والدين بالنسبة للعباد قسمان:
دين شرعي أمري .. ودين حسابي جزائي.
وكلاهما لله وحده، فالدين كله أمراً وجزاءً لله وحده لا شريك له.
والمحبة أصل ذلك كله:
فما شرعه الله لعباده وأمر به، فإنه يحبه ويرضاه، وما نهى عنه فإنه يكرهه
ويبغضه، لمنافاته لما يحبه ويرضاه.
ودين العبد لله به إنما يقبل إذا كان عن محبة ورضى.
وكذلك دين الله الجزائي، فإنه يتضمن مجازاة المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، وكل من الأمرين محبوب للرب عز وجل، فإنهما عدله وفضله، وكلاهما من صفات كماله.
والله عز وجل يحب أسماءه وصفاته، ويحب من يحبهما، ويحب من يعمل بموجبهما.
وكل واحد من الدينين:
الأمري الشرعي، والحسابي الجزائي .. صراطه المستقيم الذي هو عليه.
فهو سبحانه على صراط مستقيم في أمره ونهيه، وفي ثوابه وعقابه كما قال هود صلى الله عليه وسلم عن ربه:{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 56].
فكل ما يقضيه الله ويقدره ويأمر به فلا يخاف العبد ظلمه ولا جوره، ولا يخرج تصرفه في عباده عن العدل والفضل.
إن أعطى سبحانه وأكرم وهدى ووفق وأسعد فبفضله ورحمته.
وإن منع وأهان وأضل وخذل وأشقى فبعدله وحكمته.
وهو سبحانه على صراط مستقيم في هذا وهذا.
ولله سبحانه حكم عظيمة في بعثه الأموات بعدما أماتهم:
منها: أن يبين الله للناس الذي اختلفوا فيه، وهذا بيان عياني تشترك فيه الخلائق كلهم، والذي في الدنيا بيان إيماني بالآخرة اختص به بعضهم.
الثانية: علم الكافر المبطل بأنه كان كاذباً، وأنه كان على باطل، فيخزيه الله بذلك أعظم خزي كما قال سبحانه:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)} [النحل: 38، 39].
الثالثة: جزاء العامل على عمله كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} [غافر: 17].
الرابعة: ظهور عدل الله في الحكم بين عباده، وعظمة فضله عليهم، ورحمته لهم كما قال سبحانه:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)} [الحج: 56، 57].
الخامسة: تقرير كمال علم الرب وكمال قدرته كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)} [الحجر: 85 - 86].
السادسة: تقرير كمال حكمة الرب كما قال سبحانه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 115 - 116].
وقد أقسم الله جل جلاله على وقوع المعاد والجزاء بسيد الجبال وهو الطور.
وأقسم بسيد الكتب المنزلة من عند الله لعظمته وجلاله، وما تضمنه من آيات ربوبيته وهداية خلقه وهو القرآن.
وأقسم بسيد البيوت وهو البيت المعمور الذي فوق السماء السابعة.
وأقسم بسقف العالم وهو السماء العظيمة وما فيها من الآيات.
وأقسم بالبحر المسجور، وهو آية عظيمة من آيات الله وعجائبه لا يحصيها إلا الله.
فقال سبحانه: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)} [الطور: 1 - 8].
وأقسم الله عز وجل على ثبوت الجزاء، ومستحق الجزاء، وجمع بين محل الجزاء وهو يوم القيامة، ومحل الكسب وهو النفس اللوامة فقال: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)} [القيامة: 1 - 4].
وأمر سبحانه أصدق خلقه أن يقسم للناس بوقوع المعاد كما قال سبحانه: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)} [يونس: 53].
ويوم القيامة يوم عظيم يجمع الله فيه الأولين والآخرين والمؤمنين والكافرين، والمطيعين والعاصين، ويجازي كلاً بعمله كما قال سبحانه:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)} [التغابن: 9، 10].
يجمع هؤلاء الخلائق ويحاسبهم الذي يجمع عظام الإنسان بعدما فرقها البلى ومزقها.
ويجمع للإنسان يومئذ جميع عمله الذي قدمه وأخره من خير وشر.
ويجمع ذلك من جمع القرآن في صدر رسوله وعباده المؤمنين.
يجمع المؤمنين في دار الكرامة فيكرم وجوههم بالنظر إليه.
ويجمع الكافرين في دار الهوان فيهينهم بحجابهم عنه.
وهو قادر على جمع الخلق كما جمع خلق الإنسان من نطفة من مني يمنى، ثم جعله علقة مجتمعة الأجزاء، بعدما كانت نطفة متفرقة في جميع بدن الإنسان.
فكيف ينكر الإنسان أن يجمع الله عظامه، وأن يجمع الله بينه وبين عمله وجزائه، وأن يجمع مع جنسه اليوم الجمع، وأن يجمع عليه من أمر الله ونهيه وعبوديته، فلا يترك سدى مهملاً معطلاً لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة: 36 - 40].
بلى .. وهو الخلاق العليم .. العزيز الحكيم.
والإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، له قيمة كبرى في تعليق أنظار بني آدم وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض.
فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يسيطر عليهم الهم والقلق، وعندئذ يملكون العمل لوجه الله، وانتظار الجزاء حيث يقدره الله في طمأنينة ويقين.
إن حياة البشر لا تستقيم على منهج الله ما لم تطمئن قلوبهم إلى أن جزاءهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير، وما لم يتق المسلم المحدود العمر إلى أن له حياة أخرى أدوم وأسعد، تستحق أن يجاهد لها، وأن يضحي لنصرة الحق والخير معتمداً على ما وعده الله من العوض فيها.
والإيمان بالحياة الآخرة نعمة يفيضها الإيمان على القلب، ونعمة يهبها الله للفرد الفاني العاني المحدود الأجل.
وما أغلق أحد على نفسه هذا المنفذ إلا وحياته ناقصة، أو مطموسة، أو مضطربة.
فالإيمان بالآخرة فوق أنه إيمان بعدل الله المطلق، وجزائه الأوفى، هو ذاته باعث للحيوية في النفس دافع لها نحو الدار الباقية، والمنازل العالية، والنعيم المقيم.
والإيمان باليوم الآخر نعمة يفيض السلام منها على روح المؤمن وعالمه، وينفي عنه القلق والسخط والقنوط.
فالحساب الختامي للبشرية ليس في هذه الأرض، والجزاء الأوفى ليس في هذه العاجلة:{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)} [الغاشية: 25 - 26].
فلا قلق على الأجر إذا لم يوف في هذه العاجلة، فسوف يوفاه قطعاً بميزان الله غداً تاماً كاملاً أحوج ما يكون إليه.
ولا قنوط كذلك من العدل إذا توزعت الحظوظ في رحلة الحياة الدنيا على غير ما يريد ويراه الإنسان، فالعدل لا بد واقع في الدار الآخرة، وحين يحكم الله
وحده بين عباده فهناك العدل والفضل والكرم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40].
والإيمان باليوم الآخر، حاجز عن الصراع والمنافسة في حطام الدنيا وملذاتها، والخوض في الحرمات والمحرمات، بلا تحرج ولا حياء.
فهناك الدار الآخرة فيها عطاء، وفيها غناء، وفيها عوض عما يفوت.
والإيمان بالآخرة يخفف من السعار الذي ينطلق من الشعور بأن الفرصة الوحيدة المتاحة هي فرصة هذ العمر القصير المحدود، فيطمئن قلبه أن النعيم الأوفى والأدوم ينتظره في الآخرة.
والإيمان باليوم الآخر أعظم أركان الإيمان بعد الإيمان بالله، ذلك أن الإيمان باليوم الآخر يقوم على أساس أن الله خلق الإنسان ليستخلفه في الأرض، بعهد منه يتناول كل صغيرة وكبيرة من نشاط الإنسان في الأرض.
وأن الله خلقه واستخلفه ليبتليه في حياته الدنيا ثم ينال جزاءه بعد نهاية الابتلاء.
وهذا الإيمان هو الذي يكف قلب المسلم وسلوكه وعمله في هذه العاجلة، فهو يمضي في طريق الطاعة، والقيام بالحق، وفعل الخير، سواء كانت ثمرة ذلك في الأرض راحة له أم تعباً، نصراً له أم هزيمة، حياة له أم موتاً، لأن جزاءه هناك في الدار الآخرة بعد نجاحه في الابتلاء جنة عرضها السموات والأرض.
إن الإيمان باليوم الآخر يعطي الإنسان طاقة وقوة، فلا يزحزحه عن الطاعة والحق، والخير والبر أن تقف له الدنيا كلها بالمعارضة والأذى، والشر والقتل، فهو إنما يتعامل مع ربه العزيز الرحيم، وينفذ عهده وشرطه، وينتظر الجزاء المضمون هناك.
وما أقصر هذه الحياة الدنيا التي تزحم حسن الناس، وتشغل نفوسهم، وتأكل أوقاتهم، إنها رحلة سريعة يقضيها الإنسان هناك، ثم يعود إلى مقره الدائم، وداره الأصلية:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)} [يونس: 45].
حقاً كأنها ساعة من نهار قضاها الخلق في التعارف ثم رحلوا، وكأن الناس دخلوا ثم خرجوا ولم يفعلوا شيئاً سوى التعارف.
فهل هؤلاء الأفراد الذين يتنازعون ويتعاركون فيما بينهم، ويقع بينهم من سوء التفاهم كل ساعة ما يقع، هل هؤلاء تم تعارفهم كما ينبغي؟.
وهل هذه الأمم والشعوب المتناحرة، والدول المتخاصمة، التي تتعارك على الحطام والأعراض، هل هذه عرف بعضها بعضاً؟.
حقاً إنها الخسارة الفادحة لمن جعلوا همهم كله هو هذه الرحلة الخاطفة، وكذبوا بلقاء الله، وشغلوا عنه، فلم يستعدوا لهذا اللقاء بشيء يلقون به ربهم.
ولم يستعدوا كذلك بشيء للإقامة الطويلة في الدار الباقية.
فماذا ينتظر مثل هؤلاء من العذاب والتوبيخ والإهانة؟.
والاعتقاد باليوم الآخر ليس طريقاً لنيل الثواب في الآخرة فحسب، وإنما هو كذلك حافز على فعل الخير في الحياة الدنيا، وحافز على إصلاحها وإنمائها حسب أمر الله، على أن يراعى في هذا النماء على أنه ليس هدفاً في ذاته، وإنما هو وسيلة لتحقيق حياة لائقة بالإنسان، الذي نفخ الله فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وكرمه على كثير من خلقه، ورفعه عن درك الحيوان.
ولتكون أهداف حياته أعلى من ضرورات الحيوان، ولتكون دوافعه وغاياته أرفع من دوافع الحيوان وغاياته.
إن الإيمان بالآخرة هو الزمام الذي يكبح الشهوات والنزوات، ويضمن القصد والاعتدال، فالذي لا يؤمن بالآخرة لا يملك أن يحرم نفسه شهوة، أو يكبح فيها نزوة.
فالذي لا يحسب حساب الوقفة بين يدي الله، ولا يتوقع ثواباً ولا عقاباً يوم القيامة، ما الذي يمسكه عن إرضاء شهواته ونزواته، وتحقيق لذاته ورغباته؟:
{إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)} [النبأ: 27، 28].
ومن لا يتوقع الحساب في الآخرة يندفع لنيل جميع شهواته بلا معوق من تقوى أو حياء.
والنفس مطبوعة على حب ما يلذ لها، وأن تجده حسناً جميلاً، ما لم تهتد بآيات الله ورسالاته إلى الإيمان بعالم آخر باق بعد هذا العالم الفاني، فإذا هي تجد لذتها في أعمال أخرى، وأشواق أخرى، تصغر إلى جوارها لذات البطون والأجسام.
والله تبارك وتعالى هو الذي خلق النفس البشرية، وجعلها مستعدة للاهتداء إن تفتحت لدلائل الهدى.
وجعلها مستعدة للعمى إن طمست منافذ الإدراك فيها.
ومشيئة الله نافذة وفق سنته التي خلق النفس البشرية عليها في حالتي الاهتداء والضلال.
فالذين لا يؤمنون بالآخرة نفذت فيهم سنة الله، في أن تصبح أعمالهم وشهواتهم مزينة لهم حسنة عندهم، فهم يعمهون لا يرون ما فيها من شر وسوء، حائرون لا يهتدون فيها إلى صواب، وعاقبتهم الخسران وسوء العذاب في الدنيا والآخرة:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)} [النمل: 4، 5].
إن الذين لا يؤمنون بالآخرة يعيشون في عذاب كما يعيشون في ضلال، فالذي يعيش بلا عقيدة في الآخرة يعيش في عذاب نفسي لا أمل له ولا رجاء في إنصاف ولا عدل ولا جزاء ولا عوض عما يلقاه في هذه الحياة.
وفي الحياة مواقف مخيفة، وابتلاءات جسيمة، لا يقوى الإنسان على مواجهتها إلا وفي نفسه رجاء الآخرة، وثوابها للمحسن، وعقابها للمسيء، وابتغاء وجه الله والتطلع إلى رضاه في ذلك العالم الاخر، الذي لا تضيع فيه صغيرة ولا كبيرة.
والذي يحرم هذه النافذة المضيئة، الندية المريحة، يعيش بلا ريب في العذاب والضلال في الدنيا والآخرة، فماذا عند الكفار من النعيم والسرور:{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)} [سبأ: 8].
وفي يوم القيامة يجمع الله جميع الخلائق في جميع الأجيال والقرون، ولا يتأخر منهم أحد:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: 9].
ويعرض الخلق كلهم على ربهم: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)} [الكهف: 48].
ويحضر هذا الجمع العظيم الملائكة، وعددهم لا يعلمه إلا الله، ويصفون جميعاً صفوفاً محيطة بالخلق كما قال سبحانه:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 22].
والسموات السبع العظيمة مملوءة بالملائكة، وحملة العرش ومن حوله، كل هؤلاء يحضرون لفصل القضاء بين الناس.
فكم يكون عدد الملائكة في هذا الجمع، وهم حافون من حول العرش؟:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)} [الزمر: 75].
ويأتي الرب جل جلاله للفصل بين الخلق يوم القيامة، ويحمل عرشه سبحانه ثمانية من الملائكة الذين لا يعلم عظمتهم وقوتهم وقدرتهم إلا الله:{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)} [الحاقة: 17، 18].
وفي ذلك اليوم العظيم يحصل التغابن، لما فيه من فوز المؤمنين بالنعيم، وحرمان الكافرين من كل شيء منه، ثم سوقهم إلى الجحيم.
وذلك يوم عظيم، يوم الحسرة والندامة، يندم فيه كل كافر وكل عاصٍ على ما فرط وظلم: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} [الفرقان: 27 - 29].
إن الإنسان الذي خلقه ربه في أحسن تقويم، والذي ميزه بهذه الإنسانية التي من شأنها أن يكون أعرف بربه، وأطوع لأمره من الأرض والسماء، وقد نفخ فيه من روحه، وأودعه القدرة على الاتصال به، وتلقي قبساً من نوره.
هذا الإنسان يقطع رحلة حياته على الأرض كادحاً إلى ربه بفكره وجهده وعمله، ليصل في النهاية إلى ربه.
فإليه سبحانه المرجع والمآب بعد الكد والكدح والجهاد: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)} [الانشقاق: 6].
إن الإنسان لا يجد الراحة في الأرض أبداً، إنما الراحة هناك في الجنة لمن يقدم لها بالإيمان والطاعة والعبادة.
التعب في الأرض واحد، والكدح واحد، وإن اختلف لونه وطعمه، أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك.
فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض، وواحد إلى نعيم يمسح ما قبله من كد وكدح.
فالمؤمن السعيد يحاسب حساباً يسيراً، فلا يناقش ولا يدقق معه الحساب:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} [الانشقاق: 7 - 9].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ أحَدٌ يُّحَاسَبُ إِلا هَلَكَ» . قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، ألَيْسَ يَقُولُ الله عز وجل:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قَالَ: «ذَاكَ الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ» متفق عليه (1).
هذا حال المؤمن.
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4939) واللفظ له، ومسلم برقم (2876).
أما حال المعذب الكافر الهالك المأخوذ بعمله السيئ، الذي يؤتى كتابه وهو كاره فهذا هو التعيس الذي قضى حياته في الأرض كدحاً، وقطع طريقه إلى ربه كدحاً في المعاصي والآثام والضلال، فهو يدعو ثبوراً، ويتمنى الهلاك لينقذ نفسه مما هو مقدم عليه من الشقاء والعذاب، ولكن أنى يستجاب له؟.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)} [الانشقاق: 10 - 12].
وهذا الصنف من الناس كان في الدنيا مسروراً بين أهله، غافلاً عن ربه، لاهياً عما ينتظره في الآخرة من العذاب، وهو يظن أنه لن يرجع إلى بارئه، وربه يعلم بكل خطواته وحركاته، ويعلم أنه صائر إليه.
فما أعظم خسرانه: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)} [الانشقاق: 13 - 15].
إن الإيمان بالغيب هو الذي يحكم السلوك الإنساني، فالذي يؤمن بالغيب وباليوم الآخر، وبالحساب والجنة والنار، يخشى الله سبحانه وتعالى في كل عمل يعمله:
فإذا أراد أحد أن يسرق تذكر الله، وتذكر أنه ملاقيه، وأنه سيحاسبه على ذلك، فيتراجع عن هذه السرقة.
وإذا أردت أن ترتكب ما حرم الله، وتذكرت الآخرة والحساب، خشيت الله وتراجعت.
فأساس السلوك البشري في الدنيا هو الإيمان بالغيب، والإيمان بالغيب يدخل فيه أساساً الإيمان باليوم الآخر.
والإيمان بالغيب والآخرة هو أساس الإيمان كله.
فإذا لم يعتقد الإنسان بالآخرة فممن يخاف ويخشى؟.
من ذا الذي يرفع يدك عن ضعيف تغتصب حقه إلا إيمانك بالآخرة.
ما الذي يوقفك عن أن تأكل أموال الناس بالباطل؟.
وما الذي يمنع الناس من الظلم والبغي؟.
إن الوازع الذي يقول لك قف مكانك، هو الإيمان بالآخرة، لأنك ستحس أن كل عمل عملته مكتوب عليه، وسيسألك الجبار عنه، فلولا الإيمان بالآخرة لتحولت الدنيا إلى مجموعة من الوحوش.
يقتل القوي الضعيف .. : ويعتدي القادر على العاجز .. ويضيع الحق .. وتباح الحرمات .. وتتنهب الأموال .. وتنتهك الأعراض.
وأخشى ما يخشاه المؤمن هو حساب الله له في الآخرة.
وأخشى ما يخشاه الكافر هو الحساب في الآخرة.
فالكافر وإن كان لا يؤمن بالآخرة ولكن في داخله شيء يؤرقه، والموت الذي يراه كل يوم في أهله وقومه يملأ حياته بالرعب والفزع، وينغص عليه عيشه.
والله عز وجل على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.
وهو قادر على أن يخلق يوماً مقداره أربعة وعشرون ساعة.
وقادر على أن يخلق يوماً مقداره ساعة.
وقادر على أن يخلق يوماً مقداره مائة ألف سنة.
وقادر على أن يخلق يوماً يستمر بلا نهاية كيوم القيامة الذي لا ليلة بعده أبداً.
فالمخلوق ليس قيداً على قدرة الخالق، فالزمان والمكان كل خاضع لإرادة الله وحده، والأجسام والأحجام والأشكال والألوان خلقها بيد الله وحده.
وموعد قيام الساعة لا يعلمه إلا الله وحده، فهو الذي ينتهي إليه أمرها، ويعلم موعدها وحده، فلا يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ولا ذكي فطن:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} [النازعات: 42 - 44].
أما الرسول فوظيفته إنذار من يخشاها، فهو الذي ينفعه الإنذار، وهو الذي يشعر قلبه بمجيئها، فيخشاها ويعمل لها قبل مجيئها.
وهي من ضخامة وقوعها في النفس بحيث تتضاءل أمامها الحياة الدنيا بكل ما فيها، وتبدو كأنها بعض يوم:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)} [النازعات: 46].
واليوم الآخر هو يوم القيامة الذي يبعث الله فيه الخلائق للحساب والجزاء سمي بذلك لأنه لا يوم بعده، حيث يستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
والإيمان باليوم الآخر:
هو التصديق الجازم بكل ما أخبر الله ورسوله به مما يكون في ذلك اليوم العظيم من البعث والحشر، والحساب والوزن، والحوض والصراط، والجنة والنار، وغير ذلك مما يجري في عرصات القيامة.
ويلحق بذلك ما يكون قبل الموت من علامات الساعة، وأشراطها الصغرى والكبرى.
وما يكون بعد الموت من فتنة القبر، وعذاب القبر ونعيمه.
والإيمان بالله واليوم الآخر أعظم أركان الإيمان، ولأهمية هذين الركنين يقرن الله بينهما كثيراً في القرآن كما قال سبحانه:{ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [الطلاق: 2].
إن اليوم الآخر يوم عظيم، وستجري على العباد فيه أحوال عظيمة.
ولعظمته وهوله تعددت أسماؤه بحسب ما يجري فيه:
فهو يوم القيامة .. ويوم البعث .. ويوم الفصل .. ويوم الدين .. ويوم الخروج .. ويوم الخلود .. ويوم الحساب .. ويوم الوعيد .. ويوم الجمع .. ويوم التغابن .. ويوم التلاق .. ويوم التناد .. ويوم الحسرة، والغاشية والصاخة والواقعة والحاقة والقارعة والطامة الكبرى، وغير ذلك، وكلما عظم الشيء تعددت أسماؤه وصفاته.
وستحدث في هذا اليوم العظيم أحداث فلكية ضخمة، وكلها تشير إلى اختلال
كامل في النظام الكوني المنظور بأفلاكه ونجومه وكواكبه، وانقلاب في أوضاعه وأشكاله وارتباطاته، تكون به نهاية العالم.
وكلها ينبئ بأن نهاية هذا العالم ستكون نهاية مروعة مخيفة مذهلة للخلائق كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} [الحج: 1، 2].
إنها نهاية مخيفة مروعة حقاً:
ترج فيها الأرض وتدك .. وتنسف فيها الجبال وتبس .. وتسجر فيه البحار وتفجر .. وتطمس فيها النجوم وتنكدر .. وتشق فيها السماء وتنفطر .. وتسقط الكواكب وتنتثر .. وتكور الشمس .. ويخسف القمر .. وتختل المسافات فيجمع الشمس والقمر .. وتبدو السماء مرة كالدخان .. ومرة وردة كالدهان .. ومرة ملتهبة حمراء .. إلى آخر هذا الهول الكوني العظيم.
وقد بين الله بالتفصيل أهوال ذلك اليوم العظيم، ليتقيه الناس، ويعملوا لما ينجيهم كما قال سبحانه:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} [البقرة: 281].
فما ذلك اليوم؟ .. وماذا يجري فيه؟ .. وما هي أهواله؟ .. وما حال الناس فيه؟.
قال الله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)} [النبأ: 17 - 20].
وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)} [المزمل: 14].
وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)} [النازعات: 6 - 9].
وقال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} [إبراهيم: 48].
وقال الله تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [غافر: 16].
وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)} [المعارج: 8، 9].
وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)} [القارعة: 4، 5].
إنه يوم عظيم، ويوم عسير، يهز القلوب هزاً بهذه المشاهد المزلزلة، والتقلبات المخيفة، والأهوال المرعبة:
وقال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)} [الانفطار: 1 - 5].
وقال الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} [الزلزلة: 1 - 5].
وقال الله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} [الواقعة: 1 - 6].
وإذا حصلت هذه الأمور العظيمة تميز الخلق، وعلم كل أحد ما قدمه لآخرته، وما أحضره فيها من خير أو شر.
وحينئذ ينكشف الغطاء، ويزول ما كان خفياً، وتعلم كل نفس ما معها من الأرباح والخسران.
وهنالك يعض الظالم على يديه إذا رأى أعماله باطلة، وميزانه قد خف،
والمظالم قد تداعت إليه، والسيئات قد حضرت لديه، وأيقن بالشقاء الأبدي، والعذاب السرمدي.
وهنالك يفوز المتقون بالفوز العظيم، والنعيم المقيم، والسلامة من عذاب الجحيم.
إنه يوم العدل والحساب الدقيق: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 6 - 8].
إنه يوم الموازين: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} [القارعة: 6 - 11].
إنه يوم بياض الوجوه وسوادها: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)} [آل عمران: 106، 107].
وكيف تكون حال الإنسان أمام هذه الأهوال العظام: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} [الواقعة: 4 - 6].
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)} [الانشقاق: 1 - 4].
ومن يطيق هذه المشاهد المروعة؟، وهل من مفر منها؟.
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)} [الحاقة: 13 - 15].
وأنى يفر الإنسان من ملك الله؟. {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)} [القيامة: 7 - 13].
فهل تهز هذه المشاهد والأهوال من هم بعد في هذه الأرض يكذبون بلقاء الله،
ولا يؤمنون به، ولا يوقرونه، ولا ينقادون لأمره؟.
إنه يوم الحسرة والندامة، يوم الصراخ والبكاء .. يوم الذل والهوان، يوم العذاب والشقاء، لكل ظالم ضال، ولكل كافر جاحد، ولكل مفسد وطاغ:{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} [النبأ: 21 - 30].
وهو يوم الفرح والسرور، ويوم التسليم والتسبيح بحمد الله، ويوم العزة والتكريم، ويوم السعادة والحبور، ويوم اللذات والنعيم، لكل مؤمن تقي عرف هذا اليوم واستعد له، فنال بذلك الفوز والفلاح كما قال سبحانه:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)} [النبأ: 31 - 36].
ويوم القيامة هو اليوم الحق الذي لا يروج فيه الباطل، ولا يقبل فيه الكذب، وجميع الخلق ساكتون لا يتكلمون إلا من أذن الرحمن له بالكلام، وقال صواباً:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)} [النبأ: 38، 39].
فعلينا الاستعداد لذلك اليوم العظيم بالإيمان والأعمال الصالحة، والمبادرة إلى التوبة من الذنوب، والاستغفار من كل خلل أو تقصير:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} [الحشر: 18].
إن من آمن بالله واطمأن بذكره، وصدق رسله، وعمل بشرعه، فهذا هو الفائز يوم القيامة وهو الذي يقال له:{يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر: 27 - 30].
فليتق العبد ربه، وليستعد لذلك اليوم العظيم، الذي فيه الوعد على فعل الخير
والوعيد على فعل الشر كما قال سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)} [البقرة: 281].
فمن علم أنه راجع إلى الله .. فمجازيه على الصغير والكبير .. والجلي والخفي .. وأن الله لا يظلمه مثقال ذرة .. أوجب له ذلك الرغبة والرهبة .. والانتباه من الغفلة: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: 93 - 95].