الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العربية، وصل عدد طلابها إلى نحو سبعمائة طالب وطالبة لتلقي العلم هناك «1» .
*
الاستشراق والحروب الصليبية:
كانت الهجمة البربرية التي شنها الغرب الأوربي على الشرق الإسلامي، والتي عرفت بالحروب الصليبية، والتي دامت نحو قرنين من الزمان، كانت هذه الهجمة نتيجة للشحنة الهائلة من الكراهية والبغضاء والحقد على الإسلام والمسلمين، والتي شحن بها المستشرقون المتعصبون، وبصفة خاصة من الأوساط الكنسية والديرية، الشعوب الأوربية ضد الإسلام والمسلمين، فإن معظم الجموع الهمجية الهائجة التي هاجمت الشرق الإسلامي، كانت تعتقد بأن المسلمين كفرة ومتوحشين، كما علمتهم الكنيسة ورجالها من المبشرين والمستشرقين على مدى أجيال، وما دام المسلمون كفرة ومتوحشين فيجب إبادتهم؛ بل إن البابا أخبرهم بأن قتال هؤلاء المسلمين الكفرة واجب ديني مقدس، ووعدهم بغفران ذنوب من يشترك فيها، فضلا عن الغنائم الوفيرة «2» ، فاندفعوا اندفاعتهم الوحشية، وكان ما كان.
وهذه الحروب الصليبية التي كانت نتيجة الحقد الدفين لدى الغربيين، والذي غزاه الاستشراق المتعصب، هذه الحروب ذاتها زادت من جذوة الكراهية، والعداء المتبادل بين المسلمين والأوربيين، وأدت إلى اتساع دائرة الاستشراق، فقد فوجئ الصليبيون بأن الشرق الإسلامي لم يكن بلاد الكفر والجهل والوحشية كما علمتهم الكنيسة وشحنتهم بالعداء على مدى أجيال؛ بل وجدوه يتمتع بحضارة زاهرة، جديرة بأن يتعلموا منها، ولكن الغريب أنهم لم يتخلوا قط عن روح العداء والتعصب ضد الإسلام والمسلمين، وانعكست روح العداء هذه في دراسات المستشرقين الذين نشؤوا أثناء الحروب الصليبية وبعدها، الذين أخذوا يتعلمون اللغة العربية لا حبّا فيها؛ ولكن لأنها وسيلة جيدة- من وجهة نظرهم- لفهم الإسلام أكثر، لا للتفاهم مع المسلمين بل لمحاربتهم «3» .
وها هو واحد من المستشرقين المعاصرين، وهو المستشرق الألماني رودي بارت يعترف صراحة بهذا الاتجاه الذي أخذه مسار الاستشراق أثناء الحروب الصليبية
(1) د. علي حسن الخربوطلي- المستشرقون والتاريخ الإسلامي (ص 33، 34) .
(2)
محمد العمروسي المطوي- الحروب الصليبية في الشرق والغرب (ص 34) ، طبع دار الغرب الإسلامي- بيروت (1982 م) .
(3)
بين الإسلام والغرب، مرجع سابق (ص 201) .
وبعدها، فيقول:«إذا نظر المرء إلى الوراء، إلى تاريخ تطور الاستشراق، ولم يتردد في التبسيط رغبة في زيادة الوضوح، فإنه يستطيع أن يقول: إن بداية الدراسات العربية والإسلامية ترجع إلى القرن الثاني عشر، ففي عام (1143 م) تمت ترجمة القرآن لأول مرة، إلى اللغة اللاتينية، بتوجيه من الأب بيتروس فينيرابيليس، رئيس دير كلوني وكان ذلك على أرض أسبانيا، وعلى الأرض الأسبانية، وفي القرن الثاني عشر أيضا نشأ أول قاموس لاتيني عربي، وفي القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر، بذل رايموندوس- المولود في جزيرة ميورقة- جهودا كبيرة لإنشاء كراسي لتدريس اللغة العربية، وكان قد تعلم اللغة العربية على يد عبد عربي، وكان الهدف من هذه الجهود في ذلك العصر والقرون التالية هو التبشير، وإقناع المسلمين بلغتهم ببطلان دينهم واجتذابهم إلى الدين المسيحي، ويمكن الاطلاع على هذا الموضوع بتفصيلاته في الكتاب الكبير الذي وضعه نور من دانييل باسم «الإسلام والغرب» سنة (1960 م) ، والطبعة الثانية (1963 م) ، وكان موقف الغرب المسيحي في العصر الوسيط من الإسلام هو موقف العداء والمشاحنة فحسب، حقيقة إن العلماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط كانوا يتصلون بالمصادر الأولى في تعرفهم على الإسلام، وكانوا يتصلون بها على نطاق كبير، ولكن كل محاولة لتقييم هذه المصادر على نحو موضوعي نوعا ما، كانت تصطدم بحكم سابق، يتمثل في أن هذا الدين المعادي للمسيحية لا يمكن أن يكون فيه خير، وهكذا كان الناس لا يولون تصديقهم إلا تلك المعلومات التي تتفق مع هذا الرأي المتخذ من قبل، وكانوا يتلقفون بنهم كل الأخبار التي تلوح لهم مسيئة إلى النبي العربي ودين الإسلام» «1» .
هذا هو اعتراف واحد من كبار المستشرقين الأوربيين المعاصرين، بأن موقف العداء والتعصب من طائفة كبيرة من المستشرقين، وبصفة خاصة رجال اللاهوت ضد الإسلام ورسوله ورسالته، هذا الموقف العدائي لم يتغير حتى بعد احتكاكهم الطويل بالمسلمين في الحروب الصليبية، واطلاعهم على الحضارة الإسلامية، وعلى التسامح الإسلامي الذي كان يتحلى به القادة المسلمون تجاه الصليبيين، وبصفة خاصة صلاح الدين الأيوبي الذي ضرب أروع الأمثلة في التسامح مع الأعداء، ومعاملتهم معاملة كريمة «2» .
(1) رودي بارت- الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الإلمانية (ص 9، 10) ، ترجمة د. مصطفي ماهر، دار الكتاب العربي- القاهرة.
(2)
محمد العمروسي المطوي- الصليبية في المشرق والمغرب (ص 85، 86) .
كل ذلك لم يؤثر فيهم، ولم يحملهم على مراجعة مواقفهم؛ لأن شحنة العداء التي شحنتهم بها الكنيسة ورجالها كانت أكبر وأعمق من قدرتهم على التخلص منها، فاستمروا في عدائهم وحقدهم، بل أخذ هذا العداء وذلك الحقد في الازدياد بعد أن غير التاريخ مساره، وأصبحت الغلبة للأوربيين على العالم الإسلامي منذ طرد المسلمين من الأندلس في نهاية القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، ومطاردتهم إلى شمال إفريقيا، ثم تطويق العالم الإسلامي من الخلف، ووصول الأساطيل البرتغالية إلى مداخل البحر الأحمر الجنوبية، وتلتها الأساطيل الإنجليزية والفرنسية والهولندية
…
إلخ، وبدأت قصة استعمار أوربا لمعظم بلاد وأقطار العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، وهنا دخل الاستشراق ليقوم بمهمة تسهيل أمر السيطرة الغربية على العالم الإسلامي، منفذين كل الدراسات التي يحتاجها رجال السياسة وصناع القرار في العواصم الغربية، الذين كان يهمهم الوقوف على التاريخ العربي والإسلامي، والكشف عن الحضارة العربية والتراث الإسلامي، فأحسنت كل دولة إلى مستشرقيها، فضمهم ملوكهم إلى حاشيتهم، أمناء أسراره وتراجمه، وانتدبوهم للعمل في سلكي الجيش والديبلوماسية إلى بلدان الشرق، وولوهم كراسي اللغات الشرقية، في كبرى الجماعات والمدارس الخاصة، والمكتبات العامة والمطابع الوطنية، وأجزلوا عطاءهم في الحل والترحال، ومنحوهم ألقاب الشرف وعضوية المجامع العلمية «1» .
ليس من غرضنا من كل ما تقدم في هذه الورقة أن نصم كل المستشرقين بالتعصب ضد الإسلام والمسلمين، ولا أن نجحد فضل المستشرقين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم في الكشف عن كثير من كنوز حضارتنا، وتحقيقهم للكثير من مخطوطاتنا العربية الإسلامية، وبعثها في ثوب جديد وقشيب، كل ذلك نذكره ونشكرهم عليه؛ لأننا قوم لا نجحد فضل صاحب الفضل، هكذا علمنا ديننا وعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي نريد أن يعلمه قومنا أن الأصوات العاقلة والمنصفة من بين المستشرقين، والتي أنصفت الإسلام ورسوله ورسالته وحضارته- وهي كثيرة- هذه الأصوات ضاعت وسط الأصوات الحاقدة المتعصبة، ولم يعد لها أثر في الذهنية الأوربية والأمريكية، والأثر الذي بقي في الذهنية هو الأثر السلبي الذي تركته الكتابات الحاقدة والمتعصبة، والذي لا يزال يوجه شعور الأوربيين نحو الإسلام والمسلمين، وهو شعور الاستعلاء والتكبر على كل ما هو إسلامي، فهل
(1) بين الإسلام والغرب، مرجع سابق (ص 203، 204) .
يجدي أن نظل نحن متسامحين مع قوم يكنون لنا كل الكره والعداء والاحتقار والازدراء، وكل هذا يعلمونه لأولادهم في مدارسهم وجامعاتهم، ليشبوا على كرهنا واحتقارنا، وبهذه المناسبة كتبت أستاذة مصرية تعمل في جامعة جنيف بسويسرا مقالا حديثا في جريدة الأهرام القاهرية عن صورة الإسلام في المناهج الدراسية في الغرب سأنقله هنا كاملا؛ لأنه مهم جدّا، ويغني عن كل تعليق؛ لأنه شهادة أستاذة جامعية تعيش في الغرب وبين أهله، وتحس بشكل مباشر بما يكنونه لنا في قرارة نفوسهم، تقول الأستاذة الدكتورة فوزية العشماوي «1» : «إن قضية صورة الإسلام في المناهج الدراسية في الدول الأوربية والأمريكية من أهم القضايا التي يجب أن يوليها القائمون على التربية والتعليم في الدول العربية والإسلامية اهتمامهم، إذا رغبنا في التعايش السلمي، والرغبة الحقيقية في أن يسود العالم سلام شامل وعادل، وعلينا أن نعيد قراءة كتب التاريخ المدرسية، خاصة إعادة قراءة ما سطره الغربيون في كتب التاريخ المدرسية عن الإسلام والمسلمين، بهدف تقليل الاختلاف والحد من التناقضات التى تعرقل الحوار بين الشمال والجنوب، فيجب أن نستخرج من المناهج الدراسية كل الأنماط الثابتة، أي: الأنماط الذهنية المتكونة عن المسلمين في الوعي الأوربي والصورة التي يتم تكرارها بأسلوب سلبي كلما جاء ذكر المسلمين، وكذلك الأحكام التقديرية المسبقة، التي تعكس وجهة نظر متعنتة تجاه الإسلام، وتبرز مدى تحيز مؤلفي تلك المناهج التاريخية وفقدانهم لروح الموضوعية.
وسنقدم بعض الاقتراحات لإعادة صياغة المناهج الدراسية بهدف تصحيح الأفكار المسبقة والمعتقدات الخاطئة المتوارثة، وذلك في سبيل تحقيق مفهوم أفضل عن الآخر، وتعريف أفضل بالتاريخ الإسلامي الصحيح.
أوربا محور العالم: حين نستعرض كتب التاريخ المدرسية الغربية، ونقوم بتحليل ما تذكره عن الإسلام، وعن العالم الإسلامي، نجد أن الصفحات المخصصة لعرض كل ما يتعلق بالإسلام لا تزيد عن عشر صفحات من إجمالي كتاب التاريخ، الذي يتراوح عدد صفحاته في الغالب ما بين 200، 300 صفحة، أي النسبة لا تزيد عن 3 من المقرر الدراسي، وهي نسبة ضئيلة جدّا بالمقارنة بباقي المقرر، أي:
بنسبة 97 المخصصة لتاريخ أوربا وأمريكا، وفي الغالب يكون الفصل المخصص للعالم الإسلامي مندرجا في إطار بلاد العالم الثالث، سواء من الناحية الجغرافية،
(1) مقال في جريدة الأهرام القاهرية بتاريخ (14 يناير سنة 2000 م) بعنوان «صورة الإسلام في المناهج الدراسية في الغرب» .
للعالم الإسلامي مندرجا في إطار بلاد العالم الثالث، سواء من الناحية الجغرافية، أو من الناحية التاريخية، وأحيانا يأتي ذكر الإسلام والمسلمين كحضارة من الحضارات، أو كتيار من التيارات الدينية والأيديولوجية التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ، والمنتشرة حاليا في العالم، وكثيرا ما يأتي ذكر الإسلام في إطار توزيع الثروات الطبيعية في العالم، ويقترن ذكر الإسلام والمسلمين بالبلاد المنتجة للنفط؛ لأن معظمها يدين بالدين الإسلامي، ولقد لاحظنا أن معظم المناهج الدراسية في الدول الأوربية تجعل من أوربا المحور الذي تدور حوله الأحداث التاريخية المهمة، ولا تعرض كتب التاريخ ما جرى من أحداث تاريخية مهمة في دول الجنوب أو في منطقة الشرق الأوسط، وقارتي آسيا وإفريقيا، فالاهتمام كله منصب على أوربا وتاريخها القديم والحديث، أما الأحداث التاريخية المهمة، التي تعتبر علامات ثابتة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية فيتم إغفالها تماما، ويتم التركيز فقط على بعض الأحداث غير ذات الأهمية، والتي تبرز تفوق أوربا وانتصارها على المسلمين.
لقد قمنا عام (1994 م) بإجراء دراسة مقارنة باللغة الفرنسية عن صورة المسلم في كتب التاريخ المدرسية في بعض دول البحر الأبيض المتوسط: فرنسا وأسبانيا واليونان، تحت إشراف اليونيسكو، وقد اهتممنا في هذه الدراسة بكتب التاريخ في نهاية المرحلة الابتدائية، وجاء في نتائج البحث أن التاريخ الذي يتم تدريسه للتلاميذ الأوربيين الصغار يعلمنا أشياء مختلفة تماما عما يتم تدريسه للتلاميذ العرب المسلمين في مدارس جنوب البحر الأبيض المتوسط، كما لا يتم عرض المفاهيم الإسلامية بأسلوب علمي، فنجد أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم يتم تقديمه أحيانا على أنه رسول، وأحيانا على أنه شاعر ملهم يرى رؤى خارقة، ولهذا الغرض يستخدم مؤلف الكتاب المدرسي صيغة فعل الشك والهدف من وراء ذلك هو زرع الشك في نفوس صغار التلاميذ في مصداقية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد لاحظنا أثناء إجراء هذه الدراسة عن صورة المسلم في المناهج الأروبية، أنه في أغلب الأحيان يبدأ الحديث عن الإسلام بذكرى الانتشار السريع المخيف للإسلام من خلال الفتوحات الإسلامية، في القرنين السابع والثامن الميلاديين، وكيف أن جيوش المسلمين الزاحفة على أوربا اكتسحت تلك البلاد، واستولت عليها بقوة السيف، وأذلت أهلها، ونهبت أموالهم وثرواتهم، حتى كانت هزيمة المسلمين على يد شارل مارتال؛ القائد الفرنسي في معركة بواتية في جنوب فرنسا عام (732 م) ، أما أهم فصل فهو الفصل الخاص
بالحروب الصليبية، فإن هذه المناهج تصور الحروب الصليبية على أنها حروب كان الهدف الأساسي منها هو تحرير بيت المقدس من أيدي «الكفار» ، أي المسلمين الذين كانوا- حسب ادعاء الأوربيين- يحتلونها، ويسيؤون معاملة المسيحيين الشرقيين، أي: المقيمين في الشرق الأوسط، وكذلك يسيؤون معاملة الحجاج المسيحيين القادمين من أوربا، لزيارة الأماكن المقدسة المسيحية في القدس، وهذا الوصف يجعلنا نشعر بأن الأوربيين مصرون على تصوير المسلمين على أنهم كفار مثلما كانوا يطلقون عليهم في القرون الوسطى، فلا يوجد أي تعليق على هذا اللفظ سوى وضعه بين قوسين؛ ليفهم التلميذ أن اللفظ منقول كما هو من مصدر ما؛ أي: أنه دون محاولة من مؤلف الكتاب المدرسي لتصحيح هذا المفهوم الخاطئ عن المسلمين؛ كذلك أغفلت المناهج الدراسية الغربية التنديد بوحشية الصليبيين، وعدم تسامحهم مع سكان بيت المقدس، حين انتزعوها من أيدي المسلمين عام (1099 م) ، بينما التاريخ العالمي والموسوعات العلمية الكبرى اعترفت بأن الصليبيين ذبحوا أكثر من 70 ألف من المدنيين؛ من أهالي القدس دون تمييز بين النساء والأطفال والشيوخ، أو بين مسلمين ويهود ومسيحيين، كذلك لزمت المناهج الدراسية الغربية الصمت التام، أو الإغفال التام لتسامح المسلمين، حين استعاد المسلمون القدس عام (1187 م) على يد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، الذي أصدر العفو العام على كل الأهالي- المسيحيين الغربيين- وهذا إغفال متعمد، لإخفاء الحقائق التاريخية، التي سجلها التاريخ، وغني عن القول أن الدافع وراء هذا الإغفال هو تشويه صورة المسلمين في ذهن التلاميذ الغربيين، والإصرار على عدم تصحيح المفهوم الخاطئ الذي ترسب في عقول التلاميذ، وما زال عالقا بها حتى اليوم، ولعل أكثر الأمثلة دلالة على ظاهرة الإغفال المتعمد هو إغفال المناهج الدارسية الغربية الاعتراف بفضل الفلاسفة والعلماء العرب المسلمين على النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر الميلادي، ونادرا ما تذكر المناهج الدارسية اعترافا بدين أوربا تجاه علماء المسلمين؛ من أمثال ابن رشد، وابن المقفع، والخوارزمي، وابن سينا، وابن النفيس، والذين كانوا منذ القرن التاسع أساتذة ومعلمي أوربا بأسرها.
منهجية تصحيح صورة الإسلام في الغرب: يجب على المسلمين اليوم أن يحرصوا
الإنسان المسلم، وذلك عن طريق التعريف الصحيح بالإسلام، وإنكار السلوكيات المنحرفة والبعيدة عن روح الإسلام في زيادة تشويه صورة الإسلام في الغرب، وفي نفس الوقت يجب على الغرب أيضا أن يحرص على تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام، والثابتة في وعي الغربيين، والتي يتوارثها جيلا بعد جيل، عن جهل بالإسلام الحقيقي، ومفاهيمه الصحيحة، وروحانياته السامية، ويجب على الدول الغربية؛ حكومات ومؤسسات أهلية، أن تعترف بحق الإنسان المسلم- سواء الذي يعيش في دولة إسلامية أو في دولة أوربية أو أمريكية- في أن يدافع عن عقيدته الإسلامية ويمارسها بحرية؛ فهذا حق أساسي من حقوق الإنسان، يجب أن يحترمه الغربيون، ويحترمون الخصوصيات الدينية والثقافية للمسلمين، خاصة المسلمين المقيمين في الدول الغربية.
ونحن نعتقد أن تصحيح صورة الإسلام المشوهة في الغرب لن يتم إلا عندما يبدأ الغرب في التخلص من أثر الموروث التاريخي في وعيه وعقله عن الإسلام، على الغرب أن ينظر إلى الإسلام بموضوعية وعقلانية، ويطرد من فكره الأنماط المتجمدة عن الإسلام والمسلمين» .
هذه الصورة الشائعة عن الإسلام في الغرب، والتي تحتويها مناهج الدراسة في المدارس والجامعات، والتي تضمنها هذا التقرير، أو هذه الدراسة التي تمت تحت إشراف هيئة دولية، هي هيئة اليونيسكو، هذه الصورة الشائعة عن الإسلام في الغرب هي من غرس المستشرقين المتعصبين منذ ظهر الاستشراق وحتى يوم الناس هذا، ولا سبيل إلى تصحيح هذه الصورة إلا بتغيير المناهج الدراسية في الغرب، فهل الغرب على استعداد أن يقدم على هذه الخطوة؟
أغلب الظن أنه لن يفعلها أبدا؛ لأن الغرب أحرص على بقاء صورة الإسلام مشوهة منه على تصحيحها؛ لأن بقاء الصورة المشوهة هو الذي يجعل أبناءهم يشبون على كره الإسلام والمسلمين واحتقارهم، وهؤلاء الأبناء عندما يصبحون ساسة وقادة يتعاملون مع الإسلام وعالمه من هذه الخلفية الكريهة المشوهة، وهذا ما نلمسه ونشاهده ونراه رأي العين في كل مكان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبعد؛ هذا هو البحث المتواضع الذي قدمته إسهاما في أعما لهذا الملتقى الدولي، الذي تنظمه كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية بجامعة وهران، عن
الدراسات الاستشراقية، فإن وجدت فيه القارئ الكريم بعض النفع فهذا من فضل الله، وإلا فاغفر لي ضياع وقتك، والله من وراء القصد.