الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بحوث في السيرة النبوية والتأريخ الإسلامي]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
فهذا الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ الكريم يحتوي على مجموعة من البحوث في السيرة النبوية المطهرة، والتاريخ والفكر الإسلامي، أعدت بصورة مركّزة وبقراءة ورؤية جديدة لموضوعاتها، بعضها نشر في مجلات علمية، وبعضها ألقي في ندوات ومؤتمرات علمية محلية ودولية. ونظرا لأنها مبعثرة في العديد من المجلات وأعمال الندوات فقد رأيت- وأرجو أن أكون على صواب- أنّ جمعها.
في كتاب واحد قد يكون أكثر فائدة للعلم والمعرفة.
وقد ظهرت هذه البحوث على فترات زمنية متباعدة، تزيد على ربع قرن من الزمان، وقد اقتضت طبيعة ترتيبها في هذا الكتاب ألّا نقتفي أثر ظهورها زمنيّا، فقد اختلف الترتيب هنا، وروعي فيه قرب البحوث من بعضها موضوعيّا بقدر الإمكان.
وقد بدأتها هنا بالبحث الذي يحمل عنوان: «أوائل المؤلفين في السيرة النبوية» وهو آخرها ظهورا فقد نشر في العام الماضي (1426 هـ/ 2005 م) . وكان استهلالا طيبا ومباركا؛ لأنه يتحدث عن بداية التفكير في تدوين أحداث السيرة النبوية المطهرة، واهتمام الصحابة رضى الله عنهم والتابعين بها، فهي خير ما يجب أن يتدارسه المسلمون، ويعنى به الباحثون، ففيها ما ينشده المسلم طالب الكمال في الدين والدنيا، فهي المدرسة النبوية التي تخرج فيها أعظم النماذج البشرية، والجيل الفريد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان منهم الخليفة الراشد، والقائد الفذ، والبطل الفاتح، والسياسي الحصيف، والفقيه الكبير، والإداري القدير، والتاجر الناجح، والزارع، والصناع؛ الذين يؤمنون بأن العمل عبادة، بل كان منهم المحتطب الذي يرى في الاحتطاب عملا شريفا يرفع عنه ذل السؤال، لكل هذا- وغيره كثير- كان اهتمام المسلمين بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم منذ عصر الصحابة والتابعين وإلى يوم الناس
هذا، وسيظل إلى أن تنتهي الحياة على هذه الأرض؛ لأنهم بهرتهم أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده وقدرته الفائقة على العمل والبناء وتعمير الحياة.
ففي غضون عقدين من الزمان تقريبا بلّغ الرسالة الإسلامية العالمية الخالدة وأدّى الأمانة، وأسس دولة وأنشأ حضارة، ووحّد أمة وربّاها على الخلق القويم وهيأها لتفتح معظم العالم المعمور آنئذ وتملأه عدلا ورحمة وبرّا وسماحة.
فكان علينا أن ننوه بفضل وجهود العلماء الذين أسدوا لنا هذه المكرمة الجليلة، ونقلوا لنا سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم موثقة غاية التوثيق، مما سيراه القارئ الكريم في ثنايا البحث.
البحث الثاني: وعنوانه: «صدى الدعوة في مدن الحجاز- غير مكة- كالطائف والمدينة» وقد ألقي في الندوة العالمية الثالثة لتاريخ شبه الجزيرة العربية «عصر الرسول والخلفاء الراشدين» التي نظمتها جامعة الملك سعود بالرياض بالمملكة العربية السعودية في الفترة من (15- 21 محرم 1404 هـ/ 21- 27 أكتوبر 1983 م) . وطبع في أعمال تلك الندوة وقد عنيت في هذا البحث ببيان الحالة الدينية في شبه جزيرة العرب بصفة عامة، وفي الحجاز بصفة خاصة قبل ظهور الإسلام، ثم وضحت موقف أهل الطائف- قبيلة ثقيف- من الدعوة الإسلامية، والأسباب التي جعلتهم يقفون ذلك الموقف العدائي من الرسول صلى الله عليه وسلم وبصفة خاصة عندما ذهب إليهم في ديارهم- فحتى بعد أن فتحت مكة المكرمة وأسلم أهلها، ظل أهل الطائف على عنادهم ما يقرب من عام قبل أن يعلنوا إسلامهم.
ثم بيّنت موقف أهل يثرب- المدينة المنورة- الأوس والخزرج من الدعوة الإسلامية، وأسباب التحول الذي حدث في موقفهم، وجعلهم يقتربون من النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمنون به ويبايعونه على نصرته ويستقبلونه في بلدهم، ويضحون من أجل دعوته بأنفسهم وأموالهم، ووضّحت أثر اليهود في هذا التحول.
البحث الثالث: وعنوانه: «العلاقات بين المسلمين وقريش من الهجرة إلى بدر» وقد نشر في مجلة كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. العدد الرابع سنة (1400 هـ/ 1980 م) . في هذا البحث وضحت الخطوط الرئيسية لسياسة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة نحو قريش، عدوه الرئيسي في تلك المرحلة، وأبرزت النشاط العسكري والسياسي الذي بذله صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة
القصيرة- نحو عام ونصف- وظهر لي أن هدف هذه السياسة هو محاصرة قريش التي ما فتئت تلاحق المسلمين في مهاجرهم، وتكيد لهم، وتؤلب عليهم مشركي يثرب ويهودها.
أقول: محاصرة قريش لا بهدف إهلاكها؛ بل بهدف ترويضها وحملها على تغيير موقفها من الدعوة الإسلامية، فكثف من حملاته العسكرية- خرجت من المدينة فيما بين الهجرة وبدر ثمان حملات عسكرية أربع غزوات وأربع سرايا- وكان الهدف هو تحييد القبائل القاطنة في المنطقة الساحلية الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، مثل: خزاعة وجهينة وضمرة
…
إلخ؛ لأن هذه القبائل كان لها بقريش علاقات وطيدة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نجح في الارتباط معها بعدد من المعاهدات كان لها أثر كبير حين حان اللقاء الحاسم في بدر الكبرى.
البحث الرابع: وعنوانه: «العلاقات بين المسلمين والروم في ضوء غزوة تبوك» .
في هذا البحث نوّهت بالعلاقات بين المسلمين والروم في العهد المكي من الدعوة الإسلامية، ووضحت أن المسلمين أظهروا نحو الروم ودّا واضحا أثناء حربهم مع الفرس وتعاطفوا معهم؛ لأنهم أهل كتاب، وأحزنهم أن الفرس كانوا منتصرين على الروم في البداية، ولكن الله سبحانه وتعالى طمأنهم في صدر سورة الروم أن النصر سيكون حليف الروم في النهاية ويومئذ سيفرح المؤمنون بنصر الله. وهذا يؤكد أن الإسلام من خلال نصوص القرآن الكريم كان يود أن تقوم بين المسلمين والروم علاقات وديّة، لا بين المسلمين والروم فحسب بل بين المسلمين وأهل الكتاب على وجه الإجمال؛ والدليل على ذلك: أن الرسول- عليه الصلاة والسلام حين نصح بعض أصحابه أن يهاجروا من مكة فرارا من اضطهاد أهلها لهم، سألوه: إلى أين يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إلى الحبشة» ، فسألوه مرة أخرى: ولماذا الحبشة؟ قال:
«لأنها بلاد صدق وفيها ملك لا يظلم عنده أحد» وهذا الملك كما هو معروف كان مسيحيّا وهو النجاشي.
فإذا أضفنا إلى ذلك الرسائل السلمية الودية التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإمبراطور هرقل، إمبراطور الروم وأكبر عاهل مسيحي على وجه الأرض في ذلك الزمان؛ تأكد لنا مرة أخرى أن الإسلام كان ينشد إقامة علاقات ود وحسن جوار مع الروم وكل أهل الكتاب، وكان من المفترض أن يحدث ذلك، لكن الذي حدث هو
العكس؛ الصدام والعداء، وسيرى القارئ الكريم من خلال هذا البحث- وغيره من البحوث- على من تقع مسؤولية ذلك الصدام وذلك العداء.
البحث الخامس: وعنوانه: «الإدارة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم» ، وقد ألقي في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، في الموسم الثقافي (1982- 1983 م) وكان ردّا على محاضرة ألقاها في نفس الموسم الأستاذ الدكتور حسين مؤنس- رحمه الله تعالى- فاجأ الحاضرين وقتها بأفكار غريبة غاية الغرابة، وشاذة غاية الشذوذ عما تعارف عليه المسلمون عبر أربعة عشر قرنا من الزمان، حيث أنكر أن يكون الرسول- عليه الصلاة والسلام قد أقام دولة إسلامية في المدينة بعد الهجرة، وادعى أن الإسلام لا يدعو إلى إقامة دولة، وكل ما عمله الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة هو بناء مجتمع إسلامي، ولا أدري كيف يكون هناك مجتمع بدون حكومة ودولة؟!.
على كل حال قوبل هذا الرأي الغريب بإنكار واستنكار شديدين من جميع الحاضرين، وتصدّى للأستاذ المحاضر الدكتور عبد العزيز صالح أستاذ التاريخ القديم بجامعة القاهرة رحمه الله وفنّد كل ما أدلى به الدكتور حسين مؤنس من آراء وحجج، ثم طلب مني أن أعد بحثا للرد على هذا فكان هذا البحث الذي أكدت فيه من خلال نصوص القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتصرفاته العملية أن الإسلام دين ودولة، وأن الرسول- عليه الصلاة والسلام قد أقام هذه الدولة في المدينة المنورة، وأنه كان يباشر كل مهمات رئيس الدولة، وفي غضون السنوات العشر التي أقامها في المدينة اكتملت لدولته كل مقومات الدولة وأجهزتها ومؤسساتها الدفاعية والأمنية والإدارية والإعلامية
…
إلخ.
وقد نشر هذا البحث في مجلد ضم المحاضرات التي ألقيت في الجمعية من (1978- 1983 م) .
البحث السادس: وعنوانه: «دولة الإسلام وعلاقاتها الدولية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم» وقد نشر في مجلة كلية العلوم الاجتماعية بالرياض- سبق ذكرها- في العدد الثاني سنة (1398 هـ- 1978 م) ، وهذا البحث يختلف في مضمونه وهدفه عن البحث السابق؛ فالبحث السابق يتحدث عن البنية الداخلية للدولة الإسلامية، وهذا البحث يتحدث عن علاقاتها الخارجية، منطلقا من أن الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، والدولة الإسلامية التي قامت على أساس الشريعة الإسلامية
لا بدّ أن تكون لها علاقات مع غيرها من الدول غير الإسلامية، وأن تكون لهذه العلاقات أسس وقواعد ثابتة، وأهم تلك الأسس والقواعد: أن علاقات المسلمين بغيرهم تقوم على السلام؛ فالسلام هو الأصل، وأن كل عهد أن اتفاق يتم بين المسلمين وغيرهم لا بدّ من الوفاء به وفاء تامّا.
وسيرى القارئ من خلال هذا البحث كيف صاغت الدولة الإسلامية علاقاتها الخارجية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
البحث السابع: وهو البحث الأول من مجموعة التاريخ وعنوانه: «قراءة تاريخية جديدة في موقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الفتوحات الإسلامية» وقد ألقي في سيمنار التاريخ الإسلامي في كلية الآداب جامعة عين شمس في الموسم الثقافي لقسم التاريخ بها سنة (1993/ 1994 م) . ثم نشر في مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة، العدد الثالث عشر سنة (1415 هـ/ 1995 م) . وهذا البحث كما سيرى القارئ الكريم كان ردّا على ما قاله بعض أساتذة التاريخ في ندوة لاتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة في نوفمبر سنة (1993 م) عن الفتوحات الإسلامية، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالذات وتوجيهه لتلك الفتوحات، وأنه كان رجلا ارتجاليّا يتخذ قراراته بدون تمحيص، وبصفة خاصة في موقفه من إنشاء أسطول إسلامي يحمي شواطئ المسلمين من هجمات أعدائهم، حيث كان يجهل أمر البحر، الأمر الذي جعله يحظر إنشاء أساطيل إسلامية- هكذا فهم أستاذ التاريخ- وقد أدهشني أن بعض أساتذة التاريخ بعد كل تلك القرون يجهل أسباب وأهداف الفتوحات الإسلامية، ويتهم عمر بن الخطاب بالجهل، ولما كان هذا الرأي غريبا فقد استنكره كثيرون غيري، ثم طلب منّي أحد أساتذة التاريخ في كلية الآداب بجامعة عين شمس أن أعد بحثا لتوضيح هذه الأمور فكان هذا البحث.
البحث الثامن: وعنوانه: «دور المصريين في إنشاء البحرية الإسلامية» هذا البحث نشر في كتاب تذكاري أصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة سنة (1424 هـ/ 2003 م) بمناسبة مرور أربعة عشر قرنا على الفتح الإسلامي لمصر، وقد أبرزت فيه دور المصريين المسيحيين في إنشاء الأساطيل البحرية الإسلامية- عندما دعت الضرورة إلى ذلك؛ لأنهم أصحاب خبرة طويلة وعميقة في صناعة السفن الحربية، ولم يقتصر دور المصريين على صناعة السفن للأسطول المصري، بل وقع عليهم عبء بناء أساطيل الشام وشمال إفريقيا، وقد قاموا بهذا
العمل العظيم بكل اقتدار وأمانة وإخلاص؛ لأنهم وجدوا من الدولة الإسلامية كل تقدير واحترام وتسامح وسخاء في الأجور والمرتبات.
البحث التاسع: وعنوانه: «الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر وانتشار الإسلام هناك» ألقي هذا البحث في ندوة عقدت في رحاب جامعة الأزهر عن الإسلام في آسيا الوسطى. وفيه ألقيت الضوء على أحوال سكان تلك البلاد قبل الفتح الإسلامي لها، ثم على أسباب ودوافع ذلك الفتح، والجهود التي بذلها المسلمون في انتشار الإسلام، وكيف تحولت تلك البلاد من الوثنية إلى الإسلام، بل وتحمست له وتولت نشره فيما جاورها من بلاد- مثل الصين- وكيف رسخ الإسلام في تلك البلاد رسوخ الجبال، وأصبحت من أهم مراكز الحضارة الإسلامية، ومنها خرج أعظم علماء المسلمين في شتّى العلوم.
البحث العاشر: وعنوانه: «تبادل الوفود والهدايا بين خلفاء المسلمين والأباطرة البيزنطيين» وقد ألقي في الندوة العلمية التي عقدت في رحاب جامعة فلورنسا بإيطاليا بالاشتراك مع جامعة الأزهر (في المحرم 1418 هـ/ مايو 1997 م) تحت عنوان: «الإسلام وأوربا ثلاثة عشر قرنا من التاريخ المشترك» وجاءت محاولة من المحاولات الكثيرة التي تبذل في هذه الأيام للتقريب بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وإزالة الجفاء وسوء الفهم لمصلحة الجميع.
وقد أسهمت في تلك الندوة بهذا البحث الذي قامت فكرته الأساسية على أن العلاقات بين المسلمين والبيزنطيين لم تكن دائما علاقات حروب وصدامات على الحدود، بل قامت بينهم علاقات متنوعة من الود وتبادل المنافع والخبرات في شتّى المجالات، وتبادل الوفود والهدايا والمجاملات في كثير من المناسبات.
البحث الحادي عشر: وعنوانه: «الأمويون ودورهم في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الأندلس» أعد هذا البحث ليلقى في المؤتمر الدولي الذي نظمته رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع معهد الفتح بدمشق، وكلية الدراسات الأندلسية بغرناطة بأسبانيا. والذي عقد في غرناطة في نهاية سنة (2003 م) تحت عنوان:
«أثر الحضارة الإسلامية في الغرب ودور أسبانيا في نقلها» وهذا المؤتمر كسابقه جرى في سياق تحسين العلاقات بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، وبعث الصفحات المشرقة في تاريخ تلك العلاقات.
ومع أني لم أتمكن من حضور ذلك المؤتمر؛ فقد قدمت ذلك البحث للجنة المنظمة، وفيه ألقيت الضوء على الدور العظيم الذي قام به الأمويون- من خلال دولتهم في الأندلس- في نقل الحضارة الإسلامية من المشرق الإسلامي إلى الأندلس، التي نقلتها بدورها إلى بقية بلاد أوربا، التي بنت عليها نهضتها وحضارتها الحاضرة.
البحث الثاني عشر: وعنوانه: «واقع الإنسان في المجتمعات الإسلامية المعاصرة» وقد ألقي في الملتقى الدولي الذي نظمه المعهد الوطني للتعليم العالي والحضارة الإسلامية في وهران بالجمهورية الجزائرية في الفترة من (2- 4 شعبان 1419 هـ/ 21- 23 نوفمبر 1998 م) تحت عنوان: «الإسلام والدراسات المستقبلية» ونشر في مجلة كلية اللغة العربية بالقاهرة العدد السابع عشر سنة (1419 هـ/ 1999 م) .
وقد أسهمت بهذا البحث في ذلك الملتقى الذي لعله الأول من نوعه في العالم العربي؛ لأن العرب لم يتنبهوا إلى أهمية الدراسات المستقبلية إلا أخيرا، بعد أن سبقهم إليها غيرهم بزمن طويل- كالعادة- فالدراسات المستقبلية تنبه الأمم والشعوب إلى ما سيحدث في المستقبل ليستعدوا له ولا يفاجؤوا؛ لئلا يربكوا، ولا جدال في أن المسلمين فوجئوا بأحداث عالمية خطيرة أثرت في حاضرهم ومستقبلهم دون أن يكونوا مستعدين لذلك فحدث لهم ما لا يخفى على أحد.
وفي هذا البحث تحدثت عن واقع الإنسان في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، والمشكلات التي تواجهه، وطرق حلها إذا صحت النوايا وتوفرت الإرادة لدى أهل الحكم في البلاد العربية.
البحث الثالث عشر والأخير: وعنوانه: «نشأة الاستشراق وتطوره إلى نهاية الحروب الصليبية» وقد ألقي في الملتقى الدولي الذي نظمته كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية بجامعة وهران بالجزائر في إبريل سنة (2000 م) تحت عنوان:
«الدراسات الاستشراقية- الخطاب والقراءة-» . وفي هذا البحث ألقيت الضوء على مفهوم الاستشراق ونشأته، ودوره- ما له وما عليه- في تقديم الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية إلى أبناء الشعوب الغربية، ودوره في صياغة العلاقات التاريخية بين العالمين: الإسلامي والمسيحي، وكيف يمكن أن تطور تلك الدراسات وتعدل بعض مساراتها لتسهم في صياغة علاقات أفضل بين عالمين لا غنى لأحدهما
عن التعامل والتعايش مع الآخر.
هذا هو مجمل محتويات البحوث التي حواها هذا الكتاب.
وقبل أن أنهي حديثي أريد أن أنبه إلى أمرين:
الأول: أنني سجلت هذه البحوث في هذا الكتاب كما ظهرت كلّ في حينه دون حذف أو إضافة أو تعديل؛ لتحتفظ بالروح التي كتبت بها وتعكس أجواء الندوات والمؤتمرات التي ألقيت فيها.
الأمر الثاني: أن القارئ الكريم قد يجد أن بعض القضايا والأفكار قد تكررت في أكثر من بحث؛ لأن سياق كل بحث على حدة اقتضى ذلك، فقضايا مثل عالمية الإسلام وانتشاره، وعلاقات المسلمين بغيرهم، والأسس التي قامت عليها- كان من الضروري أن تتكرر، وأنا لا أرى ضررا في ذلك؛ بل قد تكون فيه فائدة إن شاء الله تعالى؛ لأن هذه القضايا لا يزال بعض الناس يجادل فيها، فالتركيز عليها يعمق مفهومها، ويزيل سوء الفهم العالق ببعض الأذهان نحوها.
وبعد؛ فما أردت من نشر هذه البحوث في هذا الكتاب إلا الخير للإسلام والمسلمين، بل للبشرية جمعاء، فإن كنت قد وفقت فالحمد والمنة لله تعالى وحده، وإلا فالعفو عنده مأمول، وتسامح القرّاء مرجو، وعلى الله قصد السبيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أ. د. عبد الشّافي محمّد عبد اللّطيف استاذ التّاريخ الإسلامي/ جامعة الأزهر
بحوث في السّيرة النّبويّة والتّاريخ الإسلامي قراءة ورؤية جديدة أوائل المؤلفين في السيرة النبوية