الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه وجعلته أسير التخلف والفقر والجهل والمرض
…
إلخ.
إن تكاليف حربي الخليج؛ الأولى بين إيران العراق والتي استمرت ثماني سنوات (1980- 1988 م) والثانية غزو الكويت (1990- 1991 م) إن تكاليف هاتين الحربين فقط كانت كفيلة لو استثمرات ألا تدع مسلما فقيرا أبو بدون عمل أو بدون مسكن.. إلخ. فماذا لو تحدثنا عن بقية الحروب مثل حروب العرب مع إسرائيل من (1948 م) ، (1956 م) ، (1967 م) ، (1973 م) ، والحروب الأهلية في الصومال والسودان وأفغانستان.. إلخ.
2- الظاهرة الثانية: [غياب الديمقراطية]
التي تكاد تكون عامة في أغلب الدول في العالم الإسلامي هي غياب الديمقراطية والحرية، وفي الوقت الذي يتم فيه انتقال السلطة في أوربا وأمريكا من حاكم إلى آخر بهدوء، وطبقا لقواعد دستورية وديمقراطية، ثم ضبطها بقوانين مرعية يحترمها الجميع، تتحكم فيها إرادة الناخبين الحرة، وصناديق الانتخاب، يتم هذا في أوربا وأمريكا:«أما في العالم الإسلامي فما زالت مشكلة انتقال السلطة من حاكم إلى آخر تتم بالقوة، والحكم لمن غلب. وبسبب ذلك ينتشر العنف والتطرف، وتقوم الحروب التي تحدث الدمار الشامل إلى أن يستقر الوضع للأقوى» «1» .
ويكفي كمثال واحد على هذا ما حدث في أندونيسيا منذ شهور، فإن رجلا ظل يحكم بلاده حكما مستبدا، طوال اثنين وثلاثين عاما (1966- 1998 م) وهو الرئيس سوهارتو، ونهب من ثرواتها- حسب ما ذكرته وسائل الإعلام- أكثر من أربعين ألف مليون دولار، ولما فاض الكيل بالناس وبلغ السيل الزبى اندلع العنف، وأصبحت البلاد على حافة الهاوية، كل هذا والرجل لا يريد أن يترك سدة الحكم، رغم تقدمه في السن، ولولا الضغوط الشديدة من الداخل والخارج وبصفة خاصة من أمريكا لأغرق بلاده في بحور من الدماء. فبعد ساعات فقط من نصيحة وزيرة خارجية أمريكا، السيدة مادلين أولبرايت له بترك الحكم، تركه مع أنه كان قبل ذلك بساعات قد أعلن أنه لن يتخلى عنه.
أليس مما يبعث على الأسى والحسرة أن تسود الديمقراطية والحرية في أوربا وأمريكا ويسود الاستبداد في أغلب دول العالم الإسلامي، مع أن الإسلام دعوة صريحة إلى
(1) د. مصطفى رمضان- المرجع السابق (ص 57) .
الحرية والكرامة الإنسانية، والشورى الإسلامية أعظم من الديمقراطية الغربية، ويوم أن كانت الشورى الإسلامية مطبقة، وعندما كانت تجد من الحكام من يلتزم بها كان العالم الإسلامي هو العالم الأول على ظهر الأرض، الأول في نظافة الحكم وعدالته، الأول في العلم والمدنية، الأول في الثروة، الأول في التسامح مع الشعوب غير الإسلامية وإشاعة روح الود بين الناس، يقول الإمام الغزالي رحمه الله:«إن طريقة الإسلام في إدارة دفة الحكم هي التي جعلت الشعوب تفتح له ذراعيها؛ لأن الحكم كان عبادة لله، ولم يكن شهوة نهوم إلى العظمة، أو مفتون بالسلطان، وإدراك أن الحكم مسؤولية مؤرقة هي التي جعلت الخليفة في المدينة المنورة يعد نفسه مسؤولا عن أطراف الدولة البعيدة» . حتى قال عمر: «لو عثرت بغلة في العراق لحسبت عمر مسؤولا عنها: لم لم يسوّ لها الطريق؟» «1» . ويوم أن صاح عمر في أميره على مصر- عمرو بن العاص-: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!» في قضية مشهورة، يوم أن صاح عمر بن الخطاب هذه الصيحة المدوية في الربع الأول من القرن الهجري الأول، النصف الأول من القرن السابع الميلادي، كانت هذه الصيحة غريبة على الناس، فلم يعرف التاريخ حاكما قبل عمر بن الخطاب جرى على لسانه مثل هذه الكلام. ولكنه الإسلام وتربية الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته على الحرية والعزة والكرامة هي التي فاضت على هؤلاء الرجال وجعلت هذه الكلمات المباركات تجري على ألسنتهم، ولم تكن كلاما فقط للاستهلاك المحلي، إنما كانت سلوكا وأسلوبا للحكم وسياسة عملية يسوسون بها عباد الله. لقد فهم عمر من كتاب ربه ومن سنة نبيه وصحبته أن الناس يولدون أحرارا، فليس لأحد حق في أن يستعبدهم «2» .
والعجيب أن الغرب لم يصل إلى ما وصل إليه من الديمقراطية والحرية إلا على تلال من الأشلاء وبحور من الدماء، أما المسلمون فقد منحهم الله تعالى الحرية والكرامة والعزة ومنحهم طرازا عاليا من الحكم النزيه هدية من السماء، ولكنهم للأسف لم يصونوا هذه الهبات الإلهية ولم يحافظوا عليها، فالت أحوالهم إلى ما آلت إليه من سوء.
كنت أريد أن أتحدث عن المزيد من المشكلات التي يعانيها المسلم في المجتمعات
(1) الإمام محمد الغزالي- نظرة على واقعنا الإسلامي المعاصر- الطبعة الثانية، دار ثابت القاهرة (1983 م)(ص 24) .
(2)
المرجع السابق (ص 25) .
الإسلامية المعاصرة ولكن أخشى الإطالة من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن هاتين المشكلتين اللتين أشرت إليهما- العلاقات الإسلامية وغياب الديمقراطية الحقيقية وشيوع الاستبداد في الحكم في كثير من بلاد العالم الإسلامي- تأتي من ورائهما كل المشكلات، بل كل المصائب؛ فسوء العلاقات وكثرة المنازعات والخصومات بين كثير من البلاد الإسلامية يبدد طاقات الأمة البشرية والمادية، وكان سببا رئيسيّا في ما يعانيه المسلمون- في كثير من بلاد المسلمين- من بطالة وفقر ومرض
…
إلخ.
وغياب الديمقراطية والحرية والحكم الاستبدادي أشاع الخوف في قلوب الناس، فالشعوب الخائفة لا تستطيع أن تعمر بلادها ولا أن تبني حضارة، وقديما قال الفيلسوف الإغريقي أرسطو لتلميذه الإسكندر الأكبر عند ما استشاره في كيفية حكم الإمبراطورية التي شادها قال الأستاذ لتلميذه:«يا بني بالقوة تستطيع أن تستولي على رقاب الناس، ولكن هيهات أن تصل إلى قلوبهم إلا بالود والحب؛ لأن الشعوب إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل، نعم إن الشعوب الحرة التي تستطيع أن تقول رأيها بصراحة ودون خوف، وأن تنتقد الحاكم عند ما يخطئ، هي الشعوب التي تستطيع أن تعمر بلادها وأن تبني حضارة» .
يقول الإمام الغزالي: «ومن مميزات الشورى أنها ترد الحاكم إلى حجمه الطبيعي كلما حاول الانتفاخ والتطاول، والجماعات البشرية السنوية فيها رجال كثيرون يوصفون بأنهم قمم. أما البيئة المنكوبة بالاستبداد، فدجاج كثير وديك واحد، إن ساغ التعبير» «1» ويقول: ومع ذلك فإن أرقى ما وصل إليه الغرب في حضارته الإنسانية، أو فن الحكم، لم يزد عما حققته الخلافة الراشدة من أربعة عشر قرنا.
قرأت حوارا بين الرئيس كيندي- الرئيس الأسبق للولايات المتحدة- وبين ممثلي بعض الصحف الأمريكية، قال فيه صحافي يتحرى الحقائق لأكبر زعيم في العالم:
مستر كيندي، هل رحلة زوجتك إلى أوربا على نفقتك الخاصة أم من مال الدولة؟!! وأدلى كيندى بما عنده دون تأفف- يعني لم يغضب على الصحفي ولم يتهمه بالتطاول «2» - يقول الإمام الغزالي معلقا على تلك القصة: وذكرت على الفور حوارا مماثلا دار بين عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي: قال سلمان لعمر بن
(1) المرجع السابق (ص 21) .
(2)
تتحدث الدنيا كلها في هذه الأيام عن الصفعة التي تلقاها الصحفي اللبناني حسن صبرا من الرئيس اللبناني إلياس الهرواي مع أن لبنان من أكثر البلاد العربية حرية وديمقراطية.
الخطاب: «نرى ثوبك طويلا سابغا، وكلنا كميش الإزار ما حصل أحدنا إلا على ملبس قصير، فمن أين لك هذا؟ وأحس عمر كأنه متهم باستغلال الحكم، فقال: قم يا عبد الله بن عمر فحدث الناس، وقام عبد الله يقول: إن نصيب أبي من الثياب المفرقة لم يكن يغنيه؛ لأنه رجل طوال، فمنحته نصيبي ليكمل حلته
…
واتضح الموقف، وقال سلمان: الآن قل؛ نسمع» «1» .
في هذا القدر كفاية؛ لأننا لو حاولنا ضرب الأمثلة وتقديم نماذج من مفردات الحكم الإسلامي لضاق بنا المقام، وكذلك لو حاولنا ضرب الأمثلة وتقديم نماذج من مساوئ الحكم الاستبدادي لضاق بنا المقام أيضا؛ ولكني قبل أن أختم هذا البحث المتواضع لا بد أن أقول كلمة أراها ضرورية وهي: إن الغرب الديمقراطي الحر الذي لا ننكر عليه ديمقراطيته ولا حريته، هذا الغرب أناني إلى أبعد الحدود؛ فهو يعرف قيمة الحرية والديمقراطية، وأثرها في رقي الأمم والشعوب ومع ذلك يضن على العالم الإسلامي بها، أعني أنه يقف حجرة عثرة في سبيلها لا يريد أبدا أن تسود الديمقراطية والحرية في العالم الإسلامي؛ لأنها إذا سادت أفرزت حكومات صالحة، وإذا صلح الحكم صلحت كل أوجه الحياة، ومعنى ذلك نهضة إسلامية شاملة وعالم إسلامي قوي سياسيّا واقتصاديّا وعسكريّا، يستطيع أن يدافع عن حقوقه وأن يتمتع بثرواته، وأن تكون له كلمة في شؤون الدنيا، وهذا ما لا يريده الغرب، فما يريده الغرب عالما إسلاميّا ضعيفا ممزقا متناحرا، تسوده الفتن والقلاقل والإرهاب؛ لتسهل السيطرة عليه، ونهب ثرواته والتحكم في مقدراته.
نعم إن الغرب يصدر إلى العالم الإسلامي كل شيء إلا الحرية والديمقراطية، فهي السلعة الوحيدة التي يحتكرها لنفسه ولو أردنا أن نذكر أمثلة على تدخلات الغرب لمنع الديمقراطية والحرية من أن تسود في العالم الإسلامي لضاق بنا المقام، ويكفي أن نلفت الأنظار إلى ما يحدث في تركيا حاليا.
إلى هنا نقف ونختتم البحث ونقول: وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) المرجع السابق (ص 23) .