الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: إنما آلمها الله تعالى لمنفعة ابن آدم لتنساق ولتقف، ولتجري إذا احتاج إلى ذلك منها.
وكان من العدل -عنده- أن يؤلمها لنفع غيرها وربما قال بغير ذلك، وقد خلطوا في الرواية عنه.
وكان يقول: شرب نبيذ السقاء الشديد، من السنة، وكذلك أكل الجدي، والمسح على الخفين.
والسنة إنما تكون في الدين لا في المأكول والمشروب. ولو أن رجلا لم يأكل البطيخ بالرطب، دهره، وقد أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم يأكل القرع، وقد كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إنه ترك السنة (1).
موقفه من القدرية:
- قال رحمه الله: ثم نصير إلى عبيد الله بن الحسن وقد كان ولي قضاء البصرة -فتهجم- من قبيح مذاهبه، وشدة تناقض قوله على ما هو أولى بأن يكون تناقضا، مما أنكروه. وذلك أنه كان يقول: إن القرآن يدل على الاختلاف. فالقول بالقدر صحيح، وله أصل في الكتاب. والقول بالإجبار صحيح، وله أصل في الكتاب. ومن قال بهذا، فهو مصيب ومن قال بهذا، فهو مصيب. لأن الآية الواحدة، ربما دلت على وجهين مختلفين، واحتملت معنيين متضادين. وسئل يوما، عن أهل القدر وأهل الإجبار، فقال: كل مصيب، هؤلاء قوم عظموا الله، وهؤلاء قوم نزهوا الله. (2)
(1) تأويل مختلف الأحاديث (46 - 47).
(2)
تأويل مختلف الحديث (44 - 45).
- وقال: وقد يحمل بعضهم الحمية على أن يقول: الجبرية، هم القدرية. ولو كان هذا الاسم يلزمهم، لاستغنوا به عن الجبرية. ولو ساغ هذا لأهل القدر، لساغ مثله للرافضة، والخوارج، والمرجئة وقال كل فريق منهم لأهل الحديث، مثل الذي قالته القدرية. والأسماء لا تقع غير مواقعها، ولا تلزم إلا أهلها. ويستحيل أن تكون الصياقلة، هم الأساكفة، والنجار هو الحداد. والفطرة التي فطر الناس عليها، والنظر، يبطل ما قذفوهم به. أما الفطر، فإن رجلا لو دخل المصر، واستدل على القدرية فيه، أو المرجئة، لدله الصبي والكبير، والمرأة والعجوز، والعامي والخاصي، والحشوة والرعاع، على المسمين بهذا الاسم. ولو استدل على أهل السنة، لدلوه على أصحاب الحديث. ولو مرت جماعة فيهم القدري، والسني، والرافضي، والمرجئي، والخارجي، فقذف رجل القدرية، أو لعنهم، لم يكن المراد بالشتم أو اللعن عندهم، أصحاب الحديث. هذا أمر، لا يدفعه دافع، ولا ينكره منكر. وأما النظر، فإنهم أضافوا القدر إلى أنفسهم، وغيرهم يجعله لله تعالى، دون نفسه. ومدعي الشيء لنفسه، أولى بأن ينسب إليه، ممن جعله لغيره. ولأن الحديث جاءنا، بأنهم مجوس هذه الأمة، وهم أشبه قوم بالمجوس، لأن المجوس تقول بإلهين، وإياهم أراد الله بقوله:{لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (1). وقالت القدرية: نحن نفعل مالا يريد الله تعالى، ونقدر على ما لا
(1) النحل الآية (51).
يقدر. (1)
- وقال: قالوا: رويتم أن موسى عليه السلام كان قدريا، وحاج آدم عليه السلام فحجه وأن أبا بكر كان قدريا، وحاج عمر، فحجه عمر.
قال أبو محمد ونحن نقول: إن هذا تخرص وكذب على الخبر، ولا نعلم أنه جاء في شيء من الحديث أن موسى عليه السلام كان قدريا، ولا أن أبا بكر رضي الله عنه، كان قدريا. حدثنا أبو الخطاب، قال: نا بشر بن المفضل، قال: نا داود بن أبي هند عن عامر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقي موسى آدم صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت آدم أبو البشر، الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ قال: نعم. فقال: ألست موسى الذي اصطفاك الله على الناس برسالاته وبكلامه؟ قال: بلى. قال: أفليس تجد فيما أنزل عليك أنه سيخرجني منها قبل أن يدخلنيها؟ قال: بلى، قال: فخصم آدم موسى صلى الله عليهما وسلم"(2).
قال أبو محمد: فأي شيء في هذا القول يدل على أن موسى عليه السلام كان قدريا، ونحن نعلم أن كل شيء بقدر الله وقضائه، غير أنا ننسب الأفعال إلى فاعليها، ونحمد المحسن على إحسانه، ونلوم المسيء بإساءته، ونعتد على المذنب بذنوبه. وأما قولهم: "إن أبا بكر رضي الله عنه كان
(1) تأويل مختلف الحديث (81 - 82).
(2)
أخرجه: أحمد (2/ 287 و314) والبخاري (11/ 618/6614) ومسلم (4/ 2042 - 2043/ 2652) وأبو داود (5/ 76 - 78/ 4701) والترمذي (4/ 386 - 387/ 2134) والنسائي في الكبرى (6/ 284 - 285/ 10985 - 10986) وابن ماجه (1/ 31 - 32/ 80).
قدريا" فهو أيضا تحريف وزيادة في الحديث. وإنما تنازعا في القدر، وهما لا يعلمان، فلما علما كيف ذلك؟ اجتمعا فيه على أمر واحد، كما كانا لا يعلمان أمورا كثيرة من أمر الدين، وأمر التوحيد، حتى أعلمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل الكتاب وحدّت السنن، فعلما بعد ذلك. على أن الحديث عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند أهل الحديث ضعيف، يرويه إسماعيل بن عبد السلام، عن زيد بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. ويرويه رجل من أهل خراسان، عن مقاتل بن حيان، عن عمرو بن شعيب، وهؤلاء لا يعرف أكثرهم. (1)
ابن أبي العوَّام (2)(276 هـ)
المحدث الإمام، أبو بكر وأبو جعفر محمد بن أحمد بن يزيد بن أبي العوام الرياحي. سمع يزيد بن هارون وعبد الوهاب بن عطاء العقدي، وقريش ابن أنس، وأبا عامر العقدي وجماعة. روى عنه أبو العباس بن عقدة، وإسماعيل الصفار، وأبو بكر الشافعي وابن الهيثم وأبو عبد الله المحاملي وآخرون. قال عبد الله بن أحمد: صدوق ما علمت منه إلا خيرا. مات رحمه الله تعالى لأيام خلون من رمضان سنة ست وسبعين ومائتين.
(1) تأويل مختلف الحديث (235 - 237).
(2)
تاريخ بغداد (1/ 372) وطبقات الحنابلة (1/ 263 - 264) وسير أعلام النبلاء (13/ 7) وتاريخ الإسلام (حوادث 271 - 280/ص.423 - 424) والأنساب للسمعاني (3/ 111).