المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفقه أسماء الله وصفاته

- ‌1 - فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

- ‌2 - فقه عظمة الرب

- ‌3 - فقه قدرة الرب

- ‌4 - فقه رحمة الرب

- ‌5 - فقه علم الرب

- ‌6 - فقه جمال الرب

- ‌7 - فقه أسماء الله الحسنى

- ‌الله…جل جلاله

- ‌الرحمن

- ‌الملك

- ‌القدوس

- ‌السلام

- ‌المؤمن

- ‌المهيمن

- ‌العزيز

- ‌الجبار

- ‌الكبير

- ‌الخالق

- ‌البارئ

- ‌المصور

- ‌الغفور

- ‌القاهر

- ‌الوهاب

- ‌الرزاق

- ‌الفتاح

- ‌العليم

- ‌السميع

- ‌البصير

- ‌الحكيم

- ‌اللطيف

- ‌الخبير

- ‌الحليم

- ‌العظيم

- ‌الشكور

- ‌العلي

- ‌الحفيظ

- ‌الرقيب

- ‌المقيت

- ‌الشهيد

- ‌الحاسب

- ‌الكريم

- ‌الواسع

- ‌المجيد

- ‌الرب

- ‌الودود

- ‌الحق

- ‌المبين

- ‌الوكيل

- ‌الكفيل

- ‌القوي

- ‌المتين

- ‌الولي

- ‌الحميد

- ‌الحي

- ‌القيوم

- ‌الواحد

- ‌الصّمد

- ‌القادر

- ‌الأول

- ‌الآخر

- ‌الظاهر

- ‌الباطن

- ‌البر

- ‌التواب

- ‌العفو

- ‌الرؤوف

- ‌الغني

- ‌الهادي

- ‌النور

- ‌البديع

- ‌الفاطر

- ‌المحيط

- ‌القريب

- ‌المستعان

- ‌المجيب

- ‌الناصر

- ‌الوارث

- ‌الغالب

- ‌الكافي

- ‌ذو الجلال والإكرام

- ‌ذو العرش

- ‌ذو المعارج

- ‌ذو الطول

- ‌ذو الفضل

- ‌الرفيق

- ‌الشافي

- ‌الطيب

- ‌السبوح

- ‌الجميل

- ‌الوِتر

- ‌المنان

- ‌الحيي

- ‌الستير

- ‌الديان

- ‌المحسن

- ‌السيد

- ‌المقدم والمؤخر

- ‌القابض والباسط

- ‌8 - فقه صفات الله وأفعاله

- ‌9 - فقه أحكام الأسماء والصفات

- ‌10 - فقه التعبد بأسماء الله وصفاته

- ‌الباب الثانيفقه الخلق والأمر

- ‌1 - فقه الخلق والأمر

- ‌2 - فقه أوامر الله الكونية والشرعية

- ‌3 - خلق الله للكون

- ‌4 - فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به

- ‌5 - فقه خَلق المخلوقات

- ‌1 - خلق العرش والكرسي

- ‌2 - خلق السموات

- ‌3 - خَلق الأرض

- ‌4 - خلق الشمس والقمر

- ‌5 - خلق النجوم

- ‌6 - خلق الليل والنهار

- ‌7 - خلق الملائكة

- ‌8 - خلق المياه والبحار

- ‌9 - خلق النبات

- ‌10 - خلق الحيوانات

- ‌11 - خلق الجبال

- ‌12 - خلق الرياح

- ‌13 - خلق النار

- ‌14 - خلق الجن

- ‌15 - خلق آدم

- ‌16 - خلق الإنسان

- ‌17 - خلق الروح

- ‌18 - خلق الدنيا والآخرة

- ‌البَابُ الثّالثفقه الفكر والاعتبار

- ‌1 - فقه الفكر والاعتبار

- ‌2 - فقه الفكر في أسماء الله وصفاته

- ‌1 - الفكر والاعتبار في عظمة الله

- ‌2 - الفكر والاعتبار في قدرة الله

- ‌3 - الفكر والاعتبار في علم الله

- ‌3 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات الكونية

- ‌4 - فقه الفكر في نعم الله

- ‌5 - فقه الفكر والاعتبار في الآيات القرآنية

- ‌1 - فقه التأمل والتفكر

- ‌2 - فقه التصريف والتدبير

- ‌3 - فقه الترغيب والترهيب

- ‌4 - فقه التوجيه والإرشاد

- ‌5 - فقه الوعد والوعيد

- ‌6 - فقه الفكر والاعتبار في الخلق والأمر

- ‌البَابُ الرَّابعكتاب الإيمان

- ‌1 - فقه الإيمان بالله

- ‌1 - فقه الإحسان

- ‌2 - فقه اليقين

- ‌3 - فقه الإيمان بالغيب

- ‌4 - فقه الاستفادة من الإيمان

- ‌2 - فقه الإيمان بالملائكة

- ‌3 - فقه الإيمان بالكتب

- ‌4 - فقه الإيمان بالرسل

- ‌5 - فقه الإيمان باليوم الآخر

- ‌6 - الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌1 - فقه الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌2 - فقه المشيئة والإرادة

- ‌3 - فقه خلق الأسباب

- ‌4 - فقه خلق الخير والشر

- ‌5 - فقه النعم والمصائب

- ‌6 - فقه الشهوات واللذات

- ‌7 - فقه السعادة والشقاوة

- ‌8 - فقه كون الحمد كله لله

- ‌9 - فقه الولاء والبراء

الفصل: ‌6 - فقه الشهوات واللذات

‌6 - فقه الشهوات واللذات

قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [آل عمران: 14].

وقال الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)} [الزخرف: 70، 71].

الشهوة واللذة من حيث هي مطلوبة للإنسان، بل ولكل حي، فلا تذم من جهة كونها لذة، وإنما تذم ويكون تركها خيراً من نيلها وأنفع إذا تضمنت فوات لذة أعظم منها وأكمل وأنفع، أو أعقبت ألماً حصوله أعظم من ألم فواتها.

ومتى عرف العاقل التفاوت بين اللذتين والألمين هان عليه ترك الأدنى لتحصيل الأعلى، واحتمال أيسر الألمين لدفع أعلاهما.

وإذا تقرر هذا:

فلذة الآخرة أعظم وأدوم .. ولذة الدنيا أصغر وأقصر .. والآخرة خير من الأولى كما قال سبحانه: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [آل عمران: 15].

وألم الدنيا أخف وأقصر .. وألم الآخرة أشد وأبقى كما قال سبحانه: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)} [الرعد: 34].

وإذا قوي اليقين وباشر القلب آثر الأعلى على الأدنى في جانب اللذة، واحتمل الألم الأسهل على الأصعب.

والصبر على الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة:

فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة .. وإما أن تقطع لذة أكمل منها .. وإما أن تضيع

ص: 1028

وقتاً إضاعته حسرة وندامة .. وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه .. وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه .. وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة .. وإما أن تجلب هماً وغماً، وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة .. وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة .. وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً .. وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة .. وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول .. فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق.

والشهوات في الدنيا موجودة، لكن الدنيا ليست محل قضاء الشهوات، فإن محل قضاء الشهوات وتكميلها في الآخرة.

ولو جمعنا ما في الدنيا كلها ما كفى لقضاء شهوة رجل واحد، لكن في الدنيا المطلوب تكميل الإيمان والأعمال الصالحة، وكل ما يحب الله من الصفات، ويوم القيامة فيه تكميل ما يحب المخلوق من الشهوات واللذات.

فالدنيا محل قضاء الضرورات، وليست محل تكميل الشهوات.

وقد خلق الله بطن الأم لتكميل أعضاء الإنسان وجوارحه.

وخلق الدنيا لتكميل الإيمان والأعمال الصالحة.

وخلق الآخرة لتكميل شهوات الإنسان .. وتحقيق القسط والعدل .. وإبلاغ البشرية إلى آفاقها العليا من النعيم.

وأغلب شهوات الإنسان وأظهرها ثلاث:

شهوة بطنه .. وشهوة فرجه .. وشهوة لسانه.

ثم الغضب الذي هو كالجندي لحماية الشهوات، ثم مهما أحب الإنسان شهوة البطن والفرج وأنس بهما أحب الدنيا، ولم يتمكن منها إلا بالمال والجاه، وإذا طلب المال والجاه وحصلهما، حدث فيه الكبر والعجب، وحب الرياسة.

وإذا ظهر ذلك لم تسمح نفسه بترك الدنيا رأساً، وتمسك من الدين بما فيه الرياسة، وغلب عليه الغرور، وثقلت عليه الأوامر، وهانت عليه المعاصي.

وقد ذكر الله عز وجل أصناف الشهوات بقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ

ص: 1029

النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [آل عمران: 14].

فذكر سبحانه أربعة أصناف من المال، كل نوع يتمول به صنف من الناس:

أما الذهب والفضة فيتمول بهما التجار .. وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك .. وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي .. وأما الحرث فيتمول بها أهل المزارع.

فتكون فتنة كل صنف، في النوع الذي يتمول به، أما النساء والبنون ففتنة للجميع.

والإنسان مبتلى في هذه الحياة فهو يمشي في وادي اللذات، ويسبح في بحر الشهوات، ولقطع هذا الوادي وعبور هذا البحر لا بد من الإيمان الذي يحجزه عن محارم الله، ويدفعه لطاعة الله، حتى يصل إلى الجنة بسلام، فإن لم يكن معه إيمان غرق في هذا البحر وهلك وشقي شقاوة الأبد.

وكل شهوة ولذة محرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها أو فعلها، مثمرة للألم حال انقضائها، موجبة للعقوبة حال اشتهارها:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59].

فعلينا أن نحسب كم مشينا في متطلبات الدنيا والشهوات؟.

وكم مشينا في متطلبات الآخرة، وتحقيق أحكام الله؟.

وكم مشينا في مراد الله، وكم مشينا في مراد النفس؟.

وكم طاعة فعلناها، وكم معصية اقترفناها؟.

نفعل ذلك في الدنيا قبل نشر الصحف ونصب الموازين، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} [الحشر: 18].

وقد انقسم الناس بالنسبة للشهوات إلى قسمين:

ص: 1030

الأول: قسم جعلوها هي المقصودة، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها، ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها.

فهؤلاء كانت لهم زاداً إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.

والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها امتحاناً وابتلاء لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته، على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقاً يتزودون منها لآخرتهم، ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم، وفارقوها بقلوبهم، وجعلوها معبراً إلى الدار الآخرة، ومتجراً يرجون بها سكن القصور الفاخرة.

فهؤلاء صارت لهم زاداً إلى الجنة، وإلى مرضاة ربهم.

وهؤلاء المستحقون لها لهم صفات: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)} [آل عمران: 16، 17].

وهم الذين اتقوا ربهم بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه.

فهم مؤمنون صابرون على أداء ما يحبه الله من طاعته، صابرون عن معصيته، صابرون على أقداره المؤلمة.

وهم صادقون في إيمانهم وأقوالهم، وأفعالهم وأحوالهم.

منفقون مما رزقهم الله بأنواع النفقات على المحاويج من الأقارب وغيرهم.

واللذة والبهجة، والفرح والسرور، وقرة العين به، مقصود كل حي، فلا بد من مراد مطلوب محبوب للنفس، فإذا حصل المطلوب المراد، فاقتران اللذة والنعمة، والفرح والسرور وقرة العين به على قدر قوة محبته وإرادته والرغبة فيه.

وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها، فهي إنما تذم إذا أعقبت ألماً أعظم منها، أو

ص: 1031

منعت لذة خيراً منها، وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة، وهي لذة الدار الآخرة، ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله كما قال سبحانه:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)} [النحل: 30].

والله عز وجل إنما خلق الخلق لدار القرار، وجعل اللذة كلها بأسرها فيها، فالدنيا متاع فتمتع بها إلى غيرها، والآخرة هي المستقر والغاية.

كما قال سبحانه: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)} [النساء: 77].

فلذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إلى لذات الآخرة، ولذلك خلقت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأةُ الصَّالِحَةُ» أخرجه مسلم (1).

فكل لذة أعانت على لذات الآخرة فهي محبوبة للرب مرضية له، وصاحبها يتلذذ بها من وجهين:

من جهة تنعمه وقرة عينه بها.

ومن جهة إيصالها له إلى مرضاة ربه، وإفضائها إلى لذة أكمل منها.

فهذه اللذه هي التي ينبغي للعاقل أن يسعى في تحصيلها، لا اللذة الي تعقبه غاية الألم، وتفوت عليه أعظم اللذات، ولهذا يثاب المؤمن على كل ما يلتذ به من المباحات إذا قصد به الإعانة والتوصل إلى لذات الآخرة ونعيمها، فيثاب مثلاً على أكل الطيبات، وعلى وطء زوجته، وعلى سماع القرآن، وعلى النظر في ملكوت السموات والأرض.

ويعاقب الإنسان على أكل المحرمات والخبائث، وعلى الزنا، وعلى السرقة، وعلى السماع والنظر إلى المحرمات.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَفِي بُضْعِ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أيَأتِي أحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ، قال: أرَأيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا

(1) أخرجه مسلم برقم (1467).

ص: 1032

وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أجْراً» أخرجه مسلم (1).

وهذه اللذة تزيد وتتضاعف بحسب ما عند العبد من الإقبال على الله، وإخلاص العمل له، والرغبة في الدار الآخرة، وهذا أطيب نعيم ينال من الدنيا، فخير الدنيا والآخرة يناله العبد، قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة حسناء، إن نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله.

فالفرح والسرور يحصل ويكمل بمعرفة المحبوب وإرادته وإيثاره ومحبته.

والألم والحزن والهم والغم ينشأ من عدم العلم بالمحبوب، أو من عدم إرادته وإيثاره مع العلم به، أو من عدم إدراكه والظفر به مع محبته وإرادته، وهذا من أعظم الألم.

ولهذا يكون ألم الإنسان في البرزخ وفي دار الحيوان بفوات محبوبه أعظم من ألمه بفواته في الدنيا، لمعرفته هناك بكمال ما فاته ومقداره، وشدة حاجته إليه، وشوق نفسه إليه هناك، وحصول ضده المؤلم له، فيا لها من مصيبة ما أوجعها وما أشدها؟.

وأين هذا ممن يلتذ في الدنيا بكل ما يقصد به وجه الله سبحانه وتعالى من الأكل والشرب، واللباس والنكاح والجهاد، فضلاً عما يلتذ به من معرفة ربه وحبه له، وتوحيده، والإنابة إليه، والتوكل عليه، وفرح القلب، وسروره بقربه.

وهذه اللذة لا تزال في الدنيا في زيادة، فإذا تجردت الروح وفارقت دار الأحزان والآفات، واتصلت بالرفيق الأعلى، وأفضت إلى دار النعيم، فهناك من أنواع اللذة والبهجة والسرور ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

فبؤساً للنفوس الدنيئة التي لا يهزها الشوق إلى ذلك طرباً وطلباً، تجول حول الحشى إذا جالت النفوس العلوية حول العرش، وتندس في الأحجار إذا طارت

(1) أخرجه مسلم برقم (1006).

ص: 1033

النفوس الزكية إلى أعلى الأوكار.

وكل لذة أعقبت ألماً أو منعت لذة أكمل منها فليست لذة في الحقيقة، وإن غالطت النفوس في الالتذاذ بها.

فأي لذة لأكل طعام شهي مسموم يقطع أمعاءه عن قريب؟.

وهذه هي لذات الكفار والفساق بعلوهم في الأرض، وفسادهم وفرحهم فيها بغير الحق ومرحهم كلذة الذين اتخذوا من دون الله أولياءه، ولذة العقائد الفاسدة، ولذة غلبة أهل الجور والظلم، ولذة أهل الزنى والسرقة وشرب الخمر، ولذة أهل الكبائر والفجور.

ولم يمكنهم الله من ذلك لخير يريده بهم، بل هو استدراج منه ليبتليهم به فيحصل لهم أعظم الألم كما قال سبحانه:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)} [المؤمنون: 55، 56].

ولا غبطة فيما عند الكفار من الأموال والأولاد فإن أول عقوباتها عليهم أن قدموها على مراضي الرب، وعصوه لأجلها:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].

فكم ينالهم من المشقة في تحصيلها، والسعي في طلبها، وهم القلب فيها، وتعب البدن من أجلها؟.

فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم لم يكن لها نسبة إليها، ومن وبالها عليهم أن قلوبهم تتعلق بها، وإرادتهم لا تتعداها، فتكون منتهى مطلوبهم، وغاية مرغوبهم، ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب، فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا بلا أرباح، وتزهق أنفسهم وهم كافرون.

فأي عقوبة أعظم من هذه العقوبة الموجبة للشقاء الدائم، والحسرة الأبدية؟.

وكل ما يصد عن اللذة المطلوبة الباقية، فهو وبال على صاحبه، لكن لما كانت النفوس الضعيفة كنفوس النساء والصبيان لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا

ص: 1034

بإعطائها شيئاً من لذة اللهو واللعب، بحيث لو فطمت عنه كل الفطام طلبت ما هو شر لها منه، رخص لها من ذلك فيما لم يرخص فيه لغيرها. وذلك من باب الشفقة والرحمة والإحسان كما مكن النبي صلى الله عليه وسلم أبا عمير من اللعب بالعصفور بحضرته، ومكن الجاريتين من الغناء بحضرته، ومكن عائشة من النظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، ومكن تلك المرأة أن تضرب على رأسه بالدف.

ومثله إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من الزكاة والغنيمة، لضعف قلوبهم عن قلوب الراسخين في الإيمان من أصحابه.

ومزاحه صلى الله عليه وسلم مع من كان يمزح معه من الأعراب والصبيان والنساء تطييباً لقلوبهم، واستجلاباً لإيمانهم، وتفريحاً لهم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يبذل للنفوس من الأموال والمنافع، ما يتألفها به على الحق المأمور به، ويكون المبذول مما يلتذ به الآخذ ويحبه، لأن ذلك وسيلة إلى غيره.

ولا يفعل ذلك مع من لا يحتاج إليه كالمهاجرين والأنصار، بل يبذل لهم أنواعاً أخر من الإحسان إليهم والمنافع في دينهم ودنياهم، بتوجيه قلوبهم إلى مولاهم.

واللذات ثلاثة أقسام:

لذة جثمانية .. ولذة خيالية .. ولذة عقلية.

فاللذة الجثمانية لذة الأكل والشرب، والجماع والنوم، وهذه اللذة يشترك فيها الإنسان مع الحيوان البهيم، فليس كمال الإنسان بهذه اللذة، لمشاركة أنقص الحيوانات له فيها، ولأنها لو كانت كمالاً لكان أفضل الناس وأشرفهم وأكملهم أكثرهم أكلاً وشرباً وجماعاً ونوماً، ولو كانت كمالاً لكان نصيب رسل الله وأنبيائه وأوليائه منها في هذه الدار أكمل من نصيب أعدائه.

فلما كان الأمر بالضد تبين أنها ليست في نفسها كمالاً، وإنما تكون كمالاً إذا تضمنت إعانة على اللذة الدائمة العظمى.

ص: 1035

وأما اللذة الوهمية الخيالية فلذة الرياسة، والتعاظم على الخلق، والفخر والاستطالة عليهم، وهذه وإن كان طلابها أشرف نفوساً من طلاب اللذة الأولى، فإن آلامها وما توجبه من المضار والمفاسد أعظم من التذاذ النفس بها.

فإن صاحبها منتصب ومستعد لمعاداة كل من تعاظم وترأس عليه، واحتقار من دونه.

فهذه في الحقيقة ليست بلذة، وإن فرحت بها النفوس وسرت بحصولها.

وربما قيل أنه لا حقيقة للذة في الدنيا وإنما غايتها دفع آلام، كما يدفع ألم الجوع والعطش وألم الشهوة بالأكل والشرب والجماع، وألم الخمول وسقوط القدر عند الناس بالرياسة والجاه، لكن لا ريب أن اللذة أمر وجودي يستلزم دفع الألم بما بينهما من التضاد.

وأما اللذة العقلية الروحانية، فكلذة العلم والمعرفة، والاتصاف بصفات الكمال، من الكرم والجود والعفة، والشجاعة والصبر، والمروءة والحلم ونحوها، فالالتذاذ بذلك من أعظم اللذات، وهو لذة للأنفس العلوية الشريفة.

فإذا انضمت اللذة بذلك إلى لذة المعرفة بالله ومحبته وعبادته والرضا به عوضاً عن كل شيء، صاحب هذه اللذة في جنة عالية، نسبتها إلى لذات الدنيا كنسبة لذة الجنة إلى لذة الدنيا.

فإنه ليس للقلب والروح، ألذ ولا أطيب، ولا أحل ولا أنعم، من لذة محبة الله، والإقبال عليه، وعبادته ورؤيته والأنس به.

ومثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدله أمثال الجبال من لذات الدنيا.

وأكمل الناس لذة من جمع له بين:

لذة القلب .. ولذة الروح .. ولذة البدن.

فهو يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة، ولا يقطع عليه لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه.

فهذا ممن قال الله فيه: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ

ص: 1036

هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [الأعراف: 32].

وأنجس الناس حظاً من اللذة من تناولها على وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة، فيقال له يوم القيامة، يوم استيفاء اللذات:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)} [الأحقاف: 20].

فهؤلاء تمتعوا بالطيبات .. وأولئك تمتعوا بالطيبات، وافترقوا في وجه التمتع.

فأولئك تمتعوا بالطيبات على الوجه الذي أذن لهم فيه، فجمع لهم بين لذة الدنيا والآخرة.

وهؤلاء تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة، سواء أذن لهم فيه أم لا؟.

فانقطعت عنهم لذة الدنيا، وفاتتهم لذة الآخرة، فما أخسر هؤلاء، فلا لذة الدنيا دامت لهم، ولا لذة الآخرة حصلت لهم.

فمن أحب اللذة العظمى الدائمة فليجعل لذة الدنيا موصلة له إلى لذة الآخرة، فكلما التذ بلذات الدنيا، ذكرته بالله ولذات الجنة الأبدية.

فيستعين بها على فراغ قلبه لله وعبادته، ويتناولها بحكم الاستعانة بها على طاعة الله، لا بمجرد الشهوة والهوى.

وإن كان ممن زويت عنه لذات الدنيا وطيباتها، فليجعل ما نقص منها زيادة في لذة الآخرة، ويجم نفسه هاهنا بالترك، ليستوفيها كاملة يوم القيامة.

وطيبات الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله والدار الآخرة.

وبئس القاطع لمن كانت هي همه ومقصوده وحولها يدندن.

وفواتها في الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة.

وبئس القاطع النازع من الله والدار الآخرة.

فمن أخذ منافع الدنيا على وجه لا ينقص حظه من الآخرة ظفر بهما جميعاً وإلا

ص: 1037

خسرهما جميعاً.

ومعرفة الرب تعالى ومحبته، والإيمان به، وتوحيده، والعمل بطاعته، والأنس به .. أكمل نعيم للعبد في الدنيا والآخرة .. ولذة هذا النعيم بالنسبة للذات الدنيا بنسبة الذرة للجبل أو القطرة للبحر، وهو كالجنة بالنسبة لما سواه من النعيم.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الجنة بقوله: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ حِلَقُ الذِّكْر» أخرجه أحمد والترمذي (1).

ولذات الدنيا متاع وسبيل إلى لذات الآخرة، ولذلك ما خلقت الدنيا لذاتها، بل للتزود منها، والاستعانة بما فيها على طاعة الله وعبادته، فكل لذة أعانت على لذة الآخرة، وأوصلت إليها، لم يذم تناولها، بل يحمد بحسب إيصالها إلى لذة الآخرة.

وإذا علم العبد هذا، فليعلم أن أعظم نعيم الآخرة ولذاتها النظر إلى وجه الله جل جلاله، وسماع كلامه، والقرب منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فَمَا أُعْطُوا شيئاً أحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عز وجل» أخرجه مسلم (2).

وأعظم الأسباب التي تحصل هذه اللذة، هو أعظم لذات الدنيا على الإطلاق، وهي لذة معرفته سبحانه، ولذة محبته، فإن ذلك هو لذة الدنيا ونعيمها العالي.

وأطيب ما في الدنيا معرفته سبحانه ومحبته، وألذ ما في الجنة رؤيته ومشاهدته، فمحبته ومعرفته قرة العيون، ولذة الأرواح، وبهجة القلوب، ونعيم الدنيا وسرورها.

فليست الحياة الطيبة إلا بالله ولله، والروح والقلب والبدن إنما خلقت لعبادة الله، والتلذذ بطاعته ومناجاته والقرب منه.

والطيبات نوعان:

(1) حسن: أخرجه أحمد برقم (12551)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (2562).

وأخرجه الترمذي برقم (3510)، صحيح سنن الترمذي رقم (2787).

(2)

أخرجه مسلم برقم (181).

ص: 1038

طيبات للأبدان .. وطيبات للقلوب.

فطيبات القلوب في هذه الحياة هي ما تلتذ به من الإيمان بالله وتوحيده ومعرفته، والوقوف بين يديه، ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة آلائه ونعمه.

وذلك لون يجد فيه القلب المؤمن ما لا يجده في سائر المتاع، إنه متاع اللقاء مع الله ومناجاته في الصلاة بتكبيره وتعظيمه، وحمده والثناء عليه، وسؤاله واستغفاره في جو من الطهر والخشوع، والقرب من الرب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأكْثِرُوا الدُّعَاءَ» أخرجه مسلم (1).

وطيبات الأبدان هي ما تلتذ به من الطعام والشراب والطيبات من النساء، وكلاهما أمر مطلوب في حياة الإنسان، وبهما تكمل حياته، ويسعد في الدنيا والآخرة.

والمسلم يرتقي من متاع الطعام والشراب والزواج، إلى متاع الطهارة والصلاة، ويتبع هذه بهذه كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172].

والخير كله .. وكمال اللذات والشهوات .. وكمال النعيم والسرور .. كله بحذافيره في الجنة كما قال سبحانه: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17].

والشر كله .. وكمال العذاب والعناء .. وكمال الحسرة والندامة .. كل ذلك بحذافيره في النار يوم القيامة كما قال سبحانه عن أهل النار: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)} [الرعد: 34].

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.

ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.

(1) أخرجه مسلم برقم (482).

ص: 1039