الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البصرة والكوفة إلى خراسان «1» ، كان لهم أكبر الأثر في إقبال الفرس على الإسلام في حرية تامة ودون إكراه «2» .
لم تتغير سياسة معاوية طوال العهد الأموي، وأثمرات ثمارا طيبة وتحولت غالبية الشعب الفارسي إلى الإسلام، بل إن إقبال الفرس على اعتناق الإسلام بكثرة هائلة خلق للولاة الأمويين مشكلة مالية، فقد تناقصت الجزية بإعفاء المسلمين الجدد منها- كما تقضي بذلك تعاليم الإسلام- هنا وقع الولاة في خطأ فاحش حيث أداهم حرصهم على جباية الأموال إلى إبقاء الجزية على المسلمين الجدد، وهو الأمر الذي بقي إلى أن ألغاه عمر بن عبد العزيز (99- 101 هـ) فأمر برفع الجزية عن المسلمين الجدد، وصاح في الولاة صحيته المشهورة قائلا:«قبّح الله رأيكم، إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا» «3» . المهم أن معاوية آثر نشر الإسلام والتمكين له في البلاد المفتوحة- خاصة بلاد فارس- على فتح مزيد من الأرض، ولقد أثبتت الأيام ووقائع التاريخ صحة وسلامة تلك السياسة وأصبحت بلاد فارس كلها إسلامية، وستقوم بدور رئيسي ورائد في فتح بلاد ما رواء النهر.
*
بلاد ما وراء النهر قبيل الفتح الإسلامي:
بلاد ما وراء النهر؛ تعبير أطلقه الجغرافيون والمؤرخون المسلمون على المنطقة المحصورة بين نهري، جيحون- آموداريا- في الجنوب، وسيحون- سرداريا- في الشمال، وتقع تلك البلاد في شمال شرق الدولة الفارسية القديمة، وسكانها من العنصر التركي الذي انحدر إليها من الشرق منذ القرن السادس الميلادي وكونوا لهم عدة ممالك مستقلة فيها. وأهم مصدر حديث يمدنا بمعلومات قيمة عن سكان ما وراء النهر، هو دراسة المؤرخ الروسي الأستاذ/ بارتولد المتخصص في تاريخ الترك في آسيا الوسطى، والذي اعتمد بدوره على آثار أرخون، التي يعتبرها أهم مصدر في الكشف عن ظهور الترك في آسيا الوسطى، يقول عنها: «ومن الآثار التي تهم صاحب الدراسات التركية، وتهم المؤرخ أيضا آثار أرخون، وهي تخلد أقدم ذكر للسان التركي، وقد اكتشفت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وهي أهم
(1) انظر البلاذري- فتوح البلدان (ص 507) .
(2)
توماس آرنولد- الدعوة إلى الإسلام (ص 238) .
(3)
انظر ابن عبد الحكم- فتوح مصر (ص 107) .
آثار تركية أنشأها الترك أنفسهم عن تاريخهم، فأصحاب هذه الآثار قد سموا أنفسهم لأول مرة في التاريخ بالترك. وهم قوم قد ظهروا في القرن السادس الميلادي واستولوا في زمن قصير على مساحات من حدود الصين إلى حدود إيران وبيزنطية» «1» .
وقد ذهب الأستاذ بارتولد إلى أن سكان ما وراء النهر من أصل تركي وليسوا خليطا من الأتراك والإيرانيين كما يرى الدكتور شكري فيصل «2» . ومن الكتب الحديثة ذات القيامة أيضا في دراسة هذه المنطقة وسكانها وفتحها وانتشار الإسلام فيها كتاب الأستاذ الدكتور/ حسن أحمد محمود، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة وعنوانه:«الإسلام في آسيا الوسطى، بين الفتحين العربي والتركي» هذا بالإضافة إلى المصادر القديمة تاريخية وجغرافية وكتب الرحلات.. إلخ.
ويرى الأستاذ بارتولد أن سكان ما وراء النهر وإن كانوا قد تأثروا بالثقافة الإيرانية لتفوقها الحضاري، إلا أن الدولة الساسانية لم تستطع أن تفرض نفوذها السياسي عليهم؛ لانشغالها الدائم بصراعها مع الدولة البيزنطية «3» ، وكان هذا الوضع مفيدا لسكان ما وراء النهر؛ حيث مكنهم من إقامة عدة ممالك مستقلة في الفترة السابقة على الفتح الإسلامي، وكانت تلك الممالك كالآتي:
1-
مملكة طخارستان، وكانت أهم تلك الممالك وتقع على جانبي نهر جيحون وعاصمتها مدينة بلخ، التي نسب إليها نهر جيحون، حيث كان يطلق عليه نهر بلخ «4» .
2-
مملكة الختل، وهي أول مملكة وراء نهر جيحون، وقصبتها مدينة هلبك «5» .
3-
مملكة صغانيان، وهي ولاية عظيمة وقصبتها صغانيان أيضا «6» .
4-
مملكة الصغد، وقصبتها مدينة سمرقند، ويقال: هما صغدان، صغد سمرقند، وصغد بخارى «7» .
(1) انظر بارتولد: تاريخ الترك في آسيا الوسطى (ص 2، 3) وانظر أيضا د/ حسن أحمد محمود الإسلام في آسيا الوسطى (ص 135) وما بعدها.
(2)
حركة الفتح الإسلامي (ص 192) .
(3)
بارتولد- تاريخ الترك في آسيا الوسطى (ص 40) .
(4)
المسعودي- مروج الذهب (1/ 101) .
(5)
ياقوت الحموي- معجم البلدان (2/ 346) .
(6)
ياقوت (3/ 408، 409) .
(7)
ياقوت (3/ 409) .
5-
مملكة خوارزم، وقصبتها مدينة الجرحانية «1» .
هذه هي أقاليم ما وراء النهر التي فتحها المسلمون في عهد الخليفة الأموي الوليد ابن عبد الملك بن مروان (86- 96 هـ) بقيادة البطل الفاتح قتيبة بن مسلم الباهلي إضافة إلى عدة أقاليم شرقي نهر سيحون، وهي فرعانة والشاش وأشروسنة، ولقد مضى قتيبة في فتوحاته حتى وصل إلى منطقة كاشغر ملامسا الصين فكيف كانت الأوضاع السياسية والاجتماعية لهذه البلاد عند ما فتحها المسلمون؟
تفيد الدراسات الحديثة لهذه المنطقة ومن أهمها كتاب «تاريخ بخارى» للباحث المجري أرمينيوس فامبري، وكتاب «تاريخ الترك في آسيا الوسطى» لبارتولد- الذي سبقت الإشارة إليه- وكذلك كتاب الدكتور حسن أحمد محمود «الإسلام في آسيا الوسطى» ، تفيد هذه الدراسات أن تلك البلاد لم تكن مستقرة سياسيّا وكانت المنازعات بينها تكاد تكون مستمرة وقد شكل هذا الوضع خطرا على الوجود الإسلامي في خراسان، وينبغي ألا ننسى أن سكان بلاد ما وراء النهر كانوا قد عبروا نهر جيحون لمقاتلة المسلمين مع يزدجرد الثالث كسرى فارس، قبل مقتله سنة (31 هـ) في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه «2» .
وهذا يعني أن لهم ماضيا عدائيّا تجاه الإسلام والمسلمين الذين قرروا وضع حد لهذه الفوضى الضاربة في هذه البلاد، وضمها للدولة الإسلامية قبل أن يستفحل خطرها، خاصة وأن هذه الممالك التركية كانت المنازعات بينها مستمرة وعلاقاتها مضطربة، ويكفي أن نشير هنا إلى تلخيص الأستاذ جب في كتابه «غزوات العرب في آسيا الوسطى» للوضع السياسي في هذه المنطقة، حيث يقول: كانت الولايات في هذه المنطقة تعترف بالخان سيدا لها، وتدفع له الجزية، وكانت إمارة صغديان مقسمة إلى ولايات صغيرة مستقلة تقوم بينها معاهدات مرنة، وكان أقوى ما يصل بينها من رباط إنما هو تجارة الحرير مع الصين، وأهم مراكزها سمرقند، وبيكند وكش، وكانت سمرقند أوفرها حظّا من النجاح في عالم التجارة، ومنها كانت ترسل البعوث التجارية إلى بلاد الصين، أما المشتغلون بالزراعة فكانوا كلهم من الجنس الآري، وقد ارتبطت الولايات فيما بينهما- عدا ذلك- برباط ثان؛ وهو سيادة أسرة معينة فيها على جميع الأسر الآخرى، ولكنه لم يكن رباطا وثيقا وكل
(1) ياقوت (2/ 395) .
(2)
انظر ابن الأثير الكامل في التاريخ (3/ 119) وما بعدها.