الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأوطان. خرج مع جماعة على عبيد الله المهدي، فأخذ وقتل مصلوباً سنة تسع وثلاثمائة.
موقفه من الرافضة:
جاء في معالم الإيمان: قال: مات أبو القاسم شهيداً قتله عبيد الله المهدي، وكان سبب قتله أنه رأى أموراً لا يحل المقام عليها لمسلم، فخرج مع جماعة على عبيد الله، فأخذ وقتل معه محمد بن عبد الله السدري، وصلبا جميعاً.
قال التجيبي: ولما سجن رأى كأنه أتى بقصعة من شهد، فحساها فأصبح يحكيه فقال له رجل: أي شيء هذه الشهادة أتتك؟ فما تضحى نهار ذلك اليوم حتى تقتل فكأنه جزع، فقيل له تكره القدوم إلى الله؟ فوثب كأنه حل من عقال يقول: لبيك لبيك، حتى ضربت عنقه وقال المالكي: قتلا بالرماح وصلبا برملة المهدية. (1)
موقف السلف من الحلاّج (309 ه
ـ)
بيان زندقته:
هذا الخبيث هو وأمثاله من زنادقة الصوفية الذين يتسترون بأنهم أهل الولاية وهم الزنادقة ورثة الحلولية والباطنية الذين آلوا على أنفسهم أنهم لا يتركون للإسلام قائمة ولكن الله يحفظ دينه رغم مكائدهم ومن تتبع ما
(1) معالم الإيمان (2/ 354).
كتبناه في هذا البحث المبارك ير صدق ذلك في هؤلاء الزنادقة وما فعله المسلمون بهم في كل زمان ومكان، ومهما تستروا يكشف الله أمرهم ويظهروا على حقيقتهم. وهكذا كل مغرض يكون منافقاً مدة ثم ينكشف. وهذا الزنديق قد ساق أخباره غير واحد ممن ألف في التاريخ والطبقات وخصوصاً الذين ألفوا في طبقات الصوفية كأبي عبد الرحمن السلمي والنقاش والشعراني وغيرهم وهم يختلفون فيه ما بين مثبت له وما بين رافض كل حسب مصلحته، وإلا أمثال هؤلاء لا يختلف فيهم اثنان ولا يتناطح فيهم عنزان. وإليك نماذج من زندقته وشعوذته وموقف العلماء والخليفة منه.
- جاء في السير: بالسند إلى منجم ماهر قال: بلغني خبر الحلاج فجئته كالمسترشد فخاطبني وخاطبته ثم قال: تشهّ الساعة ما شئت حتى أجيئك به. وكنا في بعض بلدان الجبل التي لا يكون فيها الأنهار فقلت: أريد سمكاً طرياً حياً، فقام فدخل البيت وأغلق بابه وأبطأ ساعة ثم جاءني وقد خاض وحلاً إلى ركبته ومعه سمكة تضطرب، وقال: دعوت الله فأمرني أن أقصد البطائح فجئت بهذه، قال: فعلمت أن هذا حيلة فقلت له: فدعني أدخل البيت فإن لم تنكشف لي حيلة آمنت بك: قال: شأنك، فدخلت البيت وغلقت على نفسي، فلم أجد طريقاً ولا حيلة ثم قلعت من التأزير، ودخلت إلى دار كبيرة فيها بستان عظيم فيه صنوف الأشجار والثمار والريحان، التي هو وقتها وما ليس وقتها مما قد غطي وعتق، واحتيل في بقائه، وإذا الخزائن مفتحة، فيها أنواع الأطعمة وغير ذلك، وإذا بِرْكة كبيرة، فخضتها فإذا رجلي قد سارت بالوحل كرجليه، فقلت: الآن إن خرجت ومعي سمكة قتلني، فصدت سمكة
فلما صرت إلى باب البيت أقبلت أقول: آمنت وصدقت ما ثم حيلة وليس إلا التصديق بك. قال: فخرج وخرجت وعدوت فرأى السمكة معي فعدا خلفي فلحقني فضربت بالسمكة في وجهه وقلت له: أتعبتني حتى مضيت إلى البحر فاستخرجت هذه، فاشتغل بما لحقه من السمكة فلما صرت في الطريق رميت بنفسي لما لحقني من الجزع والفزع فجاء إلي وضاحكني وقال: ادخل فقلت: هيهات. فقال: اسمع والله لئن شئت قتلتك على فراشك، ولكن إن سمعت بهذه الحكاية لأقتلنك. فما حكيتها حتى قتل. (1)
- وقال ابن كثير: روى الخطيب البغدادي أن الحلاّج بعث رجلاً من خاصة أصحابه وأمره أن يذهب بين يديه إلى بلد من بلاد الجبل، وأن يظهر لهم العبادة والصلاح والزهد، فإذا رآهم قد أقبلوا عليه وأحبوه واعتقدوه أظهر لهم أنه قد عمي، ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد تكسح، فإذا سعوا في مداواته، قال لهم: يا جماعة الخير، إنه لا ينفعني شيء مما تفعلون، ثم يظهر لهم بعد أيام أنه قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له: إن شفاءك لا يكون إلا على يدي القطب، وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني، وصفته كذا وكذا. وقال له الحلاج: إني سأقدم عليك في ذلك الوقت. فذهب ذلك الرجل إلى تلك البلاد فأقام بها يتعبد ويظهر الصلاح والتنسك ويقرأ القرآن. فأقام مدة على ذلك فاعتقدوه وأحبوه، ثم أظهر لهم أنه قد عمي فمكث حيناً على ذلك، ثم أظهر لهم أنه قد زمن، فسعوا بمداواته
(1) السير (14/ 323 - 324).
بكل ممكن فلم ينتج فيه شيء، فقال لهم: يا جماعة الخير هذا الذي تفعلونه معي لا ينتج شيئاً وأنا قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول لي: إنّ عافيتك وشفاءك إنما هو على يدي القطب، وإنه سيقدم عليك في اليوم الفلاني في الشهر الفلاني، وكانوا أولاً يقودونه إلى المسجد ثم صاروا يحملونه ويكرمونه [حتى](1) كان في الوقت الذي ذكر لهم، واتفق هو والحلاج عليه، أقبل الحلاج حتى دخل البلد مختفياً وعليه ثياب صوف بيض، فدخل المسجد ولزم سارية يتعبد فيه لا يلتف إلى أحد، فعرفه الناس بالصفات التي وصف لهم ذلك العليل، فابتدروا إليه يسلمون عليه ويتمسحون به، ثم جاؤوا إلى ذلك الزّمِن المتعافى فأخبره بخبره، فقال: صفوه لي، فوصفوه له فقال: هذا الذي أخبرني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأن شفائي على يديه، اذهبوا بي إليه.
فحملوه حتى وضعوه بين يديه فكلمه فعرفه فقال: يا أبا عبد الله إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام. ثم ذكر له رؤياه، فرفع الحلاج يديه فدعا له ثم تفل من ريقه في كفيه ثم مسح بهما على عينيه ففتحهما كأن لم يكن بهما داء قط فأبصر، ثم أخذ من ريقه فمسح على رجليه فقام من ساعته فمشى كأنه لم يكن به شيء والناس حضور، وأمراء تلك البلاد وكبراؤهم عنده، فضج الناس ضجة عظيمة وكبروا الله وسبحوه وعظموا الحلاج تعظيماً زائداً على ما أظهر لهم من الباطل والزور. ثم أقام عندهم مدة يكرمونه ويعظمونه ويودون لو طلب منهم ما عساه أن يطلب من أموالهم. فلما أراد الخروج
(1) زيادة يقتضيها السياق.
عنهم أرادوا أن يجمعوا له مالاً كثيراً فقال: أما أنا فلا حاجة لي بالدنيا، وإنما وصلنا إلى ما وصلنا إليه بترك الدنيا، ولعل صاحبكم هذا أن يكون له إخوان وأصحاب من الأبدال الذين يجاهدون بثغر طرسوس، ويحجون ويتصدقون، محتاجين إلى ما يعينهم على ذلك. فقال ذلك الرجل المتزامن المتعافى: صدق الشيخ، قد رد الله علي بصري ومن الله علي بالعافية، لأجعلن بقية عمري في الجهاد في سبيل الله، والحج إلى بيت الله مع إخواننا الأبدال والصالحين الذين نعرفهم، ثم حثهم على إعطائه من المال ما طابت به أنفسهم. ثم إن الحلاج خرج عنهم ومكث ذلك الرجل بين أظهرهم مدة إلى أن جمعوا له مالاً كثيراً ألوفاً من الذهب والفضة، فلما اجتمع له ما أراد ودعهم وخرج عنهم فذهب إلى الحلاج فاقتسما ذلك المال. (1)
- وقال أيضاً: كان الحلاج متلوناً تارة يلبس المسوح، وتارة يلبس الدراعة، وتارة يلبس القباء، وهو مع كل قوم على مذهبهم: إن كانوا أهل سنة أو رافضة أو معتزلة أو صوفية أو فساقاً أو غيرهم، ولما أقام بالأهواز جعل ينفق من دراهم يخرجها يسميها دراهم القدرة، فسئل الشيخ أبو علي الجبائي عن ذلك فقال: إن هذا كله مما يناله البشر بالحيلة، ولكن أدخلوه بيتاً لا منفذ له ثم سلوه أن يخرج لكم جرزتين من شوك. فلما بلغ ذلك الحلاج تحول من الأهواز. (2)
- جاء في السير عن أحمد بن يوسف الأزرق: أن الحلاج لما قدم بغداد
(1) البداية (11/ 145 - 146) والسير (14/ 319 - 320).
(2)
البداية (11/ 147 - 148) والسير (14/ 320).
استغوى خلقاً من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله في طريقهم، فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه، وكان أبو سهل فطناً، فقال لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها يمكن فيها الحيل، ولكني رجل غزل، ولا لذة لي أكبر من النساء، وأنا مبتلى بالصلع، فإن جعل لي شعراً ورد لحيتي سوداء، آمنت بما يدعوني إليه وقلت: إنه باب الإمام، وإن شاء قلت: إنه الإمام، وإن شاء قلت: إنه النبي، وإن شاء قلت: إنه الله. فأيس الحلاج منه وكف. (1)
- وجاء فيها أيضاً: عن أبي بكر بن سعدان قال: قال لي الحلاج: تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفور أطرح من ذرقها وزن حبة على كذا منا نحاساً فيصير ذهباً؟ فقلت له: بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك. قال: فبهت وسكت.
ويروى أن رجلاً قال للحلاج: أريد تفاحة، ولم يكن وقته، فأومأ بيده إلى الهواء، فأعطاهم تفاحة وقال: هذه من الجنة. فقيل له: فاكهة الجنة غير متغيرة، وهذه فيها دودة. فقال: لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء، فحل بها جزء من البلاء. فانظر إلى ترامي هذا المسكين على الكرامات والخوارق، فنعوذ بالله من الخذلان، فعن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ من خشوع النفاق. (2)
(1) السير (14/ 322 - 323).
(2)
السير (14/ 324 - 325).
- وفيها أيضاً عن زيد القصري قال: كنت بالقدس، إذ دخل الحلاج، وكان يومئذ يشعل فيه قنديل قمامة بدهن البَلَسان، فقام الفقراء إليه يطلبون منه شيئاً، فدخل بهم إلى القمامة، فجلس بين الشمامسة، وكان عليه السواد، فظنوه منهم، فقال لهم: متى يشعل القنديل؟ قالوا: إلى أربع ساعات. فقال: كثير. فأومأ بأصبعه، فقال: الله. فخرجت نار من يده، فأشعلت القنديل، واشتعلت ألف قنديل حواليه، ثم ردت النار إلى أصبعه، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا حنيفي، أقل الحنيفيين، تحبون أن أقيم أو أخرج؟ فقالوا: ما شئت. فقال: أعطوا هؤلاء شيئاً. فأخرجوا بدرة فيها عشرة آلاف درهم للفقراء. فهذه الحكاية وأمثالها ما صح منها فحكمه أنه مخدوم من الجن.
- قال التنوخي: وحدثني أحمد بن يوسف الأزرق قال: بلغني أن الحلاج كان لا يأكل شيئاً شهراً، فهالني هذا، وكان بين أبي الفرج وبين روحان الصوفي مودة، وكان محدثاً صالحاً، وكان القصري -غلام الحلاج- زوج أخته، فسألته عن ذلك فقال: أما ما كان الحلاج يفعله فلا أعلم كيف كان يتم له، ولكن صهري القصري قد أخذ نفسه، ودرجها، حتى صار يصبر عن الأكل خمسة عشر يوماً، أقل أو أكثر. وكان يتم له ذلك بحيلة تخفى علي، فلما حبس في جملة الحلاجية، كشفها لي، وقال لي: إن الرصد إذا وقع بالإنسان، وطال فلم تنكشف معه حيلة، ضعف عنه الرصد، ثم لا يزال يضعف كلما لم تنكشف حيلته، حتى يبطل أصلاً، فيتمكن حينئذ من فعل ما يريد، وقد رصدني هؤلاء منذ خمسة عشر يوماً، فما رأوني آكل شيئاً بتة، وهذا نهاية صبري، فخذ رطلاً من الزبيب ورطلا من اللوز، فدقهما،
واجعلهما مثل الكسب وابسطه كالورقة، واجعلها بين ورقتين كدفتر، وخذ الدفتر في يدك مكشوفاً مطوياً ليخفى، وأحضره لي خفية لآكل منه وأشرب الماء في المضمضة، فيكفيني ذلك خمسة عشر يوماً أخرى. فكنت أعمل ذلك له طول حبسه. (1)
نماذج من زندقته:
- قال السلمي: وحكي عنه أنه رؤي واقفاً في الموقف، والناس في الدعاء وهو يقول: أنزهك عما قرفك به عبادك، وأبرأ إليك مما وحدك به الموحدون.
قال الذهبي رحمه الله: هذا عين الزندقة، فإنه تبرأ مما وحد الله به الموحدون الذين هم الصحابة والتابعون وسائر الأمة، فهل وحدوه تعالى إلا بكلمة الإخلاص التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قالها من قلبه فقد حرم ماله ودمه"(2) وهي شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا برئ الصوفي منها فهو ملعون زنديق وهو صوفي الزي والظاهر متستر بالنسب إلى العارفين، وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل كما كان جماعة في أيام النبي صلى الله عليه وسلم منتسبين (3) إلى صحبته وإلى ملته، وهم في الباطن من مردة المنافقين، قد لا يعرفهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ولا يعلم بهم. قال الله تعالى: {ومن أهل
(1) السير (14/ 333 - 335).
(2)
تقدم تخريجه في مواقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة (13هـ).
(3)
في الأصل منتسبون والصواب ما أثبتناه.
الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (1) فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات، فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته، فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلا ببرهان قطعي، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زغله، وانهتك باطنه وزندقته، فلا هذا ولا هذا، بل العدل أن من رآه المسلمون صالحاً محسناً، فهو كذلك، لأنهم شهداء الله في أرضه، إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن من رآه المسلمون فاجراً أو منافقاً أو مبطلاً، فهو كذلك، وأن من كان طائفة من الأمة تضلله، وطائفة من الأمة تثني عليه وتبجله، وطائفة ثالثة تقف فيه وتتورع من الحط عليه، فهو ممن ينبغي أن يعرض عنه، وأن يفوض أمره إلى الله، وأن يستغفر له في الجملة، لأن إسلامه أصلي بيقين، وضلاله مشكوك فيه، فبهذا تستريح ويصفو قلبك من الغل للمؤمنين.
ثم اعلم أن أهل القبلة كلهم، مؤمنهم وفاسقهم، وسنيهم ومبتدعهم -سوى الصحابة- لم يجمعوا على مسلم بأنه سعيد ناج، ولم يجمعوا على مسلم بأنه شقي هالك، فهذا الصديق فرد الأمة، قد علمت تفرقهم فيه، وكذلك عمر، وكذلك عثمان، وكذلك علي، وكذلك ابن الزبير، وكذلك الحجاج، وكذلك المأمون، وكذلك بشر المريسي، وكذلك أحمد بن حنبل،
(1) التوبة الآية (101) ..
والشافعي، والبخاري، والنسائي، وهلم جراً من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا، فما من إمام كامل في الخير إلا وثم أناس من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمونه ويحطون عليه، وما من رأس في البدعة والتجهم والرفض إلا وله أناس ينتصرون له، ويذبون عنه، ويدينون بقوله بهوى وجهل، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل، المتصفين بالورع والعلم، فتدبر -يا عبد الله- نحلة الحلاج الذي هو من رؤوس القرامطة، ودعاة الزندقة، وأنصف وتورع واتق ذلك وحاسب نفسك، فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو للإسلام، محب للرئاسة، حريص على الظهور بباطل وبحق، فتبرأ من نحلته، وإن تبرهن لك والعياذ بالله، أنه كان -والحالة هذه- محقاً هادياً مهدياً، فجدد إسلامك واستغث بربك أن يوفقك للحق، وأن يثبت قلبك على دينه، فإنما الهدى نور يقذفه الله في قلب عبده المسلم، ولا قوة إلا بالله، وإن شككت ولم تعرف حقيقته، وتبرأت مما رمي به، أرحت نفسك، ولم يسألك الله عنه أصلاً. (1)
- ومن زندقته أيضاً قوله: الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم، فأما من حيث الحقيقة، فلا فرق بينهما.
- عن جندب بن زاذان، تلميذ الحسين قال: كتب الحسين إلي: باسم الله المتجلي عن كل شيء لمن يشاء، والسلام عليك يا ولدي، ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة الكفر، فإن ظاهر الشريعة كفر، وحقيقة
(1) السير (14/ 342 - 345).
الكفر معرفة جلية، وإني أوصيك أن لا تغتر بالله، ولا تيأس منه ولا ترغب في محبته ولا ترضى أن تكون غير محب ولا تقل بإثباته، ولا تمل إلى نفيه، وإياك والتوحيد، والسلام. (1)
- وقال الذهبي: قال ابن باكويه: سمعت عيسى بن بزول القزويني يقول: إنه سأل ابن خفيف عن معنى هذه الأبيات:
سبحان من أظهر ناسوته
…
سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا
…
في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه
…
كلحظة الحاجب بالحاجب
فقال ابن خفيف: على قائل ذا لعنة الله. قال: هذا شعر الحسين الحلاج. قال: إن كان هذا اعتقاده، فهو كافر فربما يكون مقولا عليه. (2)
- وقال أيضاً: ذكر ابن حوقل قال: ظهر من فارس الحلاج ينتحل النسك والتصوف، فما زال يترقى طبقاً عن طبق حتى آل به الحال إلى أن زعم: أنه من هذب في الطاعة جسمه، وشغل بالأعمال قلبه، وصبر عن اللذات، وامتنع من الشهوات يترق في درج المصافاة، حتى يصفو عن البشرية طبعه، فإذا صفا حل فيه روح الله الذي كان منه إلى عيسى، فيصير مطاعاً، يقول للشيء: كن، فيكون، فكان الحلاج يتعاطى ذلك ويدعو إلى نفسه حتى استمال جماعة من الأمراء والوزراء، وملوك الجزيرة والجبال والعامة، ويقال: إن يده لما قطعت كتب الدم على الأرض: الله الله.
(1) السير (14/ 352 - 353).
(2)
السير (14/ 325).
قلت -أي الذهبي-: ما صح هذا، ويمكن أن يكون هذا من فعله بحركة زنده. (1)
وقيل: إن الوزير حامداً وجد في كتبه: إذا صام الإنسان وواصل ثلاثة أيام وأفطر في رابع يوم على ورقات هندبا أغناه عن صوم رمضان، وإذا صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى الغداة أغنته عن الصلاة بعد ذلك، وإذا تصدق بكذا وكذا أغناه عن الزكاة. (2)
- وفي السير والتلبيس: أن ابنة السمري أدخلت على حامد الوزير، فسألها عن الحلاج فقالت: حملني أبي إليه فقال: قد زوجتك من ابني سليمان، وهو مقيم بنيسابور، فمتى جرى شيء تنكرينه من جهته فصومي يومك واصعدي في آخر النهار إلى السطح، وقومي على الرماد واجعلي فطرك عليه وعلى ملح جريش واستقبليني بوجهك واذكري لي ما أنكرتيه منه فإني أسمع وأرى، قالت: وكنت ليلة نائمة في السطح فأحسست به قد غشيني فانتبهت مذعورة لما كان منه، فقال: إنما جئتك لأوقظك للصلاة، فلما نزلنا قالت ابنته: اسجدي له، فقلت: أو يسجد أحد لغير الله؟! فسمع كلامي، فقال: نعم إله في السماء وإله في الأرض. (3)
- وفي السير عن إبراهيم بن شيبان قال: سلم أستاذي أبو عبد الله المغربي على عمرو بن عثمان، فجاراه في مسألة، فجرى في عرض الكلام أن
(1) السير (14/ 347).
(2)
السير (14/ 347).
(3)
السير (14/ 337 - 338) وتلبيس إبليس (213).
قال: هاهنا شاب على جبل أبي قبيس. فلما خرجنا من عند عمرو صعدنا إليه، وكان وقت الهاجرة، فدخلنا عليه، فإذا هو جالس في صحن الدار على صخرة في الشمس، والعرق يسيل منه على الصخرة، فلما نظر إليه المغربي رجع وأشار بيده: ارجع. فنزلنا المسجد، فقال لي أبو عبد الله: إن عشت ترى ما يلقى هذا، قد قعد بحمقه يتصبر مع الله. فسألنا عنه، فإذا هو الحلاج. (1)
وفي سنة إحدى وثلاث مئة أدخل الحلاج بغداد مشهوراً على جمل، قبض عليه بالسوس، وحمل إلى الرائشي، فبعث به إلى بغداد، فصلب حياً، ونودي عليه: هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه. وقال الفقيه أبو علي بن البناء: كان الحلاج قد ادعى أنه إله، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت، فأحضره الوزير علي بن عيسى فلم يجده -إذ سأله- يحسن القرآن والفقه ولا الحديث. فقال: تعلمك الفرض والطهور أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها. كم تكتب -ويلك- إلى الناس: تبارك ذو النور الشعشعاني؟ ما أحوجك إلى أدب وأمر به فصلب في الجانب الشرقي، ثم في الغربي، ووجد في كتبه: إني مغرق قوم نوح، ومهلك عاداً وثمود. (2)
- قال أبو علي التنوخي: أخبرني أبو الحسين بن عياش القاضي عمن أخبره: أنه كان بحضرة حامد بن العباس لما قبض على الحلاج، وقد جيء بكتب وجدت في داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها: وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها، وأجاب قوم إلى أنك الباب -يعني الإمام-
(1) السير (14/ 317).
(2)
السير (14/ 327).
وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان -يعنون الإمام الذي تنتظره الإمامية- وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، وقوم يعنون أنك هو هو -يعني الله عز وجل. قال: فسئل الحلاج عن تفسير هذه الكتب، فأخذ يدفعه ويقول: هذه الكتب لا أعرفها، هذه مدسوسة علي، ولا أعلم ما فيها، ولا معنى هذا الكلام. وجاؤوا بدفاتر للحلاج فيها أن الإنسان إذا أراد الحج فإنه يكفيه أن يعمد إلى بيت
…
وذكر القصة. (1)
- وقال أبو يعقوب الأقطع: زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر، محتال كافر.
- وقال أبو يعقوب النعماني: سمعت أبا بكر محمد بن داود الفقيه يقول: إن كان ما أنزل الله على نبيه حقاً، فما يقول الحلاج باطل. وكان شديداً عليه.
- السلمي: سمعت علي بن سعيد الواسطي بالكوفة يقول: ما تجرد أحد على الحلاج وحمل السلطان على قتله كما تجرد له ابن داود. وبلغني أنه لما أخرج إلى القتل تغير وجه حامد بن العباس، فقال له بعض الفقهاء: لا تشكن أيها الوزير، إن كان ما جاء به محمد حقاً، فما يقول هذا باطل.
- السلمي: سمعت جعفر بن أحمد يقول: سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول: الحلاج مموه ممخرق.
(1) السير (14/ 336).
- السلمي: سمعت أبا بكر بن غالب يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: لما أرادوا قتل الحلاج، أحضر لذلك الفقهاء، فسألوه: ما البرهان؟ قال: شواهد يلبسها الحق لأهل الإخلاص، يجذب في النفوس إليها جاذب القبول. فقالوا بأجمعهم: هذا كلام أهل الزندقة.
قال الذهبي: بل من وزن نفسه، وزمها بالكتاب والسنة، فهو صاحب برهان وحجة، فما أخيب سهم من فاته ذلك.
- قال ابن الجوزي فيما أنبأوني عنه: إن شيخه أبا بكر الأنصاري أنبأه قال: شهدت أنا وجماعة على أبي الوفاء بن عقيل قال: كنت قد اعتقدت في الحلاج ونصرته في جزء، وأنا تائب إلى الله منه، وقد قتل بإجماع فقهاء عصره، فأصابوا وأخطأ هو وحده. (1)
ومن شعره في الاتحاد:
يا نسيم الريح قولي للرشا
…
لم يزدني الورد إلا عطشا
روحه روحي وروحي فله
…
إن يشا شئت وإن شئت يشا (2)
- قال الذهبي: قرأت بخط العلامة تاج الدين الفزاري قال: رأيت في سنة سبع وستين وست مئة كتاباً فيه قصة الحلاج، منه: عن إبراهيم الحلواني قال: دخلت على الحسين بن منصور بين المغرب والعتمة، فوجدته يصلي، فجلست كأنه لم يحس بي، فسمعته يقرأ سورة البقرة، فلما ختمها، ركع وقام في الركوع طويلاً، ثم قام إلى الثانية، قرأ الفاتحة وآل عمران، فلما سلم
(1) السير (14/ 330 - 331).
(2)
السير (14/ 346).
تكلم بأشياء لم أسمعها، ثم أخذ في الدعاء، ورفع صوته كأنه مأخوذ من نفسه وقال: يا إله الآلهة ورب الأرباب ويا من لا تأخذه سنة رد إلي نفسي لئلا يفتتن بي عبادك، يا من هو أنا وأنا هو ولا فرق بين إنيتي وهويتك إلا الحدث والقدم. ثم رفع رأسه ونظر إلي وضحك في وجهي ضحكات، ثم قال لي: يا أبا إسحاق أما ترى إلى ربي ضرب قدمه في حدثي حتى استهلك حدثي في قدمه، فلم تبق لي صفة إلا صفة القدم، ونطقي من تلك الصفة فالخلق كلهم أحداث ينطقون عن حدث ثم إذا نطقت عن القدم ينكرون علي ويشهدون بكفري، وسيسعون إلى قتلي، وهم في ذلك معذورون، وبكل ما يفعلون مأجورون. (1)
- قال أبو الفرج بن الجوزي: جمعت كتابا سميته: 'القاطع بمحال المحاج بحال الحلاج'. وبلغ من أمره أنهم قالوا: إنه إله، وإنه يحيي الموتى. (2)
- قال ابن باكويه: سمعت ابن خفيف يسأل: ما تعتقد في الحلاج؟ قال: أعتقد أنه رجل من المسلمين فقط. فقيل له: قد كفره المشايخ وأكثر المسلمين. فقال: إن كان الذي رأيته منه في الحبس لم يكن توحيداً، فليس في الدنيا توحيد.
قال الذهبي: هذا غلط من ابن خفيف، فإن الحلاج عند قتله ما زال يوحد الله ويصيح: الله الله في دمي، فأنا على الإسلام. وتبرأ مما سوى الإسلام. والزنديق فيوحد الله علانية، ولكن الزندقة في سره. والمنافقون فقد
(1) السير (14/ 351 - 352).
(2)
السير (14/ 346 - 347).
كانوا يوحدون ويصومون ويصلون علانية، والنفاق في قلوبهم، والحلاج فما كان حماراً حتى يظهر الزندقة بإزاء ابن خفيف وأمثاله، بل كان يبوح بذلك لمن استوثق من رباطه، ويمكن أن يكون تزندق في وقت، ومرق وادعى الإلهية، وعمل السحر والمخاريق الباطلة مدة، ثم لما نزل به البلاء ورأى الموت الأحمر أسلم ورجع إلى الحق، والله أعلم بسره، ولكن مقالته نبرأ إلى الله منها، فإنها محض الكفر، نسأل الله العفو والعافية، فإنه يعتقد حلول البارئ عز وجل في بعض الأشراف، تعالى الله عن ذلك. (1)
- قال ابن زنجي: وحملت دفاتر من دور أصحاب الحلاج فأمرني حامد أن أقرأها والقاضي أبو عمر حاضر، والقاضي أبو الحسين بن الأشناني، فمن ذلك أن الإنسان إذا أراد الحج أفرد في داره بيتاً وطاف به أيام الموسم، ثم جمع ثلاثين يتيماً وكساهم قميصاً قميصاً وعمل لهم طعاماً طيباً، فأطعمهم وخدمهم وكساهم، وأعطى لكل واحد سبعة دراهم أو ثلاثة، فإذا فعل ذلك قام له ذلك مقام الحج. فلما قرأ ذلك الفصل التفت القاضي أبو عمر إلى الحلاج وقال له: من أين لك هذا؟ قال: من كتاب الإخلاص للحسن البصري. قال: كذبت يا حلال الدم، قد سمعنا كتاب الإخلاص وما فيه هذا. فلما قال أبو عمر كذبت يا حلال الدم، قال له حامد: اكتب بهذا، فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلاج، فألح عليه حامد وقدم له الدواة فكتب بإحلال دمه، وكتب بعده من حضر المجلس، فقال: الحلاج: ظهري حمى
(1) السير (14/ 351).
ودمي حرام، وما يحل لكم أن تتأولوا علي واعتقادي الإسلام ومذهبي السنة، فالله الله في دمي ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم، ثم نهضوا ورد الحلاج إلى الحبس وكتب إلى المقتدر بخبر المجلس، فأبطأ الجواب يومين، فغلظ ذلك على حامد وندم وتخوف فكتب رقعة إلى المقتدر في ذلك ويقول: إن ما جرى في المجلس قد شاع ومتى لم تتبعه قتل هذا افتتن به الناس، ولم يختلف عليه اثنان فعاد الجواب من الغد من جهة مفلح: إذا كان القضاة قد أباحوا دمه فليحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة، ويتقدم بتسليمه وضربه ألف سوط، فإن هلك وإلا ضربت عنقه.
فسر حامد وأحضر صاحب الشرطة، وأقرأه ذلك، وتقدم إليه بتسليم الحلاج، فامتنع وذكر أنه يتخوف أن ينتزع منه، فبعث معه غلمانه حتى يصيروه إلى مجلسه ووقع الاتفاق على أن يحضر بعد عشاء الآخرة، ومعه جماعة من أصحابه وقوم على بغال موكفة مع سياس فيحمل على واحد منها، ويدخل في غمار القوم، وقال حامد له: إن قال لك: أجري لك الفرات ذهباً فلا ترفع عنه الضرب.
فلما كان بعد العشاء، أتى محمد بن عبد الصمد إلى حامد ومعه الرجال والبغال، فتقدم إلى غلمانه بالركوب معه إلى داره، وأخرج له الحلاج فحكى الغلام: أنه لما فتح الباب عنه وأمره بالخروج قال: من عند الوزير؟ قال: محمد ابن عبد الصمد قال: ذهبنا والله. وأخرج فأركب بغلاً، واختلط بجملة الساسة وركب غلمان حامد حوله حتى أوصلوه، فبات عند ابن عبد الصمد ورجاله حول المجلس، فلما أصبح أخرج الحلاج إلى رحبة المجلس وأمر الجلاد
بضربه واجتمع خلائق فضرب تمام ألف سوط وما تأوه، بلى لما بلغ ستمائة سوط قال لابن عبد الصمد: ادع بي إليك فإن عندي نصيحة تعدل فتح قسطنطينية، فقال له محمد: قد قيل لي إنك ستقول أكبر من هذا وليس لي إلى رفع الضرب سبيل.
ثم قطعت يده، ثم رجله ثم حز رأسه، وأحرقت جثته، وحضرت في هذا الوقت راكباً والجثة تقلب على الجمر، ونصب الرأس يومين ببغداد ثم حمل إلى خراسان وطيف به. (1)
" التعليق:
فرحمة الله عليك يا حامد يا سيد الوزراء، لقد أدركت خطر زندقة الصوفية وفهمت ما هم عليه من الدجل والسحر والشعوذة، فقلت للمسؤول عن الشرطة: لو قال لك يقلب لك الفرات ذهباً لا تثق به، أو ما هذا معناه، ورحم الله قضاة أمير المؤمنين حيث لم يغتروا بترهات هذا الزنديق ودعواته الكاذبة ورحم الله أمير المؤمنين حيث لم يبال بشعبية هذا الزنديق الذي غرهم بترهاته ودعواته الكاذبة، وكم لنا في هذا الوقت من حلاج، ولكن لا مقتدر ولا حامد ولا أبا عمر ولا أبا الحسين بن الأشناني والله المستعان.
- قال السلمي: وسمعت أبا علي الهمذاني يقول: سألت إبراهيم بن شيبان عن الحلاج، فقال: من أحب أن ينظر إلى ثمرات الدعاوي الفاسدة
(1) السير (14/ 339 - 341).
فلينظر إلى الحلاج وما صار إليه. (1)
- وقال أبو عمر بن حيويه: لما أخرج الحلاج ليقتل، مضيت وزاحمت حتى رأيته، فقال لأصحابه: لا يهولنكم، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً. فهذه حكاية صحيحة توضح لك أن الحلاج ممخرق كذاب، حتى عند قتله. وقيل: إنه لما أخرج للقتل أنشد:
طلبت المستقر بكل أرض
…
فلم أر لي بأرض مستقرا
أطعت مطامعي فاستعبدتني
…
ولو أني قنعت لكنت حرا (2)
- وعن عثمان بن معاوية -قيم جامع الدينور- قال: بات الحسين بن منصور في هذا الجامع ومعه جماعة، فسأله واحد منهم فقال: يا شيخ ما تقول فيما قال فرعون؟ قال: كلمة حق. قال: فما تقول فيما قال موسى عليه السلام؟ قال: كلمة حق، لأنهما كلمتان جرتا في الأبد كما أجريتا في الأزل. (3)
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن عثمان المكي: أنه قال: كنت أماشي الحلاج في بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا، ففارقته. (4)
- وفي السير عنه قال: لو قدرت عليه لقتلته بيدي. (5)
(1) السير (14/ 317).
(2)
السير (14/ 346) والبداية والنهاية (11/ 152 - 153).
(3)
السير (14/ 352).
(4)
البداية (11/ 144 - 145).
(5)
السير (14/ 330).
- قال النديم: قرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: كان الحلاج مشعبذاً محتالاً، يتعاطى التصرف، ويدعي كل علم، وكان صفراً من ذلك، وكان يعرف في الكيمياء، وكان مقداماً جسوراً على السلاطين، مرتكباً للعظائم، يروم إقلاب الدول، ويدعي عند أصحابه الإلهية، ويقول بالحلول، ويظهر التشيع للملوك، ومذاهب الصوفية للعامة، وفي تضاعيف ذلك يدعي أن الإلهية حلت فيه، تعالى الله وتقدس عما يقول. (1)
- وكان يقول للواحد من أصحابه: أنت نوح ولآخر: أنت موسى. ولآخر: أنت محمد. وقال: من رست قدمه في مكان المناجاة، وكوشف بالمباشرة، ولوطف بالمجاورة، وتلذذ بالقرب، وتزين بالأنس، وترشح بمرأى الملكوت، وتوشح بمحاسن الجبروت، وترقى بعد أن توقى، وتحقق بعد أن تمزق، وتمزق بعد أن تزندق وتصرف بعد أن تعرف وخاطب وما راقب وتدلل بعد أن تذلل، ودخل وما استأذن، وقرب لما خرب، وكلم لما كرم، ما قتلوه وما صلبوه. (2)
- وجاء في السير: قال أبو بكر بن ممشاذ: حضر عندنا بالدينور رجل معه مخلاة، ففتشوها، فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه: من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان. فوجه إلى بغداد فأحضر وعرض عليه، فقال: هذا خطي وأنا كتبته. فقالوا: كنت تدعي النبوة صرت تدعي الربوبية؟ قال: لا، ولكن هذا عين الجمع عندنا، هل الكاتب إلا الله وأنا؟ فاليد فيه آلة. فقيل: هل
(1) السير (14/ 318).
(2)
السير (14/ 327).
معك أحد؟ قال: نعم، ابن عطاء، وأبو محمد الجريري، والشبلي. فأحضر الجريري وسئل، فقال: هذا كافر يقتل من يقول هذا. وسئل الشبلي، فقال: من يقول هذا يمنع. وسئل ابن عطاء، فوافق الحلاج، فكان سبب قتله.
قال الذهبي: أما أبو العباس بن عطاء فلم يقتل، وكلم الوزير بكلام غليظ لما سأله وقال: ما أنت وهذا، اشتغلت بظلم الناس. فعزره. وقال السلمي: حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان قال: كان الوزير حين أحضر الحلاج للقتل حامد بن العباس، فأمره أن يكتب اعتقاده، فكتب اعتقاده، فعرضه الوزير على الفقهاء ببغداد، فأنكروه، فقيل لحامد: إن ابن عطاء يصوب قوله. فأمر به. فعرض على ابن عطاء، فقال: هذا اعتقاد صحيح، ومن لم يعتقد هذا فهو بلا اعتقاد. فأحضر إلى الوزير، فجاء، وتصدر في المجلس، فغاظ الوزير ذلك، ثم أخرج ذلك الخط فقال: أتصوب هذا؟ قال: نعم، مالك ولهذا؟ عليك بما نصبت له من المصادرة والظلم، مالك وللكلام في هؤلاء السادة؟ فقال الوزير: فَكَّيْهِ. فضُرِب فكاه، فقال أبو العباس: اللهم إنك سلطت هذا علي عقوبة لدخولي عليه. فقال الوزير: خفه يا غلام. فنزع خفه. فقال: دماغَه. فما زال يضرب دماغَه حتى سال الدم من منخريه. ثم قال: الحبس. فقيل: أيها الوزير؟ يتشوش العامة. فحمل إلى منزله. (1)
ضلال أصحاب الحلاج وفساد عقيدتهم ومحاولتهم إغواء الناس بعده:
- وروى أبو إسحاق البرمكي، عن أبيه، عن جده قال: حضرت بين
(1) السير (14/ 328 - 329).
يدي أبي الحسن بن بشار، وعنده أبو العباس الأصبهاني، فذاكره بقصة الحلاج، وأنه لما قتل كتب ابن عطاء إلى ابن الحلاج كتاباً يعزيه عن أبيه، وقال: رحم الله أباك، ونسخ روحه في أطيب الأجساد. فدل هذا على أنه يقول بالتناسخ، فوقع الكتاب في يد حامد، فأحضر أبا العباس بن عطاء وقال: هذا خطك؟ قال: نعم. قال: فإقرارك أعظم. قال: فشيخ يكذب؟ فأمر به، فصفع فقال أبو الحسن بن بشار: إني لأرجو أن يدخل الله حامد بن العباس الجنة بذلك الصفع. (1)
- قال أبو علي التنوخي: أخبرني أبو الحسن أحمد بن يوسف التنوخي قال: أخبرني جماعة أن أهل مقالة الحلاج يعتقدون أن اللاهوت الذي كان فيه حالٌّ في ابن له بِتُسْتر، وأن رجلاً فيها هاشم يقال له: أبو عمارة محمد بن عبد الله قد حلت فيه روح محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يخاطب فيهم بسيدنا. (2)
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل كتابة دمه على الأرض: الله، الله، وإظهار الفرح بالقتل أو نحو ذلك: فكله كذب. فقد جمع المسلمون أخبار الحلاج في مواضع كثيرة، كما ذكر ثابت بن سنان في أخبار الخلفاء -وقد شهد مقتله- وكما ذكر إسماعيل بن علي الحطفي في تاريخ بغداد -وقد شهد قتله- وكما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه وكما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد، وكما ذكر القاضي أبو بكر بن الطيب، وأبو محمد بن حزم
(1) السير (14/ 329).
(2)
السير (14/ 332).
وغيرهم، وكما ذكر أبو يوسف القزويني وأبو الفرج بن الجوزي؛ فيما جمعا من أخباره. وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية: أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ؛ الذين عدهم من مشايخ الطريق. وما نعلم أحداً من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ؛ ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لأنه لم يعرف أمره، وأبلغ من يحسن به الظن يقول: إنه وجب قتله في الظاهر فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا أيضا خطأ. وقول القائل: إنه قتل ظلماً قول باطل، فإن وجوب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين؛ لكن لما كان يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه: صار زنديقاً، فلما أخذ وحبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، ومذهب أحمد في أشهر الروايتين عنه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، ووجه في مذهب الشافعي؛ والقول الآخر تقبل توبته. وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا لا يقال قتل ظلماً. (1)
(1) الفتاوى (2/ 483 - 484).