الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان ما أنزل الله عزوجل على نبيه صلى الله عليه وسلم حقا، فما يقوله الحلاج باطل وكان شديدا عليه. (1)
محمد بن أبي شَيْبَة (2)(297 هـ)
محمد بن عثمان بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان، أبو جعفر مولى بني عبس من أهل الكوفة. سكن بغداد، وحدث بها عن أبيه وعميه أبي بكر والقاسم، وعن أحمد بن يونس اليربوعي، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، ونحوهم. وكان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم، وجمع وصنف وله تاريخ كبير، ولم يرزق حظا، بل نالوا منه. روى عنه محمد بن محمد الباغندي، ويحيى بن محمد بن صاعد، وابن السماك، وأبو القاسم الطبراني، والإسماعيلي، وغيرهم. قال أبو الحسين بن المنادي: كنا نسمع الشيوخ يقولون: مات حديث الكوفة لموت محمد بن أبي شيبة ومطين وموسى بن إسحاق وعبيد بن غنام. وقال الذهبي: اتفق موت الأربعة في عام. مات ابن أبي شيبة في جمادى الأولى سنة سبع وتسعين ومائتين وقد قارب التسعين.
موقفه من الجهمية:
وهو غير أبي بكر صاحب المصنف وله كتاب 'العرش' وهو من خيرة الكتب التي في هذا الباب، وقد أخذ منه شيخ الإسلام الشيء الكثير، وشن
(1) التلبيس (ص 213).
(2)
البداية والنهاية (11/ 118 - 119) والسير (14/ 21 - 23) وتاريخ بغداد (3/ 42 - 47) وتذكرة الحفاظ (2/ 661 - 662) وميزان الاعتدال (3/ 642 - 643) واللسان (5/ 280 - 281) وشذرات الذهب (2/ 226) والمنتظم (13/ 102).
عليه حملة شعواء حامل راية الجهمية الشيخ النجدي الشعوبي الجركسي المسمى "زاهد الكوثري" وهو زاهد في السنة والسلف الصالح، في كثير من مقالاته وتعاليقه.
وقد حقق الكتاب رسالة علمية في الجامعة الإسلامية.
- قال في كتاب العرش: ذكروا أن الجهمية يقولون ليس بين الله عز وجل وبين خلقه حجاب وأنكروا العرش وأن يكون الله هو فوقه، وفوق السموات، وقالوا: إن الله في كل مكان، وإنه لا يتخلص من خلقه، ولا يتخلص الخلق منه إلا أن يفنيهم أجمع، فلا يبقى من خلقه شيء، وهو مع الآخر، والآخر من خلقه ممتزج به، فإذا أفنى خلقه تخلص منهم وتخلصوا منه تبارك وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
ومن قال بهذه المقالة فإلى التعطيل يرجع قولهم.
وقد علم العالمون أن الله قبل أن يخلق خلقه قد كان متخلصا من خلقه بائنا منهم، فكيف دخل فيهم؟ تبارك وتعالى أن يوصف بهذه الصفة. بل هو فوق العرش كما قال، محيط بالعرش، متخلص من خلقه، بائن منه. علمه في خلقه لا يخرجون من علمه، وقد أخبرنا عز وجل أن العرش كان قبل خلق السموات والأرض على الماء، وأخبرنا عز وجل أنه صار من الأرض إلى السماء ومن السماء إلى العرش فاستوى على العرش، قال عز وجل:{وكان عَرْشُهُ على الْمَاءِ} (1)، وقال: {قُلْ أئنكم لَتَكْفُرُونَ
(1) هود الآية (7).
بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (1).
ثم قال جل وعز: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} (2). وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} (3). ففسرت العلماء قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} يعني: علمه.
وقال عز وجل: {الرحمن على العرش استوى} (4)، فالله تعالى استوى على العرش يرى كل شيء في السموات والأرضين، ويعلم ويسمع كل ذلك بعينه وهو فوق العرش، لا الحجب التي احتجب بها عن خلقه
(1) فصلت الآيات (9 - 11).
(2)
المجادلة الآية (7).
(3)
الحديد الآية (4).
(4)
طه الآية (5).
تحجبه من أن يرى ويسمع ما في الأرض السفلى، ولكنه خلق الحجب وخلق العرش كما خلق الخلق لما شاء كيف شاء ما يحمله إلا عظمته فقال:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (1)، وقال جل وعز:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2)، وقال عز وجل:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (3)، وقال:{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (4).
وأجمع الخلق جميعا أنهم إذا دعوا الله جميعا رفعوا أيديهم إلى السماء، فلو كان الله عز وجل في الأرض السفلى ما كانوا يرفعون أيديهم إلى السماء وهو معهم على الأرض.
ثم توافرت الأخبار على أن الله تعالى خلق العرش فاستوى عليه بذاته ثم خلق الأرض والسماوات، فصار من الأرض إلى السماء، ومن السماء إلى العرش.
فهو فوق السماوات وفوق العرش بذاته متخلصا من خلقه بائنا منهم،
(1) السجدة الآية (5).
(2)
فاطر الآية (10).
(3)
آل عمران الآية (55).
(4)
النساء الآيتان (157و158).