المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقفه من الجهمية: - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - جـ ٤

[المغراوي]

فهرس الكتاب

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌أبو معاذ خلف بن سليمان (241 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقف السلف من ضرار بن عمرو المعتزلي

- ‌إسحاق بن سليمان الجواز (241 هـ سنة وفاة الإمام أحمد)

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌حارث بن أبي الحارث المحاسبي (243 ه

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌ذو النون المصري الصوفي (245 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌أبو تراب النخشبي عسكر بن الحصين الصوفي (245 ه

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌أحمد بن أبي الحواري الصوفي (246 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌عبد الله بن البسري (246 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌الحسين الكرابيسي أبو علي (248 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌الرواجني الرافضي المبتدع عباد بن يعقوب أبو سعيد الأسدي (250 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌أبو الحسن السري السقطي الصوفي (251 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقف السلف من محمد بن كرام (255 ه

- ‌موقف السلف من الجاحظ المعتزلي وبيان سوء عقيدته (255 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة والمشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة والقدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة والجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقف السلف من يعقوب بن شيبة (262 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌أبو حفص الحداد الصوفي (264 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة والصوفية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌شاه الكرماني الصوفي (270 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌الحسن بن زيد الداعي (270 ه

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف السلف من خبيث الزنج (270 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من إمام المسلمين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌هشام بن عبيد (277 هـ سنة وفاة أبي حاتم)

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌أبو عقيل المروزي (277 هـ سنة وفاة أبي حاتم)

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقف السلف من أبي سعيد أحمد بن عيسى الخراز (279 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌سهل بن عبد الله التستري الصوفي (283 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌ابن خراش الرافضي (283 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من التثويب:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة والرافضة والجهمية والخوارج والمرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقف السلف من الجنيد (289 ه

- ‌موقف السلف من أبي حمزة الحلولي (289 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌عباد بن بشار (290 هـ سنة وفاة محمد بن زكريا الغلابي)

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقف السلف من القاسم بن عبيد الله الوزير الزنديق (291 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقف السلف من زكرويه القرمطي (294 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقف السلف من ابن الراوندي الزنديق الكبير (298 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌ موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقف السلف من الجبائي المعتزلي (303 ه

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف السلف من الحلاّج (309 ه

الفصل: ‌موقفه من الجهمية:

عشرة مائة. فكيف يجوز أن يرضى الله عز وجل عن أقوام، ويحمدهم ويضرب لهم مثلا في التوارة والإنجيل، وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يقولوا: إنه لم يعلم، وهذا هو شر الكافرين. (1)

‌موقفه من الجهمية:

كان أبو محمد من خيار الناس وعلمائهم، وكان له الباع الطويل في الكتابة ومعرفة أحوال الناس. ترك آثارا تدل على ذلك، وكتبه 'تأويل مختلف الحديث' و'الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية' تدل على أن الرجل من كبار أهل السنة، واسمع ما قاله فيه الإمام الذهبي.

- جاء في السير: وقد أنبأني أحمد بن سلامة عن حماد الحراني أنه سمع السلفي ينكر على الحاكم في قوله: لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة ويقول: ابن قتيبة من الثقات وأهل السنة ثم قال: لكن الحاكم قصده لأجل المذهب.

قال الذهبي: عهدي بالحاكم، يميل إلى الكرامية، ثم ما رأيت لأبي محمد في كتاب 'مشكل الحديث' ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة، ومن أن أخبار الصفات تمر ولا تتأول فالله أعلم. (2)

من مواقفه المشرفة ما جاء في تأويل مختلف الحديث:

- قال أبو محمد: وقد تدبرت -رحمك الله- مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله مالا يعلمون، ويفتنون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تطرف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في

(1) تأويل مختلف الحديث (233 - 235).

(2)

السير (13/ 299).

ص: 347

النقل، ولا يتهمون آراءهم في التأويل. ومعاني الكتاب والحديث، وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة، لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر، والكيفية والكمية والآينية. ولو ردوا المشكل منهما، إلى أهل العلم بهما، وضح لهم المنهج، واتسع لهم المخرج. ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة، وحب الأتباع، واعتقاد الإخوان بالمقالات. والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضا. ولو ظهر لهم من يدعي النبوة -مع معرفتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أو من يدعي الربوبية- لوجد على ذلك أتباعا وأشياعا. وقد كان يجب -مع ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر- أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحساب والمساح، والمهندسون، لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد، وإلا على شكل واحد وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء وفي نبض العروق لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد فما بالهم أكثر الناس اختلافا، لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين. فـ"أبو الهذيل العلاف" يخالف "النظام" و"النجار" يخالفهما، و"هشام ابن الحكم" يخالفهم، وكذلك "ثمامة" و"مويس" و"هاشم الأوقص" و"عبيد الله ابن الحسن" و"بكر العمى" و"حفص" و"قبة" وفلان وفلان. ليس منهم واحد إلا وله مذهب في الدين، يدان برأيه، وله عليه تبع.

- قال أبو محمد: ولو كان اختلافهم في الفروع والسنن، لاتسع لهم العذر عندنا، -وإن كان لا عذر لهم، مع ما يدعونه لأنفسهم- كما اتسع لأهل الفقه، ووقعت لهم الأسوة بهم. ولكن اختلافهم، في التوحيد، وفي صفات الله تعالى، وفي قدرته، وفي نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار،

ص: 348

وعذاب البرزخ، وفي اللوح، وفي غير ذلك من الأمور التي لا يعلمها نبي إلا بوحي من الله تعالى. ولن يَعدِم هذا مَن رَدَّ مثل هذه الأصول إلى استحسانه ونظره وما أوجبه القياس عنده، لاختلاف الناس في عقولهم وإراداتهم واختياراتهم، فإنك لا تكاد ترى رجلين متفقين حتى يكون كل واحد منهما يختار ما يختاره الآخر، ويرذل ما يرذله الآخر، إلا من جهة التقليد والذي خالف بين مَناظِرهم وهيئاتهم وألوانهم ولغاتهم وأصواتهم وخطوطهم وآثارهم، حتى فرق القائف بين الأثر والأثر، وبين الأنثى والذكر هو الذي خالف بين آرائهم. والذي خالف بين الآراء هو الذي أراد الاختلاف لهم. ولن تكمل الحكمة والقدرة إلا بخلق الشيء وضده ليُعرف كل واحد منهما بصاحبه. فالنور يعرف بالظلمة، والعلم يعرف بالجهل، والخير يعرف بالشر، والنفع يعرف بالضر، والحلو يعرف بالمر لقول الله تبارك وتعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (1) والأزواج الأضداد والأصناف كالذكر والأنثى، واليابس والرطب، وقال تعالى:{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (2) ولو أردنا -رحمك الله- أن ننتقل عن أصحاب الحديث ونرغب عنهم إلى أصحاب الكلام، ونرغب فيهم، لخرجنا من اجتماع إلى تشتت، وعن نظام

(1) يس الآية (36).

(2)

النجم الآية (45).

ص: 349

إلى تفرق، وعن أنس إلى وحشة، وعن اتفاق إلى اختلاف، لأن أصحاب الحديث كلهم مجمعون على أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لا يكون.

وعلى أنه خالق الخير والشر، وعلى أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وعلى أن الله تعالى يرى يوم القيامة، وعلى تقديم الشيخين وعلى الإيمان بعذاب القبر لا يختلفون في هذه الأصول ومن فارقهم في شيء منها، نابذوه وباغضوه وبدعوه وهجروه. وإنما اختلفوا في اللفظ بالقرآن، لغموض وقع في ذلك وكلهم مجمعون على أن القرآن، بكل حال -مقروءا ومكتوبا، ومسموعا، ومحفوظا- غير مخلوق، فهذا الإجماع. (1)

- قال أبو محمد: فإذا نحن أتينا أصحاب الكلام، لما يزعمون أنهم عليه من معرفة القياس، وحسن النظر، وكمال الإرادة وأردنا أن نتعلق بشيء من مذاهبهم. ونعتقد شيئا من نحلهم، وجدنا "النظام" شاطرا من الشطار، يغدو على سكر، ويروح على سكر، ويبيت على جرائرها ويدخل في الأدناس ويرتكب الفواحش والشائنات وهو القائل:

ما زلت آخذ روح الزق في لطف

وأستبيح دما من غير مجروح

حتى انثنيت ولي روحان في جسدي

والزق مطرح جسم بلا روح

ثم نجد أصحابه يعدون من خطئه قوله إن الله عز وجل يحدث الدنيا وما فيها، في كل وقت من غير إفنائها. قالوا فالله في قوله يحدث الموجود، ولو جاز إيجاد الموجود، لجاز إعدام المعدوم. وهذا فاحش في ضعف الرأي،

(1) تأويل مختلف الحديث (13 - 16).

ص: 350

وسوء الاختيار. وحكوا عنه أنه قال: قد يجوز أن يجمع المسلمون جميعا على الخطأ. قال: ومن ذلك إجماعهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة دون جميع الأنبياء وليس كذلك وكل نبي في الأرض بعثه الله تعالى، فإلى جميع الخلق بعثه، لأن آيات الأنبياء -لشهرتها- تبلغ آفاق الأرض، وعلى كل من بلغه ذلك أن يصدقه ويتبعه. فخالف الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بعثت إلى الناس كافة، وبعثت إلى الأحمر والأسود وكان النبي يبعث إلى قومه"(1) وأول الحديث. وفي مخالفة الرواية وحشة، فكيف بمخالفة الرواية والإجماع لما استحسن. (2)

قال أبو محمد: وفسروا القرآن بأعجب تفسير، يريدون أن يردوه إلى مذاهبهم، ويحملوا التأويل على نحلهم. فقال فريق منهم في قوله تعالى:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (3) أي علمه، وجاءوا على ذلك بشاهد لا يعرف، وهو قول الشاعر:

ولا يُكَرْسيُّ علمَ الله مخلوقُ

كأنه عندهم: ولا يعلم علم الله مخلوق.

والكرسي غير مهموز، و"يكرسئ" مهموز، يستوحشون أن يجعلوا لله تعالى كرسيا، أو سريرا، ويجعلون العرش شيئا آخر. والعرب لا تعرف العرش

(1) أخرجه: أحمد (3/ 304) والبخاري (1/ 574/335) ومسلم (1/ 370 - 371/ 521) والنسائي (1/ 229 - 231/ 430) من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

تأويل مختلف الحديث (17 - 19).

(3)

البقرة الآية (255).

ص: 351

إلا السرير، وما عُرِش من السقوف والآبار. يقول الله تعالى:{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} (1) أي على السرير. وأمية بن أبي الصلت يقول:

مجدوا الله وهو للمجد أهل

ربنا في السماء أمسى كبيرا

بالبناء الأعلى الذي سبق النا

س وسوى فوق السماء سريرا

شرجعا ما يناله بصر العين

ترى دونه الملائك صورا (2)

- قال أبو محمد: وقالوا في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} (3) إن اليد، ههنا، النعمة لقول العرب "لي عند فلان يد" أي نعمة ومعروف. وليس يجوز أن تكون اليد ههنا، النعمة لأنه قال:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} معارضة عما قالوه فيها ثم قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} . ولا يجوز أن يكون أراد "غلت نعمهم، بل نعمتاه مبسوطتان" لأن النعم لا تغل، ولأن المعروف لا يكنى عنه باليدين، كما يكنى عنه باليد، إلا أن يريد جنسين من المعروف، فيقول: لي عنده يدان. ونعم الله تعالى أكثر من أن يحاط بها. (4)

- قال أبو محمد: قالوا: رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته". (5)

(1) يوسف الآية (100).

(2)

تأويل مختلف الحديث (67).

(3)

المائدة الآية (64).

(4)

تأويل مختلف الحديث (70).

(5)

انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).

ص: 352

والله تعالى يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (1) ويقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (2).

قالوا: وليس يجوز في حجة العقل، أن يكون الخالق يشبه المخلوق، في شيء من الصفات، وقد قال موسى عليه السلام:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} (3).

قالوا: فإن كان هذا الحديث صحيحا، فالرؤية فيه بمعنى العلم، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} (4) وقال: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (5).

قال أبو محمد: ونحن نقول: إن هذا الحديث صحيح، لا يجوز على مثله الكذب، لتتابع الروايات عن الثقات به، من وجوه كثيرة:

ولو كان يجوز أن يكون مثله كذبا، جاز أن يكون كل ما نحن عليه من أمور ديننا في التشهد، الذي لم نعلمه إلا بالخبر، وفي صدقة النعم، وزكاة الناض من الأموال، والطلاق، والعتاق، وأشباه ذلك من الأمور التي وصل إلينا علمها بالخبر، ولم يأت لها بيان في الكتاب - باطلا.

(1) الأنعام الآية (103).

(2)

الشورى الآية (11).

(3)

الأعراف الآية (143).

(4)

الفرقان الآية (45).

(5)

البقرة الآية (106) وفي الأصل: "ألم تر" والصواب ما أثبتناه.

ص: 353

وأما قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} وقول موسى عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} فليس ناقضا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترون ربكم يوم القيامة" لأنه أراد -جل وعز- بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} في الدنيا.

وقال لموسى عليه السلام: "لن تراني" يريد: في الدنيا، لأنه -جل وعز- احتجب عن جميع خلقه في الدنيا، ويتجلى لهم يوم الحساب، ويوم الجزاء والقصاص، فيراه المؤمنون كما يرون القمر في ليلة البدر، ولا يختلفون فيه، كما لا يختلفون في القمر.

ولم يقع التشبيه بها على كل حالات القمر، في التدوير، والمسير، والحدود وغير ذلك.

وإنما وقع التشبيه بها، على أنا ننظر إليه عز وجل كما ننظر إلى القمر ليلة البدر لا يختلف في ذلك، كما لا يختلف في القمر.

والعرب، تضرب المثل بالقمر في الشهرة والظهور، فيقولون:"هذا أبين من الشمس، ومن فلق الصبح، وأشهر من القمر" قال ذو الرمة:

وقد بهرت فما تخفى على أحد

إلا على أحد لا يعرف القمرا

وقوله في الحديث: "لا تضامون في رؤيته" دليل لأن التضام من الناس يكون في أول الشهر عند طلبهم الهلال، فيجتمعون، ويقول واحد:"هو ذاك هو ذاك" ويقول آخر: "ليس به وليس القمر كذلك" لأن كل واحد يراه بمكانه، ولا يحتاج إلى أن ينضم إلى غيره لطلبه.

ص: 354

وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قاض على الكتاب، ومبين له.

فلما قال الله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} الْأَبْصَارُ وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيح من الخبر "ترون ربكم تعالى في القيامة" لم يخف على ذي فهم ونظر ولب وتمييز، أنه في وقت دون وقت.

وفي قول موسى عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} أبين الدلالة، على أنه يرى في القيامة.

ولو كان الله تعالى لا يرى في حال من الأحوال، ولا يجوز عليه النظر، لكان موسى عليه السلام قد خفي عليه من وصف الله تعالى ما علموه.

ومن قال بأن الله تعالى يدرك بالبصر يوم القيامة، فقد حده عندهم، ومن كان الله تعالى عنده، محدودا، فقد شبهه بالمخلوقين، ومن شبهه عندهم بالخلق، فقد كفر.

فما يقولون في موسى عليه السلام فيما بين أن الله تعالى نبأه، وكلمه من الشجرة إلى الوقت الذي قال له فيه:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} أيقضون عليه بأنه كان مشبها لله محددا؟

لا، لعمر الله، لا يجوز أن يجهل موسى عليه السلام، من الله عز وجل مثل هذا، لو كان على تقديرهم.

ولكن موسى عليه السلام، علم أن الله تعالى، يرى يوم القيامة، فسأل الله عز وجل أن يجعل له في الدنيا، ما أجله لأنبيائه وأوليائه يوم القيامة.

ص: 355

فقال له: {لَنْ تَرَانِي} يعني في الدنيا {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (1).

أعلمه أن الجبل لا يقوم لتجليه حتى يصير دكا، وأن الجبال إذا ضعفت عن احتمال ذلك، فابن آدم أحرى أن يكون أضعف إلى أن يعطيه الله تعالى يوم القيامة ما يقوى به على النظر، ويكشف عن بصره الغطاء الذي كان في الدنيا.

والتجلي: هو الظهور، ومنه يقال:"جلوت العروس" إذا أبرزتها و"جلوت المرآة والسيف" إذا أظهرتهما من الصدأ.

وأما قولهم: إن الرؤية في قوله: (ترون ربكم يوم القيامة)، بمعنى العلم كما قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ على كُلِّ شَيْءٍ قديرٍ} (2). يريد "ألم تعلم" فإنه يستحيل، لأنا نعلمه في الدنيا أيضا - فأي فائدة في هذا الخبر إذا كان الأمر في يوم القيامة، وفي الدنيا واحدا.

وقرأت في الإنجيل أن المسيح عليه السلام حين فتح فاه بالوحي قال: "طوبى للذين يرحمون، فعليهم تكون الرحمة، طوبى للمخلصة قلوبهم، فإنهم الذين يرون الله تبارك وتعالى" والله تبارك وتعالى يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (3).

(1) الأعراف الآية (143).

(2)

البقرة الآية (106) وفي الأصل: "ألم تر" والصواب ما أثبتناه.

(3)

القيامة الآيتان (22و23).

ص: 356

ويقول في قوم سخط عليهم: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} (1).

أفما في هذا القول، دليل على أن الوجوه الناضرة، التي هي إلى ربها ناظرة، هي التي لا تحجب إذا حجبت هذه الوجوه؟ فإن قالوا لنا: كيف ذلك النظر والمنظور إليه؟

قلنا: نحن لا ننتهي في صفاته جل جلاله إلا إلى حيث انتهى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ندفع ما صح عنه، لأنه لا يقوم في أوهامنا، ولا يستقيم على نظرنا، بل نؤمن بذلك من غير أن نقول فيه بكيفية أو حد، أو أن نقيس على ما جاء، ما لم يأت- ونرجو أن يكون في ذلك من القول والعقد، سبيل النجاة، والتخلص من الأهواء كلها غدا، إن شاء الله تعالى. (2)

- قال أبو محمد: قالوا رويتم أن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله عز وجل (3). فإن كنتم أردتم بالأصابع ههنا، النعم، وكان الحديث صحيحا، فهو مذهب. وإن كنتم أردتم الأصابع بعينها، فإن ذلك يستحيل لأن الله تعالى لا يوصف بالأعضاء، ولا يشبه بالمخلوقين. وذهبوا في تأويل الأصابع إلى أنه النعم لقول العرب:"ما أحسن إصبع فلان على ماله" يريدون أثره، وقال الراعي في وصف إبله:

(1) المطففين الآيتان (15و16).

(2)

تأويل مختلف الحديث (204 - 208).

(3)

انظر تخريجه في مواقف سفيان بن عيينة سنة (198هـ) والشافعي سنة (204هـ).

ص: 357

ضعيف العصا بادي العروق ترى له

عليها إذا ما أمحل الناس أصبعا

أي: ترى له عليها أثرا حسنا.

قال أبو محمد: ونحن نقول: إن هذا الحديث صحيح، وإن الذي ذهبوا إليه في تأويل الإصبع لا يشبه الحديث، لأنه عليه السلام قال في دعائه:"يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك" فقالت له إحدى أزواجه: "أو تخاف -يا رسول الله- على نفسك؟ " فقال: "إن قلب المؤمن، بين أصبعين من أصابع الله عز وجل"(1). فإن كان القلب عندهم بين نعمتين من نعم الله تعالى، فهو محفوظ بتينك النعمتين، فلأي شيء دعا بالتثبيت، ولم احتج على المرأة التي قالت له:"أتخاف على نفسك" بما يؤكد قولها، وكان ينبغي أن لا يخاف إذا كان القلب محروسا بنعمتين. فإن قال لنا: ما الإصبع عندك ههنا؟ قلنا، هو مثل قوله في الحديث الآخر يحمل الأرض على أصبع (2)، وكذا على أصبعين. ولا يجوز أن تكون الإصبع -ههنا- نعمة. وكقوله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (3) ولم يجز ذلك. ولا نقول أصبع كأصابعنا، ولا يد كأيدينا، ولا قبضة كقبضاتنا، لأن كل شيء منه عز وجل لا يشبه شيئا منا. (4)

(1) انظر تخريجه في مواقف سفيان بن عيينة سنة (198هـ) والشافعي سنة (204هـ).

(2)

انظر تخريجه في مواقف وكيع بن الجراح سنة (196هـ).

(3)

الزمر الآية (67).

(4)

تأويل مختلف الحديث (208 - 210).

ص: 358

قال أبو محمد: قالوا: رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن"(1). وينبغي أن تكون الريح عندكم غير مخلوقة، لأنه لا يكون من الرحمن، جل وعز، شيء مخلوق.

قال أبو محمد: ونحن نقول: إنه لم يرد بالنفس، ما ذهبوا إليه، وإنما أراد أن الريح من فرج الرحمن عز وجل وروحه. يقال: اللهم نفس عني الأذى، وقد فرج الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم بالريح يوم الأحزاب. وقال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} (2). وكذلك قوله: "إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن"(3).

(1) أخرجه: الترمذي (4/ 451 - 452/ 2252) وقال: "حسن صحيح" والنسائي في الكبرى (6/ 231/10769) وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (5/ 123) والطحاوي في المشكل (2/ 380/918) من طرق عن أبي بن كعب مرفوعاً بلفظ: "لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا

" الحديث. وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 232/10771) والحاكم (2/ 272) وصححه ووافقه الذهبي عن أبي موقوفا بلفظ "لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن" وانظر الصحيحة (2756).

(2)

الأحزاب الآية (9).

(3)

رواه أحمد (2/ 541) من طريق شبيب أبي روح أن أعرابياً أتى أبا هريرة فقال: يا أبا هريرة حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية وأجد نفس ربكم من قبل اليمن

" قال العراقي في تخريج الإحياء (1/ 253): "أخرجه أحمد ورجاله ثقات"، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 56): "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة".

قلت: ثقة عند ابن حبان فلم يوثقه غيره، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً. وخالف شبيبا هذا جمع من الثقات، بل والأئمة الحفاظ كمحمد بن سيرين والأعرج وأبي سلمة بن عبد الرحمن والعلاء بن عبد الرحمن وسالم أبي الغيث وسعيد بن المسيب وأبي صالح السمان، كلهم رووا الحديث عن أبي هريرة دون ذكر:(وأجد نفس ربكم من قبل اليمن). ولهذا قال الشيخ الألباني عنها في الضعيفة (3/ 217): "هي عندي منكرة أو على الأقل شاذة".

تنبيه: والحديث دون ذكر هذه الزيادة في الصحيحين.

ص: 359

قال أبو محمد: وهذا من الكناية، لأن معنى هذا، أنه قال: كنت في شدة وكرب وغم من أهل مكة، ففرج الله عني بالأنصار. يعني: أنه يجد الفرج من قبل الأنصار، وهم من اليمن. فالريح من فرج الله تعالى وروحه، كما كان الأنصار من فرج الله تعالى.

قال أبو محمد: وقد بينت هذا في كتاب 'غريب الحديث' بأكثر من هذا البيان، ولم أجد بدا من ذكره ههنا، ليكون الكتاب جامعا للفن الذي قصدوا له. (1)

- قال أبو محمد: قالوا: رويتم "أن كلتا يديه يمين"(2)، وهذا يستحيل إن كنتم أردتم باليدين العضوين، وكيف تعقل يدان كلتاهما يمين؟ قال أبو محمد: ونحن نقول: إن هذا الحديث صحيح وليس هو مستحيلا وإنما أراد بذلك معنى التمام والكمال، لأن كل شيء فمياسره تنقص عن ميامنه في القوة والبطش، والتمام. وكانت العرب تحب التيامن، وتكره التياسر، لما في اليمين من التمام، وفي اليسار من النقص، ولذلك قالوا:"اليمن والشؤم" فاليمن من اليد: اليمنى، والشؤم من اليد: الشؤمى، وهي اليد اليسرى، وهذا وجه بين. ويجوز أن يريد: العطاء باليدين جميعا، لأن اليمنى هي المعطية. فإذا كانت اليدان يمينين كان العطاء بهما، وقد روي في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) تأويل مختلف الحديث (212).

(2)

أخرجه: أحمد (2/ 160) ومسلم (3/ 1458/1827) والنسائي (8/ 612 - 613/ 5394) من طريق عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

ص: 360

قال: "يمين الله سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار"(1) أي تصب العطاء ولا ينقصها ذلك، وإلى هذا ذهب المرار، حين قال:

وإن على الأوانة من عقيل

فتى كلتا اليدين له يمين (2)

- قال أبو محمد: والذي عندي -والله تعالى أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك، لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه، لأنها لم تأت في القرآن. ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه، بكيفية ولا حد. (3)

- قال أبو محمد: قالوا: رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الدهر، فإن الله تعالى هو الدهر"(4) فوافقتم في هذه الرواية، الدهرية.

- قال أبو محمد: ونحن نقول: إن العرب في الجاهلية كانت تقول: "أصابني الدهر في مالي بكذا، ونالتني قوارع الدهر وبواثقه ومصايبه. ويقول الهرم "حناني الدهر" فينسبون كل شيء تجري به أقدار الله عز وجل -عليهم، من موت أو سقم، أو ثكل، أو هرم، إلى الدهر. ويقولون: لعن الله هذا الدهر، ويسمونه المنون، لأنه جالب المنون عليهم عندهم، والمنون: المنية، قال أبو ذؤيب:

أَمِنَ المنون وريبه تتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

(1) أخرجه: أحمد (2/ 313) والبخاري (8/ 449/4686) ومسلم (2/ 690 - 691/ 993) والترمذي (5/ 234/3045) وابن ماجه (1/ 71/197) من حديث أبي هريرة بلفظ: "يمين الله ملأى لا يغيضها شيء سحاء الليل والنهار".

(2)

تأويل مختلف الحديث (210 - 211).

(3)

تأويل مختلف الحديث (221).

(4)

أخرجه: أحمد (2/ 395) ومسلم (4/ 1763/2246 [5]) والنسائي في الكبرى (6/ 457/11687) من حديث أبي هريرة.

ص: 361

قال أبو محمد: هكذا أنشدنيه الرياشي عن الأصمعي، عن ابن أبي طرفة الهذلي، عن أبي ذؤيب. والناس يروونه "وريبها تتوجع" ويجعلون المنون: المنية، وهذا غلط. ويدلك على ذلك قوله "والدهر ليس بمعتب من يجزع" كأنه قال:"أمن الدهر وريبه تتوجع" والدهر ليس بمعتب من يجزع" وقال الله عز وجل: {نتربص به ريب الْمَنُونِ} (1) أي ريب الدهر وحوادثه. وكانت العرب تقول: "لا ألقاك آخر المنون" أي آخر الدهر. وقد حكى الله عز وجل عن أهل الجاهلية، ما كانوا عليه من نسب أقدار الله عز وجل وأفعاله إلى الدهر فقال: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (2). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر إذا أصابتكم المصايب، ولا تنسبوها إليه، فإن الله، عز وجل، هو الذي أصابكم بذلك، لا الدهر، فإذا سببتم الفاعل، وقع السب بالله عز وجل" ألا ترى أن الرجل منهم إذا أصابته نائبة، أو جائحة في مال، أو ولد، أو بدن، فسب فاعل ذلك به، وهو ينوي الدهر، أن المسبوب هو الله عز وجل. وسأمثل لهذا الكلام مثالا أقرب به عليك ما تأولت، وإن كان -بحمد الله تعالى قريبا- كأن رجلا يسمى "زيدا" أمر عبدا له يسمى "فتحا" أن يقتل رجلا، فقتله، فسب الناس فتحا ولعنوه. فقال لهم قائل: "لا تسبوا فتحا، فإن زيدا هو فتح". يريد أن زيدا هو القاتل، لأنه هو الذي أمره كأنه قال: إن القاتل زيد، لا فتح.

(1) الطور الآية (30).

(2)

الجاثية الآية (24).

ص: 362

وكذلك الدهر تكون فيه المصايب والنوازل، وهي بأقدار الله عز وجل، فيسب الناس الدهر، لكون تلك المصايب والنوازل فيه، وليس له صنع، فيقول قائل:"لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر". (1)

- قال أبو محمد: قالوا: رويتم أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، فيقول:"هل من داع فأستجيب له؟ أو مستغفر فأغفر له؟ "(2) وينزل عشية عرفة إلى أهل عرفة (3)، وينزل في ليلة النصف من شعبان (4).

وهذا خلاف لقوله تعالى: {مَا يكون من نجوى

(1) تأويل مختلف الحديث (222 - 224).

(2)

انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).

(3)

أخرجه من حديث جابر رضي الله عنه: ابن خزيمة في صحيحه (4/ 263/2840) وابن حبان (9/ 164/3853 الإحسان)، البغوي في شرح السنة (7/ 159/1931) وأبو يعلى (4/ 69/2090) والبزار "الكشف"(2/ 28/1128)، وذكره الهيثمي في موضعين:(3/ 253) وقال: "رواه أبو يعلى وفيه محمد بن مروان العقيلي وثقه ابن معين وابن حبان وفيه بعض كلام وبقية رجاله رجال الصحيح". و (4/ 17) وقال: "رواه البزار وإسناده حسن ورجاله ثقات". قال الشيخ الألباني في الضعيفة (2/ 126): "قلت إنما علة الحديث أبو الزبير فإنه مدلس، وقد عنعنه في جميع الطرق عنه".

(4)

أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها: أحمد (6/ 238) والترمذي (3/ 116/739) وابن ماجه (1/ 444/1389) كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة، وفيه قصة فقدها النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. قال الترمذي عقب الحديث: "حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج، وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطأة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير.

وللحديث شواهد كثيرة يتقوى بها، انظرها في الصحيحة (3/ 135 - 139/ 1144) ثم قال عقبها رحمه الله:"وجملة القول إن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، والصحة تثبت بأقل منها عددا، ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث، فما نقله الشيخ القاسمي رحمه الله في إصلاح المساجد (ص.107) عن أهل التعديل والتجريح أنه ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث يصح، فليس مما ينبغي الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبيل التسرع وعدم وسع الجهد لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك، والله تعالى الموفق".

ص: 363

ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (1) وقوله جل وعز: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (2) وقد أجمع الناس على أنه بكل مكان، ولا يشغله شأن عن شأن.

قال أبو محمد: ونحن نقول في قوله: {ما يكون من نجوى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} : إنه معهم بالعلم بما هم عليه، كما تقول للرجل وجهته إلى بلد شاسع، ووكلته بأمر من أمورك:"احذر التقصير والإغفال لشيء مما تقدمت فيه إليك فإني معك" تريد، أنه لا يخفى علي تقصيرك أو جدك، للإشراف عليك، والبحث عن أمورك". وإذا جاز هذا في المخلوق الذي لا يعلم الغيب، فهو في الخالق الذي يعلم الغيب أجوز. وكذلك "هو بكل مكان" يراد: لا يخفى عليه شيء، مما في الأماكن، فهو فيها بالعلم بها والإحاطة. وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إنه بكل مكان على الحلول مع قوله: {الرحمن على العرش استوى} (3) أي: استقر كما

(1) المجادلة الآية (7).

(2)

الزخرف الآية (84).

(3)

طه الآية (5).

ص: 364

قال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} (1) أي استقررت. ومع قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2). وكيف يصعد إليه شيء هو معه؟ أو يرفع إليه عمل، وهو عنده؟ وكيف تعرج الملائكة والروح إليه يوم القيامة؟ وتعرج بمعنى تصعد -يقال: عرج إلى السماء إذا صعد، والله عز وجل "ذو المعارج" و"المعارج" الدرج. فما هذه الدرج؟ وإلى من تؤدي الأعمال الملائكة، إذا كان بالمحل الأعلى، مثله بالمحل الأدنى؟ ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه، لعلموا أن الله تعالى هو العلي، وهو الأعلى، وهو بالمكان الرفيع، وأن القلوب عند الذكر تسمو نحوه، والأيدي ترفع بالدعاء إليه. ومن العلو يرجى الفرج، ويتوقع النصر، وينزل الرزق. وهنالك الكرسي والعرش والحجب والملائكة.

يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (3) وقال في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (4) وقيل لهم شهداء، لأنهم يشهدون ملكوت الله تعالى، وأحدهم "شهيد" كما يقال:"عليم" و"علماء" و"كفيل" و"كفلاء". وقال تعالى: {لَوْ أردنا أن نتخذ لهوًا

(1) المؤمنون الآية (28).

فاطر الآية (10).

(3)

الأنبياء الآيتان (19 - 20).

(4)

آل عمران الآية (169).

ص: 365

لاتخذناه مِنْ لَدُنَّا} (1) أي: لو أردنا أن نتخذ امرأة وولدا، لاتخذنا ذلك عندنا لا عندكم، لأن زوج الرجل وولده، يكونان عنده وبحضرته، لا عند غيره. والأمم كلها -عربيها وعجميها- تقول: إن الله تعالى في السماء ما تركت على فطرها، ولم تنقل عن ذلك بالتعليم. وفي الحديث إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمة أعجمية للعتق، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أين الله تعالى؟ ". فقالت: في السماء، قال:"فمن أنا" قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عليه الصلاة والسلام "هي مؤمنة" وأمره بعتقها (2) -هذا أو نحوه وقال أمية بن أبي الصلت:

مجدوا الله وهو للمجد أهل

ربنا في السماء أمسى كبيرا

بالبناء الأعلى الذي سبق النا

س. وسوى فوق السماء سريرا

شرجعا ما يناله بصر العيـ

ـن ترى دونه الملائك صورا

و"صور" جمع "أصور" وهو المائل العنق. (3)

- قال أبو محمد: ثم نصير إلى الجاحظ، وهو آخر المتكلمين، والمعاير على المتقدمين، وأحسنهم للحجة استثارة، وأشدهم تلطفا، لتعظيم الصغير، حتى يعظم، وتصغير العظيم حتى يصغر، ويبلغ به الاقتدار إلى أن يعمل الشيء ونقيضه، ويحتج لفضل السودان على البيضان. وتجده يحتج مرة للعثمانية على الرافضة، ومرة للزيدية على العثمانية وأهل السنة. ومرة يفضل عليا رضي الله

(1) الأنبياء الآية (17).

(2)

سيأتي تخريجه في مواقف أبي عمرو السهروردي سنة (458هـ).

(3)

تأويل مختلف الحديث (270 - 273).

ص: 366

عنه، ومرة يؤخره، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتبعه قال الجماز، وقال إسماعيل بن غزوان: كذا وكذا من الفواحش. ويجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يذكر في كتاب ذكرا فيه فكيف في ورقة، أو بعد سطر وسطرين؟ ويعمل كتابا، يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين. فإذا صار إلى الرد عليهم، تجوز في الحجة، كأنه إنما أراد تنبيههم على مالا يعرفون، وتشكيك الضعفة من المسلمين. وتجده يقصد في كتبه للمضاحيك والعبث، يريد بذلك، استمالة الأحداث، وشراب النبيذ. ويستهزئ من الحديث استهزاء، لا يخفى على أهل العلم. كذكره كبد الحوت، وقرن الشيطان، وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوده المشركون، وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا. ويذكر الصحيفة التي كان فيها المنزل في الرضاع، تحت سرير عائشة، فأكلتها الشاة. وأشياء من أحاديث أهل الكتاب في تنادم الديك والغراب، ودفن الهدهد أمه في رأسه، وتسبيح الضفدع، وطوق الحمامة وأشباه هذا، مما سنذكره فيما بعد، إن شاء الله. وهو -مع هذا- من أكذب الأمة وأوضعهم لحديث، وأنصرهم لباطل. (1)

- قال أبو محمد: وقالوا في قوله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} (2) أي فقيرا إلى رحمته، وجعلوه من "الخلة" بفتح الخاء، استيحاشا من أن يكون الله تعالى، خليلا لأحد من خلقه واحتجوا بقول زهير:

(1) تأويل مختلف الحديث (59 - 60).

(2)

النساء الآية (125).

ص: 367