الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" التعليق:
وهل الصوفية إلا وسوسة وخزعبلات وأحلام ورؤى يكذبها شيوخهم حتى عبدوهم من دون الله، نسأل الله العافية.
موقفه من الجهمية:
- الموقف العظيم الذي وقفه إمام أهل السنة:
قال الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (2){أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل لتكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها" وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) العنكبوت الآيات (1 - 3).
(2)
آل عمران الآية (142).
(3)
البقرة الآية (214).
قال: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". (1)
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال:"الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة". (2)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة". (3)
وعن عبد الله قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. (4)
(1) أخرجه من حديث أنس: الترمذي (4/ 519/2396) وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". وابن ماجه (2/ 1338/4031)، البغوي في شرح السنة (5/ 245/1435)، وقال الشيخ الألباني في الصحيحة (رقم 146):"سنده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن سنان هذا وهو صدوق له أفراد كما في التقريب".
(2)
أخرجه من حديث سعد: أحمد (1/ 173 - 174و180) والترمذي (4/ 520/2398) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه (2/ 1334/4023) والحاكم (1/ 40 - 41) وصححه على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث أبي سعيد أخرجه: ابن ماجه (2/ 1334 - 1335/ 4024) والبخاري في الأدب المفرد (رقم510) والحاكم (1/ 40) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي. وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: "إسناده صحيح رجاله ثقات".
(3)
أخرجه: أحمد (2/ 287) والترمذي (4/ 520/2399) وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم (1/ 346) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. ابن حبان (7/ 176/2913 الإحسان).
(4)
أحمد (1/ 456 - 457) والبخاري (12/ 349/6929) ومسلم (3/ 1417/1792) وابن ماجه (2/ 1335/4025).
وعنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت يا رسول الله، إنك توعك وعكا شديدا. قال: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذلك بأن لك أجرين. قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى -شوكة فما فوقها- إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. (1)
وعن خباب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة -وقد لقينا من المشركين شدة- فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه - وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ما يخاف إلا الله". (2) وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال لإمام جائر". (3)
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحدكم هيبة الناس
(1) أحمد (1/ 381و441) والبخاري (10/ 137/5648) ومسلم (4/ 1991/2571).
(2)
أحمد (5/ 109) والبخاري (7/ 209/3852) وأبو داود (3/ 108/2649) والنسائي (8/ 592/5335).
(3)
أخرجه من حديث أبي أمامة: أحمد (5/ 251) وابن ماجه (2/ 1330/4012). قال البوصيري في الزوائد: "في إسناده أبو غالب وهو مختلف فيه، ضعفه ابن سعد وأبو حاتم والنسائي، ووثقه الدارقطني. وقال ابن عدي: لا بأس به، وراشد بن سعيد، قال فيه أبو حاتم: صدوق، وباقي رجال الإسناد ثقات".
وللحديث شواهد: من حديث أبي سعيد الخدري: أخرجه أحمد (3/ 19) وأبو داود (4/ 514/4344) والترمذي (4/ 409/2174) وقال: "حسن غريب من هذا الوجه". وابن ماجه (2/ 1329/4011). ومن حديث طارق بن شهاب: أخرجه أحمد (4/ 314 - 315) والنسائي (7/ 181/4220).
قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (1/ 888) تعليقا على حديث أبي أمامة: "وهذا إسناد حسن، وفي أبي غالب خلاف لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وحديثه هذا صحيح بشاهده المتقدم والآتي" -يعني حديث أبي سعيد وطارق بن شهاب-.
أن يقول في حق، إذا رآه أو شهده أو سمعه". (1)
هذا نموذج قليل من النصوص التي وردت في القرآن والسنة؛ ولقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده والتابعون بعدهم المثل الأعلى في هذا الباب، وكانوا خير سلف لخلف يأتي بعدهم، وإذا كان الإمام أحمد وهو إمام أهل الحديث والسير والتواريخ، ويعتبر كتابه أجمع كتاب في هذا الباب، وقلما يخرج عنه حديث للرسول صلى الله عليه وسلم على اختلاف الأنواع، فكل يجد في مسند الإمام أحمد بغيته؛ المفسر له فيه ما يشبع رغبته، والمؤرخ ودارسو سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار لهم ما يكفيهم فيه، إلى غير ذلك من الفنون والعلوم التي جمعها هذا الإمام، والكتاب أحق أن يقال فيه الإمام، فهو مرجع المسلمين الكبير يجدون فيه حاجتهم.
وإذا كان كذلك؛ فما صدر من الإمام أحمد فليس بغريب، فإن هذا الأمر جاء على بابه، فإن الله يعلم حيث يجعل رسالته؛ فلا يحمل رسالته منافقا أو ضعيفا، معاذ الله أن يكون كذلك، ولكن يحملها من جمع أمرين: الأمر الأول: القوة، والأمر الثاني: الإخلاص.
(1) أحمد (3/ 19) والترمذي (4/ 419 - 420/ 2191) وقال: "وهذا حديث حسن صحيح". وابن ماجه (2/ 1328/4007) والحاكم (4/ 506). كلهم من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا، وعلي بن زيد ضعيف إلا أن حديثه يحسن في المتابعات، وقد تابعه جماعة منهم:
سليمان بن طرخان التيمي عن أبي نضرة بهذا الإسناد. أخرجه أحمد (3/ 5و53).
المستمر بن الريان عن أبي نضرة به. أخرجه أحمد (3/ 46 - 47) وأبو يعلى في مسنده (2/ 419/1212).
قتادة عن أبي نضرة به. أخرجه: الطيالسي في مسنده (2151) أحمد (3/ 92) وابن حبان (1/ 511 - 512/ 278).
وهذه المتابعات الثلاث كلها صحح الشيخ الألباني رحمه الله أسانيدها في الصحيحة (رقم 168) وبالله التوفيق.
فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام، والقوي بلا إخلاص يخذل. ولقد جمع الله هذا للأنبياء بالدرجة الأولى، فكانوا في القمة قوة وإخلاصا، وأتباعهم يتفاوتون في ذلك. وقد كان -ولله الحمد- الإمام أحمد مثلا في ذلك، قوة وإخلاصا وتوفيقا. لقد صمد الإمام أمام قوة عظمى عزمت على مداهمته ومصارعته بفكرها الباطل. حكومة بأكملها ملكها ووزراؤها وعلماؤها وسجانها، وجميع قواها التعذيبية، والمجاهد إذا كان في المعركة ومعه أصحابه تجده قويا بهم مرفوع الحس والمعنى.
ولكن إمامنا تولى عنه أصحابه وخافوا من سطوة السيف فبقي في الميدان وحيدا فريدا، وحتى من كان عن يمينه استشهد إلى رحمة الله.
والمعركة عادة تكون فترتها قصيرة، فتسفر عن هزيمة أحد الفريقين أو على الأقل يحصل تعادل، ولكن في مقامنا هذا، لقد طال الأمد -تناوله ثلاثة من الحكام- وفي أغلب الأحيان بنوع أو نوعين. ولكن إمامنا هذا، جمع له كل الأنواع، زيادة في الأجر ورفعا لدرجاته في الجنة إن شاء الله. سجن، وقيود، وجوع، وتهديدات متكررة، وكثرة المناظرة بالباطل، واحتقار لشأن الإمام، وتحريض من بيده الأمر على تعذيبه، وقتله، ووقوف الحاكم على رأسه، ومشاهدة تعذيبه في وقاحة كاملة، ونفي من مكان إلى مكان، وإقامة جبرية، لا جمعة، ولا جماعة، ولا اتصال للتحديث، ضعف مادي في الأسرة لا تجد ما تنفقه
…
كل هذا على ماذا؟ إنه على العقيدة السلفية، عقيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة بعده، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ولقد برأ الله الإمام أحمد من التسابق على المناصب السياسية. فهو لم
يسابق حكومة المأمون ولا المعتصم ولا الواثق على وزارة أو أي منصب سياسي، لم ينازعهم في هذه الأمور التي يتطاحن عليها أهل الدنيا. وقد حاول المعتصم إغراءه بالقرب إليه، ولكن إمامنا لم يعبأ به. ولقد حاول المتوكل -وهو الذي رفع المحنة جزاه الله خيرا- أن يتقرب إليه بكل وسائل التواضع ولكن الإمام لم يرض أن يدنس دينه وسيرته بالقرب منهم. فالإمام لم ينله ما ناله -ولله الحمد- في جريمة ارتكبها أو منازعة أو مغالبة سياسية أو حزبية. فإن هذا مما طهره الله منه وإخوانه من السلف السابقين واللاحقين منهم.
وإذا كان لكم شيء تفتخرون به يا أصحاب عقيدة السلف، فليكن بالإمام أحمد وبأمثاله، وكم لكم من أمثاله إن كنتم تقرأون تاريخ عقيدتكم السلفية.
وبعد هذه التوطئة نذكر ملخص المحنة، وإلا فقد أفردت بالتأليف، وقد أطال المؤرخون للإمام في سياقها، وذكر رواياتها، ومن أعظمهم الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، وفي تاريخ الإسلام، وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم مما هو معروف عند من يتتبع سيرته العطرة.
- قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن ونفي الصفات عن الله عز وجل. قال البيهقي: ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم، فلما ولي هو الخلافة، اجتمع به هؤلاء فحملوه
على ذلك وزينوا له، واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم، فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، واتفق له ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة ثماني عشرة ومائتين، فلما وصل الكتاب كما ذكرنا، استدعى جماعة من أئمة الحديث، فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا، فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ومحمد ابن نوح الجنديسابوري فحملا على بعير وسيرا إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد، فلما كانا ببلاد الرحبة، جاءهما رجل من الأعراب من عبادهم يقال له جابر بن عامر، فسلم على الإمام أحمد وقال له: يا هذا، إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم، وإنك رأس الناس اليوم، فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا، فتحمل أوزارهم يوم القيامة، وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل وإنك إن لم تقتل تمت وإن عشت عشت حميدا. قال أحمد: وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك الذي يدعونني إليه، فلما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا دونه بمرحلة، جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته (1)
من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف. قال: فجثى
(1) لا يجوز الحلف إلا بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، أما الحلف بغيرها فهو من قبيل الشرك، فليتنبه ..
الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء وقال: سيدي: غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته. قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل. قال أحمد: ففرحنا، ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد وأن الأمر شديد، فردونا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى، ونالني منهم أذى كثير وكان في رجليه القيود، ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق، وصلى عليه أحمد، فلما رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضان، فأودع في السجن نحوا من ثمانية وعشرين شهرا، وقيل: نيفا وثلاثين شهرا، ثم أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم. وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه.
- ذكر ضربه رضي الله عنه بين يدي المعتصم:
لما أحضره المعتصم من السجن، زاد في قيوده، قال أحمد: فلم أستطع أن أمشي بها، فربطتها في التكة وحملتها بيدي، ثم جاءوني بدابة فحملت عليها، فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود، وليس معي أحد يمسكني، فسلم الله حتى جئنا دار المعتصم، فأدخلت في بيت وأغلق علي، وليس عندي سراج، فأردت الوضوء فمددت يدي فإذا إناء فيه ماء فتوضأت منه ثم قمت ولا أعرف القبلة فلما أصبحت إذا أنا على القبلة ولله الحمد والحمد لله. ثم دعيت فأدخلت على المعتصم، فلما نظر إلي وعنده ابن أبي دؤاد قال: أليس قد زعمتم أنه حدث السن، وهذا شيخ مكهل؟ فلما دنوت
منه وسلمت قال لي: ادنه؟ فلم يزل يدنيني حتى قربت منه، ثم قال: اجلس، فجلست وقد أثقلني الحديد، فمكثت ساعة، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إلام دعا إليه ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قلت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، قال: ثم ذكرت له حديث ابن عباس في وفد عبد القيس (1)، ثم قلت: فهذا الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم تكلم ابن أبي دؤاد بكلام لم أفهمه، وذلك أني لم أتفقه كلامه، ثم قال المعتصم: لولا أنك كنت في يد من كان قبل لم أتعرض إليك. ثم قال: يا عبد الرحمن: ألم آمرك أن ترفع المحنة؟ قال أحمد: فقلت، الله أكبر، هذا فرج للمسلمين، ثم قال: ناظره يا عبد الرحمن، كلمه، فقال لي عبد الرحمن: ما تقول في القرآن؟ فلم أجبه، فقال المعتصم: أجبه؟ فقلت: ما تقول في العلم؟ فسكت، فقلت: القرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله. فسكت فقالوا فيما بينهم: يا أمير المؤمنين، كفرك وكفرنا، فلم يلتفت إلى ذلك. فقال عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن.
فقلت: كان الله ولا علم؟ فسكت، فجعلوا يتكلمون من هاهنا وهاهنا. فقلت: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به، فقال ابن أبي دؤاد: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا؟ فقلت: وهل يقوم الإسلام إلا بهما؟ وجرت مناظرات طويلة واحتجوا عليه بقوله: مَا {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (2) وبقوله: {اللَّهُ
(1) أخرجه أحمد (1/ 228) والبخاري (1/ 172/53) ومسلم (1/ 46/17) وأبو داود (4/ 94/3692) والترمذي (5/ 9 - 10/ 2611) والنسائي (8/ 495/5046).
(2)
الأنبياء الآية (2).
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (1) وأجاب بما حاصله: أنه عام مخصوص بقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (2) فقال ابن أبي دؤاد: هو والله يا أمير المؤمنين ضال مضل مبتدع، وهنا قضاتك والفقهاء فسلهم؟ فقال لهم ما تقولون؟ فأجابوا بمثل ما قال ابن أبي دؤاد، ثم أحضروه في اليوم الثاني وناظروه أيضا في اليوم الثالث، وفي ذلك كله يعلو صوته عليهم، وتغلب حجته حججهم. قال: فإذا سكتوا فتح الكلام عليهم ابن أبي دؤاد، وكان من أجهلهم بالعلم والكلام، وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة، ولا علم لهم بالنقل، فجعلوا ينكرون الآثار ويردون الاحتجاج بها، وسمعت منهم مقالات لم أكن أظن أن أحدا يقولها، وقد تكلم معي ابن غوث بكلام طويل -ذكر فيه الجسم وغيره- مما لا فائدة فيه، فقلت: لا أدري ما تقول، إلا أني أعلم أن الله أحد صمد ليس كمثله شيء. فسكت عني، وقد أوردت لهم حديث الرؤية في الدار الآخرة (3)، فحاولوا أن يضعفوا إسناده، ويلفقوا عن بعض المحدثين كلاما يتسلقون به إلى الطعن فيه، وهيهات، وأنى لهم التناوش من مكان بعيد. وفي غضون ذلك كله يتلطف به الخليفة ويقول: يا أحمد، أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي. فأقول يا أمير المؤمنين: يأتوني بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجيبهم عليها.
(1) الرعد الآية (16).
(2)
الأحقاف الآية (25).
(3)
انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).
واحتج أحمد عليهم حين أنكروا الآثار بقوله تعالى: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (1) وبقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) وبقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني} وبقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (4) ونحو ذلك من الآيات. فلما لم يقم لهم معه حجة، عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا كافر ضال مضل. وقال له إسحاق بن إبراهيم، نائب بغداد: يا أمير المؤمنين، ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حمي واشتد غضبه، وكان ألينهم عريكة، وهو يظن أنهم على شيء. قال أحمد: فعند ذلك قال لي: لعنك الله، طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني، ثم قال: خذوه واخلعوه واسحبوه، قال أحمد: فأخذت وسحبت وخلعت وجيء بالعقابين والسياط وأنا أنظر، وكان معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مصرورة في ثوبي، فجردوني منه وصرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين، الله، الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم
(1) مريم الآية (42).
(2)
النساء الآية (164).
(3)
طه الآية (14).
(4)
النحل الآية (40).
امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث" (1)
وتلوت الحديث، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم"(2) فبم تستحل دمي ولم آت شيئا من هذا؟ يا أمير المؤمنين: اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك، فكأنه أمسك، ثم لم يزالوا يقولون له: يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر، فأمر بي، فقمت بين العقابين، وجيء بكرسي، فأقمت عليه، وأمرني بعضهم أن آخذ ناتئ الخشبتين، فلم أفهم، فتخلعت يداي، وجيء بالضرابين، ومعهم السياط، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له يعني المعتصم: شد قطع الله يديك ويجيء الآخر فيضربني سوطين، ثم الآخر كذلك فضربوني أسواطا، فأغمي علي وذهب عقلي مرارا، فإذا سكن الضرب يعود علي عقلي، وقام المعتصم إلي يدعوني إلى قولهم، فلم أجبه، وجعلوا يقولون: ويحك! الخليفة على رأسك، فلم أقبل. وأعادوا الضرب، ثم عاد إلي فلم أجبه، فأعادوا الضرب، ثم جاء إلي الثالثة، فدعاني، فلم أعقل ما قال من شدة الضرب، ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب وأرعبهم ذلك من أمري، وأمر بي فأطلقت، ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجلي، وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة
(1) أحمد (1/ 382،428،444) والبخاري (12/ 247/6878) ومسلم (3/ 1302/1676) وأبو داود (4/ 522/4352) والترمذي (4/ 12 - 13/ 1402) وقال: "حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح". والنسائي (7/ 90 - 91/ 4027) وابن ماجه (2/ 847/2534) ..
(2)
أخرجه: البخاري (13/ 311/7284و7285) ومسلم (1/ 51 - 52/ 20) وأبو داود (2/ 198/1556) والترمذي (5/ 5 - 6/ 2607) والنسائي (7/ 88/3980) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إحدى وعشرين ومائتين، ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله، وكان جملة ما ضرب نيفا وثلاثين سوطا، وقيل ثمانين سوطا لكن كان ضربا مبرحا شديدا جدا، وقد كان الإمام أحمد رجلا طوالا رقيقا أسمر اللون كثير التواضع رحمه الله.
ولما حمل من دار الخلافة إلى دار إسحاق بن إبراهيم وهو صائم، أتوه بسويق ليفطر من الصوم، فامتنع من ذلك وأتم صومه وحين حضرت صلاة الظهر صلى معهم، فقال له ابن سماعة القاضي: وصليت في دمك! فقال له أحمد: قد صلى عمر وجرحه يثعب دما، فسكت
…
ولما رجع إلى منزله جاءه الجرايحي، فقطع لحما ميتا من جسده وجعل يداويه، والنائب في كل وقت يسأل عنه، وذلك أن المعتصم ندم على ما كان منه إلى أحمد ندما كثيرا، وجعل يسأل النائب عنه والنائب يستعلم خبره، فلما عوفي فرح المعتصم والمسلمون بذلك، ولما شفاه الله بالعافية بقي مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد، وجعل كل من آذاه في حل إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك قوله تعالى:{وليعفوا وليصفحوا} (1) الآية، ويقول ماذا ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك؟ وقد قال تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللَّهِ إِنَّهُ لا يحب الظَّالِمِينَ} (2) وينادي المنادي يوم القيامة: (ليقم من أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول
(1) النور الآية (22).
(2)
الشورى الآية (40).
الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، ومن تواضع لله رفعه الله"(1). (2)
- محنته أيام الواثق:
جاء في السير: قال حنبل لم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من الضرب يحضر الجمعة والجماعة، ويحدث ويفتي حتى مات المعتصم، وولي ابنه الواثق فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دؤاد وأصحابه، فلما اشتد الأمر على أهل بغداد وأظهرت القضاة المحنة بخلق القرآن وفرق بين فضل الأنماطي وبين امرأته، وبين أبي صالح وبين امرأته، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة ويعيد الصلاة إذا رجع، ويقول: تؤتى الجمعة لفضلها والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة. وجاء نفر إلى أبي عبد الله وقالوا: هذا الأمر قد فشا وتفاقم، ونحن نخافه على أكثر من هذا، وذكروا ابن أبي دؤاد وأنه على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في المكاتب القرآن كذا وكذا، فنحن لا نرضى بإمارته فمنعهم من ذلك وناظرهم.
وحكى أحمد قصده في مناظرتهم، وأمرهم بالصبر، قال: فبينا نحن في أيام الواثق، إذ جاء يعقوب ليلا برسالة الأمير إسحاق بن إبراهيم إلى أبي عبد الله يقول لك الأمير: إن أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يجتمعن إليك أحد، ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من أرض الله قال: فاختفى أبو عبد الله بقية حياة الواثق، وكانت تلك الفتنة، وقتل أحمد بن
(1) أخرجه من حديث أبي هريرة: أحمد (2/ 235،386) ومسلم (4/ 2001/2588) والترمذي (4/ 330/2029).
(2)
البداية والنهاية (10/ 346 - 349).
نصر الخزاعي، ولم يزل أبو عبد الله مختفيا في البيت لا يخرج إلى صلاة ولا إلى غيرها، حتى هلك الواثق. وعن إبراهيم بن هانئ قال: اختفى أبو عبد الله عندي ثلاثا، ثم قال: اطلب لي موضعا. قلت: لا آمن عليك، قال: افعل، فإذا فعلت أفدتك، فطلبت له موضعا فلما خرج قال: اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ثم تحول. (1)
- عبر المحنة:
1 -
مكائد المبتدعة لأهل السنة في كل زمان ومكان ومهما كان نوع المكيدة، المهم القضاء على أتباع العقيدة السلفية.
2 -
ضعف حجج المبتدعة مهما كانت منزلتهم من القرآن والسنة، وسعة علم السلفيين واطلاعهم الواسع.
3 -
الحجة عند السلفيين في الكتاب والسنة وما وافقهما من المعقول.
4 -
العاقبة الحميدة لأهل الحق، وأما أهل الباطل فعاقبتهم الخيبة والخسران، فابن أبي دؤاد يصاب بالفالج، وكل واحد أصيب بمصيبة أعظم من الأخرى.
5 -
رفع الله بها ذكر الإمام أحمد في الأولين والآخرين، فلا يذكر إلا بلفظ الإمام.
6 -
جعله الله قدوة لمن جاء بعده، فلعل من جاء بعده يتذكر مواقفه فيقفها، فيكون من باب من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها.
(1) السير (11/ 263 - 264).
- عقيدة الإمام أحمد ورسائله السلفية:
لم يكن للإمام أحمد ذلك الموقف العظيم الذي وقفه والذي شكره عليه الأولون والآخرون فحسب، بل ترك تراثا سلفيا ذكر فيه أصول السلف في العقيدة السلفية، وقد ذكر ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة جملة منها. ولولا خشية الإطالة لشرفت بحثى بنقلها كلها وأتكلم على كل واحدة بما يتيسر من التحليل والتعليق، وإن يجعل الله في العمر فسحة فسأفعل إن شاء الله، وهاكم أرقام الصفحات من طبقات الحنابلة التي ذكرت فيها الرسائل والعقائد السلفية.
1 -
رسالة الإصطخري من ص.24 إلى 36/ 1.
2 -
رسالة عبدوس بن مالك العطار من ص 241 إلى 246/ 1 وذكرها شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (4/ 102).
3 -
رسالة محمد بن حبيب الأندراني من ص 294 إلى 295/ 1.
4 -
رسالة محمد بن يونس السرخسي من ص 329 إلى 330/ 1.
5 -
رسالته إلى أمير المؤمنين المتوكل، وقد ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء، وقال إسنادها كالشمس من ص 281 إلى 286/ 11.
وقد ذكرها شيخ الإسلام في كثير من كتبه، انظر درء التعارض7/ 155
6 -
الرد على الزنادقة والجهمية: طبع ولله الحمد، ذكره شيخ الإسلام في كثير من كتبه، وقد شرحه وحلله كله. انظر درء التعارض (1/ 18 - 44 - 221 - 249)(2/ 75 - 291 - 301)(3/ 23) (5/ 157 - 167 -
175 -
177 - 282 - 302) (6/ 137 - 148)(7/ 257 - 259). وذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (195).
7 -
التفسير، ذكره شيخ الإسلام في درء التعارض (2/ 22).
8 -
الإيمان، ذكره غير واحد، ومن أشهرهم الإمام الذهبي، انظر السير (11/ 301).
9 -
فضائل الصحابة، وقد حقق رسالة علمية في جامعة أم القرى، وطبعه المجلس العلمي بنفس الجامعة.
10 -
رسالة مسدد، ذكرها في الطبقات (1/ 341 إلى 345).
- جاء في طبقات الحنابلة: قال أحمد بن سعد الجوهري: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد على أهل الإسلام أضر من الجهمية، ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
" التعليق:
وقد تكرر هذا من كثير من السلف رضوان الله عليهم، ففهموا قصد المبتدعة ومرادهم من أن إحداث هذه البدع ليس القصد منها القربة إلى الله، وإنما القصد منها إبطال الرسالة بالكلية بطريق غير مباشر، والله المستعان.
- وروى الآجري في الشريعة عن إسحاق بن منصور الكوسج، قال: قلت لأحمد يعني ابن حنبل: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة، حين يبقى
(1) طبقات الحنابلة (1/ 47) والسنة للخلال (5/ 123).
ثلث الليل الأخير إلى سماء الدنيا" (1)، أليس تقول بهذه الأحاديث؟ ويراه أهل الجنة -يعني ربهم عز وجل؟ و"لا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته" (2) و"اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه" (3) و"إن موسى لطم ملك الموت" (4) قال أحمد: كل هذا صحيح؛ قال إسحاق: هذا صحيح، ولا يدفعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي. (5)
- وفيها: عن أبي بكر المروذي، قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي يردها الجهمية في الصفات والإسراء والرؤية وقصة العرش؟ فصححها وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول، تسلم الأخبار كما جاءت. قال أبو بكر المروذي: وأرسل أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة إلى أبي عبد الله يستأذنانه أن يحدثا بهذه الأحاديث التي تردها الجهمية، فقال: أبو عبد الله: حدثوا بها، قد تلقتها العلماء بالقبول، وقال أبو عبد الله: تسلم الأخبار كما جاءت. (6)
(1) انظر تخريجه في مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(2)
انظر تخريجه في مواقف البربهاري سنة (329هـ).
(3)
أخرجه من حديث أبي هريرة بلفظ: "تحاجت الجنة والنار فقالت النار
…
" الحديث أحمد (2/ 276) والبخاري (13/ 533/7449) ومسلم (4/ 2186/2846) والترمذي (4/ 598 - 599/ 2561) دون ذكر موضع الشاهد. والنسائي في الكبرى (6/ 468/11522).
(4)
أخرجه من حديث أبي هريرة موقوفا: أحمد (2/ 209) والبخاري (6/ 544/3407) ومسلم (4/ 1842/2372 [157]) والنسائي (4/ 424 - 425/ 2088). وأخرجه مرفوعا: أحمد (2/ 533) والبخاري (6/ 544/3407) ومسلم (4/ 1843/2372 [158]).
(5)
الشريعة (2/ 94/741).
(6)
الشريعة (2/ 114/771) وطبقات الحنابلة (1/ 5699).
- قال الحافظ في الفتح: وقال الإمام أحمد في 'كتاب السنة' قالت الجهمية لمن قال: إن الله لم يزل بأسمائه وصفاته، قلتم بقول النصارى حيث جعلوا معه غيره، فأجابوا بأنا نقول إنه واحد بأسمائه وصفاته، فلا نصف إلا واحدا بصفاته كما قال تعالى:{ذرني وَمَنْ خَلَقْتُ وحيدًا} (1) وصفه بالوحدة مع أنه كان له لسان وعينان وأذنان وسمع وبصر ولم يخرج بهذه الصفات عن كونه واحدا ولله المثل الأعلى. (2)
- وقال: وحكى حنبل بن إسحق في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال ردا على من أنكر الميزان ما معناه: قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (3) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الميزان يوم القيامة فمن رد على النبي صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله عز وجل. (4)
- قال عبد الله بن أحمد وجدت في كتاب أبي بخط يده مما يحتج به على الجهمية من القرآن. قال الله تعالى في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا
(1) المدثر الآية (11).
(2)
الفتح (13/ 381).
(3)
الأنبياء الآية (47).
(4)
الفتح (13/ 538) وأصول الاعتقاد (6/ 1245/2211).
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1) وقال في يس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (2) وقال في سورة البقرة: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} (3) وقال الله في آل عمران: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (4) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5)
وقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (6) وقال: {يا أهل
(1) البقرة الآية (174).
(2)
يس الآيتان (82و83).
(3)
البقرة الآيتان (117و118).
(4)
آل عمران الآية (45).
(5)
آل عمران الآية (77) ..
(6)
القيامة الآيتان (22و23).
الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} (1) وقال في سورة الأنعام: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) وقال في سورة النمل: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} (3) وقال في سورة الأعراف: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (4) وقال في القصص: {كل شَيْءٍ هَالِكٌ إِلًّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وإليه تُرْجَعُونَ} (5) وقال في الرحمن: {كل
(1) النساء الآية (171).
(2)
الأنعام الآية (115).
(3)
النمل الآيات (8 - 10).
(4)
الأعراف الآية (54).
(5)
القصص الآية (88).
مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (1)
وقال في طه: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} (2) وقال في البقرة: {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ} (3) وقال في آل عمران: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (4) وقال في سورة النساء: {وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى تكليمًا} (5) وقال: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (6) وقال في الأنعام: {حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} (7) وقال في طه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ
(1) الرحمن الآيتان (26و27) ..
(2)
طه الآيتان (39و40).
(3)
البقرة الآية (174).
(4)
آل عمران الآية (39).
(5)
النساء الآية (164).
(6)
النساء الآية (171).
(7)
الأنعام الآية (34).
{إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1) وقال في الكهف: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} (2) وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (3)
وقال في التوبة: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (4) وفي حم عسق: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (5) وفي لقمان: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (6) وفي القصص: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (7) وفي
(1) طه الآيات (11 - 14).
(2)
الكهف الآية (27).
(3)
الكهف الآية (109) ..
(4)
التوبة الآية (6).
(5)
الشورى الآية (51).
(6)
لقمان الآية (27).
(7)
القصص الآية (30).
الأعراف: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (1) وفي الفتح: {يد الله فوق أيديهم} (2)
وفي البقرة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3) وفي الكهف: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (4) وفي الأعراف: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
…
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (5) وفي الأنفال: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ
(1) الأعراف الآيتان (143و144).
(2)
الفتح الآية (10) ..
(3)
البقرة الآية (115).
(4)
الكهف الآية (28).
(5)
الأعراف الآيات (137 - 143).
الْكَافِرِينَ} (7)(1) وفي التوبة: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2) وفي هود: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (3) وفي يونس: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (4){لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} (5) وقال: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (6) وقال: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} (7) وفي فصلت: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} (8)
وفي هود: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (9) وفي الكهف: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ
(1) الأنفال الآية (7).
(2)
التوبة الآية (40).
(3)
هود الآية (110).
(4)
يونس الآية (33).
(5)
يونس الآية (64).
(6)
يونس الآية (82).
(7)
يونس الآية (96).
(8)
فصلت الآية (45) ..
(9)
هود الآية (119).
مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (1) وفي طه: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا} (2) وفي الصافات: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} (3) وفي المؤمن (غافر): {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} (4) وفي حم عسق: {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (5)، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (6) وفي الفتح:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} (7) وفي التحريم: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} (8) وفي المؤمن: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (9) وفي النحل: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ
(1) الكهف الآية (27).
(2)
طه الآية (129).
(3)
الصافات الآية (171).
(4)
غافر الآية (6).
(5)
الشورى الآية (24).
(6)
الشورى الآية (51).
(7)
الفتح الآية (15).
(8)
التحريم الآية (12).
(9)
غافر الآية (15).
{بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} (1)، {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (2)
وفي الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (3) وفي حم عسق: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (4) وفي الشعراء: {نزل به الروح الْأَمِينُ (193) على قلبك لتكون من المنذرين} (5) وفي عم يتساءلون: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} (6) وفي الواقعة: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} (7) وقال: {أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} (8) وقال: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
(1) النحل الآية (102).
(2)
النحل الآية (2) ..
(3)
الإسراء الآية (85).
(4)
الشورى الآية (52).
(5)
الشعراء الآيتان (193و194).
(6)
النبأ الآية (28).
(7)
الواقعة الآيات (63 - 65).
(8)
الواقعة الآيتان (69و70).
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (1) وفي الروم: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} (2) وفي ن والقلم: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (3) وفي المرسلات: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} (4)
وفي الأنعام: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} (6) {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (7) وفي الأعراف:{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (8)، {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (9)، {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ
(1) الواقعة الآيتان (81و82).
(2)
الروم الآية (48).
(3)
ن الآية (35).
(4)
المرسلات الآيات (20 - 23) ..
(5)
الأنعام الآية (39).
(6)
الأنعام الآية (136).
(7)
الأنعام الآية (100).
(8)
الأعراف الآية (47).
(9)
الأعراف الآية (69).
مِنْ بَعْدِ عَادٍ} (1)، {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (2)، {فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (3). وفي الرعد:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} (4)، {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ} (5). وفي هود:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} (6) وقال في الشعراء: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (7)،
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} (8) وفي فصلت: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (9) وفي النمل: {ويكشف السُّوءَ ِ
(1) الأعراف الآية (74).
(2)
الأعراف الآية (138).
(3)
الأعراف الآية (150).
(4)
الرعد الآية (16).
(5)
الرعد الآية (33).
(6)
هود الآية (82).
(7)
الشعراء الآية (29) ..
(8)
الشعراء الآيتان (84و85).
(9)
فصلت الآية (9).
{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} (1){إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} (2) وفي القصص: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} (3) وفي الذاريات {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} (4) وقال: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (5) وفي القصص: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (6) وقال: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (7) وقال: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} (8)، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (9)
وقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ
(1) النمل الآية (62).
(2)
النمل الآية (34).
(3)
القصص الآية (4).
(4)
الذاريات الآية (41).
(5)
الذاريات الآية (51).
(6)
القصص الآية (5).
(7)
القصص الآية (7).
(8)
القصص الآية (38).
(9)
القصص الآية (41) ..
الْقِيَامَةِ} (1) وفي إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (2)، {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} (3)، {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} (4)، {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} (5) وفي الحجر:{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ} (6)، {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (7)، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} (8) وفي النحل:{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا} (9)، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} (10)، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} (11)، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا} ،
(1) القصص الآية (71).
(2)
إبراهيم الآية (35).
(3)
إبراهيم الآية (37).
(4)
إبراهيم الآية (40).
(5)
إبراهيم الآية (30).
(6)
الحجر الآية (91).
(7)
الحجر الآية (96).
(8)
الحجر الآية (73).
(9)
النحل الآية (56).
(10)
النحل الآية (57).
(11)
النحل الآية (62).
تَسْتَخِفُّونَهَا} (1)، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} (2)، {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (3) وفي الإسراء:{وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (4)، {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} (5) وفي الفرقان:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (6)، {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} (7)، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (8)، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} (9)، وفي العنكبوت: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ
(1) النحل الآية (80).
(2)
النحل الآية (81).
(3)
النحل الآية (91).
(4)
الإسراء الآية (6) ..
(5)
الإسراء الآية (22).
(6)
الفرقان الآية (23).
(7)
الفرقان الآية (37).
(8)
الفرقان الآية (54).
(9)
الفرقان الآية (35).
{السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} (1)، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} (2) وفي سبأ:{وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} (3){وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (4) وفي إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (5) وفي المائدة: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ} (6) وفي التوبة: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (7) وفي يونس: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} (8)، {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (9) وفي الزخرف:{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}
(1) العنكبوت الآية (15).
(2)
العنكبوت الآية (10).
(3)
سبأ الآية (19).
(4)
سبأ الآية (33).
(5)
إبراهيم الآية (35).
(6)
المائدة الآية (103).
(7)
التوبة الآية (19).
(8)
يونس الآية (73) ..
(9)
يونس الآية (85).
(10)
الزخرف الآية (56).
(1)
، {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (2)، وفي الفيل:{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} (3) وفي سورة الأنبياء: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} (4)، {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (5) {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} (6) وفي الصافات:{فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} (8)، {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} (9) وفي ص: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
(1) الزخرف الآية (60).
(2)
الفيل الآية (5).
(3)
الأنبياء الآيتان (57و58).
(4)
الأنبياء الآية (70).
(5)
الأنبياء الآيتان (72و73).
(6)
الأنبياء الآية (15).
(7)
الصافات الآيتان (97و98).
(8)
الصافات الآية (158).
{الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (1) وفي الزمر: {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا} (2) وفي يوسف: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} (3)،
وقال: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} (4)، {لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} (5) وفي الأعراف:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (6) وفي الإسراء: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (7) في النساء: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (8) وفي الواقعة: {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} (9) وفي البروج: {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مجيدٌ} (10) وفي الزخرف: {وَإِنَّهُ في أُمِّ
(1) ص الآية (28).
(2)
الزمر الآية (21).
(3)
يوسف الآية (55) ..
(4)
يوسف الآية (70).
(5)
يوسف الآية (62).
(6)
الأعراف الآية (180).
(7)
الإسراء الآية (110).
(8)
النساء الآية (174).
(9)
الواقعة الآية (77).
(10)
البروج الآية (21).
{الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1) وفي فصلت: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عزيزٌ} (2) وفي سورة الدخان: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (3) وفي يس: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (4) وفي الفرقان: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} (5). وفي الحجر: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} (6) وفي فصلت: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (7) وفي الأنعام: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (8) وفي فصلت: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي
(1) الزخرف الآية (4).
(2)
فصلت الآية (41).
(3)
الدخان الآيتان (1و2).
(4)
يس الآيتان (1و2).
(5)
الفرقان الآية (59).
(6)
الحجر الآية (1) ..
(7)
الآيتان (41و42).
(8)
الأنعام الآية (155).
آذَانِهِمْ وَقْرٌ} (1) وفي حم عسق: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (2) وفي الزخرف: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (3) وفي سورة العلق: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} (4) وفي المائدة: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (5) وفي الأنعام: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (6){سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (7) وفي الطور: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (8)
وفي البقرة: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} (9)، {يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} (10) وفي طه: {إِنَّنِي مَعَكُمَا
(1) فصلت الآية (44).
(2)
الشورى الآية (7).
(3)
الزخرف الآيات (1 - 3).
(4)
العلق الآيتان (14و15).
(5)
المائدة الآية (116).
(6)
الأنعام الآية (12).
(7)
الأنعام الآية (54).
(8)
الطور الآية (48) ..
(9)
البقرة الآية (37).
(10)
البقرة الآية (75).
{مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (1) وفي مريم: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (2) وفي لقمان: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (3) وفي النساء: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (4) وفي الزمر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (5) وفي المائدة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (6) وفي الفتح: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} (7)
وفي طه: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي
(1) طه الآية (46).
(2)
مريم الآية (42).
(3)
لقمان الآية (28).
(4)
النساء الآية (134).
(5)
الزمر الآية (67).
(6)
المائدة الآية (64).
(7)
الفتح الآية (10) ..
{مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} (1) وفي القيامة: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2) وفي المطففين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} (3)، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} (4)، وفي الملك {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (5) وفي النجم:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (6). اهـ (7)
(1) طه الآيات (45 - 47).
(2)
القيامة الآيات (20 - 23).
(3)
المطففين الآيتان (15و16).
(4)
المطففين الآيتان (22و23).
(5)
الملك الآيتان (25و26).
(6)
النجم الآيات (10 - 14).
(7)
السنة لعبد الله (ص.192 - 206).
- روى اللالكائي بسنده إلى حنبل قال: قلت لأبي عبد الله -يعني أحمد ابن حنبل- ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر، وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جيدة نؤمن بها ونقر، قلت له: وقوم يخرجون من النار؟ فقال: نعم، إذا لم نقر بما جاء به الرسول ودفعناه رددنا على الله أمره قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) قلت: والشفاعة؟ قال: كم حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة والحوض، فهؤلاء يكذبون بها ويتكلون، وهو قول صنف من الخوارج، وإن الله تعالى لا يخرج من النار أحدا بعد إذ أدخله، والحمد لله الذي عدل عنا ما ابتلاهم به. (2)
- وفيه عن حنبل قال: سمعت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- يقول: إذا صير العبد إلى لحده وانصرف عنه أهله أعيد إليه روحه في جسده فيسأل حينئذ في قبره، وهو قول الله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (3) يعني القبر، فنسأل الله أن يثبتنا على طاعته، ويبارك لنا في تلك الساعة عند المساءلة، فالسعيد من أسعده الله عز وجل، قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: نؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير. (4)
(1) الحشر الآية (7).
(2)
أصول الاعتقاد (6/ 1183/2090).
(3)
إبراهيم الآية (27).
(4)
أصول الاعتقاد (6/ 1219/2158).
- وفيه: وروى يوسف بن موسى البغدادي أنه قيل لأبي عبد الله أحمد ابن حنبل: الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه في كل مكان؟ قال: نعم على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان. (1)
- ذكر الإمام الخلال في السنة عن أبي ثابت الخطاب، قال: كنت أنا وإسحاق بن أبي عمر جالسا، فمر بنا رجل جهمي وأنا أعلم أنه جهمي، فسلم علينا فرددت عليه السلام ولم يرد عليه إسحاق بن أبي عمر، فقال لي إسحاق: ترد على جهمي السلام؟ قال: فقلت: أليس أرد على اليهودي والنصراني؟ قال: ترضى بأبي عبد الله؟ قلت: نعم. قال: فغدوت إلى أبي عبد الله، فأخبرته بالخبر، فقال: سبحان الله، ترد على جهمي؟ فقلت: أليس أرد على اليهودي والنصراني؟ فقال: اليهودي والنصراني قد تبين أمرهما. (2)
- وفيها: عن عبد الملك الميموني أن أبا عبد الله ذكر رجلا من الجهمية، فقال: أخزاه الله. (3)
- وفيها: عن أبي بكر المروذي، قال: قلت لأبي عبد الله: الرجل المقرئ يجيئه ابن الجهمي، ترى أن يأخذ عليه؟ قال: وابن كم هو؟ قلت: ابن سبع أو ثمان. قال: لا تأخذ عليه ولا تقبله، ليذل الأب به. (4)
(1) أصول الاعتقاد (3/ 445 - 446/ 674).
(2)
السنة للخلال (5/ 94).
(3)
السنة للخلال (5/ 94).
(4)
السنة للخلال (5/ 95).
- وفيها: عن أبي بكر المروذي، قال: قلت لأبي عبد الله: أمر بقرية جهمي وليس معي زاد، ترى أن أطوى؟ قال: نعم اطو، ولا تشتر منه شيئا. وقال المروذي في موضع آخر. قال: سألت أبا عبد الله، قلت: أبيع الثوب من الرجل الذي أكره كلامه ومبايعته، أعني الجهمي؟ قال: دعني حتى أنظر. فلما كان بعدما سألته عنها، قال: توق مبايعته. قلت لأبي عبد الله: فإن بايعته وأنا لا أعلم. قال: إن قدرت أن ترد البيع، فافعل. قلت: فإن لم يمكنني، أتصدق بالثمن؟ قال: أكره أن أحمل الناس على هذا، فتذهب أموالهم. قلت: فكيف أصنع؟ قال: ما أدري، أكره أن أتكلم فيه بشيء. قلت: إنما أريد أن أعرف مذهبك. قال: أليس بعت ولا تعرفه؟ قلت: نعم. قال: أكره أن أتكلم فيه بشيء، ولكن أقل ما هاهنا أن تصدق بالربح وتوق مبايعتهم. (1)
- وبسنده إلى أبي بكر المروذي، قال: سمعت أبا عبد الله وذكر الجهمية فقال: إنما كان يراد بهم المطابق، تدري أي شيء عملوا هؤلاء في الإسلام؟ قيل لأبي عبد الله: الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟ قال: ومن لا يفرح بهذا؟ قيل له: إن ابن المبارك قال: الذي ينتقم من الحجاج، هو ينتقم للحجاج من الناس. قال: أي شيء يشبه هذا من الحجاج؟ هؤلاء أرادوا تبديل الدين. (2)
- قال الإمام أحمد: وكذلك الجهم وشيعته دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرا كثيرا، فكان مما بلغنا من أمر
(1) السنة للخلال (5/ 96).
(2)
السنة للخلال (5/ 121).
الجهم عدو الله: أنه كان من أهل خراسان من أهل الترمذ، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله تبارك وتعالى، فلقي ناسا من المشركين يقال لهم السمنية، فعرفوا الجهم فقالوا له: نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال الجهم: نعم، فقالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا، فقالوا له: هل سمعت كلامه؟ قال: لا، قالوا: فشممت له رائحة؟ قال: لا، قالوا: فوجدت له حسا؟ قال: لا، قالوا: فوجدت له مجسا؟ قال: لا، قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما، ثم إنه استدرك حجة من جنس حجة الزنادقة من النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح التي في عيسى هي من روح الله من ذات الله، وإذا أراد الله أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسان خلقه، فيأمر بما شاء وينهى عن ما شاء وهو روح غائبة عن الأبصار. فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة، فقال للسمني: ألست تزعم أن فيك روحا؟ فقال: نعم، قال فهل رأيت روحك؟ قال: لا، قال: فسمعت كلامه؟ قال: لا، قال: فوجدت له حسا؟ قال: لا، قال: فكذلك الله لا يرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان. ووجد ثلاث آيات في القرآن من المتشابه قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1). {وهو
(1) الشورى الآية (11).
اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} (1). {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (2).
فبنى أصل كلامه كله على هؤلاء الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف من الله شيئا مما وصف الله به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله كان كافرا، وكان من المشبهة. وأضل بكلامه بشرا كثيرا، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة، ووضع دين الجهمية. (3)
- وقال: قال أحمد: إنه مستو على العرش عالم بكل مكان. (4)
- وفيه: قال الإمام أحمد: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، وقال: يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين المجمل والقياس، وهذه الطريق يشترك فيها جميع أهل البدع الكبار والصغار، فهي طريق الجهمية والمعتزلة ومن دخل في التأويل من الفلاسفة والباطنية الملاحدة. (5)
- وجاء في السير عن أبي معمر القطيعي، قال: لما أحضرنا إلى دار السلطان أيام المحنة، وكان أحمد بن حنبل قد أحضر، فلما رأى الناس يجيبون، وكان رجلا لينا، فانتفخت أوداجه، واحمرت عيناه، وذهب ذلك اللين. فقلت: إنه قد غضب لله، فقلت أبشر: حدثنا ابن الفضيل، عن الوليد بن
(1) الأنعام الآية (3).
(2)
الأنعام الآية (103).
(3)
الرد على الجهمية والزنادقة (ص.101 - 105)، وانظر الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 39 - 40).
(4)
مجموع الفتاوى (4/ 181).
(5)
مجموع الفتاوى (17/ 355 - 356).
عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة، قال: كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إذا أريد على شيء من أمر دينه، رأيت حماليق عينيه في رأسه تدور كأنه مجنون. (1)
- وجاء في الإبانة: عن أبي نصر عصمة بن أبي عصمة، قال: حدثنا الفضل بن زياد، قال: حدثنا أبو طالب أحمد بن حميد، قال: قال لي أبو عبد الله: صاروا ثلاث فرق في القرآن. قلت: نعم: هم ثلاث: الجهمية، والواقفة، واللفظية، فأما الجهمية، فهم يكشفون أمرهم، يقولون: مخلوق. قال: كلهم جهمية، هؤلاء يستترون، فإذا أحرجتهم، كشفوا الجهمية، فكلهم جهمية، قال الله عز وجل:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) وقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (3) فيسمع مخلوقا وجبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق. (4)
- وبسنده إلى علي بن عيسى العكبري أن حنبلا حدثهم سمع أبا عبد الله قال: من قال إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، فقد كفر وَرَدَّ على الله أمره وقوله، يستتاب فإن تاب وإلا قتل. (5)
- وفيها: عن يعقوب بن بختان، قال: قلت لأبي عبد الله رحمه الله: من
(1) سير أعلام النبلاء (11/ 238).
(2)
النساء الآية (164).
(3)
التوبة الآية (6).
(4)
الإبانة (1/ 12/294 - 295/ 64) ونحوه في السنة للخلال (5/ 225) والسير (11/ 289).
(5)
الإبانة (2/ 13/79/ 304).
كان له قرابة جهمي، يرثه؟ قال: بلغني عن عبد الرحمن أنه قال: لا يرثه، فقيل: ما ترى؟ فقال: إذا كان كافرا. قلت: لا يرثه؟ قال: لا. (1)
- وفيها: عن المروذي، قال: سألت أبا عبد الله عن الجهمي يموت وله ابن عم ليس له وارث غيره، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر"(2) قلت: فلا يرثه؟ قال: لا. قلت: فما يصنع بماله؟ قال: بيت المال، نحن نذهب إلى أن مال المرتد لبيت المال. (3)
- وفيها: وروى الميموني، قال: ذاكرت أبا عبد الله أمر الجهمية وما يتكلمون، فقال: في كلامهم كلام الزنادقة، يدورون على التعطيل ليس يثبتون شيئا، وهكذا الزنادقة. (4)
- وفيها: روى المروذي عن أبي عبد الله، قال: قلت لأبي عبد الله: رجل صلى خلف الصف هو ورجل، فلما سلم نظر إلى الذي صلى على جانبه فإذا هو جهمي، قال: يعيد الصلاة، فإنه إنما صلى خلف الصف وحده، أو كلام هذا معناه: إن شاء الله. (5)
- وبسنده إلى الحارث الصائغ: قلت لأبي عبد الله إن أصحاب ابن
(1) الإبانة (2/ 12/81/ 310).
(2)
أخرجه من حديث أسامة بن زيد: أحمد (5/ 200،208،209) والبخاري (12/ 58/6764) ومسلم (3/ 1233/1614) وأبو داود (3/ 326 - 327/ 2909) والترمذي (4/ 369/2107) والنسائي في الكبرى (4/ 80/6371) وابن ماجه (2/ 911/2729).
(3)
الإبانة (2/ 13/82 - 83/ 314).
(4)
الإبانة (2/ 13/107/ 356).
(5)
الإبانة (2/ 13/122/ 389).
الثلاج نلنا منهم ومن أعراضهم، فنستحلهم من ذلك؟ فقال: لا، هؤلاء جهمية، من أي شيء يستحلون؟. (1)
- وفيها: قال عبد الله بن أحمد: وسألت أبي عن الصلاة خلف أهل البدع، فقال: لا تصل خلفهم مثل الجهمية والمعتزلة، وقال: إذا كان القاضي جهميا، فلا تشهد عنده. (2)
- وفيها: قال حنبل: وقال أبو عبد الله: واحتججت عليهم فقلت: زعمتم أن الأخبار تردونها باختلاف أسانيدها، وما يدخلها من الوهم والضعف، فهذا القرآن نحن وأنتم مجمعون عليه وليس بين أهل القبلة فيه خلاف، وهو الإجماع. قال الله عز وجل في كتابه تصديقا منه لقول إبراهيم غير دافع لمقالته ولا لما حكى عنه، فقال:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (3) فذم إبراهيم أباه أن عبد ما لا يسمع ولا يبصر، فهذا منكر عندكم. فقالوا: شبه، شبه يا أمير المؤمنين. فقلت: أليس هذا القرآن؟ هذا منكر عندكم مدفوع، وهذه قصة موسى، قال الله عزوجل لموسى في كتابه حكاية عن نفسه:{وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى} (4) فأثبت الله الكلام لموسى كرامة منه لموسى ثم قال: {يا موسى إنني
(1) الإبانة (2/ 13/131 - 132/ 408).
(2)
الإبانة (2/ 13/139 - 140/ 414).
(3)
مريم الآية (42).
(4)
النساء الآية (164).
أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاعبدني} (1) فتنكرون هذا، فيجوز أن تكون هذه الياء راجعة ترد على غير الله، أو يكون مخلوق يدعي الربوبية؟ وهل يجوز أن يقول هذا غير الله؟ وقال له:{يا موسى لا تخف} (2)، {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 12] (3) فهذا كتاب الله يا أمير المؤمنين، فيجوز أن يقول لموسى: أنا ربك مخلوق؟ وموسى كان يعبد مخلوقا؟ ومضى إلى فرعون برسالة مخلوق يا أمير المؤمنين؟ قال: فأمسكوا، وأداروا بينهم كلاما لم أفهمه. قال أبو عبد الله: والقوم يدفعون هذا وينكرونه، ما رأيت أحدا طلب الكلام واشتهاه إلا أخرجه إلى أمر عظيم، لقد تكلموا بكلام، واحتجوا بشيء ما يقوى قلبي ولا ينطق لساني أن أحكيه، والقوم يرجعون إلى التعطيل في أقاويلهم، وينكرون الرؤية والآثار كلها، ما ظننت أنه هكذا حتى سمعت مقالاتهم.
قال أبو عبد الله: قيل لي يومئذ: كان الله ولا قرآن. فقلت له: كان الله ولا علم؟ فأمسك. ولو زعم غير ذلك أن الله كان ولا علم، لكفر بالله. قال أبو عبد الله: وقلت له -يعني: لابن الحجام-: يا ويلك، لا يعلم حتى يكون، فعلمه وعلمك واحد، كفرت بالله عالم السر وأخفى، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ويلك، يكون علمه مثل علمك، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. قال أبو عبد الله: فهذه أليست مقالته؟ قال أبو عبد الله: وهذا هو
(1) طه الآية (14).
(2)
النمل الآية (10).
(3)
طه الآية (12).
الكفر بالله، ما ظننت أن القوم هكذا. لقد جعل برغوث يقول يومئذ: الجسم وكذا وكلام لا أفهمه، فقلت: لا أعرف ولا أدري ما هذا، إلا أنني أعلم أنه أحد صمد، لا شبه له ولا عدل، وهو كما وصف نفسه، فيسكت عني. قال: فقال لي شعيب: قال الله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عربيًا} (1) أفليس كل مجعول مخلوقا؟ قلت: فقد قال الله: {فَجَعَلَهُمْ جذاذًا} (2) أفخلقهم {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} (3) أفخلقهم؟ أفكل مجعول مخلوق؟ كيف يكون مخلوقا وقد كان قبل أن يخلق الجعل؟ قال: فأمسك. (4)
- وبسنده إلى صالح بن أحمد أن أباه قال: قال لي رجل منهم: أراك تذكر الحديث وتنتحله. قال: فقلت له: ما تقول في قول الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (5) فقال: خص الله بها المؤمنين، قال: قلت: فما تقول إن كان قاتلا أو عبدا أو يهوديا أو نصرانيا؟ فسكت. (6)
- وفيها عن محمد بن جعفر، قال: سمعت هرثمة بن خالد -قرابة إسحاق بن داود- وكنا جميعا أنا وإسحاق، قال: قال أحمد بن حنبل، قال
(1) الزخرف الآية (3).
(2)
الأنبياء الآية (58).
(3)
الفيل الآية (5).
(4)
الإبانة (2/ 14/254 - 257/ 433).
(5)
النساء الآية (11).
(6)
الإبانة (2/ 14/258/ 435).
لي ابن أبي دؤاد -وهم يناظروني- وقد كنت قلت لهم: أوجدوني ما تقولون في كتاب الله أو في سنة رسول الله، أوجدني أنت يا ابن حنبل في علمك أن هذا البساط الذي نحن عليه مخلوق؟ قال: قلت: نعم. قال الله عز وجل: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} (1) قال: فكأني ألقمته حجرا. (2)
- وفيها: وروى الميموني، قال: سألت أبا عبد الله، قلت: من قال: إن الله تعالى كان ولا علم؟ فتغير وجهه تغيرا شديدا، وكثر غيظه، ثم قال لي: كافر. وقال لي: كل يوم أزداد في القوم بصيرة. (3)
- ونقل الخلال في السنة عن عبد الملك الميموني أن أبا عبد الله ذكر عنده بشر المريسي، فقيل: كافر. فلم أر أبا عبد الله أنكر من قول القائل شيئا. (4)
- وفيها: عن الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله قديما يسأل عن الصلاة خلف بشر المريسي قال: لا يصلى خلفه. (5)
- وجاء في الإبانة عن المروذي، قال: سمعت أبا عبد الله وذكر بشرا المريسي، فقال: من كان يهوديا، إيش تراه يكون؟. (6)
- وجاء في السنة للخلال: عن الحسن بن ثواب المخرمي، قال: قلت
(1) النحل الآية (80).
(2)
الإبانة (2/ 14/258 - 259/ 436).
(3)
الإبانة (2/ 12/70/ 291).
(4)
السنة للخلال (5/ 100).
(5)
السنة للخلال (5/ 102).
(6)
الإبانة (2/ 13/112/ 367) والسنة للخلال (5/ 99) وزاد: "ملأ الله قبر المريسي نارا".
لأحمد بن حنبل، ابن أبي دؤاد؟، قال: كافر بالله العظيم. (1)
- وفيها: عن إسحاق بن إبراهيم حدثهم أنه حضر العيد مع أبي عبد الله، قال: فإذا بقاص يقول: على ابن أبي دؤاد لعنة الله، وحشا الله قبر ابن أبي دؤاد مئة ألف عمود من نار. وجعل يلعن، فقال أبو عبد الله: ما أنفعهم للعامة. (2)
- ونقل ابن بطة بسنده إلى أحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي، قال: سمعت عبيد بن محمد القصير قال: سمعت من حضر مجلس أبي إسحاق يوم ضرب أحمد بن حنبل، قال له أبو إسحاق: يا أحمد إن كنت تخشى من هؤلاء النابتة، جئتك أنا في جيش إلى بيتك حتى أسمع منك الحديث. قال: فقال له: يا أمير المؤمنين خذ في غير هذا واسأل عن العلم واسأل عن الفقه، أي شيء تسأل عن هذا؟ قال عبيد بن محمد: وسمعت من حضر مجلس أبي إسحاق يوم ضرب أحمد بن حنبل، قال: التفت إليه المعتصم، فقال: تعرف هذا؟ قال: لا. قال: تعرف هذا؟ قال: لا. فالتفت أحمد، فوقعت عينه على ابن أبي دؤاد فحول وجهه، فكأنما وقعت عينه على قرد، قال: تعرف هذا -يعني: عبد الرحمن؟ قال: نعم. قال: قل: الله رب القرآن، قال: القرآن كلام الله. قال: فشهد ابن سماعة وقتلته، فقالوا: قد كفر، اقتله ودمه في أعناقنا. (3)
- وذكر الإمام الخلال في السنة: عن حرب بن إسماعيل الكرماني،
(1) السنة للخلال (5/ 117).
(2)
السنة للخلال (5/ 118).
(3)
الإبانة (2/ 14/262 - 263/ 439).
قال: سمعت أحمد، وذكر شعيب بن سهل قاضي بغداد، فقال أحمد: خزاه الله. (1)
- وجاء في الإبانة: عن الفضل بن زياد، قال: قلت لأبي عبد الله: إن الشراك بلغني عنه أنه قد تاب ورجع. قال: كذب، لا يتوب هؤلاء، كما قال أيوب: إذا مرق أحدهم لم يعد فيه أو نحوهذا. (2)
- وفيها: عن الفضل بن زياد قال: قلت لأبي عبد الله: إن ابن عم لي قدم من طرسوس، فأخبرني عنهم أنهم يحبون أن يعلموا رأيك في الذي تكلم به موسى بن عقبة، فقال: قد كنت تكلمت بكلام فيه. قلت: إنهم يريدون منك حركة في أمره، فقال: قد أخرجت فيه أحاديث، وادفع إلي كاغدا حتى أخرجها إليك. فقام، فأخرجت كتابا فدفعه إلي، فقال: اقرأ علي، فقرأت الأحاديث، ودفع إلي طبق كاغد من عنده، فقال: انسخه. فنسخته، وعارضت به، وصححته. (3)
- جاء في الشريعة: عن الفضل بن زياد؛ قال: سمعت أبا عبد الله أحمد ابن حنبل، وبلغه عن رجل أنه قال: إن الله تعالى لا يرى في الآخرة، فغضب غضبا شديدا ثم قال: من قال بأن الله تعالى لا يرى في الآخرة فقد كفر، عليه لعنة الله وغضبه، من كان من الناس، أليس الله عز وجل قال: {وُجُوهٌ
(1) السنة للخلال (5/ 119).
(2)
الإبانة (2/ 13/129 - 130/ 404).
(3)
الإبانة (1/ 12/357/ 165).
يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1) وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (2) هذا دليل على أن المؤمنين يرون الله تعالى. (3)
- وفيها: عن حنبل بن إسحاق بن حنبل، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قالت الجهمية: إن الله لا يرى في الآخرة، وقال الله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فلا يكون هذا إلا أن الله تعالى يرى، وقال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فهذا النظر إلى الله تعالى. والأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترون ربكم"(4) برواية صحيحة، وأسانيد غير مدفوعة، والقرآن شاهد أن الله تعالى يرى في الآخرة. (5)
- وفيها: عن أبي داود السجستاني، قال: سمعت أحمد بن حنبل وقيل له في رجل حدث بحديث عن رجل، عن أبي العطوف -يعني أن الله عز وجل لا يرى في الآخرة-، فقال: لعن الله من حدث بهذا الحديث، ثم قال: أخزى الله هذا. (6)
- وفي السنة للخلال: عن عبيد الله بن أحمد الحلبي، قال: سمعت أبا
(1) القيامة الآيتان (22و23).
(2)
المطففين الآية (15).
(3)
الشريعة (2/ 9/618).
(4)
انظر تخريجه في مواقف عبد العزيز الماجشون سنة (164هـ).
(5)
الشريعة (2/ 9 - 10/ 619) ونحوه في مجموع الفتاوى (6/ 499 - 500).
(6)
الشريعة (2/ 51/671).
عبد الله وحدثني بحديث جرير بن عبد الله في الرؤية (1)، فلما فرغ قال: على الجهمية لعنة الله. (2)
- وجاء في طبقات الحنابلة: وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال أبي: تكلم الله تبارك وتعالى بصوت وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت، وقال أبي: حديث ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان (3) قال أبي: والجهمية تنكره. قال أبي: وهؤلاء كفار. (4)
" التعليق:
هذه هي المسائل التي طال الحوار فيها بين السلف والجهمية وأفراخهم، وقد تصدى لهم السلف بالرد وألفوا في ذلك، ومن أحسن ما ألف: كتاب إثبات الحرف والصوت لأبي نصر السجزي الذي سيمر بنا إن شاء الله تعالى. وأثبت من المنقول والمعقول ما فيه كفاية لمن أراد الحجة، وأما الذي لا يطلب الدليل فكما قال الله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ
(1) تقدمت الإشارة إليه.
(2)
السنة للخلال (5/ 95).
(3)
أخرجه: أبو داود (5/ 105 - 106/ 4738)، ابن حبان (1/ 223 - 224/ 37) كلهم من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه به مرفوعا. وأخرجه موقوفا: ابن خزيمة في التوحيد (1/ 351/208) والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 507/432) من طريق سعدان بن نصر كلاهما عن أبي معاوية بهذا الإسناد موقوفا. وذكره البخاري تعليقا (13/ 554) عن مسروق عن ابن مسعود موقوفا.
وقد اختلف في رفعه ووقفه، قال الدارقطني في العلل (5/ 243):"والموقوف هو المحفوظ" ولو ثبت موقوفا فهو في حكم الرفع، لأن مثل هذا ليس من قبيل الرأي.
(4)
طبقات الحنابلة (1/ 185) والسنة لعبد الله (70 - 71) والفتح (13/ 460).
بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (1). فالمعاند لا ينتفع لا بالقرآن ولا بالسنة. وقد حقق الكتاب رسالة علمية مقدمة من أخينا وصديقنا الفاضل الشيخ محمد باكريم الزهراني.
- ونقل الإمام اللالكائي: عن حنبل قال: قلت لأبي عبد الله: يكلم الله عبده يوم القيامة؟ قال: نعم، فمن يقضي بين الخلق إلا الله، يكلمه الله عز وجل ويسأله الله عز وجل متكلم لم يزل بما شاء، ويحكم، وليس لله عدل ولا مثل تبارك وتعالى كيف شاء وأنى شاء. (2)
- وفي الفتاوى الكبرى قال الإمام أحمد فيما خرجه في الرد على الجهمية، بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله كلم موسى صلى الله عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء، قلنا لم أنكرتم ذلك؟ قالوا: لأن الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنما كون شيئا فعبر عن الله وخلق صوتا فسمع. فزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان، فقلنا فهل يجوز لمكون أو لغير الله أن يقول لموسى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3)، {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} (4)؟ فمن زعم ذلك فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية ولو كان كما زعم الجهمية أن الله كون شيئا، كان يقول ذلك
(1) الأنعام الآية (7).
(2)
أصول الاعتقاد (3/ 479/738) والإبانة (2/ 14/321/ 496).
(3)
طه الآية (14).
(4)
طه الآية (12).
المكون يا موسى إن الله رب العالمين، ولا يجوز أن يقول إني أنا الله رب العالمين، وقد قال الله جل ثناؤه:{وكلم الله موسى تكليمًا} (1) وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} (2) وقال: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (3) فهذا منصوص القرآن قال: وأما ما قالوا إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، فكيف يصنعون بحديث سليمان الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم الطائي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان"(4) قال: وأما قولهم إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان. أليس الله عز وجل قال للسموات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (5) أتراها أنها قالت بجوف وشفتين ولسان؟ وقال الله: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} (6) أتراها أنها سبحت بفم وجوف ولسان وشفتين، والجوارح إذا شهدت على الكافر فقالوا:{لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (7)
(1) النساء الآية (164).
(2)
الأعراف الآية (143).
(3)
الأعراف الآية (144).
(4)
أخرجه: أحمد (4/ 256) والبخاري (11/ 488/6539) ومسلم (2/ 703 - 704/ 1016 [67]) والترمذي (4/ 528/2415) وابن ماجه (1/ 66/185).
(5)
فصلت الآية (11) ..
(6)
الأنبياء الآية (79).
(7)
فصلت الآية (21).
أتراها نطقت بجوف وشفتين وفم ولسان، ولكن الله أنطقها كيف شاء من غير أن يقول فم ولسان وشفتان. قال: فلما خنقته الحجج قال: إن الله كلم موسى إلا أن كلامه غيره: فقلنا: وغيره مخلوق؟ قال: نعم، قلنا هذا مثل قولكم الأول إلا أنكم تدفعون الشنعة عن أنفسكم بما تظهرون
…
قال وقلنا للجهمية: من القائل لعيسى يوم القيامة {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (1) أليس الله هو القائل، قالوا: يكون الله شيئا يعبر عن الله كما كون فعبر لموسى، فقلنا: فمن القائل {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} (2) أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنما يكون الله شيئا فيعبر عن الله، قلنا: قد أعظمتم على الله الفرية حتى زعمتم أن الله لا يتكلم فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول عن مكان إلى مكان، فلما ظهرت عليه الحجة قال: أقول إن الله قد يتكلم ولكن كلامه مخلوق.
قلنا: وكذلك بنوا آدم كلامهم مخلوق، ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم كلاما، فقد جمعتم بين كفر وتشبيه فتعالى الله عن هذه الصفة، بل نقول إن الله جل ثناؤه لم يزل متكلما إذا شاء، ولا نقول أنه كان ولا يتكلم حتى خلق كلاما، ولا نقول أنه قد كان لا يعلم حتى خلق
(1) المائدة الآية (116).
(2)
الأعراف الآية (6).
علما فعلم، ولا نقول أنه قد كان ولا قدرة، حتى خلق لنفسه قدرة ولا نقول إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورا، ولا نقول إنه كان ولا عظمة حتى خلق لنفسه عظمة. فقالت الجهمية لنا لما وصفنا من الله هذه الصفات: إن زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم يزل وقدرته فقلنا: لا نقول أن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته ونوره لا متى قدر ولا كيف قدر. فقالوا لا تكونون موحدين أبدا حتى تقولوا كان الله ولا شيء، فقلنا: نحن نقول كان الله ولاشيء ولكن إذا قلنا أن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلها واحدا بجميع صفاته وضربنا لهم مثلا في ذلك فقلنا لهم: أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذوع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار واسمها اسم واحد وسميت نخلة بجميع صفاتها، فكذلك الله جل ثناؤه وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد، لا نقول إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة له حتى خلق قدرة، والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا علم له حتى خلق فعلم والذي لا يعلم فهو جاهل ولكن نقول لم يزل الله قادرا عالما مالكا لا متى ولا كيف، وقد سمى الله رجلا كافرا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} (1) أو قد كان لهذا الذي سماه وحيدا عينان وأذنان ولسانا وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة، فقد سماه الله وحيدا بجميع صفاته،
(1) المدثر الآية (11) ..
فكذلك الله، وله المثل الأعلى هو بجميع صفاته إله واحد. (1)
- ونقل الإمام ابن بطة عن حنبل بن إسحاق، قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: من زعم أن الله لم يكلم موسى، فهو كافر بالله، وكذب بالقرآن، ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستتاب من هذه المقالة، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. (2)
- جاء في الشريعة عن محمد بن يوسف بن الطباع، قال: سمعت رجلا سأل أحمد بن حنبل، فقال: يا أبا عبد الله، أصلي خلف من يشرب المسكر؟ قال: لا. قال: فأصلي خلف من يقول: القرآن مخلوق؟ قال: سبحان الله! أنهاك عن مسلم، وتسألني عن كافر؟. (3)
- وجاء في الفتح: قال ابن أبي حاتم في كتاب 'الرد على الجهمية' حدثنا أبي قال: قال أحمد بن حنبل: دل على أن القرآن غير مخلوق حديث عبادة، "أول ما خلق الله القلم فقال اكتب" الحديث (4)
قال: وإنما نطق القلم بكلامه لقوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 60 - 63).
(2)
الإبانة (2/ 14/320/ 495) والشريعة (2/ 85/723) بنحوه.
(3)
الشريعة (1/ 222 - 223/ 187) والإبانة (2/ 12/71 - 72/ 295).
(4)
أخرجه: أحمد (5/ 317) من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه فذكره. قال الشيخ الألباني رحمه الله في "ظلال الجنة"(1/ 48): "وإسناده لا بأس به في الشواهد رجاله ثقات غير ابن لهيعة وهو سيئ الحفظ لكنه يتقوى بما قبله وما بعده" -يعني من كتاب السنة لابن أبي عاصم. وأخرجه: أبو داود (5/ 76/4700) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي حفصة قال: قال عبادة بن الصامت لابنه، فذكره. الترمذي (4/ 398/2155) وقال:"وهذا حديث غريب من هذا الوجه". وفيه قصة طويلة.
وأخرجه أيضا في (5/ 394 - 395/ 3319) وقال: "هذا حديث حسن غريب".
(40)
(1) قال فكلام الله سابق على أول خلقه فهو غير مخلوق. (2)
وفيه: وقد احتج أحمد بن حنبل بهذه الآية -يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (3) الآية- على أن القرآن غير مخلوق لأنه لم يرد في شيء من القرآن ولا من الأحاديث أنه مخلوق، ولا ما يدل على أنه مخلوق. (4)
- جاء في السنة لعبد الله: قال أحمد بن حنبل: من قال القرآن مخلوق فهو عندنا كافر، لأن القرآن من علم الله، قال الله تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (5) وقال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (6) وقال: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ
(1) النحل الآية (40).
(2)
الفتح (13/ 443).
(3)
المائدة الآية (67).
(4)
الفتح (13/ 504).
(5)
آل عمران الآية (61).
(6)
البقرة الآية (120).
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (1) وقال: {ألا له الخلق والأمر} (2) وقال: {ومن يكفر به من الأحزاب} (3). اهـ (4)
- وفيها: قال عبد الله: سمعت أبي مرة أخرى سئل عن القرآن فقال: كلام الله ليس بمخلوق. ولا تخاصموا ولا تجادلوا من يخاصم. (5)
- وفيها: قال عبد الله: سمعت أبي يقول: من كان من أصحاب الحديث أو من أصحاب الكلام فأمسك عن أن يقول القرآن ليس بمخلوق فهو جهمي. (6)
- عن أحمد بن الحسن الترمذي قال: سألت أبا عبد الله قال: قد وقع من أمر القرآن ما قد وقع، فإن سئلت عنه ماذا أقول؟ قال لي: ألست أنت مخلوقاً؟، قلت: نعم. قال: أليس كل شيء منك مخلوقاً؟ قلت: نعم. قال: فكلامك، أليس هو منك وهو مخلوق؟، قلت: نعم. قال: فكلام الله أليس هو منه؟ قلت: نعم. قال: فيكون شيء من الله مخلوقاً؟. (7)
(1) البقرة الآية (145).
(2)
الأعراف الآية (54).
(3)
هود الآية (17).
(4)
السنة لعبد الله بن أحمد (ص.9 - 10) ونحوه في الشريعة (1/ 223/189) وأصول الاعتقاد (2/ 290 - 291/ 450).
(5)
السنة لعبد الله بن أحمد (ص.21).
(6)
السنة لعبد الله بن أحمد (ص.29).
(7)
الإبانة (2/ 12/35/ 225) وأصول الاعتقاد (2/ 291/451).
- وجاء في الفتاوى الكبرى: عن الميموني أنه قال لأبي عبد الله: ما تقول فيمن قال إن أسماء الله محدثة. فقال: كافر. ثم قال لي: الله من أسمائه، فمن قال إنها محدثة، فقد زعم أن الله مخلوق، وأعظم أمرهم عنده وجعل يكفرهم، وقرأ علي:{اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} (1) وذكر آية أخرى. (2)
- وفيها: وقال الخلال في كتاب السنة: أخبرني محمد بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول في القرآن؟ قال: عن أي قالة تسأل؟ قلت: كلام الله، قال: كلام الله وليس بمخلوق، ولا تجزع أن تقول ليس بمخلوق، فإن كلام الله من الله ومن ذات الله وتكلم الله به، وليس من الله شيء مخلوق. (3)
- وفيها: قال الخلال: وأخبرني عبيد الله بن حنبل حدثني حنبل سمعت أبا عبد الله يقول: قال الله في كتابه العزيز: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (4) فجبريل سمعه من الله تعالى، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل صلى الله عليه وسلم، وسمعه أصحاب النبي من النبي صلى الله عليه وسلم، فالقرآن كلام الله غير مخلوق ولا نشك، ولا نرتاب فيه، وأسماء الله تعالى في القرآن
(1) الصافات الآية (126).
(2)
الفتاوى الكبرى (5/ 70).
(3)
الفتاوى الكبرى (5/ 76) والإبانة (2/ 12/35/ 224).
(4)
التوبة الآية (6).
وصفاته في القرآن أن القرآن من علم الله وصفاته منه، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، والقرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وقد كنا نهاب الكلام في هذا حتى أحدث هؤلاء ما أحدثوا وقالوا ما قالوا ودعوا الناس إلى ما دعوهم إليه، فبان لنا أمرهم وهو الكفر بالله العظيم. (1)
- ونقل شيخ الإسلام رحمه الله عن أحمد قال: وما في اللوح المحفوظ وما في المصاحف وتلاوة الناس وكيفما يقرأ وكيفما يوصف، فهو كلام الله غير مخلوق. (2)
- وجاء في السير: عن عبد الله بن أحمد، قال: كتب عبيد الله بن يحيى ابن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسألك عن القرآن، لا مسألة امتحان، لكن مسألة معرفة وتبصرة. فأملى علي أبي: إلى عبيد الله بن يحيى، بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها، ودفع عنك المكاره برحمته، قد كتبت إليك، رضي الله عنك، بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بأمر القرآن بما حضرني، وأني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، فقد كان الناس في خوض من الباطل، واختلاف شديد ينغمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفى الله به كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المحابس، فصرف الله ذلك كله، وذهب به بأمير المؤمنين، ووقع ذلك من المسلمين موقعا عظيما، ودعوا الله لأمير المؤمنين، وأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 76 - 77).
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 182).
يتم ذلك لأمير المؤمنين، وأن يزيد في نيته، وأن يعينه على ما هو عليه. فقد ذكر عن ابن عباس أنه قال: لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإنه يوقع الشك في قلوبكم.
وذكر عن عبد الله بن عمرو، أن نفرا كانوا جلوسا بباب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا، وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال:"أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما ها هنا في شيء، انظروا الذي أمرتم به، فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه، فانتهوا عنه"(1) وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مراء في القرآن كفر"(2) وروي عن أبي جهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر"(3) وقال ابن عباس: قدم رجل على عمر، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا. فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم في القرآن هذه المسارعة. فزبرني عمر، وقال: مه، فانطلقت إلى منزلي كئيبا حزينا، فبينا أنا
(1) أحمد (2/ 195 - 196) وابن ماجه (1/ 33/85) مختصرا، قال في الزوائد:"هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات". وقال الشيخ الألباني: "حسن صحيح". انظر صحيح سنن ابن ماجه (1/ 21) وصحيح الترغيب (1/ 169)، وله شاهد عن أنس وآخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 258) وأبو داود (5/ 9/4603) والحاكم (2/ 223) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وابن حبان (4/ 324 - 325/ 1464) من حديث أبي هريرة.
(3)
أخرجه: أحمد (4/ 170) والطبري في التفسير (1/ 19) وأبو عبيد في فضائل القرآن (2/ 166/728) والبغوي في شرح السنة (4/ 505 - 506)، وذكره الهيثمي في المجمع (7/ 151) وقال:"رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح". وله شاهد من حديث زيد بن ثابت.
كذلك إذ أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين.
فخرجت، فإذا هو بالباب ينتظرني، فأخذ بيدي، فخلا بي، وقال: ما الذي كرهت؟ قلت: يا أمير المؤمنين، متى يتسارعوا هذه المسارعة، يحتقوا، ومتى ما يحتقوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا. قال: لله أبوك، والله إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها.
وروي عن جابر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف، فيقول:"هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي"(1). وروي عن جبير بن نفير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه"(2)، يعني: القرآن. وروي عن ابن مسعود، قال: جردوا القرآن، لا تكتبوا فيه شيئا إلا كلام الله. وروي عن عمر أنه قال: هذا القرآن كلام الله، فضعوه مواضعه. وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد، إني إذا قرأت كتاب الله، وتدبرته، كدت أن آيس، وينقطع رجائي، فقال: إن القرآن كلام الله، وأعمال ابن آدم إلى الضعف والتقصير، فاعمل وأبشر. وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جارا لخباب، فخرجت يوما معه إلى المسجد، وهو آخذ بيدي، فقال: يا هناه، تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه. وقال رجل للحكم: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: الخصومات. وقال معاوية بن قرة: إياكم وهذه الخصومات، فإنها تحبط الأعمال. وقال أبو قلابة: لا
(1) سيأتي تخريجه قريباً.
(2)
أخرجه الترمذي (5/ 162/2912) وقال: "مرسل". وله طرق أخرى لا تخلو من مقال وانظر الضعيفة (1957).
تجالسوا أهل الأهواء، أو قال: أصحاب الخصومات. فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون. ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية؟ قال: لا. لتقومان عني، أو لأقومنه، فقاما. وقال: خشيت أن يقرآ آية فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي.
وقال رجل من أهل البدع لأيوب: يا أبا بكر أسألك عن كلمة؟ فولى، وهو يقول بيده: لا، ولا نصف كلمة.
وقال ابن طاووس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع: يا بني أدخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول. ثم قال: اشدد اشدد. وقال عمر ابن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات، أكثر التنقل. وقال إبراهيم النخعي: إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم. وكان الحسن يقول: شر داء خالط قلبا، يعني: الأهواء. وقال حذيفة: اتقوا الله، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم، لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا، لقد ضللتم ضلالا بعيدا، أو قال: مبينا. قال أبي: وإنما تركت الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين، ولولا ذاك، ذكرتها بأسانيدها. وقد قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (1). وقال: {ألا لَهُ
(1) التوبة الآية (6).
الخلق وَالْأَمْرُ} (1) فأخبر أن الأمر غير الخلق. وقال: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (2). فأخبر أن القرآن من علمه. وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (3). وقال: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} (4) إلى قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (5). فالقرآن من علم الله. وفي الآيات دليل على أن الذي جاءه هو القرآن. وقد روي عن السلف أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو الذي أذهب إليه، لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان في كتاب الله، أو في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه، أو عن التابعين. فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود.
(1) الأعراف الآية (54).
(2)
الرحمن الآيات (1 - 4).
(3)
البقرة الآية (120).
(4)
البقرة الآية (145) ..
(5)
البقرة الآية (145).
قال الذهبي: فهذه الرسالة إسنادها كالشمس، فانظر إلى هذا النفس النوراني. لا كرسالة الإصطخري، ولا كالرد على الجهمية الموضوع على أبي عبد الله، فإن الرجل كان تقيا ورعا لا يتفوه بمثل ذلك. ولعله قاله، وكذلك رسالة المسيء في الصلاة باطلة. وما ثبت عنه أصلا وفرعا ففيه كفاية. (1)
- وفيها: وقال إسحاق بن إبراهيم البغوي: سمعت أحمد يقول: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر. وسمع سلمة بن شبيب أحمد يقول ذلك، وهذا متواتر عنه. وقال أبو إسماعيل الترمذي: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: من قال: القرآن محدث، فهو كافر. وقال إسماعيل بن الحسن السراج: سألت أحمد عمن يقول: القرآن مخلوق، قال: كافر، وعمن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: جهمي. (2)
- ونقل الإمام البغوي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، فيمن قال بخلق القرآن: أنه لا يصلى خلفه الجمعة، ولا غيرها، إلا أنه لا يدع إتيانها، فإن صلى أعاد الصلاة. (3)
- وجاء في الإبانة عن أبي توبة الطرسوسي -الربيع بن نافع- قال: قلت لأحمد بن حنبل وهو عندنا ها هنا بطرسوس -يعني حين حمل في المحنة: ما ترى في هؤلاء الذين يقولون: القرآن مخلوق؟ فقال: "كفار". قلت: ما يصنع بهم؟ قال: فقال: يستتابون، فإن تابوا، وإلا ضربت أعناقهم. قال:
(1) سير أعلام النبلاء (11/ 281 - 287).
(2)
سير أعلام النبلاء (11/ 288).
(3)
شرح السنة للبغوي (1/ 229).
فقلت: قد جئت تضعف أهل العراق، لا بل يقتلون ولا يستتابون. قال أبو بكر الأثرم: فقال أبو إسحاق العباداني يوما لأبي عبد الله ونحن عنده: يا أبا عبد الله: حكى عنك أبو توبة كذا وكذا، فابتسم ثم قال: عافى الله أبا توبة. (1)
- وفيها عن بكر بن محمد بن الحكم عن أبيه عن أبي عبد الله، قال: سألته عمااحتج به حين دخل على هؤلاء، فقال: احتجوا علي بهذه الآية: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (2) أي: أن القرآن محدث، فاحتججت عليهم بهذه الآية:{ص وَالْقُرْآَنِ ذي الذِّكْرِ} (3) قلت: فهو سماه الذكر، وقلت:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فهذا يمكن أن يكون غير القرآن محدث، ولكن {ص وَالْقُرْآَنِ ذي الذِّكْرِ} فهو القرآن، ليس هو محدثا، قال: فبهذا احتججت عليهم، واحتجوا علي: ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا كذا أعظم من آية الكرسي (4)، قال: فقلت له: إنه لم يجعل آية الكرسي مخلوقة، إنما هذا مثل ضربه، أي: هي أعظم من
(1) الإبانة (2/ 13/78 - 79/ 303).
(2)
الأنبياء الآية (2).
(3)
ص الآية (1).
(4)
أخرجه: ابن الضريس (رقم 193) من طريق حماد عن عاصم عن أبي الأحوص عن عبد الله فذكره. و (رقم 194) من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي إسحاق عن مسروق قال: قال عبد الله فذكره. وأخرجه أبو عبيد في فضائله (2/ 34 - 35/ 421) من طريق منصور بن المعتمر عن الشعبي قال: التقى مسروق بن الأجدع وشتير بن شكل، فقال شتير لمسروق إما أن أحدثك عن عبد الله وتصدقني أو تحدثني وأصدقك. فقال مسروق تحدث وأصدقك، فقال شتير: سمعت عبد الله يقول: فذكره.
أن تخلق، ولو كانت مخلوقة لكانت السماء أعظم منها، أي: فليست بمخلوقة. قال: واحتجوا علي بقول: {الله خالق كل شيءٍ} (1) فقلت: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زوجين} (2) فخلق من القرآن زوجين، {وأوتيت مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (3) فأوتيت القرآن؟ فأوتيت النبوة أوتيت كذا وكذا؟ وقال الله تعالى:{تدمر كُلَّ شَيْءٍ} (4)
فدمرت كل شيء، إنما دمرت ما أراد الله من شيء، قال: وقال لي ابن أبي دؤاد: أين تجد أن القرآن كلام الله؟ قلت: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (5) فسكت. وقلت له بين يدي الرئيس، وجرى كلام بيني وبينه، فقلت له: اجتمعت أنا وأنت أنه كلام وقلت: إنه مخلوق، فهاتوا الحجة من كتاب الله أو من السنة، فما أنكر ابن أبي دؤاد ولا أصحابه أنه كلام. قال: وكانوا يكرهون أن يظهروا أنه ليس بكلام فيشنع عليهم. (6)
- وفيها: عن حنبل قال: قال أبو عبد الله: وكان إذا كلمني ابن أبي دؤاد لم أجبه ولم ألتفت إلى كلامه، فإذا كلمني أبو إسحاق، ألنت له القول والكلام. قال: فقال لي أبو إسحاق: لئن أجبتني لآتينك في حشمي وموالي،
(1) الزمر الآية (62).
(2)
الذاريات الآية (49).
(3)
النمل الآية (23).
(4)
الأحقاف الآية (25) ..
(5)
الكهف الآية (27).
(6)
الإبانة (2/ 14/250 - 253/ 431).
ولأطأن بساطك، ولا نوهن باسمك، يا أحمد اتق الله في نفسك، يا أحمد الله الله. قال أبو عبد الله: وكان لا يعلم ولا يعرف، ويظن أن القول قولهم، فيقول: يا أحمد إني عليك شفيق. فقلت: يا أمير المؤمنين هذا القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخباره، فما وضح من حجة صرت إليها. قال: فيتكلم هذا وهذا. قال: فقال ابن أبي دؤاد لما انقطع وانقطع أصحابه: والذي لا إله إلا هو، لئن أجابك لهو أحب إلي من مئة ألف ومئة ألف عددا مرارا كثيرة. قال أبو عبد الله: وكان فيما احتججت عليهم يومئذ، قلت لهم: قال الله عزوجل: {ألا له الخلق وَالْأَمْرُ} (1)، وذلك أنهم قالوا لي: أليس كل ما دون الله مخلوق؟ فقلت لهم: فرق بين الخلق والأمر، فما دون الله مخلوقا، فأما القرآن، فكلامه ليس بمخلوق. فقالوا: قال الله عز وجل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2) فقلت لهم: قال الله تعالى: {أتى أَمْرُ اللَّهِ} (3) فأمره كلامه واستطاعته ليس بمخلوق، فلا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فقد نهينا عن ذلك. (4)
- وفيها عن محمد بن يوسف المروزي -المعروف بابن سرية، قال: دخلت على أبي عبد الله والجبائر على ظهره، قال لي: يا أبا جعفر، أشاط
(1) الأعراف الآية (54).
(2)
النحل الآية (40).
(3)
النحل الآية (1).
(4)
الإبانة (2/ 14/253 - 254/ 432).
القوم بدمي فقالوا له -يعني المعتصم-: يا أمير المؤمنين سله عن القرآن، أشيء هو أو غير شيء؟ قال: فقال لي المعتصم: يا أحمد أجبهم. قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء لا علم لهم بالقرآن، ولا بالناسخ والمنسوخ، ولا بالعام والخاص، قد قال الله عز وجل في قصة موسى:{وكتبنا لَهُ في الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (1) فما كتب له القرآن. وقال في قصة سبأ: {وأوتيت مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (2) وما أوتيت القرآن، فأخرسوا. (3)
- روى الآجري في الشريعة بسنده إلى أبي داود السجستاني قال: سمعت أحمد يسأل: هل لهم رخصة أن يقول الرجل: القرآن كلام الله، ثم يسكت؟ فقال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا، لأي شيء لا يتكلمون؟. (4)
- وله بسنده إلى أبي داود، قال: سمعت أحمد -وذكر رجلين كانا وقفا في القرآن، ودعوا إليه، فجعل يدعو عليهما- وقال لي: هؤلاء فتنة عظيمة، وجعل يذكرهما بالمكروه. قال أبو داود: ورأيت أحمد سلم عليه رجل من أهل بغداد، ممن وقف فيما بلغني، فقال له: اغرب، لا أراك تجيء إلى بابي. في كلام غليظ، ولم يرد عليه السلام، وقال له: ما أحوجك أن يصنع بك ما
(1) الأعراف الآية (145).
(2)
النمل الآية (23).
(3)
الإبانة (2/ 14/257 - 258/ 434).
(4)
الشريعة (1/ 232/203).
صنع عمر بن الخطاب بصبيغ. ودخل بيته، ورد الباب. (1)
- قال عبد الله: سمعت أبي سئل عن الواقفة فقال أبي: من كان منهم يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي، ومن لم يكن يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع، ومن لم يكن له علم يسأل يتعلم. (2)
- وجاء في أصول الاعتقاد عن سلمة بن شبيب قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الواقفي لا تشك في كفره. (3)
- وجاء في السنة للخلال عن حنبل قال: قلت لأبي عبد الله: إن يعقوب بن شيبة وزكريا الشركي ابن عمار أنهما إنما أخذا عنك هذا الأمر الوقف. فقال أبو عبد الله: كنا نأمر بالسكوت ونترك الخوض في الكلام وفي القرآن، فلما دعينا إلى أمر ما كان بدا لنا من أن ندفع ذاك ونبين من أمره ما ينبغي. قلت لأبي عبد الله: فمن وقف، فقال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق؟ فقال: كلام سوء، هو ذا موضع السوء، وقوفه، كيف لا يعلم إما حلال وإما حرام، إما هكذا وإما هكذا، قد نزه الله عز وجل القرآن عن أن يكون مخلوقا، وإنما يرجعون هؤلاء إلى أن يقولوا إنه مخلوق، فاستحسنوا لأنفسهم فأظهروا الوقف. القرآن كلام الله غير مخلوق بكل جهة وعلى كل تصريف. قلت: رضي الله عنك، لقد بينت من هذا الأمر ما قد كان تلبس على الناس.
(1) الشريعة (1/ 232 - 233/ 204).
(2)
السنة لعبد الله بن أحمد (ص.43) والسنة للخلال (5/ 130).
(3)
أصول الاعتقاد (2/ 363/544).
قال: لا تجالسهم ولا تكلم أحدا منهم. (1)
- وفيها: عن أبي الحارث قال: سألت أبا عبد الله قلت: إن بعض الناس يقول: إن هؤلاء الواقفة هم شر من الجهمية. قال: هم أشد على الناس تزيينا من الجهمية، هم يشككون الناس وذلك أن الجهمية قد بان أمرهم، وهؤلاء إذا قالوا إنا لا نتكلم استمالوا العامة، إنما هذا يصير إلى قول الجهمية. قال: وسمعته يسأل عن من قال: أقول القرآن كلام الله وأسكت. قال: لا، هذا شاك، لا، حتى يقول غير مخلوق. (2)
- وفيها: عن إبراهيم بن الحارث العبادي، قال: قمت من عند أبي عبد الله، فأتيت عباس العنبري، فأخبرته بما تكلم أبو عبد الله في أمر ابن معذل، فسر به ولبس ثيابه ومعه أبو بكر بن هاني، فدخل على أبي عبد الله، فابتدأ عباس فقال: يا أبا عبد الله قوم هاهنا حدثوا يقولون: لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق. قال: هؤلاء أضر من الجهمية على الناس، ويلكم، فإن لم تقولوا ليس بمخلوق، فقولوا مخلوق. فقال أبو عبد الله: كلام سوء. فقال العباس: ما تقول يا أبا عبد الله؟ فقال: الذي أعتقده وأذهب إليه، ولا أشك فيه أن القرآن غير مخلوق. ثم قال: سبحان الله، ومن يشك في هذا؟ ثم تكلم أبو عبد الله استعظاما للشك في ذلك، فقال: سبحان الله! في هذا شك؟ قال الله عز وجل: {ألا له الخلق والأمر} (3) ففرق بين الخلق والأمر. قال أبو عبد الله:
(1) السنة للخلال (5/ 134).
(2)
السنة للخلال (5/ 135) والإبانة (1/ 12/293 - 294/ 62و63).
(3)
الأعراف الآية (54).
فالقرآن من علم الله، ألا تراه يقول:{عَلَّمَ الْقُرْآَنَ} (1) والقرآن فيه أسماء الله عز وجل، أي شيء تقولون؟ ألا تقولون أن أسماء الله عز وجل غير مخلوقة؟ من زعم أن أسماء الله عز وجل مخلوقة، فقد كفر، لم يزل الله عز وجل قديرا، عليما، عزيزا، حكيما، سميعا، بصيرا، لسنا نشك أن أسماء الله ليست بمخلوقة، ولسنا نشك أن علم الله تبارك وتعالى ليس بمخلوق، وهو كلام الله عز وجل، ولم يزل الله عز وجل حكيما، ثم قال أبو عبد الله: وأي كفر أبين من هذا، وأي كفر أكفر من هذا؟ إذا زعموا أن القرآن مخلوق، فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة، وأن علم الله مخلوق، ولكن الناس يتهاونون بهذا ويقولون: إنما يقولون القرآن مخلوق، فيتهاونون ويظنون أنه هين، ولا يدرون ما فيه من الكفر. قال: فأنا أكره أن أبوح بهذا لكل أحد، وهم يسألوني، فأقول: إني أكره الكلام في هذا، فبلغني أنهم يدعون علي أني أمسك.
قلت لأبي عبد الله: فمن قال القرآن مخلوق، فقال: لا أقول أسماء الله مخلوقة ولا علمه ولم يزد على هذا، أقول هو كافر؟ فقال: هكذا هو عندنا. قال أبو عبد الله: نحن نحتاج أن نشك في هذا؟ القرآن عندنا فيه أسماء الله عز وجل وهو من علم الله، من قال مخلوق، فهو عندنا كافر. ثم قال أبو عبد الله: بلغني أن أبا خالد وموسى بن منصور وغيرهم يجلسون في ذلك الجانب، فيعيبون قولنا، ويدعون إلى هذا القول أن لا يقال: مخلوق ولا غير مخلوق، ويعيبون من يكفر، ويزعمون أنا نقول بقول الخوارج. ثم تبسم أبو عبد الله
(1) الرحمن الآية (2).
كالمغتاظ، ثم قال: هؤلاء قوم سوء. ثم قال أبو عبد الله للعباس: وذاك السجستاني الذي عندكم بالبصرة، ذاك خبيث، بلغني أنه قد وضع في هذا يوما يقول: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، وذاك خبيثا ذاك الأحول. فقال العباس: كان يقول مرة بقول جهم. ثم صار إلى أن يقول هذا القول. فقال أبو عبد الله: ما يعني أنه كان يقول بقول جهم إلا الشفاعة. (1)
- وفيها: عن أبي بكر المروذي، قال: سألت أبا عبد الله عن الصلاة على الواقفي (يعني: إذا مات)؟ قال: لا تصل عليه. (2)
- وفيها: عن محمد بن النقيب بن أبي حرب الجرجرائي قال: سألت أبا عبد الله عن رجل له والد واقفي، فقال: يأمره ويرفق به. قلت: فإن أبى، يقطع لسانه عنه؟ قال: نعم. (3)
- وفيها: عن محمد بن أبي حرب، قال: سألت أبا عبد الله عن رجل له أخت أو عمة ولها زوج واقفي، قال: يلتقي بها ويسلم عليها. قلت: فإن كانت الدار له؟ قال: يقف على الباب ولا يدخل. (4)
- وجاء في الإبانة: قال أبو طالب: وجاء رجل إلى أبي عبد الله وأنا عنده، فقال: إن لي قرابة يقول بالشك، قال: فقال وهو شديد الغضب: من شك فهو كافر. (5)
(1) السنة للخلال (5/ 137 - 139) والإبانة (1/ 12/291 - 293/ 61) مختصراً.
(2)
السنة للخلال (5/ 141).
(3)
السنة للخلال (5/ 143).
(4)
السنة للخلال (5/ 143).
(5)
الإبانة (1/ 12/295/ 66).
- وفيها: عن إسحاق بن داود: قال: سمعت جعفر بن أحمد يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: اللفظية والواقفة زنادقة عتق. (1)
- وفيها: قال المروذي: وسألت أبا عبد الله عن من وقف لا يقول غير مخلوق. وقال: أنا أقول: القرآن كلام الله، قال: يقال له: إن العلماء يقولون: غير مخلوق، فإن أبى، فهو جهمي. (2)
- وفيها: قال أبو بكر المروذي: وقدم رجل من ناحية الثغر، فأدخلته عليه فقال: ابن عم لي يقف وقد زوجته ابنتي، وقد أخذتها وحولتها إلي على أن أفرق بينهما، فقال: لا ترض منه حتى يقول: غير مخلوق، فإن أبى ففرق بينهما. (3)
- وفيها عن محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي قال: سمعت سلمة ابن شبيب بمكة أمله علينا في المسجد الحرام، قال: دخلت على أحمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول: القرآن كلام الله؟ فقال أحمد: من لم يقل القرآن كلام الله غير مخلوق، فهو كافر، ثم قال لي: لا تشكن في كفرهم، فإنه من لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق، فهو يقول: مخلوق، فهو كافر. وقال لنا سلمة بن شبيب: وقلت -يعني: لابن حنبل- الواقفة؟ فقال: كفار. (4)
(1) الإبانة (1/ 12/296/ 68).
(2)
الإبانة (1/ 12/297/ 74).
(3)
الإبانة (1/ 12/298/ 75).
(4)
الإبانة (1/ 12/305 - 306/ 94).
- وفيها: عن مهنا بن يحيى، قال: قلت لأحمد بن حنبل: أي شيء تقول في القرآن قال: كلام الله وهو غير مخلوق. قلت: إن بعض الناس يحكي عنك أنك تقول: القرآن كلام الله وتسكت. قال: من قال علي ذا، فقد أبطل. (1)
- وجاء في الشريعة عن أبي طالب، قال: سألت أبا عبد الله عمن أمسك، فقال: لا أقول: ليس هو مخلوقا، إذا لقيني في الطريق، وسلم علي، أسلم عليه؟ قال: لا تسلم عليه ولا تكلمه، كيف يعرفه الناس إذا سلمت عليه؟ وكيف يعرف هو أنك منكر عليه؟ فإذا لم تسلم عليه عرف الذل، وعرف أنك أنكرت عليه، وعرفه الناس. (2)
- وفي فتاوى شيخ الإسلام: ونقل الخلال أخباره في كتاب السنة ما يوضح الأمر فقال: أخبرني الحسين بن عبد الله قال: سألت أبا بكر المروذي عن قصة ابن الثلاج. فقال: قال لي أبو عبد الله جاءني هارون الحمال فقال: إن ابن الثلاج تاب من صحبة المريسي فأجيء به إليك. قال: قلت: لا ما أريد أن يراه أحد على بابي، قال: أحب أن أجيء به بين المغرب والعشاء، فلم يزل يطلب إلى أن قال: قلت هو ذا يقول: أجب، فأي شيء أقول لك. قال: فجاء به فقلت له: اذهب حتى تصح توبتك وأظهرها ثم ارجع قال: فبلغنا أنه أظهر الوقف.
قال أبو بكر المروذي فمضيت ومعي نفسان من أصحابنا، فقلت له:
(1) الإبانة (1/ 12/308/ 99).
(2)
الشريعة (1/ 233/207) ونحوه في السنة للخلال (5/ 93).
قد بلغني عنك شيء ولم أصدق به. قال: وما هو؟ قلت: تقف في القرآن، فقال: أنا أقول كلام الله فجعل يحتج بيحيى بن آدم وغيره أنهم وقفوا، فقلت له: هذا من الكتاب الذي أوصى لكم به عبيد بن نعيم. فقال: لا تذكر الناس، فقلت له: أليس أجمع المسلمون جميعا أنه من حلف بمخلوق أنه لا كفارة عليه؟ قال: نعم. قلت: فمن حلف بالقرآن أليس قد أوجبوا عليه كفارة لأنه حلف بغير مخلوق؟ فقال: هذا متاع أصحاب الكلام، ثم قال: إنما أقول كلام الله كما أقول أسماء الله فإنه من الله، ثم قال وأي شيء قام به أحمد بن حنبل، ثم قال: علموكم الكلام وأومأ إلى ناحية الكرخ يريد أبا ثور وغيره، فقمنا من عنده فما كلمناه حتى مات.
وروى الخلال من وجهين عن زياد بن أيوب قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، وعلماء الواقفة جهمية؟ قال: نعم مثل ابن الثلجي وأصحابه الذين يجادلون. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد: قال محمد بن مسلم بن وارة قال لي أبو مصعب: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. ومن قال لا أدري -يعني مخلوق أو غير مخلوق- فهو مثله ثم قال: بل هو شر منه. فذكرت رجلا كان يظهر مذهب مالك فقلت إنه أظهر الوقف. فقال: لعنه الله، ينتحل مذهبنا وهو بريء منه. فذكرت ذلك لأحمد بن حنبل فأعجبه وسر به. (2)
- وفي الإبانة: قال أبو بكر المروذي: قال لي أبو عبد الله: أول من
(1) الفتاوى الكبرى (5/ 82 - 83).
(2)
أصول الاعتقاد (2/ 358/522).
سألني عن الوقف علي الأشقر، فقلت له: القرآن غير مخلوق. (1)
- وجاء في السير: قال أبو الحسن عبد الملك الميموني: قال رجل لأبي عبد الله: ذهبت إلى خلف البزار أعظه، بلغني أنه حدث بحديث عن الأحوص عن عبد الله قال: ما خلق الله شيئا أعظم .. وذكر الحديث، فقال أبو عبد الله: ما كان ينبغي له أن يحدث بهذا في هذه الأيام -يريد زمن المحنة- والمتن: "ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي"(2) وقد قال أحمد بن حنبل لما أوردوا عليه هذا يوم المحنة: إن الخلق واقع ها هنا على السماء والأرض وهذه الأشياء، لا على القرآن. (3)
- قال شيخ الإسلام: بل المنصوص عن الإمام أحمد وعامة أصحابه تبديع من قال لفظي بالقرآن غير مخلوق، كما جهموا من قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقد صنف أبو بكر المروذي -أخص أصحاب الإمام أحمد به- في ذلك رسالة كبيرة مبسوطة، ونقلها عنه أبو بكر الخلال في كتاب 'السنة' الذي جمع فيه كلام الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة في أبواب الاعتقاد، وكان بعض أهل الحديث إذ ذاك أطلق القول بأن لفظي بالقرآن غير مخلوق معارضة لمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فبلغ ذلك الإمام أحمد، فأنكر ذلك إنكارا شديدا، وبدع من قال ذلك وأخبر أن أحدا من العلماء لم يقل ذلك، فكيف بمن يزعم أن صوت العبد قديم. وأقبح من ذلك من يحكي عن بعض
(1) الإبانة (1/ 12/297/ 71).
(2)
تقدم تخريجه قريباً.
(3)
السير (10/ 578).
العلماء أن المداد الذي في المصحف قديم، وجميع أئمة أصحاب الإمام أحمد وغيرهم أنكروا ذلك، وما علمت أن عالما يقول ذلك إلا ما يبلغنا عن بعض الجهال: من الأكراد ونحوهم. (1)
- قال عبد الله: سألت أبي رحمه الله، قلت: ما تقول في رجل قال التلاوة مخلوقة، وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن كلام الله وليس بمخلوق. وما ترى في مجانبته وهل يسمى مبتدعا؟ فقال هذا يجانب وهو قول المبتدع، وهذا كلام الجهمية، ليس القرآن مخلوقا. (2)
- قال عبد الله: سمعت أبي سئل عن اللفظية فقال: هم جهمية وهو قول جهم. ثم قال: لا تجالسوهم. سئل أبي وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة فقال: من كان منهم جاهلا فليسأل وليتعلم. سئل أبي وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي. وقال مرة هم شر من الجهمية وقال مرة أخرى هم جهمية.
سمعت أبي يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق هذا كلام سوء رديء وهو كلام الجهمية. قلت له إن الكرابيسي يقول هذا. قال كذب هتكه الله الخبيث، وقال: قد خلف هذا بشرا المريسي وكان أبي يكره أن يتكلم في اللفظ بشيء أو يقال مخلوق أو غير مخلوق. (3)
- وجاء في أصول الاعتقاد: عن محمد بن جرير الطبري قال: وأما
(1) الفتاوى (12/ 238).
(2)
السنة لعبد الله بن أحمد (35) والإبانة (1/ 12/342 - 343/ 149).
(3)
السنة لعبد الله بن أحمد (ص.36) والإبانة (1/ 12/342/ 147).
القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى، ولا عن تابعي قفا، إلا عن من في قوله الشفا والغناء، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية قال الله تعالى: {حَتَّى يسمع كَلَامَ اللَّهِ} (1) ممن يسمع؟ قال ابن جرير: وسمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يحكون عنه أنه كان يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع. قال ابن جرير: ولا قول عندنا في ذلك يجوز أن نقوله غير قوله إذ لم يكن لنا إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع وهو الإمام المتبع. (2)
- وفي السنة للخلال: عن أحمد بن حسين بن حسان أن أبا عبد الله سأله الطالقاني عن اللفظية، فقال أحمد: لا يجالسون ولا يكلمون. (3)
وجاء في السير قال صالح بن أحمد: تناهى إلى أبي أن أبا طالب يحكي أنه يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق. فأخبرت بذلك أبي، فقال: من حدثك؟ قلت: فلان، قال: ابعث إلى أبي طالب، فوجهت إليه، فجاء، وجاء فوران، فقال له أبي: أنا قلت لك: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ وغضب، وجعل يرعد، فقال: قرأت عليك: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} (4). فقلت لي: ليس هذا مخلوق.
(1) التوبة الآية (6).
(2)
أصول الاعتقاد (2/ 392/602) والفتاوى (3/ 171) مختصرا والسير (11/ 288).
(3)
السنة للخلال (5/ 144).
(4)
الإخلاص الآية (1).
قال: فلم حكيت عني أني قلت: لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ وبلغني أنك كتبت بذلك إلى قوم، فامحه، واكتب إليه أني لم أقله لك. فجعل فوران يعتذر إليه. فعاد أبو طالب، وذكر أنه حكى ذلك، وكتب إلى القوم، يقول: وهمت على أبي عبد الله.
قال الذهبي: قلت: الذي استقر الحال عليه، أن أبا عبد الله كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع. وأنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. فكان رحمه الله لا يقول هذا ولا هذا. وربما أوضح ذلك، فقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن فهو جهمي (1).
- قال أحمد بن زنجويه: سمعت أحمد يقول: اللفظية شر من الجهمية. وقال صالح: سمعت أبي يقول: الجهمية ثلاث فرق: فرقة قالت: القرآن مخلوق، وفرقة قالوا: كلام الله وسكتوا، وفرقة قالوا: لفظنا به مخلوق. ثم قال أبي لا يصلى خلف واقفي، ولا لفظي.
وقال الذهبي: لأبي عبد الله في مسألة اللفظ نقول عدة، فأول من أظهر مسألة اللفظ حسين بن علي الكرابيسي، وكان من أوعية العلم. ووضع كتابا في المدلسين، يحط على جماعة فيه أن ابن الزبير من الخوارج. وفيه أحاديث يقوي به الرافضة. فأعلم أحمد، فحذر منه، فبلغ الكرابيسي، فتنمر، وقال: لأقولن مقالة حتى يقول ابن حنبل بخلافها فيكفر. فقال: لفظي بالقرآن
(1) سير أعلام النبلاء (11/ 288).
مخلوق. فقال المروذي في كتاب 'القصص': فذكرت ذلك لأبي عبد الله أن الكرابيسي، قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وأنه قال: أقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات، إلا أن لفظي به مخلوق. ومن لم يقل: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كافر. فقال أبو عبد الله: بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شيء قالت الجهمية إلا هذا؟ وما ينفعه وقد نقض كلامه الأخير كلامه الأول؟ ثم قال: إيش خبر أبي ثور، أوافقه على هذا؟ قلت: قد هجره. قال: أحسن، لن يفلح أصحاب الكلام. (1)
- وفيها: وقال أبو بكر المروذي في كتاب 'القصص': ورد علينا كتاب من دمشق: سل لنا أبا عبد الله، فإن هشاما، قال: لفظ جبريل عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن مخلوق. فسألت أبا عبد الله، فقال: أعرفه طَيَّاشًا، لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدا. هذا قد تجهم في كلام غير هذا. (2)
- وجاء في الإبانة عن أبي الحارث، قال: ذهبت أنا وأبو موسى إلى أبي عبد الله، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الله هذا الأمر الذي قد أحدثوه تشمئز منه القلوب، والناس يسألوننا عنه، يقولون: لفظنا بالقرآن مخلوق؟ قال أبو عبد الله بالانتهار منه: هذا كلام سوء رديء خبيث، لا خير فيه. قال له أبو موسى: أليس تقول: القرآن كلام الله ليس مخلوقا على كل حال وبجميع الجهات والمعاني؟ قال: نعم، وكلما تشعب من هذا، فهو رديء خبيث. (3)
(1) سير أعلام النبلاء (11/ 288 - 289) وطبقات الحنابلة (1/ 62) مختصراً.
(2)
سير أعلام النبلاء (11/ 432).
(3)
الإبانة (1/ 12/334 - 335/ 139).
- وفيها عن أبي طالب، قال: قلت: يا أبا عبد الله إني قد احتججت عليهم بالقرآن والحديث وأحب أن أعرضه عليك، قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (1)، أليس من محمد يسمع كلام الله؟ قال الله عز وجل:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (3) وقال: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ} (4) وقال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (5) وقال: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (6) وقال: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهتدى} (7) أليس يتلو القرآن؟ وقال عز وجل: {فَاقْرَءُوا مَا تيسر مِنَ الْقُرْآَنِ} (8)، فعلى كل حال، فهو قرآن، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
(1) التوبة الآية (6).
(2)
البقرة الآية (75).
(3)
النحل الآية (98).
(4)
الإسراء الآية (45).
(5)
الأعراف الآية (204).
(6)
الكهف الآية (27).
(7)
النمل الآية (92).
(8)
المزمل الآية (20).
جابر: "إن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي"(1)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إلا القرآن"(2) فالقرآن غير كلام الناس. وقال أبو بكر رضي الله عنه: لا والله ولكنه كلام الله. فقال لي: ما أحسن ما احتججت به، جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمخلوق، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى الناس بمخلوق. (3)
- ونقل الإمام ابن بطة بسنده إلى أبي إسحاق الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، فقلت: إذا قالوا لنا: القرآن بألفاظنا مخلوق، نقول لهم: ليس هو بمخلوق بألفاظنا أو نسكت؟ فقال: اسمع ما أقول لك: القرآن في جميع الوجوه ليس بمخلوق. ثم قال أبو عبد الله: جبريل حين قاله للنبي صلى الله عليه وسلم كان منه مخلوقا؟ والنبي حين قاله كان منه مخلوقا؟ هذا من أخبث قول وأشره. ثم قال أبو عبد الله: بلغني عن جهم أنه قال بهذا في بدء أمره. (4)
- وجاء في الإبانة عن أبي طالب عن أبي عبد الله، قال: قلت له: كتب إلي من طرسوس أن الشراك يزعم أن القرآن كلام الله، فإذا تلوته فتلاوته مخلوقة. قال: قاتله الله، هذا كلام جهم بعينه. قلت: رجل قال في القرآن:
(1) أخرجه: أحمد (3/ 322) وأبو داود (5/ 103/4734) والترمذي (5/ 168/2925) والنسائي في الكبرى (4/ 411/7727) وابن ماجه (1/ 73/201). وصححه ابن حبان (14/ 172 - 174/ 6274) الإحسان، كلهم من حديث جابر ..
(2)
أخرجه: أحمد (5/ 447،448) ومسلم (1/ 381 - 382/ 537) وأبو داود (1/ 570 - 573/ 930) والنسائي (3/ 19 - 22/ 1217).
(3)
الإبانة (1/ 12/335 - 337/ 141).
(4)
الإبانة (1/ 12/337 - 338/ 142).
كلام الله ليس بمخلوق ولكن لفظي هذا به مخلوق؟ قال: هذا كلام سوء، من قال هذا فقد جاء بالأمر كله. قلت: الحجة فيه حديث أبي بكر لما قرأ: {الم (1) غُلِبَتِ الروم} (2)(1) فقالوا: هذا جاء به صاحبك؟ قال: لا، ولكنه كلام الله، قال: نعم، هذا وغيره إنما هو كلام الله، إن لم يرجع عن هذا، فاجتنبه ولا تكلمه، هذا مثل ما قال الشراك. قلت: كذا بلغني، قال: أخزاه الله، تدري من كان خاله؟ قلت: لا. قال: كان خاله عبدك الصوفي، وكان صاحب كلام ورأي سوء، وكل من كان صاحب كلام، فليس ينزع إلى خير واستعظم ذلك واسترجع وقال: إلى ما صار أمر الناس؟. (2)
- وفيها: قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: إن رجلا من أصحابنا زوج أخته من رجل، فإذا هو من هؤلاء اللفظية، يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، وقد كتب الحديث، فقال أبو عبد الله: هذا شر من جهمي. قلت: فتفرق بينهما؟ قال: نعم. قلت: فإن أخاه يفرق بينهما؟ قال: قد أحسن. وقال: أظهروا الجهمية، هذا كلام ينقض آخره أوله. (3)
- وفيها: عن أبي طالب عن أبي عبد الله قال: سأله يعقوب بن الدورقي عن من قال: لفظنا بالقرآن مخلوق، كيف تقول في هذا؟ قال: لا يكلم هؤلاء ولا يكلم هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة، وعلى كل وجه
(1) الروم الآيتان (1و2).
(2)
الإبانة (1/ 12/338 - 339/ 143).
(3)
الإبانة (1/ 12/344/ 151).
تصرف، وعلى أي حال كان. قال الله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس"(2) وقال صلى الله عليه وسلم: "حتى أبلغ كلام ربي"(3) هذا قول جهم، على من جاء بهذا غضب الله. (4)
- وفيها أيضا: عن أبي الحسن علي بن مسلم قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، هذا قول أبي عبد الله، فبه نقتدي إذ كنا لم ندرك في عصره أحدا تقدمه في العلم والمعرفة والديانة، وكان مقدما عند من أدركنا من علمائنا، فما علمت أن أحدا بلي بمثل ما بلي به فصبر، فهو قدوة وحجة لأهل هذا العصر، ولمن يجيء بعدهم، فنحن متبعون لمقالته وموافقون له، فمن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فقد أبدع، وليس هو من كلام العلماء، وهذا مما أحدثه أصحاب الكلام المبتدعة وقد صح عندنا أن أبا عبد الله أنكر على من قال ذلك، وغضب منه الغضب الشديد، وقال: ما سمعت عالما قال هذا، فمن خالف أبا عبد الله فيما نهى عنه فنحن غير موافقين له منكرون عليه، وقد أدركنا من علمائنا مثل عبد الله بن المبارك، وهشيم بن بشير، وإسماعيل بن علية، وسفيان بن عيينة، وعباد بن عباد، وعباد بن العوام، وأبي بكر بن عياش، وعبد الله بن إدريس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ويحيى بن زائدة، ويوسف
(1) التوبة الآية (6).
(2)
تقدم قريباً.
(3)
تقدم قريباً.
(4)
الإبانة (1/ 12/344 - 345/ 152) ونحوه في السنة (35).
ابن يعقوب بن الماجشون، ووكيع، ويزيد بن هارون وأبي أسامة، وقد أدركوا هؤلاء كلهم التابعين، وسمعوا عنهم ورووا عنهم، ما منهم أحد قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فنحن لهم متبعون، ولما أحدث بعدهم مخالفون. (1)
- وجاء في طبقات الحنابلة: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فقلت له: يا أبا عبد الله، أنا رجل من أهل الموصل، والغالب على أهل بلدنا الجهمية، ومنهم أهل سنة، نفر يسير يحبونك، وقد وقعت مسألة الكرابيسي، ففتنهم قول الكرابيسي: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال لي أبو عبد الله: إياك وإياك وهذا الكرابيسي، لا تكلمه ولا تكلم من يكلمه، أربع مرار أو خمسا إلا أن في كتابي أربعا، فقلت يا أبا عبد الله فهذا القول عندك، وما شاعت منه يرجع إلى قول جهم قال: هذا كله من قول جهم. (2)
" التعليق:
انظر كيف طغت الجهمية وبدعتها على أهل الموصل، حتى لم يبق منهم إلا نفر يسير من أهل السنة، يحبون الإمام أحمد رضي الله عنه. وانظر كذلك شدة بغض الإمام للمبتدعة حيث كرر مقاطعة الكرابيسي أربع مرات.
وقد أصبح العالم الإسلامي منذ قرون بعيدة إلى الآن موصلا، وأهل السنة لا يكادون يذكرون.
- وجاء في الإبانة: عن أبي طالب أحمد بن حميد، قال: قلت لأبي
(1) الإبانة (1/ 12/347 - 350/ 157).
(2)
طبقات الحنابلة (1/ 288) والإبانة (1/ 12/329 - 330/ 129).
عبد الله: أخبرني ساكني أن رجلا بالرميلة كان يقول بقول الكرابيسي: لفظه بالقرآن مخلوق، ومنعوه يصلي بهم، فجاء فسألك عن الرجل يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، يصلى خلفه؟ فقلت له: لا، فرجع إليهم فأخبرهم بقولك، وقال: إني تائب وأستغفر الله مما قلت. فقالوا له: صل بنا فصلى بهم، قال: هو كان نفسه سألني رجل طويل اللحية بعدما صليت الظهر، فقلت له: لم تكلمون فيما قد نهيتم عنه، لا يصلى خلفه ولا يجالس. (1)
- وفيها: عن أبي داود، قال: كتبت رقعة فأرسلت بها إلى أبي عبد الله وهو يومئذ متوار، فأخرج إلي جوابه مكتوبا فيه: قلت: رجل يقول: التلاوة مخلوقة وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن ليس بمخلوق، وما ترى في مجانبته؟ وهل يسمى مبتدعا؟ وعلى ما يكون عقد القلب في التلاوة والألفاظ؟ وكيف الجواب فيه؟ قال: هذا يجانب، وهو قول المبتدع وما أراه إلا جهميا، وهذا كلام الجهمية، القرآن ليس بمخلوق. قالت عائشة: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} (2) .. الآية، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فاحذروهم، فإنهم هم الذين عنى الله عز وجل"(3)، فالقرآن ليس بمخلوق. (4)
(1) الإبانة (1/ 12/335/ 140).
(2)
آل عمران الآية (7).
(3)
أخرجه: أحمد (6/ 256) والبخاري (8/ 265/4547) ومسلم (4/ 2053/2665) وأبو داود (5/ 6/4598) والترمذي (5/ 207/2993) وابن ماجه (1/ 18 - 19/ 47).
(4)
الإبانة (1/ 12/330 - 331/ 130).
- جاء في جامع بيان العلم وفضله عنه قال: لا يفلح صاحب كلام أبدا، ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل. (1)
- وفي الإبانة: بالسند إلى أبي بكر المروذي: سمعت أبا عبد الله رحمه الله يقول: من تعاطى الكلام لم يفلح، ومن تعاطى الكلام لا يخلو من أن يتجهم. (2)
- وفي تلبيس إبليس: قال السلمي: وتكلم الحارث المحاسبي في شيء من الكلام والصفات، فهجره أحمد بن حنبل، فاختفى إلى أن مات. (3)
- وجاء في تلبيس إبليس: قال المصنف: وقد ذكر أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل أنه قال: حذروا من الحارث أشد التحذير، الحارث أصل البلية -يعني في حوادث كلام جهم- ذاك جالسه فلان وفلان وأخرجهم إلى رأي جهم، ما زال مأوى أصحاب الكلام حارث بمنزلة الأسد المرابط، انظر أي يوم يثب على الناس.
وفي طبقات الحنابلة زيادة: قال المروذي: إن قوما يختلفون إليه؟ قال: نتقدم إليهم لعلهم لايعرفون بدعته. فإن قبلوا وإلا هجروا. ليس للحارث توبة، يشهد عليه ويجحد. إنما التوبة لمن اعترف. (4)
" التعليق:
انظر رحمك الله هذا التعبير البليغ الجامع المانع، وهذه الفراسة القوية،
(1) جامع بيان العلم (2/ 942) وفي التلبيس (102) ومجموع الفتاوى (6/ 243) بنحوه ودرء التعارض (1/ 232).
(2)
الإبانة (2/ 3/538 - 539/ 674) وطبقات الحنابلة (1/ 62) والسير (11/ 216) والاعتصام (2/ 846) وإعلام الموقعين (1/ 76).
(3)
التلبيس (207).
(4)
التلبيس (207) وطبقات الحنابلة (1/ 62 - 63).
وكيف لا وقد جمع الله له من السنة ما لم يجمع لغيره في زمنه وبعده.
فلا أدري ماذا يقول محبو الحارث الآن في مثل هذه العبارة، هل سيرفضونها أم يقولون: إن الحارث بن أسد تراجع، ونرجو الله له ولغيره ذلك. والمهم عندنا، أن السلف حذروا من جميع البدع، سواء كانت صوفية أو كلامية أو قدرية أو أشعرية أو إرجائية فجزاهم الله خيرا.
- جاء في المنهاج قال أحمد بن حنبل: علماء الكلام زنادقة. (1)
- وجاء في الإبانة: عن أحمد بن حنبل قال: عليكم بالسنة والحديث وما ينفعكم الله به، وإياكم والخوض والجدال والمراء فإنه لا يفلح من أحب الكلام، وكل من أحدث كلاما لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة لأن الكلام لا يدعو إلى خير ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، أدركنا الناس ولا يعرفون هذا ويجانبون أهل الكلام، وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير أعاذنا الله وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة. (2)
- وفيها: قال أبو الحارث: وسمعت أبا عبد الله يقول: إذا رأيت الرجل يحب الكلام فاحذره، وأخبرت عن أبي عمران الأصبهاني، قال: سمعت أحمد ابن حنبل يقول: لا تجالس صاحب كلام وإن ذب عن السنة فإنه لا يؤول
(1) المنهاج (2/ 139).
(2)
الإبانة (2/ 3/539/ 676) ونحوه في السير (11/ 291).