الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - باب المشي إلى الجمعة
وقول الله جل ذكره: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}
.
ومن قال: السعي العمل والذهاب لقول الله تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة وهو مسافر فعليه أن يشهد (1)
907 -
عن يزيد بن أبي مريم قال: حدثنا عباية بن رفاعة قال: أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار» .
(1) قلت هذا بحث متعلق بمسألة حضور الجمعة للمسافر النازل في البلد هل يجب عليه حضور الجمعة أم لا؟ وقد أسميته: (الاهتداء إلى حكم حضور الجمعة على المسافر القار في البلد إذا سمع النداء).
وقبل الشروع في هذه المسألة أقول إن المسافر له حالتان:
* حال استقلال بجماعة المسافرين وانفصاله عن البلد.
* حال استقرار في بلد لا يقطع حكم السفر.
ففي الصورة الأولى:
هل تجب الجمعة على المسافرين وحدهم؟
والجواب: يقال إن الجمعة لا تجب على المسافرين بل لو صلوها جمعة لا تصح منهم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر أسفارًا كثيرة في حياته صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه حرف واحد أنه جمع بأصحابه، وقد صادفته الجمعة في أسفاره كثيرًا ولو صلى الجمعة في أسفاره لكانت الهمم متوافرة على نقل ذلك. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولا أدل على ذلك من سفره لحجه صلى الله عليه وسلم فقد وافق يوم عرفه يوم الجمعة ومع ذلك فقد صلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا وقد سماها جابر الظهر كما في صحيح مسلم (1218) ولم يجهز بالقراءة وأيضًا خطب قبل الأذان خطبة واحدة ثم أذن وصلى وهذا العلم به ظاهر لأهل العلم لا يكادون يختلفون في ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
وإنما محل البحث في:
الصورة الثانية:
وهي إذا كان المسافر مستقرًا في بلد استقرارًا لا يقطع أحكام السفر فهل يجب عليه حضور الجمعة أم لا؟
وسيأتي الكلام على هذه المسألة لاحقًا.
وقد وردت آثار في نفي وجوب الجمعة عن المسافر لا بأس بذكرها مع الكلام على أسانيدها ثم نذكر إن شاء الله كلام أهل العلم.
أولاً: حديث تميم الداري.
أخرجه البيهقي (3/ 184) من طريق محمد بن طلحة عن الحكم عن ضرار بن عمرو عن أبي عبد الله الشامي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجمعة واجبة إلا على امرأة أو صبي أو مريض أو عبد أو مسافر» وهذا الحديث واه جدًا فضرار بن عمرو منكر الحديث كما قال البخاري وأورد له العقيلي هذا الحديث في ضعفائه (2/ 222) وقال: لا يتابع عليه وأبو عبد الله الشامي لا يعرف كما قال الذهبي في الميزان. والحديث قال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عنه أبو زرعه الرازي عبيد الله بن عبد الكريم قال: هذا حديث منكر (علل ابن أبي حاتم (2/ 212)).
ثانيًا: حديث جابر
أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 3) والبيهقي (3/ 174) وابن عدي في كامله (2425) وابن الجوزي في التحقيق (788) من طريق ابن لهيعة عن معاذ بن محمد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غني حميد» وهذا الحديث كسابقه واه جدًا.
ابن لهيعة ضعيف ومعاذ بن محمد قال العقيلي في حديثه وهم، وقال ابن عدي منكر الحديث وذكر حديثه هذا وضعفه الحافظ في التلخيص (2/ 65)، وقال ابن عبد الهادي لا يصح، وكذا قال الذهبي. انظر التحقيق لابن الجوزي (4/ 121).
ثالثًا: حديث أبي هريرة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 196) من طريق إبراهيم بن حماد بن أبي حازم المديني ثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمسة لا جمعة عليهم المرأة والمسافر والعبد والصبي وأهل البادية» قال الطبراني لم يروه عن مالك إلا إبراهيم.
والحديث أخرجه الدارقطني في غرائب مالك كما ذكره الحافظ في لسان =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الميزان (1/ 268) قال الدارقطني تفرد به إبراهيم وكان ضعيفًا.
رابعًا: حديث ابن عمر.
أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 4) والطبراني في الأوسط (882) من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المسافر جمعة» وهذا إسناده ضعيف جدًا كذلك فعبد الله بن نافع قال أبو حاتم فيه منكر الحديث وهو أضعف ولد نافع وقال البخاري منكر الحديث، والمحفوظ في هذا الحديث الوقف على ابن عمر، أخرجه البيهقي (3/ 184) من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال لا جمعة على مسافر قال البيهقي هذا هو الصحيح موقوف ورواه عبد الله بن نافع عن أبيه فرفعه. أ. هـ. وقد رواه ابن المنذر (4/ 19) وعبد الرزاق (5198)(3/ 172) موقوفًا.
خامسًا: مرسل الحسن
روى عبد الرزاق (3/ 174) عن ابن عيينة عن عمرو (هو ابن دينار) عن الحسن قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسافر جمعة» وهو ضعيف لإرساله، والحسن هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي مدني تابعي ثقة، وأبوه هو ابن الحنفية.
وأما الآثار عن الصحابة والتابعين فمنها أثر ابن عمر المتقدم وهو صحيح ثابت.
* أثر علي:
أخره ابن المنذر في الأوسط (4/ 19) من طريق أبي إسحاق عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحارث عن علي قال ليس على المسافر جمعة، والحارث واه. وروى عبد الرزاق (3/ 168) وابن أبي شيبه (2/ 101) وغيرهما من طريق سعد بن عبيده عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قال:«لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع» [إسناده صحيح].
* أثر عبد الرحمن بن سمرة:
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه (4352) وابن المنذر في الأوسط (4/ 360) من طريق هشام بن حسان عن الحسن قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة في بعض بلاد فارس سنتين وكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين.
وإسناده صحيح، وأخرجه البيهقي (3/ 185) من طريق يونس بن عبيدة عن الحسن قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بخراسان نقصر الصلاة ولا نجمع. قال البيهقي هكذا وجدته في كتابي ولا نجمع بالتشديد ورفع النون.
* أثر أنس:
وأخرج ابن المنذر (4/ 20) من طريق يونس عن الحسن أن أنسًا أقام بنيسابور سنه أو سنتين وكان يصلي ركعتين ولا يجمع، إسناده صحيح.
* أثر عمر ابن عبد العزيز:
وأخرج ابن أبي شيبه من طريق رجاء بن أبي سلمة عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك قال: خرج عمر بن عبد العزيز من دبق وهو يومئذ أمير المؤمنين فمر بحلب يوم الجمعة فقال الأمير؟ «جمع فإنا سفر» وإسناده لأباس به.
* أثر مسروق وعروة بن المغيرة وجماعة من أصحاب ابن مسعود: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرج ابن أبي شيبه (2/ 104) عن أبي أسامة عن أبي العميس عن علي بن الأقمر قال: خرج مسروق وعروة بن المغيرة ونفر من أصحاب عبد الله فحضرت صلاة الجمعة فلم يجمعوا وحضروا الفطر ولم يفطروا. إسناده ثابت.
وأخرج عبد الرزاق غن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم (وهو النخعي) قال: كانوا لا يجمعون في سفر ولا يصلون إلا ركعتين. صحيح، ورواه ابن أبي شيبه عن أبي الأحوص عن المغيرة به بلفظ كان أصحابنا يغزون فيقيمون السنة أو نحو ذلك يقصرون الصلاة ولا يجمعون.
* أثر طاووس:
وأخرج عبد الرزاق (3/ 172) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال «ليس على المسافر جمعة» .
* أثر الزهري:
وأخرج عبد الرزاق (3/ 174) برقم (5205) عن معمر عن الزهري قال: سألته عن المسافر يمر بقرية فينزل فيها يوم الجمعة؟ قال: «إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة» . صحيح.
وعلقه البخاري في صحيحه من رواية إبراهيم بن سعد عنه ويأتي الكلام عليه وله سياق آخر عند عبد الرزاق برقم (5188) بالإسناد نفسه.
فصل في أقوال أهل العلم
قال الشافعي في الأم (1/ 327) «وليس على المسافر أن يمر ببلد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= جمعة إلا أن يجمع فيه مقام أربع، فتلزمه الجمعة إن كانت في مقامه» ا. هـ.
وقال ابن المنذر رحمه الله (4/ 20) في الأوسط: ومما يحتج به في إسقاط الجمعة عن المسافر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في أسفاره جمع لا محالة فلم يبلغنا أنه جمع وهو مسافر بل أنه ثبت عنه أنه صلى الظهر بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على المسافر لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد بكتابه فسقطت الجمعة عن المسافر استدلالًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كالإجماع من أهل العلم لأن الزهري مختلف عنه في هذا الباب حكى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أنه قال لا جمعة على المسافر وإن سمع المسافر أذان الجمعة وهو في بلد فليحضر معهم يحتمل أن يكون أراد استحبابًا ولو أراد غير ذلك كان قولًا شاذ خلاف قول أهل العلم وخلاف ما دلت عليه السنة. ا. هـ.
قلت وقول الزهري علقه البخاري في صحيحه تحت باب (المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وعلق آثارًا ثم قال وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة وهو مسافر فعليه أن يشهد. قال الحافظ ما نصه (2/ 391) لم أره من رواية إبراهيم وقد ذكره ابن المنذر عن الزهري وقال إنه أختلف عليه فقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على المسافر كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري. قال ابن المنذر: وهو كالإجماع من أهل العلم على ذلك لأن الزهري أختلف عليه فيه. ا. هـ. ويمكن حمل كلام الزهري على حالتين: فحيث قال «لا جمعة على المسافر» أراد على طريق الوجوب وحيث قال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= «فعليه أن يشهد» أراد على طريق الاستحباب ويمكن أن تحمل رواية سعد بن إبراهيم هذه على صورة مخصوصة وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء لها لا إنها تلزم المسافر مطلقًا حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازًا مثلًا وكأن ذلك رجح عن البخاري ويتأكد عنده بعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فلم يخص مقيمًا من مسافر وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة على المسافر بكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جمعًا بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله على إنه لا جمعة على المسافر فهو عمل صحيح إلا أنه لا يدفع الصورة التي ذكرتها. ا. هـ.
وقال الموفق (3/ 216) وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك قاله مالك في أهل المدينة والثوري في العراق والشافعي وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي وحكي عن الزهري والنخعي أنها تجب عليه لأن الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى الظهر وجمع بينها ولم يصل جمعة والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا يسافرون للحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وقد قال إبراهيم كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنين لا يجمعون ولا يشرقون (ثم ذكر أثر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أنس وعبد الرحمن بن سمرة وتقدما) ثم قال: وهذا إجماع مع السنة الثابتة فيه فلا يسوغ مخالفته .... إلى أن قال (3/ 220) والأفضل للمسافر حضور الجمعة لأنها أفضل. ونقل ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 76) الإجماع على أنه ليس على المسافر جمعة.
قال ابن حزم في المحلى (5/ 49): وسواء فيما ذكرنا في وجوب الجمعة للمسافر في سفره والعبد والحر والمقيم إلى قوله (ص 51) قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} قال علي: فهذا خطاب لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ا. هـ.
وقال البغوي في شرح السنة (4/ 226): ولا تجب على المسافر وذهب النخعي والزهري إلى أن المسافر إذا سمع النداء فعليه حضور الجمعة.
وقال النووي في المجموع (4/ 351): لا تجب الجمعة على المسافر هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا وحكاه ابن المنذر وغيره عن أكثر العلماء وقال الزهري والنخعي: إذا سمع النداء لزمه قال أصحابنا ويستحب له الجمعة للخروج من الخلاف ولأنها أكمل هذا إذا أمكنه .... ا. هـ
قال العمراني في البيان (2/ 543): ولا تجب الجمعة على المسافر وبه قال عامة الفقهاء، وقال الزهري والنخعي إذا سمع النداء وجبت عليه، دليلنا حديث جابر، ولأنه مشغول بالسفر ويستحب له إذا كان في بلد وقت الجمعة أن يحضرها. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال ابن هبيره في الإفصاح (2/ 93): «واتفقوا على أن الجمعة لا تجب على صبي ولا عبد ولا مسافر ولا امرأة إلا رواية عن أحمد رواها في العبد خاصة» ا. هـ. ونقل الاتفاق صديق حسن خان عن صاحب المسوي .... انظر الروضة الندية (1/ 341).
وقال المجد في المحرر (1/ 142): «ولا تجب على مسافر له القصر» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (24/ 184): «وكذلك يحتمل أن يقال بوجوب الجمعة على من في المصر من المسافرين وإن لم يجب عليهم الإتمام كما لو صلوا خلف من يتم فإن عليهم الإتمام تبعًا للإمام كذلك تجب عليهم الجمعة تبعًا للمقيمين .... لأن قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} ونحوها يتناولهم وليس لهم عذر ولا ينبغي أن يكون في مصر المسلمين من لا يصلى الجمعة إلا من هو عاجز عنها كالمريض والمحبوس وهؤلاء قادرون عليها. لكن المسافرون لا يعقدون جمعة لكن إذا عقدها أهل المصر صلوا معهم وهذا أولى من إتمام الصلاة خلف الإمام المقيم» ا. هـ. ونقله عنه في الاختيارات ملخصًا (ص 119).
وقال في الفروع (2/ 74): ويحتمل أن يلزمه تبعًا للمقيمين خلافًا لهم قاله شيخنا وهو متجه. أ. هـ. يعني بشيخنا شيخ الإسلام ونقله ابن قاسم عن الشيخ وصاحب الفروع قال وهو من المفردات.
وقال الحافظ ابن رجب في شرحه على البخاري المسمى فتح الباري (1/ 403): على قول البخاري «باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب» لقول الله عز وجل {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= اللَّهِ} وقال عطاء إذا كنت في قرية جامعة، فنودي بالصلاة من يوم الجمعة، فحق عليك أن تشهدها، سمعت النداء أو لم تسمعه.
وكان أنس ابن مالك في قصره، أحيانًا يجمع، وأحيانًا لا يجمع، وهو بالزاوية على فرسخين.
قال: تضمن الذي ذكره مسألتين:
المسألة الأولى: أن من هو في قرية تقام فيها الجمعة، فإنه إذا نودي فيها بالصلاة للجمعة وجب عليه السعي إلى الجمعة، وشهودها سواء سمع النداء أو لم يسمعه، وقد حكاه عن عطاء.
وهذا الذي في القرية، إن كان من أهلها المستوطنين بها، فلا خلاف في لزوم السعي إلى الجمعة له، وسواء سمع النداء أو لم يسمع، وقد نص على ذلك الشافعي وأحمد، ونقل بعضهم الاتفاق عليه. وإن كان من غير أهلها، فإن كان مسافرًا يباح له القصر، فأكثر العلماء على أنه لا يلزمه الجمعة مع أهل القرية، وقد ذكرنا فيما تقدم أن المسافر لا جمعة عليه. وحكي عن الزهري والنخعي، أنه يلزمه تبعًا لأهل القرية. وروي عن عطاء -أيضًا، أنه يلزمه.
وكذا قال الأوزاعي: إن أدركه الأذان قبل أن يرتحل فليجب
…
الخ.
وقال الصنعاني في سبل السلام (2/ 157): في شرح حديث ابن عمر «ليس على مسافر جمعة» ما نصه: «والمسافر لا يجب عليه حضورها وهو يحتمل أن يراد به: مباشر السفر وأما النازل فتجب عليه ولو نزل بمقدار الصلاة والى هذا جماعة من الآل وغيرهم، وقيل لا تجب عليه لأنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= داخل في لفظ المسافر واليه ذهب جماعة من الآل أيضًا وغيرهم وهو الأقرب لان أحكام السفر باقية له من القصر ونحوه، ولذا لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بعرفات في حجة الوداع لأنه كان مسافرا، وكذلك العيد تسقط صلاته على المسافر، ولذا لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العيد في حجته، وقد وهم ابن حزم رحمه الله فقال إنه صلاها في حجته، وغلطه العلماء» ا. هـ.
وقال في مطالب النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 758): (ولا تجب على مسافر أبيح له القصر) لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير، وكما لا تجب عليه لا تلزمه بغيره نص عليه فلو أقام المسافر ما يمنع القصر لشغل أو علم أو نحوه. ولم ينوا استيطانًا لزمه بغيره لعموم الآية والأخبار. أ. هـ.
وفي الدرر السنية (5/ 6): سئل الشيخ عبد الله بن محمد عن المسافر إذا أدركته الجمعة؟ فأجاب المسافر إذا قدم ولم ينو إقامة تمنع القصر والفطر في رمضان فهذا لا جمعة عليه بحال فإذا صلى الجمعة مع أهل البلد أجزأته والأفضل في حقه حضورها إذا لم يمنع مانع فإن كان المسافر قد نوى إقامة مدة تمنع القصر والفطر فهذا تلزمه بغيره فإذا كان في بلد تقام فيها الجمعة وجب عليه حضورها. ا. هـ.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/ 15): بعدما قرر عدم وجوب الجمعة على المسافر بل بعدم صحتها من المسافرين قال ما نصه: «أما المسافر في بلد تقام فيه الجمعة كما لو مر إنسان في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= السفر ببلد ودخل فيه ليقيل ويستمر في سيره بعد الظهر فإنها تلزمه الجمعة لعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وهذا عام ولم نعلم أن الصحابة الذين يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويبقون إلى الجمعة يتركون صلاة الجمعة بل إن ظاهر السنة أنهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم. ا. هـ. وقرر في فتاويه مثله (16/ 74).
* وحاصل ما قيل في هذه المسألة:
1 -
وجوب حضور الجمعة وأدائها وقال به النخعي والزهري وعطاء والأوزاعي والبخاري وابن حزم وشيخ الإسلام وابن حجر وصاحب الفروع وابن عثيمين وغيرهم.
2 -
عدم وجوب حضور الجمعة وقال به جماهير الأمة كما نقله ابن المنذر وابن رجب وغيرهم.
3 -
استحباب حضور الجمعة لأنه أولى وأكمل وخروجًا من الخلاف ومما قال به الموفق (3/ 220) ونقله النووي عن بعض أصحابه من الشافعية وقال في الإنصاف (5/ 175). فائدة كل من لا لم تجب عليه الجمعة لمرض أو سفر أو اختلف في وجوبها عليه كالعبد ونحوه فصلاة الجمعة أفضل في حقه وذكره ابن عقيل وهذا القول لا ينافي ما قبله.
وخلاصة حجج الموجبين:
* عموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
…
} الآية. وهذا في البلد يسمع النداء، فهذا العموم يتناوله وليس له عذر في التخلف. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= * أن الصحابة في المدينة كانوا يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويشهدون الجمعة ولا يتخلفون عنها
…
وبينوا ذلك فقالوا: - لما كان مسافرًا جادًا به السير كان له الترخص بكامل رخص السفر من القصر والجمع والفطر والتنفل على الدابة، وإذا نزل في مكان فإن جماعة من أهل العلم يقولون يقصر مع التوقيت إما وجوبًا وإما استحبابًا. ويمنعونه من التنفل على الدابة ومع ترخيصهم له بالفطر والقصر ويقولون إن الفطر والقصر مشروع له في الإقامات التي تتخلل في السفر بخلاف الصلاة على الراحلة فإنه لا يشرع إلا في حالة السير، ولأن الله علق الفطر والقصر بمسمى السفر بخلاف الصلاة على الراحلة، فليس فيه لفظ عام بل فيه الفعل الذي لا عموم له، فهو من جنس الجمع بين الصلاتين الذي يباح للعذر مطلقًا. وقالوا أيضًا: إن نزول المسافر في مصر ومكثه مدة لا تمنع القصر، فما الذي يخرجه من عموم قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وهو من الذين آمنوا وهو شاهد يسمع النداء معافى، فما الذي يحجزه عن شهود هذا الخير وامتناعه من السعي إلى ذكر الله؟ قالوا: وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد بخروج العواتق وذوات الخدور والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وأيضًا والجمعة عيد المسلمين في الأسبوع، وهي عيد بالنص والإجماع، فلا بد أن يخرج لها من كان بالمصر من الذكور البالغين غير المعذورين والمسافر المستقر غير معذور، وكيف يأمر النساء بالخروج من خدورهن والحيض ليشهدن العيد ويدع المسافرين فلا يأمرهم بشهود الجمعة؟ بل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أمرهم بشهود الجمعة أولى، وأيضًا لم نعلم أن الصحابة الذين كانوا يفدون على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتخلفون عن الجمعة معه، وقد أخرج مسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: قال أبو رفاعة: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال فقلت: يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه؟ قال فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدًا قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها. ومسلم أخرجه في أبواب الجمعة وهذا هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه، وقالوا إن من القواعد المقررة عند علماء الملة أنه يثبت تبعًا مالا يثبت استقلالا، وهذه قاعدة صحيحة عند جماهير علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم وقد اختلفت تعبيراتهم عنها، فعند الحنابلة ما قدمناه من لفظ القاعدة وعند الشافعية يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها، وعند الأحناف الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعا وحكمًا وإن كان قد يبطل قصدا، وقد ضرب العلماء لهذا القاعدة أمثله كثيرة في العبادات والمعاملات وقد دلت عليها الأدلة الشرعية وجاءت بتقريرها ومسألتنا فرد من أفراد تلك القاعدة: فلما كان المسافر قارًا في البلد، كان حكمه في إجابة نداء الجمعة حكم المقيمين كما لو صلى المسافر خلف من يتم كان عليه أن يتم تبعا للإمام، كذلك يجب عليهم الجمعة تبعًا للمقيمين، بل شهودهم الجمعة أولى من إتمامهم الصلاة خلف المقيم.
قال المسقطون: مهلًا مهلًا فقد أجلبتم علينا بخيلكم ورجلكم وقد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتم فأكثرتم وأحسنتم فأنصفونا فإنا نقول إن الله قد علق أحكامًا كثيرة بمسمى السفر من القصر والفطر والمسح ثلاثًا على الخفين، والعفو عن الجمعة والاستعاضة عنها بالظهر مقصورة رحمة من الله وتخفيفًا، وكل ذلك صدقة من الله على عباده فاقبلوا صدقته واكلفوا من الأعمال ما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا
…
وهذه المسامحة والعفو والتخفيف لا يحل رفعها عن عباد الله والاشقاق عليهم إلا بحجه بينه من كتاب الله وسنة نبيه أو أجماع متيقن أو قياس صحيح يجب المصير إليه، وأين هذا في مسألتنا؟
فأما قولكم عموم الآية وشمولها للمسافر القار فنحن نمنع ذلك. فكما لم يجب عليه الصوم ولم يدخل في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} كذلك لم يدخل في عموم آية الجمعة، وسبب سقوط الصوم عنه السفر بنص الآية قال تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فكذا في مسألتنا ونحن معنا فهم السلف وجمهورهم فهذا ابن عمر يقول «لا جمعة على مسافر» فهذا عذرهم الذي عذرهم به السلف، وأنتم أبيتم ذلك.! !
وأما قولكم إن المسافر إن مكث بمكان لا يقطع حكم السفر فإنه لا يتنفل على الدابة ما دام نازلًا وتتوصلون بهذا إلى أن أحكام المسافر القار تتبعض! فنعم فلا حاجة له إلى ركوب دابته والتنقل عليها ما دام نازلًا، وإنما رخص له في حال السير وهكذا ثبتت به السنة. فكان ماذا؟ ! !
وأما قولكم فكيف يأمر الحيض وذوات الخدور بالخروج للعيد ليشهدن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الخير ودعوة المسلمين، فكيف لا يشهد المسافر القار الخير في الجمعة ودعوة المسلمين وذكر الله؟ فالجواب أننا نحاكمكم إلى أنفسكم فالعيد أنما هو مرتان في السنة ومجمعه أكبر مجامع المسلمين بعد مشهد عرفة فشرع لعامة المسلمين شهوده ومنهم المذكورات لقلة دورانه في الحول، أما الجمعة فإنها تتكرر في السنة نحوًا من خمسين مرة، وأيضًا العيد لو لم تشهده المرأة فإنه لا بدل له، والجمعة لها بدل مفروض فلم يستويا.
وأما قولكم لم نعلم أن الصحابة الذين كانوا يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم ويفدون إليه أنهم كانوا يتخلفون عن التجميع معه، فنعم فلعمرو الله لقد كانوا يشهدونها ويحرصون عليها، فلقد كان نظرهم إليه وسماع كلامه أحب أليهم من آبائهم وأمهاتهم والناس أجمعين، ونحن نشهد الله على ذلك فإنه أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وأولادنا والناس أجمعين ولو خيرنا بين لقياه صلى الله عليه وسلم ولو بذهاب الأهل والأولاد والأموال وأهل الأرض كلهم لاخترنا لقياه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، على أن الصحابة رضي الله عنهم كان لزامًا عليهم إذا كانوا معه صلى الله عليه وسلم على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه، قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 62]. وقد فسر الأمر الجامع بشهود الجمعة أو كانوا في زحف، صح التفسير بذلك عن الزهري وابن جريج كما رواه ابن جرير عنهما واختاره =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهذا يعم أصحابه المقيمين والوافدين إليه وقد التزم نظير ذلك بعض أهل العلم في مسألتنا فقالوا: إذا حضر المسافر المسجد الجامع لزمته صلاة الجمعة وقد لام النبي صلى الله عليه وسلم من دخل المسجد ولم يصل وقال: ما منعكما أن تصليا معنا. مع أنهما قد صليا في رحالهما
…
وهذه المسالة أخص من المسالة المتنازع فيها.
وأما قولكم إنه يثبت تبعًا مالا يثبت استقلالًا وأن المسافر يأخذ حكم المقيم إن كان ماكثًا نازلا في وجوب إجابة النداء فنحن نسلم بصحة هذه القاعدة ولكننا نقول إن محلها ما لم يكن استقل التبع بحكم آخر يمنع إلحاقه بالمتبوع واعتبر هذا بالبهيمة المذكاة إن وجد جنين في بطنها أنه إذا خرج ميتًا فهو كجزء من أجزائها وإن خرج حيًا فلا بد من تذكيته ولا يتبع أمه، وفي مسألتنا فإن المسافر مستقل بأحكام خاصة تناسب حاله فلا يخرج عنها إلا بدليل، وإنما يثبت تبعًا هنا أهل مصر ممن لا يسمع النداء ومن كان حوله وحده كثير منهم بفرسخ.
فهذا نهاية إقدام الفريقين وغاية سجال الطائفتين، وأنا على مذهب جماهير الأمة من عدم الوجوب والإلزام، نعم يستحب شهودها من غير حرج وانحتام.
قال الشاطبي في الموافقات (1/ 443): وأما الرابع فكأسباب الرخص هي موانع من الانحتام بمعنى أنه لا حرج على من ترك العزيمة ميلاً إلى جهة الرخصة كقصر المسافر وفطره وتركه الجمعة وما أشبه ذلك. ا. هـ. والله يهدينا إلى صراطه المستقيم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهنا مسائل مهمة أنبه عليها على الإيجاز في ختام هذا البحث.
مسائل مهمة:
1 -
السفر يوم الجمعة: الصحيح جواز السفر يوم الجمعة ما لم يؤذن لها وهذا قول جمهور أهل العلم فإذا أذن لها الأذان الذي تليه الخطبة فلا بد من شهودها، ما لم يتضرر بترك السفر بانقطاعه عن رفقه أو فوات مركوب كما في عصرنا في فوات السفر بالطائرة ونحوها، وكذلك يجوز له السفر إذا كان سيصلي الجمعة في بلد قريب. انظر المغني (3/ 247) وزاد المعاد (1/ 382) وغيرهما. وابن المنذر (4/ 21) والإنصاف (5/ 185).
2 -
يجوز للمسافر أن يؤم في صلاة الجمعة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ومذهب الجمهور خلافًا للمشهور من مذهب الحنابلة واختار شيخنا ابن باز رحمه الله ونص عليه في شرح الموطأ عند باب ما جاء في الإمام ينزل بقرية يوم الجمعة في السفر (1/ 107)، ونقل أبو حامد الغزالي الإجماع على صحتها خلف المسافر
…
حاشية الروض (2/ 427).
3 -
من فاتته الجمعة هل يصلي الظهر في جماعة؟ الصحيح جواز ذلك بل شرعيته لعموم فضل الجماعة، وفعله بعض الصحابة. لكن هل يصليها جماعة في الجامع؟ قال في المغني (3/ 224) «ويكره في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة لأنه يفضي إلى النسبة إلى الرغبة عن الجمعة أو أنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لا يري الصلاة خلف الإمام. أو يعيد الصلاة معه وفيه افتيات على الإمام وربما أفضى إلى فتنه أو ضرر به وبغيره، وإنما يصليها في منزله، أو موضع لا تحصل هذه المفسدة بصلاتها فيه». ا. هـ. قلت: وهو كلام محرر متين.
4 -
روى مسلم في صحيحه (883) من حديث عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال نعم. صليت معه الجمعة في المقصورة فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إلي فقال: «لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك وأن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج» وأخرجه أحمد وأبو داود. وروى أبو داود من طريق ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أيعجزكم أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو شماله يعني السبحة. وهذا الحديث ضعفه البخاري في صحيحه فقد قال في صحيحه: ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح. وقد ذكره البخاري بالمعنى، والحديث ضعيف فيه ليث بن أبي سليم وإبراهيم مجهول وصحح البخاري إن اسمه إسماعيل بن إبراهيم (كما نقله عنه البيهقي) مع الاختلاف في سند الحديث كما قال ابن رجب في فتح الباري (5/ 262) ط. طارق. ولفظ الحديث عند البيهقي (2/ 190) إذا أراد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أحدكم إن يتطوع بعد الفريضة. وروى أبو داود (616) والبيهقي (2/ 190) من طريق عطاء الخراساني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصل أحدكم في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول» . قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة. وروى أبو داود (1130) من طريق الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد من أبي حبيب عن عطاء عن ابن عمر قال: «كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له: فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك» وأخرجه مسلم من طريق ليث عن نافع عن عبد الله بشطره الأخير دون صلاته بمكة وسند أبي داود لا بأس به. وروى ابن أبي شيبه (2/ 24) من طريق شريك عن ميسره (وهو ابن حبيب) عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن على قال إذا سلم الإمام لم يتطوع حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام. ورواه البيهقي (2/ 191) من طريق الأعمش عن المنهال به بلفظ: من السنة إذا سلم الإمام إن لا يقوم من موضعه الذي صلى فيه يصلي تطوعًا حتى ينحرف أو يتحول أو يفصل بكلام. ثم قال البيهقي ورواه الثوري عن ميسره عن حبيب عن المنهال بن عمرو إلا انه قال لا يصلح للإمام وفي رواية لا ينبغي للإمام. أ. هـ. قال الحافظ في الفتح: إسناده حسن كذا قال مع إن في إسناده عباد بن عبد الله وهو الأسدي الكوفي. قال البخاري فيه نظر. وقال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن المديني ضعيف، ونقل ابن الجوزي عن أحمد الضرب على بعض حديثه. ومعنى قول البخاري فيه نظر أنه له مناكير. وقال الحافظ في بذل الماعون (ص 117) وهذه عبارة البخاري فيمن يكون وسطًا. وروى البيهقي (2/ 190) من طريق يعلى بن عبيد ثنا عبد الملك عن عطاء: قال رأيت ابن عمر رضي الله عنه دفع رجلا من مقامه الذي صلى فيه المكتوبة وقال إنما دفعتك لتقدم أو تأخر. وروى عنه بمعناه في الجمعة.
وروى البيهقي أيضًا من طريق الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن حفص بن غياث عن ابن عمر كان إذا صلى تحول من مقامه الذي صلى فيه، وقد روى عن ابن عمر خلافه فقد روى البيهقي من طريق ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي سبحته في مقامه الذي صلى فيه وكذلك رواه شعبه عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال البيهقي وكأنه كان يفصل بينهما بكلام أو انحراف أو فعل ما يجوز فعله. وطريق شعبه ذكره البخاري في صحيحه تحت باب: مكث الإمام في مصلاه بعد السلام قال لنا آدم حدثنا شعبه فذكره. قال حرب: حدثنا محمد بن آدم ثنا أبو المليح الرقي عن حبيب قال كان ابن عمر يكره أن يصلي النافلة في المكان الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتقدم أو يتأخر أو يتكلم. وروى الشافعي عن ابن عيينه عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يأمر إذا صلى المكتوبة فأراد أن يتنفل بعدها أن لا يتنفل حتى يتكلم أو يتقدم. قال ابن رجب: وقد اختلف العلماء في تطوع الإمام في مكان صلاته بعد الصلاة، فأما قبلها فيجوز بالاتفاق قاله بعض أصحابنا فكرهت =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= طائفة تطوعه في مكانه بعد صلاته وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق، وروى عن على انه كرهه، وقال النخعي كانوا يكرهونه ورخص فيه ابن عقيل من أصحابنا كما رجحه البخاري ونقله عن ابن عمر والقاسم بن محمد فأما المروي عن ابن عمر فإنه لم يفعله وهو إمام بل كان مأمومًا، كذلك قال الإمام أحمد. وأكثر العلماء لا يكرهون للمأموم ذلك وهو قول مالك وأحمد وانظر المغني (3/ 250).
قلت: خلاصة ما تقدم من أحاديث وآثار وما نقله الحافظ ابن رجب ما يأتي:
* كراهة تنفل الإمام في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة بل ينبغي التحول المكاني، وأيضًا ينبغي الاشتغال بالذكر بعد المكتوبة خلافًا للمشهور عند الأحناف من البداءة بالتطوع ولأن هذا التحول هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم الراتب وهذه الكراهة محكيه عن أكثر أهل العلم.
* أما المأموم فإن تحول عن مكانه بعد الفريضة أو أتى بالذكر المشروع بعد الفريضة ولم يتحول أو فصل بينهما بكلام مباح فكل ذلك كاف، ودل على هذا حديث معاوية عند مسلم، نعم الجمع بين التحول والفصل بالذكر أبلغ وهو ظاهر المروي عن ابن عمر، وصلاة العبد في مكانه بعد الفصل بذكر أو كلام بعد الفريضة لا كراهة فيه عند أكثر العلماء وجميع ما ذكر إنما هو بين الفريضة والنافلة، وإما فعل ابن عمر بمكة في تحوله من موضع إلى موضع في النافلة فمن اجتهاده وهو مباح وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسرد صلاة الليل في موضع واحد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهنا مسألة أختم بها وهي مسألة تحويل الغير عن مكانه لأجل فعل السنة الراتبة بعد الصلاة سواء كانت الجمعة أو غيرها، ففي هذا نظر فلا يجوز أن يقيم المسلم أخاه ويقعد أو يصلي مكانه وهذا إن كان روي عن بعض السلف كما ذكر ذلك أبن أبي سيبه في مصنفه في آخر أبواب الجمعة إلا إن عبد الرزاق رحمة الله في مصنفه فطن لهذا فقد عقد في مصنفه (3/ 268) باب إقامة الرجل أخاه ثم يختلف في مجلسه وذلك في أخر أبواب الجمعة.
وذكر حديث جابر ابن عمر والحديثان وما جاء في معناهما وإن كانا جاءا في الجلوس إلا إن النهي أعم فيشمل إقامة الرجل من مكانه لأجل الصلاة أو القراءة أو غير ذلك والعلة جلية وهي العدوان على الغير بإقامته من مكان سبق إليه فلا يحل ذلك إلا بطيب نفس وما دام الشخص يريد هذا الفعل لتحقيق الفصل بين الفريضة والنافلة فالأذكار كافيه أو البحث عن مكان ليس فيه أحد أحرى من تحويل مسلم وإزعاجه وقطع ما هو فيه من ذكر أو فكر.