الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما يحسون هذه الأيام من عدو لا يرحم، ومظاهر هذا كله بادية للعيان ولا تخفي على أحد.
*
دور المستشرقين المتعصبين في تشويه صورة الإسلام في الغرب:
هذه هي الخلفية التاريخية التي تحكم العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، والتي نما فيها الاستشراق وترعرع، وكان له دور بارز في إذكاء روح العداء بين الإسلام والغرب المسيحي.
ومما لا ريب فيه أن معظم المستشرقين كان يعمد عمدا إلى تصوير الإسلام، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، تصويرا بشعا، ويرسم له صورة منفرة، وأنه دين بدائي وعدواني، ويتسم بالقسوة والوحشية، وجل بحوث المستشرقين ومؤلفاتهم، والتي تعد بالآلاف، تدور حول تركيز وتكريس الصورة السابقة في ذهن القارئ الغربي، ولقد نجحوا في ذلك حتى أصبح كره الإسلام والمسلمين والحقد عليهم شيئا مركوزا في الشخصية الأوربية، وعلى جميع المستويات.
ولقد كتب المستشرقون كثيرا جدّا من الكتب والمقالات لجماهير قرائهم الغربيين، وتناولوا كل شيء يخص الإسلام والمسلمين في ماضيهم وحاضرهم، يقول العلامة المحقق الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله: «كتبوا في القرآن، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وفي تفسير القرآن، وفي الفقه، وفي تفاصيل شرائع الإسلام، وفي تاريخ العرب والمسلمين، وفي تراجم رجال الإسلام، وفي الفرق الإسلامية، وفي الفلسفة عند المسلمين، وفي علم الكلام، وفي كل ما ذكرت وما لم أذكر، كتبوا وألفوا وصنفوا، لكن لهدف واحد لا غير؛ هو تصوير الثقافة العربية الإسلامية وحضارة العرب والمسلمين بصورة مقنعة للقارئ الأوربي، وبأسلوب يدل على أن كاتبها قد خبر ودرس وعرف وبذل كل جهد في الاستقصاء، وعلى منهج علمي مألوف لكل مثقف أوربي، وأنه وصل إلى هذه النتيجة التى وضعها بين يديه، بعد خبرة طويلة، وعرق وجهد وإخلاص، حتى لا يشك قارئ في صدق ما يقرؤه، وأنه هو اللباب المصفّى من كل كدر، والمبرأ من كل زيف، وأنه الحق المبين، والصراط المستقيم.
كان جوهر هذه الصور المبثوث تحت المباحث كلها هو أن هؤلاء العرب المسلمين هم في الأصل قوم بداة جهال لا علم لهم، جياع في صحراء مجدبة، جاءهم رجل من أنفسهم فادّعى أنه نبي مرسل، ولفق لهم دينا من اليهودية والنصرانية، فصدقوه
بجهلهم واتبعوه، ولم يلبث هؤلاء الجياع أن عاثوا بدينهم هذا في الأرض فسادا يفتحونها بسيوفهم، حتى كان ما كان، ودان لهم من غوغاء الأمم من دان، وقامت لهم في الأرض بعد قليل ثقافة وحضارة جلها مسلوب من ثقافات الأمم السابقة، كالفرس والهند واليونان وغيرهم، حتى لغتهم كانت مسلوبة وعالة على العبرية والسريانية والآرمية والفارسية والحبشية، ثم كان من تصاريف الأقدار أن يكون علماء هذه الأمة العربية من غير أبناء العرب (الموالي) ، وأن هؤلاء هم الذين جعلوا لهذه الحضارة كلها معنى.
هذا هو جوهر الصورة التي بثها المستشرقون في كل كتبهم عن دين الإسلام، وعن علوم أهل الإسلام، وفنونهم، وآثارهم وحضارتهم، وأن هذه الحضارة إنما هي إحدى حضارات القرون الوسطى المظلمة، بثوا تلك الصورة في كل كتبهم، بمهارة وحذق وخبث مغرق، وبأسلوب يقنع القارئ الأوربي المثقف الآن كل الإقناع، وتنحط في نظره حضارة الإسلام وثقافته، انحطاط القرون الوسطى، ويزداد بذلك زهوا؛ فإن أسلافه من اليونان والأوربيين كانوا هم ركائز هذه الحضارة المزيفة الملفقة دينا ولغة وعلما وثقافة وأدبا وشعرا، ويزداد الأوربي- أيّا كان- غطرسة وتعاليا وجبرية، ولا يرى في الدنيا شيئا له قيمة إلا وهو مستمد من أسلافه الأوربيين» «1» .
وإذا كان أحد يرتاب في هذا الكلام، ويدعي أنه رأي عالم مسلم متحامل على المستشرقين، فإليك أنموذجا من كلامهم وآرائهم في الإسلام والمسلمين.
يقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتاب له بعنوان «باثالوچيا الإسلام» : «إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس، وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا، بل هي مرض مريع وشلل عام، وجنون ذهولي يبعث بالإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه منها إلا سفك الدماء، أو يدمن على معاقرة الخمر، ويجمح في القبائح، وما قبر محمد إلا كعمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين، ويلجئهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع العامة، والذهول العقلي» «2» .
هذا هو علم معظم المستشرقين، وهذه هي آراؤهم ونظرتهم إلى الإسلام ورسوله ورسالته، وهذه النظرة الحاقدة الظالمة هي التي ترسبت في الذهنية الأوربية إلى يوم الناس هذا، وحتى إذا وجد بعض المصنفين من المستشرقين، الذين قالوا كلمة الحق
(1) العلامة محمود محمد شاكر- رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (ص 84- 86) ، طبع دار الهلال بالقاهرة (1991 م) .
(2)
نقلا عن كتاب «الفكر الإسلامي الحديث» للدكتور محمد البهي (ص 51) .