الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن أبي عاصم (1)(287 هـ)
أبو بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني الزاهد حافظ كبير، إمام بارع متبع للآثار كثير التصانيف قدم أصبهان على قضائها، ونشر بها علمه. قالت بنته عاتكة: ولد أبي في شوال سنة ست ومائتين، فسمعته يقول: ما كتبت الحديث حتى صار لي سبع عشرة سنة، وذلك أني تعبدت وأنا صبي، فسألني إنسان عن حديث، فلم أحفظه، فقال لي: ابن أبي عاصم لا تحفظ حديثا؟ فاستأذنت أبي، فأذن لي، فارتحلت. وأمه هي أسماء بنت الحافظ موسى بن إسماعيل التبوذكي فسمع من جده التبوذكي، ومن والده، قاضي حمص. شيوخه: أبو الوليد الطيالسي، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن كثير وهشام بن عمار وأبو بكر بن أبي شيبة، وعبد الأعلى بن حماد وطبقتهم. حدث عنه ابنته أم الضحاك عاتكة، والقاضي أبو أحمد العسال وأحمد بن بندار الشعار، وأبو الشيخ وأبو بكر القباب، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الكسائي وغيرهم. قال أحمد بن محمد المديني البزاز: قدمت البصرة وأحمد بن حنبل حي، فسألت عن أفقههم، فقالوا: ليس بالبصرة أفقه من أحمد بن عمرو بن أبي عاصم. ومن تصانيفه: 'المسند الكبير' نحو خمسين ألف حديث. والآحاد والمثاني، نحو عشرين ألف حديث، و'المختصر من المسند'. مات رحمه الله سنة سبع وثمانين ومائتين ليلة الثلاثاء لخمس خلون من ربيع الأول.
موقفه من المبتدعة والرافضة والجهمية والخوارج والمرجئة:
(1) الجرح والتعديل (2/ 67) وتذكرة الحفاظ (2/ 640 - 641) والوافي بالوفيات (7/ 269 - 270) واللسان (6/ 349 - 350) وشذرات الذهب (2/ 195 - 196) والسير (13/ 430 - 439).
كتابه 'السنة' ودفاعه عن العقيدة السلفية:
وهو من أكبر المراجع في العقيدة السلفية، رد فيه على جميع المبتدعة بما فيهم الخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة والمعتزلة وغيرهم وقد كتب الله ولله الحمد أن يطبع وأن يشرف المكتبات الإسلامية العامة والخاصة وكان من حسن حظه أن تولى تخريج أحاديثه -إلا أنه لم يُتمَّه- عالم سلفي لم ينجسه بتعاليق باطلة مغرضة كما وقع لغيره من الكتب التي تولى تحقيقها مبتدعة هذا العصر، فياليت السلفيين ينتبهون من نومهم ويتسابقون إلى تحقيق مثل هذه الكتب، فجزى الله خيرا شيخنا الألباني على ما قام به، وقد قام الشيخ باسم الجوابرة بتحقيق الكتاب تحقيقا علميا وأتم تخريج أحاديثه وطبع في جزءين فجزاه الله خيرا.
- قال أبو بكر بن أبي عاصم رحمه الله: سألت عن السنة ما هي؟ والسنة اسم جامع لمعان كثيرة في الأحكام وغير ذلك ومما اتفق أهل العلم على أن نسبوه إلى السنة القول بإثبات القدر، وإن الاستطاعة مع الفعل للفعل والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل طاعة من مطيع فبتوفيق الله له، وكل معصية من عاص فبخذلان الله السابق منه وله، والسعيد من سبقت له السعادة، والشقي من سبقت له الشقاوة، والأشياء غير خارجة من مشيئة الله وإرادته، وأفعال العباد من الخير والشر فعل لهم، خلق لخالقهم، والقرآن كلام الله تبارك وتعالى تكلم الله به ليس بمخلوق ومن قال مخلوق ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم، ومن قال من قبل أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه، والإيمان قول وعمل يزيد وينقص وإثبات رؤية الله عزوجل يراه أولياؤه
في الآخرة نظر عيان كما جاءت الأخبار، وأبو بكر الصديق أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده وهو الخليفة خلافة النبوة بويع يوم بويع وهو أفضلهم وهو أحقهم بها، ثم عمر بن الخطاب بعده على مثل ذلك، ثم عثمان بن عفان بعده على مثل ذلك، ثم علي بعده على مثل ذلك رحمة الله عليهم جميعا.
وأبو بكر الصديق أعلمهم عندي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضلهم وأزهدهم وأشجعهم وأسخاهم. ومن الدليل على ذلك قوله في أهل الردة وقد نازله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقبل منهم بعضا فأبى إلا كل ما أوجب الله عليهم أو يقاتلهم ورأى أن الكفر ببعض التنزيل يحل دماءهم فعزم على قتالهم، فعلم أنه الحق. ومن شجاعته كونه مع النبي عليه السلام في الغار وهجرته معه معرضا نفسه لقريش وسائر العرب مع قصد المشركين وطلبهم له وما بذلوا فيه من الرغائب، ثم ما ظهر في رأيه ونبله وسخائه أن كان ماله في الجاهلية أربعين ألف أوقية ففرق كله في الإسلام. ومن زهده أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: الله ورسوله. (1)
ولم يفعل هذا أحد منهم، وقال في قصة الكتاب الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم: يأبى الله ويدفع بالمؤمنين، وسماه الله من السماء الصديق وبويع واتفق المسلمون على بيعته. وعلموا أن الصلاح فيها فسموه خليفة رسول الله وخاطبوه بها. ثم عمر بن الخطاب رحمة الله عليه على مثل سبيل أبي بكر، وما
(1) أخرجه: أبو داود (2/ 312 - 313/ 1678) والترمذي (5/ 574/3675) وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
وصفنا به مع شدته واستقامته وسياسته. ومن ذلك قوله لعيينة والأقرع: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفكما والإسلام قليل. قد أغنى الله عنكما، وذكر سير عمر وسياسته كثر. ثم عثمان بن عفان من أعلمهم وأشجعهم وأسخاهم وأجودهم جودا، ومن علمه أن عليا وعبد الرحمن رحمة الله عليهما أشارا في إقامة الحد على أمة حاطب فرأى عمر ذلك معهم. قال: يا أبا عمرو ما تقول؟ قال: لا أرى عليها حدا لأنها تستهل (أو تستحل) به وإنما الحد على من عمله. فقال عمر بعد أن فهم ذلك عنه: صدقت والله إنما الحد على من عمله. وتزوج ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع ذلك لأحد قط، ثم أذهنهم ذهنا وأظهرهم عبادة حفظ القرآن على كبر سنه في قلة مدة فكان يقوم به في ليلة واحدة (1). ومن سخائه أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى جيش العسرة فجاء بألف دينار ثم ألف ثم ألف ثم جهز جيش العسرة بأجمع جهازهم. (2)
ثم علي رحمة الله عليه مثل ذلك في كماله وزهده وعلمه وسخائه. ومن زهده أنه اشتغل في سنة أربعين ألف دينار ففرقها وقميص كرابيس سنبلاني. قال محمد بن كعب القرظي: سمعت عليا يقول: بلغت صدقة مالي أربعين ألف دينار. ومن فضائله التي أبانه الله بها تزويجه بفاطمة وولده الحسن والحسين رحمة الله عليهما وحمله باب خيبر وقتله مرحبا وأشياء يكثر ذكرها.
(1) صح النهي عن قراءة القرءان في أقل من ثلاث، وما يروى عن بعض الأئمة من قراءته في أقل من ثلاث يعوزه صحة السند، وعلى فرض صحة السند فالعبرة بموافقة السنة. والله أعلم.
(2)
أخرجه: أحمد (1/ 59) والترمذي (5/ 583 - 584/ 3699) وقال: "حسن صحيح غريب"، والنسائي
…
(6/ 545 - 546/ 3611) وصححه ابن حبان (15/ 348/6916) وهو عند البخاري معلقا (5/ 510/2778).