الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يزيد من معاناة تلك الشعوب السوفيتية أيضا ما كانت تراه وتسمعه عن حياة البذخ- الذي لا حدود له- التي كان يحياها أعضاء الحزب الشيوعي وعائلاتهم وأنصارهم، وأن كل متطلبات الحياة المترفة كانت في متناول أيديهم وبأيسر السبل، ومن منتجات الغرب الرأسمالي، بدا من العطور الفاخرة وانتهاء بالسيارات الفارهة، أو قل: بدون انتهاء.
خلاصة القول: أن الولايات المتحدة أخذت تخطط هي وحلفاؤها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لهزيمة الاتحاد السوفيتي بدون حرب، وقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا، كشف عنه نيكسون في كتابه «نصر بلا حرب» ثم جاءت الفرصة الذهبية، وهي غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، الأمر الذي عجل بانهيار الاتحاد السوفيتي، بل زواله، وزوال الشيوعية بالتالي ولتنفرد الولايات المتحدة بزعامة العالم وفي ذلك ما فيه ونردد قول ربنا عز وجل: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [الجن: 10] .
*
حربا الخليج الأولى والثانية وتدمير العراق:
إن الهدف الاستراتيجي للسياسة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة هو إضعاف الأمة العربية إلى أقصى حد لمصلحة إسرائيل، وبصفة خاصة دوله الفاعلة والتي يخشى منها على إسرائيل، وفي مقدمتها مصر وسوريا والعراق، وهذا الهدف الاستراتيجي الغربي لم يتغير حتى بعد بدء عملية السلام مع إسرائيل والتي قادتها أكبر دولة عربية، وهي مصر، منذ زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات للقدس في (19 نوفمبر سنة 1977 م) .
ويكفي في هذا المجال أن نلقي نظرة على مقال نشر في صحيفة «كيفونيم» اليهودية بتاريخ (14 نوفمبر 1982 م) واقتبس منه روجيه جارودي في كتابه «ملف إسرائيل؛ دراسة للصهيونية العالمية» هذا المقال يوضح السياسة المطلوب اتباعها في المنطقة المحيطة بإسرائيل. يقول المقال بالنص ما يلي: «استعادة سيناء بثرواتها هدف ذو أولوية. ولكن اتفاقات كامب ديفيد تحول الآن بيننا وبين ذلك..
لقد حرمنا من البترول وعائداته، واضطررنا للتضحية بأموال كثيرة في هذا المجال.
ويتحتم علينا الآن استرجاع الوضع الذي كان سائدا في سيناء قبل زيارة السادات المشؤومة، وقبل الاتفاقات التي وقعت معه سنة 1979 م
…
والوضع الاقتصادي في
مصر، وطبيعة النظام الموجود بها، وسياستها العربية كل هذا سيؤدي إلى مجموعة ظروف تدفع بإسرائيل إلى التدخل.. فمصر بسبب نزاعاتها الدخلية لم تعد تشكل بالنسبة إلينا مشكلة استراتيجية ومن السهل أن نجعلها تعود خلال 24 ساعة إلى الوضع الذي كانت عليه بعد حرب يونيو (1967) . لقد ماتت أسطورة مصر زعيمة العالم العربي، وفقدت مصر 50 من قدرتها.. وكبناء موحد أصبحت مصر جثة هامدة، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار المجابهة المتزايدة والمتصاعدة بين المسلمين والمسيحيين، بها ويجب أن يكون هدفنا هو تقسيمها إلى أقاليم جغرافية متباينة في الثمانينيات، فإذا تمت تجزئة مصر، وإذا فقدت مصر سلطتها المركزية، فلن تلبث بلدان مثل ليبيا والسودان وبلدان أخرى أبعد من ذلك أن يصيبها التحلل، وتشكيل حكومة قبطية في مصر العليا- الصعيد- وإقامة كيانات صغيرة إقليمية، هو مفتاح تطور تاريخي. يؤخره حاليا اتفاق السلام، ولكونه تطور آت لا محالة على الأجل الطويل.. ومشكلات الجبهة الشرقية أكثر وأشد تعقيدا من مشكلات الجبهة الغربية.
وهذا على عكس ما يبدو في الظاهر. وتقسيم لبنان إلى خمسة أقاليم يوضح ما يجب أن ينفذ في البلدان العربية، وتفتيت العراق وسوريا إلى مناطق تحدد على أساس عنصري أو ديني يجب أن يكون هدفا ذا أولوية بالنسبة لنا على الأجل الطويل. وأول خطوة لتحقيق ذلك هو تدمير القوة العسكرية لتلك الدول.
والتشكيل السكاني لسوريا يعرضها للتمزق، وقد يؤدي إلى إنشاء دولة شيعية على الساحل، ودولة سنية في منطقة حلب، وأخرى في دمشق، وإنشاء كيان درزي قد يرغب في أن تحول إلى دولة على أرض الجولان التابعة لنا تضم حوران وشمال المملكة الأردنية.. ومثل هذه الدول ستكون على المدى الطويل ضمانا لأمن وسلام المنطقة. وهذا هدف في متناولنا فعلا تحقيقه. أما العراق فهي غنية بالبترول، وفريسة لصراعات داخلية وسيكون تفككها أهم بالنسبة لنا من تحلل سوريا؛ لأن العراق يمثل- على الأجل القصير- أخطر تهديد لإسرائيل، وقيام حرب سورية عراقية سيساعد على تحطيم العراق داخليّا، قبل أن يصبح قادرا على الانطلاق في نزاع كبير ضدنا، وكل نزاع داخلي عربي سيكون في صالحنا، وسيساعد على تفكك العرب.. وربما ساعدت الحرب العراقية الإيرانية على ذلك الانحلال والضعف في صفوف العرب.. والأردن هدف استراتيجي في التو واللحظة، لن
يشكل أي خطر لنا على الأمد الطويل، بعد تفككه ونهاية حكم الملك حسين، وانتقال السلطة إلى الأغلبية الفلسطينية.
وذلك أمر يجب أن يسترعي انتباه السياسة الإسرائيلية، فمعنى هذا التغيير هو حل مشكلة الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية العربية الكبيرة، فهجرة هؤلاء العرب شرقا- إما بالسلم أو بالحرب- وتجميد نموهم الاقتصادي والسكاني هو الضمانات الأكيدة للتحولات المقبلة. وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا للإسراع بتلك العملية.
وينبغي رفض خطة الحكم الذاتي، وأية خطوة أخرى تتضمن حلّا وسطا أو تعايشا وتصبح بالتالي عقبة في سبيل فصل الأمتين ويجب أن يفهم العرب الإسرائيليون- أي الفلسطينيون- أنه لا يمكن أن يكون لهم وطن إلا في الأردن ولن يعرفوا الأمن إلا بالاعتراف بالسيادة اليهودية على كل ما يقع بين البحر ونهر الأردن» «1» . هذه مقتطفات من ذلك المقال الخطير الذي يشرح ما تبيته السياسة الإسرائيلية للأمة العربية، من أجل أن تبقى الدولة اليهودية وتتوسع وتزدهر وتهيمن وتسيطر على المنطقة العربية برمتها، وإذا حدث ذلك، تستطيع السيطرة على العالم الإسلامي كله، واليهود لا يخفون تطلعاتهم تلك بل يعلنونها في كل مناسبة، وهذا أمر لا نستبعد حدوثه لهشاشة النظم في العالم الإسلامي وقابليتها الكبيرة للاختراق- على غرار نظرية مالك بن نبي- قابلية الاستعمار- وإذا قلنا: إن هذا هو فحوى السياسة الإسرائيلية ونواياها السيئة نحو الأمة العربية- حتى بعد بدء عملية السلام. ومن أكبر دولة عربية هي مصر- فإن هذه هي الترجمة الحقيقية للسياسة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية نحو الأمة العربية، فكل ما تخطط له إسرائيل لمستقبل المنطقة يكون ليس فقط بموافقة أمريكا، بل بمباركتها ودعمها السياسي والعسكري والاقتصادي اللامحدود. وهناك تطابق كامل بين السياسة الإسرائيلية والسياسة الأمريكية نحو المنطقة، حتى أن بعض الباحثين العرب- إدوارد سعيد- لا يرى فرقا بين إسرائيل وأمريكا، ولذلك اخترع اسما جديدا لهما معا فقال بحق عنهما:
إسرائيكا، بل إن بعض الباحثين يري أنه ليس هناك سياسة أمريكية فيما يتعلق بالأمة العربية، بل هي سياسة إسرائيلية تباركها وتساعد على تنفيذها أمريكا.
(1) روجيه جارودي- ملف إسرائيل، دراسة للصهيونية العالمية- ترجمة مصطفى كامل فودة، إصدار دار الشرق بالقاهرة- الطبعة الثانية (1404 هـ/ 1984 م) مقتطفات من (ص 161- 164) نقلا عن محمد قطب- واقعنا المعاصر (ص 532- 534) .