الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الوقت، وحسبهم أنهم حافظوا على هذا التراث البشري محافظة تامة وفي الوقت نفسه كانت لهم محاولات أولية في الترجمة «1» .
*
الأمويون والترجمة:
قبل أن ننوه بدور الأمويين في ترجمة العلوم غير العربية الإسلامية لا بد من التنويه بدورهم في العلوم العربية الإسلامية؛ لأن الحركة العلمية التي بدأت منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي مسجده وحمل لواءها بعده الصحابة والتابعون، وأخذت في الازدهار في العصر الأموي، بدأت تتبلور وتتميز كل العلوم العربية الإسلامية وتصبح لها مدارس مستقلة، فبعد أن كان الصحابي أو التابعي يجلس في المسجد- سواء المسجد الحرام بمكة المكرمة أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو مسجد الكوفة أو البصرة أو دمشق أو الفسطاط- ليعلم الناس ويتحدث في المجلس الواحد في علوم كثيرة كالتفسير والحديث والفقه واللغة العربية وآدابها
…
إلخ؛ بدأت في أواخر العصر الأموي تنفصل هذه العلوم ويصبح هناك علماء للفقه وآخرون للتفسير وغيرهم للحديث
…
إلخ. فمثلا اثنان من علماء أهل السنة في الفقه وهما الإمام أبو حنيفة النعمان (80- 150 هـ/ 699- 767 م) وإمام دار الهجرة مالك بن أنس (93- 179 هـ/ 711- 795 م) ولدا وتكونا علميّا وأصبحا علمين من علماء الإسلام في الفقه في العصر الأموي وقس على ذلك في بقية العلوم العربية والإسلامية.
ومما يذكر للأمويين بكل التقدير- خلفائهم وأمرائهم- أنهم لم يتدخلوا في تلك الحركة العلمية ولم يسجل التاريخ أن عالما في أي علم من العلوم ضيق عليه وسجن من أجل علمه، فقد تمتع العلماء بحرية كاملة في بحوثهم وعلومهم «2» . هذا بإيجاز شديد هو دور الأمويين في الحركة العلمية العربية الإسلامية وليس هنا مقام الحديث عن ذلك تفصيلا.
أما فيما يتعلق بترجمة العلوم الأجنبية، مثل الطب والفلك والكيمياء
…
إلخ.
فقد بدأت في أواخر العصر الأموي بداية متواضعة للأسباب التي سبق ذكرها، وأول علم اهتم به الأمويون هو علم الطب الذي لا يستغني عنه الناس في كل زمان ومكان
(1) انظر محمد كرد علي- الإسلام والحضارة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة (1968 م) ، (1/ 173) .
(2)
راجع أحمد أمين- فجر الإسلام، فقد أرخ للحركة العلمية في العصر الأموي.
لعلاج أبدانهم، ولقد ظهر في العصر الأموي كثير من الأطباء، وكان معظمهم نصارى، ومن أوائلهم ابن أثال، الذي كان طبيبا خاصّا للخليفة الأموي الأول، معاوية بن أبي سفيان، والذي يقول عنه ابن أبي أصيبعة «1» :«كان طبيبا متقدما، من الأطباء المتميزين في دمشق، نصراني المذهب، ولما ملك معاوية بن أبي سفيان دمشق اصطفاه لنفسه وأحسن إليه، وكان كثير الافتقاد له والاعتقاد فيه، والمحادثة معه ليلا ونهارا، وكان ابن أثال خبيرا في الأدوية المفردة والمركبة وقواها» ا. هـ.
ومن الأطباء الذين اتصلوا بخلفاء بني أمية وخدموهم عبد الملك بن أبجر الكناني، وكان من الأطباء المشهورين في مدينة الإسكندرية، ولما فتحت مصر استمرت مدرسة الإسكندرية تؤدي دورها في العلوم بصفة عامة وفي الطب بصفة خاصة تحت الحكم الأموي- كما سبقت الإشارة- وقد أسلم الطبيب عبد الملك ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز قبل أن يصبح خليفة فلما أفضت إليه الخلافة نقل بعض الأطباء من الإسكندرية إلى التدريس في أنطاكية وحران ومنهم عبد الملك ابن أبجر الذي أصبح طبيبه الخاص «2» .
ومن الأطباء الذين برزوا في الدولة الأموية وترجموا بعض كتب الطب ماسرجويه اليهودي. يقول القفطي في اخبار الحكماء «3» : «أن ماسرجويه الطبيب البصري كان إسرائيليّا في زمن عمر بن عبد العزيز، وربما قيل في اسمه:
ماسرجيس وكان عالما بالطب، وتولى لعمر بن عبد العزيز ترجمة كتاب أهرن القس في الطب «4» ، وهو كناش فاضل من أفضل الكنانيش القديمة. وقال ابن جلجل الأندلسي: ماسرجويه كان سريانيّا يهودي المذهب وهو الذي تولى في أيام مروان في الدولة المروانية تفسير كتاب (أهرن القس بن أعين) إلى العربية ووجده عمر بن عبد العزيز في خزائن الكتب فأمر بإخراجه ووضعه في مصلاه واستخار الله في إخراجه إلى المسلمين لينتفع به فلما تم له ذلك في أربعين يوما أخرجه إلى الناس وبثه في أيديهم» ا. هـ.
إذن بدأت بذور حركة الترجمة إلى اللغة العربية- وبصفة خاصة الطب- في
(1) عيون الأنباء في طبقات الأطباء (2/ 24) .
(2)
عيون الأنباء في طبقات الأطباء (2/ 24) .
(3)
نقلا عن أحمد أمين- فجر الإسلام (ص 163) .
(4)
يقول ابن أبي أصيبعة عن أهرن القس صاحب الكناش: وألف كتابه بالسريانية نقله ماسرجيس إلى العربية. عيون الأنباء (2/ 12) .