الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في عالم العصور الوسطى؛ لأنها أسست على أرقى المبادئ الأخلاقية والمثل العليا، وناهيك بدولة تقوم على أساس عقيدة وشريعة إلهية.
*
الإسلام دين عالمي:
الإسلام هو خاتمة رسالات الله سبحانه وتعالى إلى البشرية كلها، فليس بعد القرآن الكريم كتاب سماوي، وليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم رسول؛ يقول تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ
…
[الأحزاب: 40] . ولقد صور النبي صلى الله عليه وسلم موقع رسالة الإسلام من رسالات السماء على الوجه الآتي: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة؟» قال: «فأنا اللبنة» «1» .
والإسلام هو دين الله الحق؛ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: 19] . وهو الدين الذي هتفت به ألسنة الأنبياء جميعا- عليهم الصلاة والسلام- من لدن نوح إلى عيسى ابن مريم؛ فنوح قال: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: 72]، وإبراهيم عليه السلام يقول: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: 131]، ويعقوب يوصي بنيه قائلا: يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: 132]، ويوسف يناجي ربه قائلا: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: 101]، وموسى يقول لقومه: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس: 84]، والحواريون يجيبون المسيح قائلين: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52] . وهكذا، فما من نبي إلا ولهج لسانه بكلمة الإسلام الخالدة؛ لأن مهمتهم واحدة وأساس دعوتهم واحد؛ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
…
[الشورى: 13] .
وإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا كانت رسالات الأنبياء السابقين محدودة الزمان والمكان والبيئة، وكانت رسالة خاتمهم محمد- عليه الصلاة والسلام عامة لكل الجنس البشري في كل زمان ومكان؟ أما كون رسالات الأنبياء السابقين كانت محدودة الزمان والمكان والبيئة؛ فهذه حقيقة تاريخية. فنوح وهود وصالح وإبراهيم
(1) ابن حجر العسقلاني- فتح الباري بشرح صحيح البخاري (6/ 158) .
وموسى عليهم السلام كان كل منهم مرسلا إلى قومه فقط، بنص القرآن الكريم «1» . وأما كون رسالة محمد- عليه الصلاة والسلام عامة لكل الجنس البشري؛ فهذه أيضا حقيقة بنص القرآن الكريم بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107]، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: 28] ، قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: 158] . أما الإجابة عن السؤال المتقدم ذكره؛ فإننا نقول: إن ذلك شيء طبيعي، اقتضته طبيعة التطور البشري، منذ أن خلق الله البشر حتى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. ولتقريب الموضوع إلى الأذهان فإنه لا مانع من أن نشبه البشرية بطفل أخذ ينمو ويكبر، ويمر بالمراحل التي لا بد أن يمر بها، حتى ينضج ويكتمل نموه الجسدي والعقلي، وإذا جاز لنا ذلك، فلا مانع أيضا من أن نشبه الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- بأطباء «2» مع احتفاظنا للأنبياء جميعا- عليهم الصلاة والسلام- بمقامهم السامي أخذ كل واحد منهم يصف للبشرية- التي شبهناها بالطفل في نموه- الغذاء الذي يناسب كل مرحلة من مراحل نموها، حتى جاء خاتم الأنبياء محمد- عليه الصلاة والسلام وقد نضجت البشرية، واكتمل عقلها وأصبحت مستعدة لتقبل رسالة عالمية، تصلح مبادئها وتشريعاتها أساسا لحياة فاضلة لكل البشرية في الدنيا، وتضمن سعادتها في الآخرة، دون تفرقة بين جنس وجنس، أو بين أمة وأمة، بل مساواة مطلقة، في الحقوق والواجبات، ولا تفاضل بين إنسان وآخر إلا على أساس التقوى والعمل الصالح، يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ
…
[الحجرات: 13] . وتؤكد أعمال الرسول وأقواله معنى المساواة التامة بين الناس جميعا، ولم يكتف الإسلام في هذه الناحية- كشأنه دائما في كل تشريعاته ومبادئه- بوضع القواعد النظرية فقط، وإنما طبق هذه المبادئ تطبيقا عمليّا في واقع الحياة بصورة مثالية، لم يسبق لها مثيل في تاريخ العالم، فلقد كان هناك رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا موضع حبه وتكريمه، مع أنهم لم يكونوا عربا، بل كان بعضهم في الأصل رقيقا، فسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، كانت منزلتهم عند الرسول لا تقل عن منزلة كبار الصحابة من أشراف
(1) راجع الآيات الآتية: سورة نوح الآية (1) ، سورة الأنبياء الآية (52) ، سورة الأعراف الآيتان (65، 73) ، سورة الصف الآيتان (5، 6) .
(2)
د. محمد عبد الله دراز- الدين (ص 186) .
العرب، ناهيك عن حبه لمولاه زيد بن حارثة وابنه أسامة الذي كان معروفا بحبّ رسول الله وابن حبّه.
لهذا لا يقلل من شأن الأنبياء السابقين- عليهم الصلاة والسلام- أن تكون رسالاتهم محدودة؛ لأن هذا وضع اقتضاه تطور البشرية، وكل منهم أدى دوره، وكان لبنة في صرح بناء عقيدة التوحيد، حتى جاء الوقت الملائم لوضع اللبنة الأخيرة، فكانت رسالة محمد- عليه الصلاة والسلام وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال آخر- وهو سؤال قديم متجدد- هو: إذا كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عالمية لكل الجنس البشري، فما هو السبيل لحمل الناس كافة على اعتناق هذه الرسالة والإيمان بها؟ والإجابة على السؤال نجدها في القرآن الكريم، حيث حدد لصاحب الرسالة- عليه الصلاة والسلام الأسلوب الذي ينبغي عليه أن يتبعه في الدعوة إلى دينه، حيث يقول: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. [النحل: 125] . وينبه القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدم اللجوء إلى القوة لإكراه أحد على اعتناق الإسلام، وذلك في نص صريح: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.. [البقر: 256] . ويلفت القرآن الكريم نظر النبي إلى أن حمل الناس كافة على اعتناق دين واحد قد يكون أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، فيقول تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس: 99]، ويقول: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يونس: 104] . وقد يتبادر إلى بعض الأذهان أن هاهنا تناقضا؛ إذ بينما نقول: إن رسالة الإسلام عالمية، نعترف بأن حمل الناس كافة على اعتناق دين واحد هو أمر صعب، كما تشير الآيات السابقة، ولكن بشيء من الإمعان والبعد عن الجدل العقيم والتعصب، نجد ألا تناقض هناك على الإطلاق؛ لأن معنى عالمية الإسلام- كما نفهمها نحن المسلمين- أن رسالة الإسلام مفتوحة لكل البشر دون أية قيود، أو عوائق، وليست ديانة مغلقة، أو مقصورة على فئة بعينها كما يدعي اليهود أن ديانتهم خاصة بهم وحدهم، خصهم الله بها دون سائر البشر.
أما نحن المسلمين فلا ندعي ذلك، بل نؤمن- ويشرفنا- أن رسالتنا عالمية، وديننا شامل ومفتوح أمام جميع الناس، من كل جنس ولون، فكل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهو مسلم له كل الحقوق وعليه كل الواجبات التي على المسلمين.