الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يريد الاستيلاء على هذه المدينة العتيدة، وكان على قناعة تامة أنه إذا استطاع الاستيلاء عليها فإن الدولة البيزنطية نفسها سوف تسقط وتنتهي، لأن العواصم للدول بمثابة مركز الأعصاب للإنسان، ولقد كان متأثرا في ذلك بما حدث للدولة الفارسية، فعند ما نجح المسلمون في الإستيلاء على عاصمتها المدائن، انهارت مقاومة الفرس بعدها، وفتح المسلمون كل بلادهم وزالت الدولة الفارسية العتيدة والتي كانت تنافس الروم في زعامة العالم يومئذ، ولم يعد لها وجود. لذلك كرس معاوية جهوده وحشد أساطيله، وغزا عاصمة القياصرة أكثر من مرة سنة (49- 50 هـ/ 669- 670 م) . ومرة أخرى استمر غزوه وحصاره لها نحو سبع سنوات «1» (54- 60 هـ/ 674- 680 م) ، وقد اشترك الأسطول المصري مع الأسطول الشامي في هذا الغزو بعدد هائل من المراكب، نحو ثلاثمائة مركب من المراكب الكبيرة، المزودة بالات القذف التي تتكون من المجانيق وآلات رمي الحجارة «2» .
وهكذا أدى التعاون الوثيق بين مصر والشام في ميدان بناء الأساطيل البحرية إلى بروز قوة بحرية، لم تنجح في حماية شواطئهما من هجمات الروم فحسب، بل أصبحت خطرا على عاصمتهم- القسطنطينية- نفسها، وإذا كان معاوية لم ينجح في فتح القسطنطينية لأسباب كثيرة يطول شرحها، فإنه قد ينجح في جعل الدولة البيزنطية العتيدة تقف موقف الدفاع عن كيانها وعن عاصمتها، كما أن نظرية معاوية كانت سليمة تماما، فإن ما قدره وجعله هدفه قد تحقق بعده بنحو ثمانية قرون، فعندما نجح السلطان العثماني محمد الفاتح في فتح القسطنطينية والاستيلاء عليها سنة (857 هـ/ 1453 م) سقطت الدولة البيزنطية على الفور وانتهت من الوجود، وأصبحت عاصمة القياصرة عاصمة للدولة العثمانية.
*
دور المصريين في إنشاء أسطول المغرب العربي:
تأخر فتح المغرب العربي وأخذ وقتا طويلا، حيث استغرق نحو سبعين عاما من الزمان، وأسباب ذلك كثيرة «3» ؛ منها انشغال الدولة الإسلامية بالفتن والحروب
(1) تاريخ الطبري (5/ 232/ 293) .
(2)
د. سعاد ماهر- البحرية في مصر الإسلامية- مرجع سابق (ص 75) .
(3)
من أهم الأسباب كذلك أن سكان المغرب العربي، الذين يشيع إطلاق كلمة البربر عليهم وهي تسمية لا يرتاحون إليها هم؛ لأن الرومان هم الذين كانوا قد أطلقوها عليهم، أما هم فيرتاحون إلى تسميتهم بالأمازيغ، أي الأحرار بلغتهم. هؤلاء الأمازيغ لديهم عزة وأنفة واعتزاز بكرامتهم لا يقل عما-
الأهلية، أثناء الفتنة الأولى التي اندلعت بين المسلمين منذ منتصف خلافة عثمان بن عفان نحو سنة (30 هـ) . والتي تفاقمت وراح ضحيتها الخليفة نفسه، ثم استمرت لتستغرق كل عهد علي بن أبي طالب (36- 40 هـ)، والذي خاض مع خصومه معركتين مشؤومتين: في الجمل سنة (36 هـ) ، وصفين سنة (37 هـ) ، راح ضحيتهما عشرات الألوف من المسلمين، وفي النهاية فقد الخليفة عليّ نفسه حياته على يد أحد متطرفي الخوارج- عبد الرحمن بن ملجم- ولما اجتمع شمل الأمة على خليفة واحد؛ هو معاوية بن أبي سفيان سنة (41 هـ)، السنة التي سماها المؤرخون: عام الجماعة. وبعد أن تمكن معاوية من الأمر بدأ يستأنف الفتوحات في شمال إفريقيا خاصة، للقضاء على الوجود البيزنطي فيه قضاء تاما، وقد حقق بعض النجاح في ذلك، خصوصا عند ما عهد بقيادة الفتوحات في هذه الجبهة لقائد من كبار القادة الفاتحين؛ عقبة بن نافع، الذي أسس مدينة القيروان (50- 55 هـ) لتكون قاعدة ثابتة للمجاهدين ينطلقون منها ثم يعودون إليها، لأنه رأي أن خطوط إمداداتهم من مصر كانت طويلة.
وتوالى على المنطقة عدد من القادة العظام بعد عقبة؛ مثل أبي المهاجر دينار (55- 62 هـ) ، ثم عقبة ثانية (62- 63 هـ) ، ثم زهير بن قيس البلوي (63- 69 هـ) وفي هذه الأثناء داهمت المسلمين الفتنة الثانية التي اندلعت بعد موت الخليفة يزيد بن معاوية سنة (64 هـ) والتي استمرت نحو عشر سنين، ولم تنته إلا بقضاء عبد الملك ابن مروان على أكبر وأخطر خصومه السياسيين، عبد الله بن الزبير سنة (73 هـ) .
وأعاد عبد الملك الوحدة إلى الدولة الإسلامية، وسمى المؤرخون هذا العام بعام الجماعة الثاني.
عندئذ بدأ عبد الملك في إعادة الحياة إلى حركة الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا، وعهد بالأمر إلى قائد عظيم، من سلالة الغساسنة وهو حسان بن النعمان «1» ،
لدى العرب، وعند ما طرق العرب بلادهم فاتحين لم يفهموا في البداية ماذا يريد منهم هؤلاء العرب؟ وظنوهم مستعمرين جددا يريدون الاستيلاء على بلادهم، فقاوموهم بضراوة شديدة، والمتاعب التي صادفها العرب في فتح شمال أفريقيا لم يصادفوا مثلها في أي مكان آخر. غير أن هؤلاء الأمازيغ عند ما بدؤوا يفهمون الإسلام وأهدافه، وما يحمله لهم من خير وعدل وتسامح ومساواة سارعوا لا إلى الإيمان به فحسب، بل إلى الجهاد في سبيله. فمن المعروف أن الجيوش التي فتحت الأندلس كانت الغالبية العظمى منها من هؤلاء الأمازيغ، سكان الشمال الإفريقي.
(1)
ابن الأثير- الكامل في التاريخ (4/ 369) .
الذي لقب بالشيخ الأمين، وقد استطاع حسان فتح معظم الشمال الإفريقي في غضون نحو عشر سنوات (74- 85 هـ/ 693- 704 م) وعمل على تنظيم البلاد ووضع الأسس الإدارية لها، وأسس مدينة جديدة، هي مدينة تونس، وأحس بحاجته إلى أسطول بحري مستقل يواجه به هجمات الأساطيل البيزنطية بدلا من الاعتماد على الأساطيل المصرية المرابطة في قاعدتي برقة والإسكندرية لطول المسافة ونحن نعرف أن برقة منذ فتحها عمرو بن العاص سنة (21 هـ/ 641 م) أصبحت هي القاعدة الحصينة التي تلجأ إليها القوات الإسلامية العاملة في شمال إفريقيا عند الضرورة، وكانت عندئذ تحت إدارة والي مصر، وظلت كذلك إلى قيام الدولة الفاطمية في تونس سنة (296 هـ/ 909 م) فيكون من الطبيعي أن تكون فيها قاعدة بحرية تعتمد اعتمادا كليّا على دور صناعة السفن في مصر؛ لأن كثيرا من الغزوات التي انطلقت لغزو جزر البحر الأبيض المتوسط كانت تنطلق منها.
ثم رأى حسان بن النعمان إنشاء قاعدة بحرية خاصة بشمال إفريقيا، فأنشأ قاعدة تونس البحرية بعد أن دمر مدينة قرطاجنة التي كانت عاصمة شمال إفريقيا تحت الحكم البيزنطي، وطرد البيزنطيين نهائيّا من كل الشمال الإفريقي.
ولقد كان الرجل بعيد النظر، ويتمتع برؤية استراتيجية عظيمة، وإحساس بالمسؤولية كبير، فقد أيقن أن الاحتفاظ بالانتصارات التي حققها على البيزنطيين والبربر معا، في المغربين الأدنى والأوسط- تونس والجزائر الحاليتان- يتطلب إنشاء قاعدة بحرية حصينة، ودار صناعة لصناعة السفن ومستلزماتها، وأن الآوان قد حان ليعتمد شمال إفريقيا على قواعده وأساطيله الخاصة في الدفاع عن نفسه لطول خطوط مواصلاته مع القواعد التي كان يعتمد عليها في الإسكندرية وبرقة.
ولعل حسان بن النعمان، وهو قائد ذو بصيرة عسكرية ورؤية سياسية واضحة، كان يستشرف المستقبل، ويرى بعين المؤمن وحدسه ما تم على يد خليفته في قيادة الفتوحات في المغرب؛ القائد العظيم موسى بن نصير، وقائده الفذ العبقري طارق ابن زياد، ومن جاء بعدهما، من فتح الأندلس، والجزائر الغربية في البحر الأبيض المتوسط. وأن ذلك كله لن يتم إلا إذا كان للمسلمين قوة بحرية فعالة في غرب البحر الأبيض المتوسط. عند ما فكر حسان بن النعمان في إقامة صرح عسكري بحري إسلامي للجناح الغربي من الدولة الإسلامية، كان يعلم أنه بدون الخبرات
المصرية فلن تقوم لمشروعه قائمة، وكان على يقين في الوقت نفسه أن هذه الخبرات ستكون في متناول يده؛ لأن الهدف الذي يسعى لتحقيقه يهم الدولة الإسلامية التي كان يحكمها آنئذ خليفة من فحول الخلفاء وأفذاذهم على مدى التاريخ الإسلامي كله؛ وهو عبد الملك بن مروان، الذي لم يتردد في تلبية كل ما طلبه حسان بن النعمان لإقامة ترسانة بحرية عظيمة في تونس. ولإحساس حسان بأهمية الأمر فقد أرسل أربعين رجلا من أشراف العرب إلى الخليفة يشرحون له حقائق الموقف، وأهمية المشروع الذي ينوي حسان القيام به، ومدى حاجته إلى المهندسين والعمال المصريين لبدء العمل.
وبعد أن سمع عبد الملك بن مروان من وفد حسان أصدر تعليماته على الفور إلى أخيه عبد العزيز بن مروان أمير مصر بأن يوجه دون إبطاء ألف رجل من المهندسين والبحارة والعمال المهرة المصريين بأسرهم للعمل في دار الصناعة في تونس، وتحت إدارة أميرها حسان بن النعمان، وكانت تعليمات الخليفة لأخيه الأمير أن يوفر لكل هؤلاء كل ما يحتاجون إليه في عملهم وفي معاشهم وأن يحسن عونهم، وهذا العدد- ألف رجل بأسرهم- هو أكبر عدد نقرأ أنه خرج من مصر إلى مثل هذا العمل في مكان آخر «1» .
وكتب عبد الملك بن مروان إلى حسان بن النعمان بأن يحسن استقبالهم ومعاملتهم، وأن يوفر لهم الراحة الكافية، ليتفرغوا تفرغا كاملا لعملهم وإتقانه على أحسن وجه. وأن تكون دار الصناعة المزمع إقامتها قوة وعدة للمسلمين إلى آخر الدهر، وأن يصنع بها المراكب للجهاد ضد الروم في البر والبحر؛ لإشغالهم عن مهاجمة القيروان وغيرها من شواطئ المسلمين.
وقد أحسن حسان بن النعمان استقبال المصريين، ووفر لهم كل ما يلزمهم لعملهم ومعاشهم.
وبعد أن ترك حسان بن النعمان الميدان لغيره، ليواصل مسيرته في الإعمار وتنظيم البلاد، وتقوية دفاعاتها، واصل خلفاؤه رعايتهم وعنايتهم بدار الصناعة في تونس، وإمدادها بكل ما تحتاج من عمال وبحارة، حتى أصبحت مركزا بحريّا مهمّا على
(1) تاريخ البحرية المصرية (ص 365) ، د. إبراهيم العدوي- الأساطيل العربية (ص 141، 142) .
الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، حمته من هجمات الأساطيل البيزنطية وليس هذا فحسب، بل أصبحت قاعدة انطلقت منها الغزوات البحرية الإسلامية، التي غزت معظم جزر البحر الأبيض المتوسط الغربي.
وكانت قمة الانتصارات فتح جزيرة صقلية بدا من سنة (212 هـ/ 827 م) ، حيث انطلقت الأساطيل من تونس بقيادة الفقيه المشهور أسد بن الفرات. كل هذا لم يكن ممكنا بدون أبناء مصر من المهندسين والعمال المهرة، الذين بذلوا علمهم وخبرتهم بكل إخلاص في بناء الأساطيل الإسلامية في المشرق والمغرب.
والخلاصة: إن العرب بعد أن أتموا فتح الشام تقدموا لفتح مصر؛ وكان ذلك ضرورة لتأمين فتوحاتهم ووجودهم في الشام، وأنهم عندما فتحوها لم ينتزعوها من أهلها، بل الحقيقة أنهم أعادوها إلى أهلها من قبضة الروم، وحرروهم من الظلم والاستعباد، وكان المصريون الذين عاصروا الفتح يعلمون ذلك حق العلم، ولذلك كان تعاونهم مع الفاتحين وتقديم المساعدات لهم من أهم أسباب سرعة الفتح وسهولته، وأن تعاون المصريين مع العرب الفاتحين ضد الروم من الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان أمر فتح مصر في علم الغيب؛ فقد أخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة، بسند صحيح، عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوصى عند وفاته، فقال:«الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله» «1» وفي رواية أخرى: «استوصوا بالقبط خيرا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم» «2» .
ولقد كان المسلمون عند حسن ظن المصريين بهم، فقد عاملوهم أكرم وأحسن معاملة، ومنحوهم حرية لم ينعموا بها من قبل، وبصفة خاصة حرية العقيدة، فلم يجبروهم على اعتناق الإسلام، ولو كان الإجبار على اعتناق الإسلام واردا لما بقي مسيحي واحد على أرض مصر؛ ويجب أن يعرف الناس أن الفتح الإسلامي شرف لكل أبناء مصر؛ لأن من أسلم منهم أسلم بحريته، ومن بقي مسيحيّا بقي معززا مكرما، مصونة كل حقوقه.
ولم يتدخل المسلمون في شؤون عقيدتهم قط، وقد أشرنا من قبل إلى عودة
(1) السيوطي- حسن المحاضرة (1/ 12) ، وابن عبد الحكم- فتوح مصر (ص 14) .
(2)
المصدران السابقان على نفس الترتيب (1/ 13) ، و (ص 4) .
البطريرك بنيامين من منفاه إلى كرسي كنيسته بأمر الفاتح العظيم عمرو بن العاص، الذي أصبح صديقا حميما لرأس الكنيسة المصرية، وكان يستشيره في كل شؤون مصر المالية والإدارية.
كما قام العرب الفاتحون بحركة إعمار واسعة النطاق على كل أرض مصر، لتعمير ما خربته الحروب الكثيرة التي دارت بين الفرس والروم على أرض مصر، وما خربه الروم أنفسهم انتقاما من أهل مصر، المخالفين لهم في المذهب الديني، حتى الكنائس والأديرة نالتها يد التعمير، كما أدرك المسلمون قيمة وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل مصر، وشهادته لهم بأنهم «خير أجناد الأرض؛ لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة» ؛ فاتخذوا في مصر جندا كثيفا، وجيشا كبيرا مرابطا دفاعا عن أرض الإسلام في مشرقه ومغربه. ودفاع مصر عن الإسلام عقيدة وأرضا وحضارة، حقيقة لا ينكرها إلا جاحد أعمى التعصب بصره وبصيرته.
ولقد استثمر المسلمون كل إمكانات مصر وخبرة أهلها في بناء السفن وأقبل المصريون على العمل في العديد من دور صناعة السفن التي سبق الحديث عنها في القلزم والإسكندرية ورشيد ودمياط وتنيس وجزيرة الروضة، كما لم يترددوا في العمل في موانئ الشام وموانئ المغرب، بكل عزم وإخلاص، لحسن الرعاية وجميل المعاملة التي كانوا يلقونها من الأمراء المسلمين، وقد كان من المسيحيين أنفسهم قادة لبعض هذه القواعد العسكرية، كما سبقت الإشارة.
وكانت النتيجة بروز بحرية إسلامية قوية غاية في القوة، وانتشرت الأساطيل البحرية الإسلامية في شرق وجنوب وغرب البحر الأبيض المتوسط، ولم تصبح الأساطيل الإسلامية ندّا للأساطيل البيزنطية فحسب. بل تفوقت عليها وانتزعت منها السيادة على البحر الأبيض المتوسط، ويعد المؤرخون معركة ذات الصواري، التي دارت بين الأساطيل الإسلامية بقيادة أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وعلى شواطئ مصر الغربية سنة (34 هـ/ 655 م) وبين الأساطيل البيزنطية بقيادة الإمبراطور قنسطانز الثاني- يعدون هذه المعركة فاصلة في التاريخ البحري في مطلع العصور الوسطى؛ فقد قررت مصير البحر الأبيض المتوسط لمصلحة المسلمين، ولعدة قرون قادمة «1» ، فالنصر العظيم الذي حققه الأسطول الإسلامي الناشئ على
(1) راجع عن هذه المعركة الفاصلة: تاريخ البحرية المصرية- مرجع سابق (ص 286) وما بعدها، ود. إبراهيم العدوي- الأساطيل العربية (ص 36) وما بعدها، ود. حسين مؤنس- تاريخ المسلمين-
الأساطيل البيزنطية العتيدة. كان مفاجأة مذهلة للإمبراطور البيزنطي، الذي لم يكن يساوره أي شك في انتصار أساطيله، ومن ثم العودة إلى استرداد مصر والشام من المسلمين، ولكن الهزيمة القاسية التي لحقت به، جعلته يقلع نهائيّا عن فكرة استرداد مصر والشام، والتسليم بالأمر الواقع؛ ولذلك عاد من الهزيمة لا ليستقر في عاصمته العتيدة- القسطنطينية بل ذهب إلى جزيرة صقلية المواجهة لإفريقية- تونس- عله ينجح في حماية شمال إفريقيا، بعد أن فقد الأمل في العودة إلى مصر والشام، ولكن حتى هذا الأمل ضاع من الإمبراطور التعس الذي لقي مصرعه في تلك الجزيرة اغتيالا، ثم تابع المسلمون فتح الشمال الإفريقي كله، وأخرجوا الروم منه أذلاء، كما أخرجوهم من الشام ومصر.
وانطلقت الأساطيل الإسلامية تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط، وتفتح جزره في الشرق والجنوب والغرب محققة السيادة الإسلامية على ذلك البحر.
ولا نبالغ إذا قلنا: إن كل ذلك لم يكن ممكنا بدون فتح مصر، وتعاون أهلها مع الفاتحين المسلمين، وتقديم خبرتهم في بناء الأساطيل الإسلامية.
في البحر المتوسط (ص 60) وما بعدها.
بحوث في السّيرة النّبويّة والتّاريخ الإسلاميّ قراءة ورؤية جديدة الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر وانتشار الإسلام هناك