المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الارتباط الأمني بين مصر والشام: - السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي

[عبد الشافى محمد عبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌[بحوث في السيرة النبوية والتأريخ الإسلامي]

- ‌مقدّمة

- ‌[البحث الأول] أوائل المؤلفين في السيرة النبوية

- ‌ مقدمة

- ‌ دوافع المسلمين للاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ بداية التأليف في السيرة النبوية:

- ‌طبقات كتّاب السيرة

- ‌ رجال الطبقة الأولى من كتّاب المغازي والسير:

- ‌1- أبان بن عثمان:

- ‌2- عروة بن الزبير:

- ‌3- شرحبيل بن سعد:

- ‌4- وهب بن منبه:

- ‌ رجال الطبقة الثانية من كتّاب المغازي والسير:

- ‌1- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري

- ‌2- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري

- ‌3- عاصم بن عمر بن قتادة:

- ‌ رجال الطبقة الثالثة من كتّاب المغازي والسير:

- ‌1- موسى بن عقبة:

- ‌2- معمر بن راشد:

- ‌3- محمد بن إسحاق المطلبي

- ‌ رحلته إلى العراق:

- ‌ مكانة ابن إسحاق العلمية:

- ‌ متى ألف ابن إسحاق

- ‌أ- التاريخ الجاهلي:

- ‌ب- المبعث:

- ‌ج- المغازي:

- ‌ عمرو بن حزم الأنصاري:

- ‌ الواقدي

- ‌ محمد بن سعد:

- ‌[البحث الثاني] صدى الدعوة في مدن الحجاز غير مكة- كالطائف والمدينة

- ‌ الحالة الدينية في الحجاز قبيل ظهور الإسلام:

- ‌ الحالة الدينية في المدينة قبيل البعثة:

- ‌ صدى الدعوة في يثرب:

- ‌ صدى الدعوة لدى اليهود في يثرب:

- ‌ اثر اليهود في تطور موقف عرب يثرب من الدعوة:

- ‌ صدى الدعوة في يثرب بعد اتصالاتها المباشرة بالنبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ التحول الكبير في موقف عرب يثرب:

- ‌ صدى رحلة مصعب بن عمير:

- ‌ اهل يثرب والتحدي الكبير:

- ‌ صدى الدعوة في خيبر:

- ‌[البحث الثالث] العلاقات بين المسلمين وقريش من الهجرة إلى بدر

- ‌العلاقات بين المسلمين وقريش من الهجرة إلى بدر

- ‌ قريش تستمر في إلحاق الأذى بالمهاجرين:

- ‌ قريش تصادر ديار المهاجرين واموالهم:

- ‌ المهاجرون في سجون مكّة:

- ‌ الدولة الإسلامية تقوم في المدينة لتحمي الدعوة:

- ‌ التحديات الكبرى أمام الدولة الوليدة:

- ‌ النشاط العسكري الإسلامي قبل بدر:

- ‌ أهداف السرايا والغزوات الأولى:

- ‌ سرية عبد الله بن جحش

- ‌[البحث الرابع] العلاقات بين المسلمين والروم في ضوء غزوة تبوك

- ‌ تمهيد:

- ‌ المسلمون قبل اتصالهم بالروم:

- ‌ اتصال المسلمين بالروم:

- ‌ المقدمات التي أدّت إلى غزوة مؤتة:

- ‌ تدخل الروم في مؤتة إعلان حرب على الإسلام:

- ‌ من مؤتة إلى تبوك:

- ‌ الأسباب المباشرة لغزوة تبوك:

- ‌ ماذا صنع النبي في تبوك

- ‌ نتائج غزوة تبوك:

- ‌[البحث الخامس] الإدارة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ المقصود بالإدارة هنا:

- ‌ طبيعة الدعوة الإسلامية:

- ‌ قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ أول رئيس للدولة الإسلامية:

- ‌ هيئة الحكومة النبوية:

- ‌ صاحب السر:

- ‌ صاحب الشرطة:

- ‌ حراس الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ حراس المدينة أو شرطة المدينة:

- ‌ المنفذون للحدود بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ حجّاب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ حاملوا خاتم الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ بيت الضيافة:

- ‌ مراقبة الأسواق:

- ‌ جهاز جمع المعلومات «المخابرات» :

- ‌ كتّاب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ جهاز الإعلام:

- ‌ خلفاء الرسول على المدينة أثناء غيابه عنها في غزو أو غيره:

- ‌ اتساع نفوذ الدولة الإسلامية:

- ‌ اليمن أول إقليم عربي يدخل تحت سيادة الدولة الإسلامية:

- ‌ ولاية مكة:

- ‌ ولاية الطائف:

- ‌ إسلام البحرين:

- ‌ إسلام اهل عمان:

- ‌[البحث لسادس] دولة الإسلام وعلاقاتها الدولية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قيام دولة الإسلام: * في عهد النبي:

- ‌ الإسلام دين عالمي:

- ‌ السلام أساس العلاقات الدولية في الإسلام:

- ‌ الحرب المشروعة في الإسلام:

- ‌الحالة الأولى: الدفاع عن النفس

- ‌الحالة الثانية: الدفاع عن المظلومين

- ‌الحالة الثالثة: الدفاع عن حرية نشر العقيدة

- ‌ آداب الحرب في الإسلام

- ‌ مبادئ القانون الدولي في الإسلام:

- ‌ الإسلام يحترم مبعوثي الأعداء وحاملي رسائلهم:

- ‌ معاهدة الحديبية في ميزان العلاقات الدولية:

- ‌ الإسلام والعالم:

- ‌ خاتمة البحث:

- ‌[البحث السابع] قراءة تاريخية جديدة في موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الفتوحات الإسلامية

- ‌ موقف عمر بن الخطاب من الفتوحات

- ‌[البحث الثامن] دور المصريين في إنشاء البحرية الإسلامية من كتاب «مصر والإسلام»

- ‌ تمهيد:

- ‌ بداية التفكير في إنشاء قوة بحرية إسلامية:

- ‌ معارضة عمر بن الخطاب لمشروع معاوية:

- ‌ التجربة الأولى:

- ‌ التجربة الفاشلة الثانية:

- ‌ معاوية ينجح في أخذ موافقة عثمان بن عفان:

- ‌ الارتباط الأمني بين مصر والشام:

- ‌ دور الصناعة في مصر وأثرها في إنشاء الأساطيل الإسلامية

- ‌ دار الصناعة في الإسكندرية:

- ‌ دور صناعة السفن في رشيد ودمياط وتنيس:

- ‌ دار صناعة السفن بالقلزم- السويس

- ‌ دار صناعة السفن بجزيرة الروضة:

- ‌ المصريون يبنون أساطيل الشام:

- ‌ دور المصريين في إنشاء أسطول المغرب العربي:

- ‌[البحث التاسع] الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر وانتشار الإسلام هناك

- ‌ تمهيد:

- ‌ المسلمون والفرس:

- ‌ ردة الفرس بعد وفاة عمر بن الخطاب:

- ‌ سياسة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما تجاه البلاد المفتوحة:

- ‌ بلاد ما وراء النهر قبيل الفتح الإسلامي:

- ‌ المراحل التمهيدية لفتح بلاد ما وراء النهر:

- ‌ فتوحات قتيبة بن مسلم فيما وراء النهر:

- ‌ خطوات الفتح ومراحله:

- ‌المرحلة الأولى: استغرقت عاما واحدا تقريبا (86- 87 ه

- ‌المرحلة الثانية (87- 90 ه

- ‌المرحلة الثالثة (90- 93 ه

- ‌المرحلة الرابعة (93- 96 ه

- ‌ موقف الخليفة الوليد من قتيبة:

- ‌ بلاد ما وراء النهر بعد قتيبة:

- ‌ العباسيون وبلاد ما وراء النهر:

- ‌ انتشار الإسلام في بلاد ما وراء النهر:

- ‌تمهيد:

- ‌ العباسيون وانتشار الإسلام فيما وراء النهر:

- ‌[البحث العاشر] تبادل الوفود والهدايا بين خلفاء المسلمين والأباطرة البيزنطيين

- ‌ مقدمة:

- ‌ العلاقات الإسلامية البيزنطية في عهد النبي والخلفاء الراشدين:

- ‌ العلاقات الإسلامية البيزنطية في العهدين الأموي والعباسي:

- ‌ تبادل الوفود لعقد معاهدات الصلح:

- ‌ الوفود والبعثات العلمية:

- ‌ التعاون بين الدولتين في المجالات العمرانية:

- ‌ تبادل الهدايا بين الخلفاء والأباطرة:

- ‌[البحث الحادي عشر] الأمويون ودورهم في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الأندلس

- ‌ملخص البحث

- ‌ بنو أمية في التاريخ:

- ‌ الأمويون والحضارة الإنسانية:

- ‌ الأمويون والترجمة:

- ‌ الفتح الإسلامي للأندلس:

- ‌ الدولة الأموية في الأندلس:

- ‌ مجمل الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية في الأندلس الأموية:

- ‌ الجيش:

- ‌ الأوضاع الاقتصادية في الأندلس الأموية:

- ‌ ازدهار الصناعة:

- ‌ دور الأمويين في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الأندلس:

- ‌[البحث الثاني عشر] واقع الإنسان في المجتمعات الإسلامية المعاصرة

- ‌ جر العالم الإسلامي إلى أحلاف تخدم الأهداف الاستعمارية:

- ‌ الأحلاف الغربية الإسلامية:

- ‌ حربا الخليج الأولى والثانية وتدمير العراق:

- ‌ حرب الخليج الأولى (1980- 1988 م) :

- ‌ حرب الخليج الثانية:

- ‌ الإسلام العدو الأول للغرب:

- ‌ أهم المشكلات التي يعانيها المسلم المعاصر:

- ‌1- الظاهرة الأولى: العلاقات الإسلامية

- ‌2- الظاهرة الثانية: [غياب الديمقراطية]

- ‌[البحث الثالث عشر] نشأة الاستشراق وتطوره إلى نهاية الحروب الصليبية

- ‌ الخلفية التاريخية للاستشراق:

- ‌ دور المستشرقين المتعصبين في تشويه صورة الإسلام في الغرب:

- ‌ بداية الاستشراق:

- ‌ تطور الحركة الاستشراقية:

- ‌ الاستشراق والحروب الصليبية:

- ‌الفهرس

- ‌السيرة الذاتية للمؤلف

الفصل: ‌ الارتباط الأمني بين مصر والشام:

*‌

‌ معاوية ينجح في أخذ موافقة عثمان بن عفان:

ظل عمر بن الخطاب ثابتا على موقفه المعارض بشدة للبدء في بناء أسطول بحري عسكري إسلامي إلى أن لقي ربه؛ رضي الله عنه، وظل معاوية ثابتا على رأيه في ضرورة البدء فورا في إنشاء هذا الأسطول.

فلما توفي عمر وآلت الخلافة إلى عثمان بن عفّان في نهاية (سنة 23 هـ) جدّد معاوية مطالبته بالبدء في إنشاء الأسطول، وفاتح عثمان في الأمر، لكن عثمان لم يستجب له بسهولة، بل قال له:«قد شهدت ما رد عليك به عمر رحمه الله، حين استأمرته في غزو البحر» «1» أي: إن عثمان كان يعرف رأي عمر في القضية، وهو ليس أقل من عمر حرصا عل سلامة المسلمين.

غير أن معاوية لم ييأس؛ بل واصل إلحاحه على عثمان حتى ظفر منه بالموافقة المشروطة في نهاية المطاف، وهي أن يستعد للأمر استعدادا جيدا، وألا يكره أحدا من المسلمين على الغزو في البحر، وأن يكون هو نفسه على رأس الغزاة، ومعه امرأته، فقد قال له:«فإن ركبت البحر ومعك امرأتك، فاركبه مأذونا لك، وإلا فلا» «2» وهذا الشرط الذي أكد عليه الخليفة عثمان بن عفان، وهو أن يأخذ معاوية امرأته معه عند ما يغزو في البحر كان يقصد منه أنه إذا أخذ معه امرأته فإنه سوف يستبسل في القتال، حفاظا على عرضه.

وهذه عادة عربية قديمة، فقد كان اصطحابهم لزوجاتهم في القتال بمثابة دافع إضافي للاستبسال في القتال؛ وذلك من شدة حرص العربي على عرضه، فإذا أدرك أن عرضه معرض للخطر فإنه عندئذ يفضل الموت على الحياة.

على كل حال ظفر معاوية أخيرا بموافقة الخليفة على البدء في إنشاء أسطول إسلامي. فبدأ على الفور، وفي غضون سنوات قليلة ظهر الأسطول الإسلامي، وأصبح للمسلمين قوة بحرية هائلة، حققت أمجادا وانتصارات باهرة.

*‌

‌ الارتباط الأمني بين مصر والشام:

إذا كانت الدعوة إلى بناء قوة بحرية إسلامية جاءت من معاوية بن أبي سفيان، أمير الشام إلا أن الدور الأهم في بناء تلك القوة اضطلعت به مصر، ومعاوية نفسه

(1) البلاذري- فتوح البلدان (ص 181) .

(2)

البلاذري- فتوح البلدان (ص 181) .

ص: 233

كان يعرف أنه بدون التعاون بين الشام ومصر؛ فلن يكتب لمشروعه أن يرى النور ويصبح حقيقة واقعة، والشام ومصر آنئذ أجزاء من الدولة الإسلامية، والتعاون بينهما لن تكون أمامه عوائق. لا سيما في ظل حكم أميرين من طراز معاوية أمير الشام، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، أمير مصر، وكانت نتيجة ذلك التعاون عظيمة وباهرة، فقد نشأت قوة بحرية إسلامية هائلة، أثبتت وجودها بسرعة فائقة، وحققت انتصارات باهرة على البيزنطيين، وانتزعت منهم جزيرة قبرص (سنة 33 هـ)«1» وحققت عليهم انتصارا حاسما في موقعة ذات الصواري (سنة 34 هـ) . وأخذ الأسطول الإسلامي ينتزع السيادة على البحر الأبيض المتوسط من البيزنطيين، ونجح في ذلك حتى غدا ذلك البحر بحرا إسلاميّا لعدة قرون تالية.

وقصة التعاون بين الشام ومصر تؤكد الارتباط القوي بين أمن مصر وأمن الشام، فأية قوة تمتلك مصر لا تكون آمنة إذا كانت الشام في يد قوة معادية، وهذه حقيقة اكتشفها الفراعنة منذ وقت مبكر، وأول من أدركها الفرعون تحتمس الثالث عند ما طارد الحيثيين وانتصر عليهم في معركة مجدو (سنة 1479 م) ، فإنه رفع العلم المصري عند شط الفرات في أقصى شمال شرق الشام، وقال هذه حدود مصر الشرقية «2» .

وكذلك الحال بالنسبة للشام، لن تكون آمنة إذا كانت مصر في يد قوة معادية، وليس سرّا أن عمرو بن العاص عند ما فكر في فتح مصر كان يرمي من وراء ذلك إلى تأمين الوجود الإسلامي في الشام، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.

وطوال مراحل التاريخ الإسلامي أدرك حكام المسلمين ضرورة الوحدة بين الشام ومصر. فعند ما حدث الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان- أمير الشام- كان أول ما فكر فيه هذا الأخير هو ضم مصر إلى دولته. وكان نجاحه في ذلك مفتاح نجاحه في الوصول إلى الخلافة، وبناء دولة أموية أصبح لها في التاريخ الإسلامي شأن كبير، وكذلك الحال عند ما تعرضت الدولة الأموية للزوال بعد وفاة يزيد بن معاوية (سنة 64 هـ) وكادت تضيع، وعندئذ ظهر مروان بن الحكم بن

(1) غزا معاوية جزيرة قبرص بقوة بحرية شامية مصرية مشتركة (سنة 28 هـ) ، ومع أنه انتصر وامتلك الجزيرة إلا أنه انسحب منها بشروط، فلما أخل أهل قبرص بالشروط غزاها مرة أخرى (سنة 33 هـ) وضمها إلى الدولة الإسلامية، ونقل إليها اثني عشر ألف أسرة من الشام، أسكنهم فيها وبنى لهم المساجد والأسواق

إلخ.

(2)

د. شكري فيصل- حركة الفتح الإسلامي في القرن الأول (ص 110) .

ص: 234

أبي العاص، واستطاع أن يلم شمل الأمويين من جديد، فبايعوه بالخلافة، واستهل عهده بالإنتصار على أنصار عبد الله بن الزبير في معركة مرج راهط الشهيرة «1» ، واستطاع استعادة الشام، كان أول ما فكر فيه بعد ذلك هو ضم مصر إلى الشام، انطلاقا من فهم استراتيجي سليم، وهو أنه إذا نجح في ضم مصر إلى الشام فلن تستطيع قوة أن تقف في طريقه وهذا ما حدث بالضبط، فبعد أن نجح في استرداد مصر من عبد الله بن الزبير، كان ذلك مفتاح نجاح خليفته وابنه عبد الملك في دحر قوات عبد الله بن الزبير، بل دحر كل خصومه في العراق وبلاد فارس والحجاز، وإعادة توحيد الدولة الإسلامية (سنة 73 هـ) . حتى وصفه المؤرخون بأنه المؤسس الثاني للدولة الأموية.

وهكذا أخذت هذه التجارب تؤكد أن التحام الشام ومصر في دولة واحدة يجعلها قوة كبيرة ذات تأثير خطير على مجريات الأمور في الشرق كله. فصلاح الدين الأيوبي نجح في الانتصار على الصليبيين في حطين وما بعدها؛ لأنه تمكن من توحيد مصر والشام تحت حكمه، وكان بدوره مدركا لأهمية ذلك، ولم يبدأ عمله ضد الصليبيين إلا بعد أن تمكن من ضم الشام إلى دولته، وعلى خطاه سار المماليك في مقاومة الصليبيين والمغول، وانتصروا عليهم، وطهروا أرض الإسلام منهم.

وأعداء الأمة العربية والإسلامية يدركون ذلك جيدا فعندما قامت الوحدة بين مصر وسوريا في (22 فبراير سنة 1958 م) فيما عرف بالجمهورية العربية المتحدة؛ وعندئذ أدركت القوى الاستعمارية الغربية أن الخطر أصبح وشيكا على صنيعتهم إسرائيل التي زرعوها في بلادنا وخططوا لبقائها. وقالوا: إن إسرائيل أصبحت بين كسارة البندق؛ سوريا من الشمال ومصر من الجنوب. لذلك لم يهدأ لكل القوى المعادية للعروبة والإسلام بال إلا بعد أن تمكنوا بكل الوسائل من فصل سوريا عن مصر في (28 سبتمبر سنة 1961 م) .

هذه هي عبر التاريخ ودروسه عن الارتباط الأمني الوثيق بين الشام ومصر.

فالبيزنطيون أنفسهم كانوا مدركين لأهمية الارتباط بين الشام ومصر، وهما تحت حكمهم، خاصة في الشؤون البحرية «فكان التقسيم الإداري للدولة البيزنطية قبل ظهور الإسلام يجمع بين الشام ومصر في العمليات البحرية، ويقضي بتعبئة أساطيلهما معا لإخضاع العناصر التي تشق عصا الطاعة على السلطات البيزنطية، في

(1) تاريخ الطبري (5/ 535) وما بعدها.

ص: 235