الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومائتين. وارتحل شرقا وغربا، ولقي الكبار وجمع وصنف وسار ذكره وبعد صيته. روى عن إبراهيم بن حمزة الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد ابن حنبل وغيرهم. وروى عنه محمد بن إسحاق الصاغاني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وهما أكبر منه، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو بكر بن إسحاق الصبغي، وابن خزيمة وغيرهم. قال دعلج: حدثني فقيه من أصحاب داود بن علي أن أبا عبد الله دخل عليهم يوما، وجلس في أخريات الناس، ثم إنه تكلم مع داود فأعجب به، وقال: لعلك أبو عبد الله البوشنجي؟ قال: نعم، فقام إليه وأجلسه إلى جنبه، وقال: قد حضركم من يفيد ولا يستفيد. وقال ابن حجر: ثقة حافظ فقيه. توفي في غرة المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين. وصلى عليه ابن خزيمة.
موقفه من الجهمية:
- قال إسحاق بن أبي إسحاق بسمرقند: سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي حين سئل عن الإيمان فقال: الواجب على جميع أهل العلم والإسلام أن يلزموا القصد للاتباع، وأن يجعلوا الأصول التي نزل بها القرآن وأتت بها السنن من الرسول صلى الله عليه وسلم غايات العقول، ولا يجعلوا العقول غايات الأصول، فإن الله جل وعز ورسوله صلى الله عليه وسلم قد يفرق بين المشتبهين ويباين بين المجتمعين في المعقول تعبدا وبلوى ومحنة، ومتى ورد على المرء وارد من وجوه العلم لا يبلغه عقله أو تنفر منه نفسه، وينأى عنه فهمه وتبعد عنه معرفته، وقف عنده واعترف بالتقصير عن إدراك علمه وبالجسور عن كنه معرفته، ويعلم أن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لو كشف عن علة ذلك الحادث، وأبان
وأوضح عن سببه وعن المراد من مخرجه لأدركته عقولنا، ولو كان أتى به الحكم من الله عز وجل والأمر بتعبده إيانا مكشوفا بيانه موضوحة علته، لم يكن للعباد بلوى ولا محنة، وإنما المحن الغلاظ والبلوى الشديدة الأمور والفروض التي لا تكشف عللها ليسلم العباد لها تسليما، ويقفوا عندها إيمانا، ولولا ما وصفناه كان الذي سبق إليه فكر العقول منا، أن واجبا في كل ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يجيبه وأن ينزل عليه فيه شفاءه ليزداد الناس به علما ولملكوته فهما. ولسنا نرى الأمر كذلك، فقد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل عن الروح، فما أجابه قال الله عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (1) وعلى ذلك خالف ربنا بين ما أنزل من شرايعه وأعلام دينه ومعالم فروضه وعباداته في الأمم الخوالي، فأحل لطائفة ما حرمه على أمة، وحرم على أمة ما أطلقه لغيرها من أمته وحظر على آخرين ما أباحه لسواهم، وكذلك الأمر فيما أنزل من كتبه، وخالف بينهما في أحكامها كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وصحف من مضى من الرسل ليسلم الموفق منهم لأمره ونهيه، فينكفئ المخذول منهم على عقبيه نفارا من التفريق بين المجتمعين، ومن الجمع بين المفترقين، وعلموا أن السلامة فيما أنزل عليهم من الاتباع والتقليد لما أمروا به، والإعراض عن طلب التكييف فيما أحل لهم وعن الغلو والإيغال في التماس نهاياتها للوقوع على أقصى مداخلها،
(1) الإسراء الآية (85) ..
إذ كان ذلك لا يبلغ أبدا فإن دون كل بيان بيانا، وفوق كل متعلق أغمض منه، وإذ كان الأمر كذلك فالواجب الوقوف عند المستبهم منه، ومن أجل ذلك أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم إذا أفضى ببعضهم الأمر إلى ما جهلوه، آمنوا به ووكلوه إلى الله عز وجل، ومن أجل ذلك ذم الله عز وجل للغالين في طلب ما زوى عنهم علمه وطوى علمه وطوى عنهم خبره فقال:{فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زيغٌ} إلى قوله: {وَمَا يذكر إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (1). ومن أجل بعض ما ذكرنا اشتدت الخلفاء المهديون على ذوي الجدل والكلام في الدين، وعلى ذوي المنازعات والخصومات في الإسلام والإيمان، ومتى نجم منهم ناجم في زمن أطفأوه وأخمدوا ذكره ولقوه عقوبته، فمنهم من سيره إلى طرف ومنهم من ألزمه قعر محبس إشفاقا على الدين من فتنته وحذرا على المسلمين من خدعات شبهته، كما فعله الإمام الموفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله صبيغ عن الذاريات ذروا وأشباهه، فسَيَّره إلى الشام وزجر الناس عن مجالسته. وفعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعبد الله بن سبأ، فسيره إلى المداين.
ولقد أتى محمد بن سيرين رجل من أهل الكلام فقال، ائذن لي أحدثك بحديث، قال لا أفعل، قال فأتلو عليك آية من كتاب الله، قال ولا هذا، فقيل له في ذلك فقال ابن سيرين لم آمن أن يذكر لي ذكرا يقدح به قلبي، وقد بين الله ما بالعباد إليه حاجة في عاجلهم ومعادهم، وأوضح لهم سبيل النجاة والهلكة، وأمر ونهى
(1) آل عمران الآية (7).
وأحل وحرم وفرض وسن، فما أمر العباد من أمر سلموا بائتماره والعمل عليه، ما نهوا عنه من شيء سلموا بتركه وكذبه، ومتى عتوا عن ظاهر ما أمروا به ونهوا عنه ليبلغوا القصوى من غاية علم أمره ونهيه، لم يؤمن عليه الحيرة ولا غلبة الشبهة على قلبه وفهمه، ومن أجل ذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وما أنت بمحدث قوما حديثا لا يبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. ولقد سأل سائل ابن عباس رضي الله عنهما عن آية من كتاب الله فقال: ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر، وقال أيوب السختياني لا تحدثوا الناس بما يجهلون فتضروهم، وما منع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم البيان عن بعض ما سأله إلا وقد علم أن ذلك المنع إعطاء، وأن المنع أجدى على الأمة وأسلم لهم في بدئهم وعاقبتهم، ولولا ذلك لكان من سلف من المشركين والأمم الكافرين برسلهم وأنبيائهم والمنكرين للآيات وصنوف العجائب والبينات معذورين، ولكانت الرسل في ترك إسعاف أممهم مذمومين، ولكان كل ما سألوه من آية دونها آية وفوقها أخرى حتى أفضى بعضهم إلى أن سألوا أن يروا ربهم جهرة، وسأل بعضهم رسولنا من الدليل على أمره تفجير الأنهار والينابيع فقالوا:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} (1)،
وما ختمت الآيات فلو كان الأمر في ذلك على عقول البشر، لقد كانوا يرون أن منعهم الدليل على صدق ما أتت به أنبياؤهم ورسلهم من غير نظر لهم، لأن زيادة البيان إلى البيان تسكين النفوس عن نظارها، وطمأنينة القلوب
(1) الإسراء الآية (90) ..
وطيب طباع الإيمان، غير أن الله منعهم ما سألوا إذ فوق ما سألوا آيات لا يوقف على منشأها فلم يكن يجب أن لو كان ذلك كذلك إيمان على أحد، حتى يبلغ من غاية معرفة بأمور الله عز وجل، ما أحاط به علم الله. ولقد ذكر يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي رحمه الله أنه قال: ما من ذنب يلقى الله به عبد بعد الشرك بالله أعظم من أن يلقاه بهذا الكلام قال، فقلت له فإن صاحبنا الليث بن سعد كان يقول: لو رأيت رجلا من أهل الكلام يمشي على الماء فلا تركن إليه، وذكر يونس عن الشافعي قال: مذهبي في أهل الكلام مذهب عمر في صبيغ، نقنع رؤوسهم بالسياط ويسيروا في البلاد. (1)
- جاء في ذم الكلام: عنه قال: وهذه الفرقة، فتنتهم أقرب إلى بعض قلوب العباد، فلم يؤمن أن يستعينوا بهذه الشبه، ويستغووا بها أمثالهم من المخذولين، من أجل ذلك وجب أن يتشدد على هذه الفرق الخسيسة في التحذير عنهم والنهي عن مجالستهم وعن مجاورتهم وعن الصلاة خلفهم، وعن مخالطتهم، تنكيلا كما فعلت الأئمة الهداة مثل عمر بن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وهلم جرا، من نفي أمثالهم وحسم رأيهم عن الأمة، والأمر بتسييرهم عن البلاد وتقنيع رؤوسهم بالسياط، وهذه فرقة مستحقة لمثله. فأما ركون أو إصغاء إلى استفتائهم، وأخذ حديث عنهم، فهو عندي من عظائم أمور الدين. (2)
(1) ذم الكلام (266 - 268).
(2)
ذم الكلام (ص.268).
" التعليق:
انظر كلام خبير بأهل الضلال، يعرفهم ويعرف شبههم وأباطيلهم وأخطارهم على أمة الإسلام، اقرأ هذه الأحكام الصادرة من هذا الإمام وقارن بينها وبين ما يقوله دعاة اليوم، من أن الكلام في بيان أحوال المبتدعة يفرق الكلمة ويشتت الشمل. وكأن هؤلاء الأئمة لم تكن عندهم كلمة ولا شمل، أو كانوا مغفلين لا يعرفون شيئا عن جمع الكلمة أو تشتيتها. والله المستعان.
أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيى (1)(291 هـ)
أحمد بن يحيى بن يزيد، أبو العباس الشيباني، العلامة، إمام الكوفيين في النحو، المشهور بثعلب. ولد سنة مئتين، وسمع من محمد بن زياد بن الأعرابي وسلمة بن عاصم والزبير بن بكار ومحمد بن سلام الجمحي. وعنه نفطويه وابن الأنباري والأخفش الصغير، ومحمد بن العباس اليزيدي وأبو عمرو الزاهد غلام ثعلب. قال الخطيب: وكان ثقة حجة، دينا صالحا، مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، والمعرفة بالغريب ورواية الشعر القديم، مقدما عند الشيوخ مذ هو حدث. وعن الرياشي -وسئل لما رجع من بغداد- فقال: ما رأيت أعلم من الغلام المنبز، يعني ثعلبا. توفي رحمه الله سنة إحدى وتسعين
(1) طبقات النحويين للزبيدي (3/ 141) وتاريخ بغداد (5/ 204 - 212) طبقات الحنابلة (1/ 83 - 84) وسير أعلام النبلاء (14/ 5 - 7) وتاريخ الإسلام (حوادث 291 - 300/ص.81 - 84) غاية النهاية لابن الجزري
…
(1/ 148 - 149).