الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحليم
ومن أسمائه الحسنى عز وجل: الحليم.
قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} [البقرة: 235].
وقال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44].
الله تبارك وتعالى هو الغني الحليم، الذي يدر على خلقه صنوف النعم الظاهرة والباطنة مع معاصيهم وكثرة زلاتهم، ويحلم عن مقابلة العصاة بمعاصيهم، يستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم، ولكنه غفور حليم، فله الحمد على حلمه وإحسانه.
وهو سبحانه العزيز الحليم، ذو الصفح والأناة، الذي لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم، الحليم على من أشرك به وكفر من خلقه في تركه تعجيل عذابه، لعله يتوب إلي ربه.
وهو سبحانه الحكيم الحليم، الذي يضع الأمور مواضعها، ولا يؤخرها عن وقتها، ولا يعجلها قبل أوانها.
وهو سبحانه الحليم الغفور، الذي يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه، وهو يحلم ويؤخر، وينظر ويؤجل، ولا يعجل عليهم لعلهم يتوبون، ويستر آخرين ويغفر، ويفرح أشد الفرح بتوبة التائبين.
وحِلم الله عز وجل على عباده، وتركه معاجلتهم بالعقوبة، من صفات كماله، فحلمه ليس لعجزه عنهم، وإنما هو صفح وعفو عنهم، أو إمهال لهم مع القدرة، فإن الله قوي لا يعجزه شيء:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)} [فاطر: 44].
وحلم المولى الكريم ليس عن عدم علمه بما يعمل العباد، بل هو العليم
الحليم، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)} [الأحزاب: 51].
وحلم الله عز وجل عن خلقه ليس لحاجته إليهم، بل هو سبحانه يحلم عنهم ويصفح ويغفر مع استغنائه عنهم، وشدة حاجتهم اليه.
وحلم الله جل جلاله من صفات كماله، فحلمه على عباده عظيم يتجلى في صبره على خلقه مع كثرة معاصيهم، فهو الغني الكريم الحليم الذي لا يحبس إنعامه وأفضاله وإحسانه عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنه كريم يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ويبقيه وهو منهمك في معاصيه، كما يبقي البر التقي.
وقد يقيه بل وقاه الآفات والبلايا وهو غافل لا يذكره، فضلاً عن أن يدعوه ويشكره، كما يقيها الناسك الذي يؤمن به، ويسأله ويعبده.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ أحَدٌ، أوْ لَيْسَ شَيْءٌ أصْبَرَ عَلَى أذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَداً، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» متفق عليه (1).
وذنوب العباد عظيمة كبيرة كثيرة، ولو عجل الله عقوبة العصاة أولاً بأول، ما بقي على ظهر الأرض أحد، ولكن الله حليم رحيم، يؤخر عقوبة هؤلاء الظلمة إلى وقتهم الذي وقت لهم:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)} [النحل: 61].
وتأخير العذاب عن العصاة إنما هو رحمة لهم وبهم، لعلهم يتوبون، ولكن الناس يغترون بالإمهال، وحلم الله عنهم، حتى يأخذهم سبحانه بعدله وقوته، عندما يأتي أجلهم الذي سمى لهم.
ألا ما أحلم الله .. وما أجهل البشر بأسماء الله وصفاته .. وما أكثر معاصيهم.
إن الله يريد للناس الرحمة والإمهال، ولكن الأجلاف والجهال منهم يرفضون
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6099) واللفظ له، ومسلم برقم (2804).
تلك الرحمة وذلك الإمهال، حتى يسألون الله أن يعجل لهم العذاب والنقمة، كما قال سبحانه عن كفار مكة:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)} [الأنفال: 32].
وتأخير العذاب عن الكفار والفجار إنما هو في الدنيا فقط، وأما في الآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون، بل يجزون بأعمالهم، ويعاقبون على ذنوبهم، إلا أنه يُرفع العذاب عمن شاء الله من عصاة المؤمنين.
والله غفور حليم، ولولا حلمه عن الجناة، ومغفرته للعصاة، لما استقرت السموات والأرض، لما يحصل من شدة الكفر وعظيم الجرائم من بعض العباد كما قالت النصارى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)} [مريم: 88 - 91].
السموات والأرض تهم وتستأذن بالزوال لعظم ما يأتي به العباد من الكفر والفسوق والعصيان، فيمسكهما الله بحلمه ومغفرته، فحلمه ومغفرته يمنعان زوال السموات والأرض، وبحلمه سبحانه صبر عن معاجلة أعدائه بالعقوبة كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)} [فاطر: 41].
إن الله حليم غفور، ولو شاء لعاجل العصاة والكفار بالعقوبة، ولأمر السماء فحصبتهم، وأذن للأرض فابتلعتهم، ولكنه سبحانه حليم يمسك بقدرته وحلمه وصبره تفطير السموات، وانشقاق الأرض، وزوال الجبال، ويحبسها عن ذلك بحلمه، فإن ما يأتي به الكفار والمشركون والفجار والعصاة في مقابلة عظمة الله وجلاله، وإكرامه وإحسانه يقتضي ذلك.
ولكن الله جعل في مقابلة هذه الأسباب أسباباً يحبها ويرضاها، ويفرح بها أتم فرح وأكمله من الإيمان والتقوى، والتوبة والاستغفار، تقابل تلك الأسباب التي هي سبب زوال العالم وخرابه.
فدافعت تلك الأسباب وقاومتها، وكان هذا من آثار مدافعة رحمته لغضبه، وغلبتها له، ورحمته سبحانه سبقت غضبه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» متفق عليه (1).
وهو سبحانه الذي خلق كل شيء، وبيده كل شيء، وهو الذي حرك الأنفس والأبدان، وأعطاها قوى التأثير، وهو الذي أوجدها وأعدها، وأمرها وسلطها على من شاء، وهو الذي يمسكها إذا شاء، ويحول بينها وبين قواها إذا شاء.
وهو سبحانه الحليم الذي خلق ما يصبر عليه، وما يرضى به، فإذا أغضبته معاصي الخلق وكفرهم، وشركهم وظلمهم، أرضاه تسبيح ملائكته الذين يملؤون السموات، وتسبيح عباده المؤمنين به، وحمدهم إياه، وطاعتهم له، وانكسارهم وذلهم بين يديه في الأرض.
ومن عرف أن ربه حليم على من عصاه، فعليه أن يحلم هو على من خالف أمره، ويرفع الانتقام عمن أساء إليه:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}
…
[الشورى: 43].
فسبحان ذي الجلال والكبرياء، الذي تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة، وصغرت لكبريائه السموات السبع ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن، وافتقر إليه العالم العلوي والعالم السفلي، وخشعت له الأصوات، ولهجت بذكره وحمده المخلوقات:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44].
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7404)، ومسلم برقم (2751)، واللفظ له.