المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإسلام العدو الأول للغرب: - السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي

[عبد الشافى محمد عبد اللطيف]

فهرس الكتاب

- ‌[بحوث في السيرة النبوية والتأريخ الإسلامي]

- ‌مقدّمة

- ‌[البحث الأول] أوائل المؤلفين في السيرة النبوية

- ‌ مقدمة

- ‌ دوافع المسلمين للاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ بداية التأليف في السيرة النبوية:

- ‌طبقات كتّاب السيرة

- ‌ رجال الطبقة الأولى من كتّاب المغازي والسير:

- ‌1- أبان بن عثمان:

- ‌2- عروة بن الزبير:

- ‌3- شرحبيل بن سعد:

- ‌4- وهب بن منبه:

- ‌ رجال الطبقة الثانية من كتّاب المغازي والسير:

- ‌1- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري

- ‌2- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري

- ‌3- عاصم بن عمر بن قتادة:

- ‌ رجال الطبقة الثالثة من كتّاب المغازي والسير:

- ‌1- موسى بن عقبة:

- ‌2- معمر بن راشد:

- ‌3- محمد بن إسحاق المطلبي

- ‌ رحلته إلى العراق:

- ‌ مكانة ابن إسحاق العلمية:

- ‌ متى ألف ابن إسحاق

- ‌أ- التاريخ الجاهلي:

- ‌ب- المبعث:

- ‌ج- المغازي:

- ‌ عمرو بن حزم الأنصاري:

- ‌ الواقدي

- ‌ محمد بن سعد:

- ‌[البحث الثاني] صدى الدعوة في مدن الحجاز غير مكة- كالطائف والمدينة

- ‌ الحالة الدينية في الحجاز قبيل ظهور الإسلام:

- ‌ الحالة الدينية في المدينة قبيل البعثة:

- ‌ صدى الدعوة في يثرب:

- ‌ صدى الدعوة لدى اليهود في يثرب:

- ‌ اثر اليهود في تطور موقف عرب يثرب من الدعوة:

- ‌ صدى الدعوة في يثرب بعد اتصالاتها المباشرة بالنبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ التحول الكبير في موقف عرب يثرب:

- ‌ صدى رحلة مصعب بن عمير:

- ‌ اهل يثرب والتحدي الكبير:

- ‌ صدى الدعوة في خيبر:

- ‌[البحث الثالث] العلاقات بين المسلمين وقريش من الهجرة إلى بدر

- ‌العلاقات بين المسلمين وقريش من الهجرة إلى بدر

- ‌ قريش تستمر في إلحاق الأذى بالمهاجرين:

- ‌ قريش تصادر ديار المهاجرين واموالهم:

- ‌ المهاجرون في سجون مكّة:

- ‌ الدولة الإسلامية تقوم في المدينة لتحمي الدعوة:

- ‌ التحديات الكبرى أمام الدولة الوليدة:

- ‌ النشاط العسكري الإسلامي قبل بدر:

- ‌ أهداف السرايا والغزوات الأولى:

- ‌ سرية عبد الله بن جحش

- ‌[البحث الرابع] العلاقات بين المسلمين والروم في ضوء غزوة تبوك

- ‌ تمهيد:

- ‌ المسلمون قبل اتصالهم بالروم:

- ‌ اتصال المسلمين بالروم:

- ‌ المقدمات التي أدّت إلى غزوة مؤتة:

- ‌ تدخل الروم في مؤتة إعلان حرب على الإسلام:

- ‌ من مؤتة إلى تبوك:

- ‌ الأسباب المباشرة لغزوة تبوك:

- ‌ ماذا صنع النبي في تبوك

- ‌ نتائج غزوة تبوك:

- ‌[البحث الخامس] الإدارة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ المقصود بالإدارة هنا:

- ‌ طبيعة الدعوة الإسلامية:

- ‌ قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ أول رئيس للدولة الإسلامية:

- ‌ هيئة الحكومة النبوية:

- ‌ صاحب السر:

- ‌ صاحب الشرطة:

- ‌ حراس الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ حراس المدينة أو شرطة المدينة:

- ‌ المنفذون للحدود بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ حجّاب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ حاملوا خاتم الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ بيت الضيافة:

- ‌ مراقبة الأسواق:

- ‌ جهاز جمع المعلومات «المخابرات» :

- ‌ كتّاب الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ جهاز الإعلام:

- ‌ خلفاء الرسول على المدينة أثناء غيابه عنها في غزو أو غيره:

- ‌ اتساع نفوذ الدولة الإسلامية:

- ‌ اليمن أول إقليم عربي يدخل تحت سيادة الدولة الإسلامية:

- ‌ ولاية مكة:

- ‌ ولاية الطائف:

- ‌ إسلام البحرين:

- ‌ إسلام اهل عمان:

- ‌[البحث لسادس] دولة الإسلام وعلاقاتها الدولية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قيام دولة الإسلام: * في عهد النبي:

- ‌ الإسلام دين عالمي:

- ‌ السلام أساس العلاقات الدولية في الإسلام:

- ‌ الحرب المشروعة في الإسلام:

- ‌الحالة الأولى: الدفاع عن النفس

- ‌الحالة الثانية: الدفاع عن المظلومين

- ‌الحالة الثالثة: الدفاع عن حرية نشر العقيدة

- ‌ آداب الحرب في الإسلام

- ‌ مبادئ القانون الدولي في الإسلام:

- ‌ الإسلام يحترم مبعوثي الأعداء وحاملي رسائلهم:

- ‌ معاهدة الحديبية في ميزان العلاقات الدولية:

- ‌ الإسلام والعالم:

- ‌ خاتمة البحث:

- ‌[البحث السابع] قراءة تاريخية جديدة في موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الفتوحات الإسلامية

- ‌ موقف عمر بن الخطاب من الفتوحات

- ‌[البحث الثامن] دور المصريين في إنشاء البحرية الإسلامية من كتاب «مصر والإسلام»

- ‌ تمهيد:

- ‌ بداية التفكير في إنشاء قوة بحرية إسلامية:

- ‌ معارضة عمر بن الخطاب لمشروع معاوية:

- ‌ التجربة الأولى:

- ‌ التجربة الفاشلة الثانية:

- ‌ معاوية ينجح في أخذ موافقة عثمان بن عفان:

- ‌ الارتباط الأمني بين مصر والشام:

- ‌ دور الصناعة في مصر وأثرها في إنشاء الأساطيل الإسلامية

- ‌ دار الصناعة في الإسكندرية:

- ‌ دور صناعة السفن في رشيد ودمياط وتنيس:

- ‌ دار صناعة السفن بالقلزم- السويس

- ‌ دار صناعة السفن بجزيرة الروضة:

- ‌ المصريون يبنون أساطيل الشام:

- ‌ دور المصريين في إنشاء أسطول المغرب العربي:

- ‌[البحث التاسع] الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر وانتشار الإسلام هناك

- ‌ تمهيد:

- ‌ المسلمون والفرس:

- ‌ ردة الفرس بعد وفاة عمر بن الخطاب:

- ‌ سياسة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما تجاه البلاد المفتوحة:

- ‌ بلاد ما وراء النهر قبيل الفتح الإسلامي:

- ‌ المراحل التمهيدية لفتح بلاد ما وراء النهر:

- ‌ فتوحات قتيبة بن مسلم فيما وراء النهر:

- ‌ خطوات الفتح ومراحله:

- ‌المرحلة الأولى: استغرقت عاما واحدا تقريبا (86- 87 ه

- ‌المرحلة الثانية (87- 90 ه

- ‌المرحلة الثالثة (90- 93 ه

- ‌المرحلة الرابعة (93- 96 ه

- ‌ موقف الخليفة الوليد من قتيبة:

- ‌ بلاد ما وراء النهر بعد قتيبة:

- ‌ العباسيون وبلاد ما وراء النهر:

- ‌ انتشار الإسلام في بلاد ما وراء النهر:

- ‌تمهيد:

- ‌ العباسيون وانتشار الإسلام فيما وراء النهر:

- ‌[البحث العاشر] تبادل الوفود والهدايا بين خلفاء المسلمين والأباطرة البيزنطيين

- ‌ مقدمة:

- ‌ العلاقات الإسلامية البيزنطية في عهد النبي والخلفاء الراشدين:

- ‌ العلاقات الإسلامية البيزنطية في العهدين الأموي والعباسي:

- ‌ تبادل الوفود لعقد معاهدات الصلح:

- ‌ الوفود والبعثات العلمية:

- ‌ التعاون بين الدولتين في المجالات العمرانية:

- ‌ تبادل الهدايا بين الخلفاء والأباطرة:

- ‌[البحث الحادي عشر] الأمويون ودورهم في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الأندلس

- ‌ملخص البحث

- ‌ بنو أمية في التاريخ:

- ‌ الأمويون والحضارة الإنسانية:

- ‌ الأمويون والترجمة:

- ‌ الفتح الإسلامي للأندلس:

- ‌ الدولة الأموية في الأندلس:

- ‌ مجمل الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية في الأندلس الأموية:

- ‌ الجيش:

- ‌ الأوضاع الاقتصادية في الأندلس الأموية:

- ‌ ازدهار الصناعة:

- ‌ دور الأمويين في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الأندلس:

- ‌[البحث الثاني عشر] واقع الإنسان في المجتمعات الإسلامية المعاصرة

- ‌ جر العالم الإسلامي إلى أحلاف تخدم الأهداف الاستعمارية:

- ‌ الأحلاف الغربية الإسلامية:

- ‌ حربا الخليج الأولى والثانية وتدمير العراق:

- ‌ حرب الخليج الأولى (1980- 1988 م) :

- ‌ حرب الخليج الثانية:

- ‌ الإسلام العدو الأول للغرب:

- ‌ أهم المشكلات التي يعانيها المسلم المعاصر:

- ‌1- الظاهرة الأولى: العلاقات الإسلامية

- ‌2- الظاهرة الثانية: [غياب الديمقراطية]

- ‌[البحث الثالث عشر] نشأة الاستشراق وتطوره إلى نهاية الحروب الصليبية

- ‌ الخلفية التاريخية للاستشراق:

- ‌ دور المستشرقين المتعصبين في تشويه صورة الإسلام في الغرب:

- ‌ بداية الاستشراق:

- ‌ تطور الحركة الاستشراقية:

- ‌ الاستشراق والحروب الصليبية:

- ‌الفهرس

- ‌السيرة الذاتية للمؤلف

الفصل: ‌ الإسلام العدو الأول للغرب:

لعدم وجود الدواء الكافي. نحن لا نناقش هنا وجه الظلم في سياسة حصار العراق، وفرض الوصاية الدولية على مقدراته وثرواته فهذا موضوع آخر يتعلق بالنظام الدولي الجديد والعدالة التي تنشرها أمريكا في العالم بعد أن انفردت بزعامته.

ولكننا فقط نلوم الزعيم الذي عرض وطنه وأمته لهذا البلاء المبين والكرب العظيم، ولم يدرك أن الخروج على الخطوط الحمراء للسياسة الأمريكية يؤدي إلى الحتف، ومن سوء حظه أنه كان أول من خرج على هذه الخطوط وأول متمرد على النظام العالمي الجديد وعلى زعامته، مما استوجب من وجهة نظرها أن تكون ضربته قاتلة بل مدمرة ليكون عبرة لمن يعتبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

*‌

‌ الإسلام العدو الأول للغرب:

هكذا يقول الغربيون صغارا وكبارا، من رؤساء الدول وزعماء السياسة إلى الصحفيين والكتاب، الإسلام العدو الأول للغرب والحضارة الغربية بعد زوال الشيوعية.

الإسلام الذي كان الحليف الأول والأكثر فعالية للغرب في صراعه مع الشيوعية.

أصبح اليوم- بين عشية وضحاها- العدو الأول، ومبدأ الجهاد الذي استثمره الغرب في القضاء على الشيوعية، أصبح الآن هو الإرهاب بعينه، وهذا العداء الغربي للإسلام لا يخفيه الغربيون أبدا، بل يعلنونه بتفاخر بلسان حالهم وبأفعالهم معا. وكل تعاملهم مع المسلمين يقوم على منطق التعالي والإحساس بالتفوق وأنهم الأذكى والأعلم والأكثر تحضرا، بل لا يعترفون أبدا للعالم الإسلامي بأي تحضر، وكيف يكون متحضرا وهو العدو الأول للحضارة، وعلى الرغم من المؤتمرات والندوات واللقاآت التي تعقد في الغرب وفي البلاد الإسلامية- وما أكثرها- تحت شعار التعاون والتحاور والآفاق المشتركة- بين العالم الإسلامي والغرب- رغم كل هذا إلا أن التصرفات العملية تنضح بالاحتقار للعالم الإسلامي من جانبهم. وأكثر بلد تظهر فيها تلك الروح العدائية للإسلام والمسلمين هي أمريكا وهذا هو الرئيس نيكسون الذي يقول في صراحة يحسد عليها ودون مواربة:«لا توجد دولة ولا حتى الصين الشيوعية، تحظى بالصورة السلبية- تعبير مهذب عن الكراهية والعداء- في الضمير الأمريكي، كما هو الحال بالنسبة للعالم الإسلامي» «1» ويقول نيكسون عبارة أخرى: «إن العالم الإسلامي يشكل واحدا من أعظم التحديات

(1) انتهزوا الفرصة، مرجع سابق (ص 39) .

ص: 399

للسياسة الخارجية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين» «1» .

وما دام العالم الإسلامي يحظى في الضمير الأمريكي بهذا القدر من العداء والكراهية وما دام يشكل أعظم التحديات للسياسة الخارجية الأمريكية في القرن القادم فلا بد أن تجند أمريكا- وحلفاؤها- كل قواها لمحاصرة هذا العالم وتتخذ من الإجراآت ما يجعله دائما ضعيفا مفككا حتى لا يشكل لها خطرا.

ومن مظاهر هذا العداء الغربي للإسلام ومن الإجراآت التي بدأت تؤتي ثمارها في هذا المجال ويمكن أن نوجزها في عدة نقاط، على النحو التالي:

أ- الانهيار الاقتصادي السريع الذي حدث في دول جنوب شرق آسيا خاصة الدول الإسلامية- أندونيسيا وماليزيا- منذ مطلع العام الماضي (1997 م) .

وأيادي الغرب وأمريكا خاصة ليست خافية في هذا المجال، فهي لا تريد أبدا أن تقوم أية نهضة أو تنمية اقتصادية في أي بلد إسلامي، حتى لا تسري العدوى إلى غيرها، فلا بد أن يرتبط الإسلام دائما بالتخلف والفقر ليعيش المسلمون ضعفاء فقراء أذلاء.

ب- منع أي تقارب أو تجمع سياسي أو اقتصادي بين الدول الإسلامية، والمثل القريب جدّا مجموعة الثمانية؛ التي دعا إليها رئيس وزراء تركيا السابق ورئيس حزب الرفاه الإسلامي، نجم الدين أوربكان، الذي دعا إليه إضافة إلى تركيا، إيران وباكستان وأندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش ومصر ونيجريا، هذا التجمع الذي يضم ثمان من كبريات الدول الإسلامية، والتي يبلغ مجموع سكانها أكثر من ثمانمائة مليون مسلم، ومنها دول متطورة اقتصاديّا وصناعيّا مثل مصر وتركيا وإيران وأندونيسيا وماليزيا وباكستان، ومنها دول بترولية أعضاء في منظمة الأوبك مثل إيران وأندونيسيا ونيجريا، هذا التجمع لو قدر له أن يظهر إلى حيز الوجود لكان من الممكن أن يكون تكتلا اقتصاديّا إسلاميّا هائلا، ويمكن أيضا أن يكون قوة سياسية مؤثرة في سياسة العالم، وفوق كل هذا؛ بل أهم من هذا يمكن أن يرفع الروح المعنوية للعالم الإسلامي، ويخلصه من حالة الإحباط التي يعانيها، ولكن كيف ذلك، وهل يسمح النظام العالمي الجديد بذلك؟ أبدا؛ دون ذلك خرط القتاد، وأول ضربة توجه إلى هذا الوليد قبل أن يرى النور كانت القضاء على الداعي إليه، نجم الدين أربكان، بل القضاء على حزبه وإخراجه من الساحة السياسية في تركيا،

(1) المرجع السابق (ص 54) .

ص: 400

ليموت الحلم قبل أن يولد، وجر تركيا أو إجبارها على الدخول في تحالف استراتيجي- سياسي وعسكري واقتصادي- مع إسرائيل بمباركة أمريكا ومشاركتها، وإفساح المجال لها في السوق الأوربية كتعويض لها عن اتجاهها الإسلامي الذي لا يرضى عنه الغرب. وطبعا السياسة الغربية لم تكن غافلة عن الصحوة الإسلامية في تركيا وزحف الإسلاميين على الحكم، ولا غافلة عن أهمية تركيا بالنسبة للغرب- حتى بعد زوال الشيوعية- بل ربما تكون أهميتها قد زادت بالنسبة للغرب بعد زوال الشيوعية؛ لأنها ستكون ورقة رابحة في يد الغرب لإجهاض أية نهضة إسلامية، ولجعلها تتخذ سياسة مناهضة لمصلحة العالم الإسلامي وهذا هو ما يحدث الآن بالفعل، والذي يعد نتيجة لتخطيط غربي ذكي وماكر، ومن عادته أن يعد للأمر عدته قبل أن يحدث، انظر ماذا يقول الرئيس نيكسون عن تركيا: وتركيا الجسر الجغرافي والثقافي- الذي- يربط بين العالمين الغربي والإسلامي، تتمتع بحكومة ديمقراطية عاملة منذ 9 سنوات وقدمت قوات للناتو- حلف شمال الأطلسي- أكبر من أي دولة عضو في الحلف ويجب أن ندفع حلفاءنا الأوربيين لقبول تركيا في السوق الأوربية واتحاد أوربا الغربية «1» ، ولهدف حقيقي هو إبعادها عن محيطها الإسلامي بل جعلها تتبنى سياسة مناهضة لنهضة وتقدم العالم الإسلامي، وهو ما حدث بالفعل.

ج- سياسة الحصار والتجويع التي تمارسها السياسة الغربية بزعامة الولايات المتحدة لبعض الدول العربية والإسلامية التي لا تخضع لسياستها وتخرج عن طاعتها، المثل الصارخ لذلك: حصار العراق وليبيا، وإلى حد ما: السودان وإيران.

د- تصنيع الإرهاب من الجهاد: لقد اقتبست هذا العنوان من بحث الدكتور مصطفى رمضان الذي سبقت الإشارة إليه «2» .

إن أمريكا هي الصانع الأول للإرهاب والإرهابيين في العالم، والنواة الأولى لذلك هم المجاهدون الأفغان الذين جندتهم الولايات المتحدة- من بعض البلاد العربية والإسلامية- ودربتهم وسلحتهم، واستخدمتهم لتحقيق هدفها وهو إخراج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان وقد تحقق الهدف الأمريكي ربما بأكثر مما كانت تتوقع

(1) انتهزوا الفرصة- مرجع سابق (ص 50) .

(2)

(ص 83) .

ص: 401

أمريكا، فلم يخرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان ذليلا محطما فقط، بل خرج من الدنيا كلها وحدث الزلزال الذي أودى بالبنيان كله، فقد زال الاتحاد السوفيتي وترك الساحة العالمية لأمريكا تمرح وتعربد فيها وحدها. وحديثنا ليس عن هذا ولكن عن المجاهدين الذين كانوا قرة عين أمريكا، والذين ربتهم ودربتهم مخابراتها ذات الخبرة الكبيرة في التدريب على الخراب والدمار. فماذا حدث لهم بعد أن حققوا لها ما كانت تصبو إليه في أفغانستان؟ يبدو أن أمريكا قد أعدت للأمر عدته؛ كعادتها في عدم ترك أي شيء للصدفة والارتجال، ولا شك أن السياسة الغربية كلها لا تعرف الارتجال، بل تقوم على تخطيط سليم، يقوم به خبراء متمرسون في كل مجال من مجالات الحياة؛ لذلك خططت لمصير المجاهدين أثناء جهادهم في أفغانستان حتى إذا انتهت مهمتهم هناك بدأت تستثمرهم في مهمة أخرى؛ مهمة أيضا بالنسبة لها وهي إرباك العالم الإسلامي وإغراقه في بحور من الفتن والإرهاب، فقد كان تحالفها مع العالم الإسلامي أثناء الحرب الباردة ضد العالم الشيوعي تحالف ضرورة، تماما كتحالفها مع العالم الشيوعي نفسه أثناء الحرب العالمية الثانية- ضرورة للوقوف في وجه النازية- وبعد أن انتهت الحرب الساخنة بدأ العداء مع العالم الشيوعي فيما يسمى بالحرب الباردة، والذي جعل العالم الغربي يتحالف مع العالم الإسلامي ضده، فلما انتهت الحرب الباردة وسقط العالم الشيوعي وهزم بدون حرب، تحول العالم الإسلامي من حليف إلى عدو؛ بل العدو رقم واحد للغرب عامة وأمريكا خاصة، ومن ثم أخذت أمريكا تعيد تصدير المجاهدين الأفغان إلى أوطانهم الأصلية لكن ليس باسم المجاهدين وإنما باسم الإرهابيين؛ لأنها شحنتهم بالكراهية الشديدة والعداء لأوطانهم- وآلتها الإعلامية في ذلك رهيبة- فلم يصمد أمامها الزعماء فكيف يصمد أمامها ذلك الشاب الغر، عاد المجاهدون الأفغان- سابقا- إلى أوطانهم كارهين كل شيء متهمين أوطانهم بالكفر والجاهلية شاهرين أسلحتهم مشيعين الخراب والدمار والقتل بطريقه عشوائية والنماذج على ذلك كثيرة- في الجزائر ومصر وغيرها- ولا زال المسلسل مستمرّا.

أمريكا إذن هي الصانعة الأولى لهذا الإرهاب الأسود الذي يعيث فسادا في كثير من البلاد العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه تلصقه بالإسلام، وهي التي صنعته، هي التي تأوي عتاة الإرهابيين في بلادها وتوفر لهم الحماية «1» .

(1) د. مصطفي رمضان، مرجع سابق (ص 83) .

ص: 402

هـ- من براهين العداء الغربي عامة الأمريكي خاصة للإسلام والعالم الإسلامي:

إلصاق كل النقائص والرذائل بالإسلام؛ فهو عندهم دين دموي ومتعصب ضد الحضارة والإنسانية والمسلمون كلهم إرهابيون، ويكفي أن يقرأ الإنسان كتابا واحدا- وهناك كتب كثيرة في هذا المجال- ليعرف مدى الكره والعداء الذي يكنه الغرب للإسلام والمسلمين؛ ذلك الكتاب هو «الإسلام والغرب» «1» للأستاذ رجب البنا، الذي كتبه بعد رحلة طويلة زار خلالها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوربا وكتب كتابه هذا بعد مشاهدة وسماع، وخلص إلى أن العداء الغربي للإسلام ليس مجرد دعاية إعلامية، كما كنا نظن، إنما هو شيء متأصل في نفوس الغربيين وقلوبهم، والأهم من ذلك والأخطر هو أثر ذلك العداء الغربي للإسلام على صناعة القرار السياسي في الغرب، إذا كان ذلك القرار يتعلق بالعالم الإسلامي.

وكذلك كتبت الدكتورة منى حسين مؤنس وهي أستاذة جامعية متخصصة في اللغة والأدب الإنجليزي سلسلة مقالات خطيرة في مجلة أكتوبر القاهرية «2» تحت عنوان «مصر والعرب في عيون الغرب وأدبه» أتت فيها بحقائق ووقائع مذهلة تكشف عن العداء الغربي القديم والحقد والكراهية، بل الاحتقار الذي يكنه الغربيون للإسلام والمسلمين، وهي تكتب عن خبرة وتجربة ومعايشة للأوربيين في بلادهم، وفي مصر أيضا. وتقول في وضوح:«إن الأوربيين يربون أطفالهم منذ الصغر على كره واحتقار كل ما هو عربي وإسلامي» ، معنى هذا أن روح العداء للإسلام التي زرعها رجال الكنيسة في العصور الوسطى لا زالت سارية المفعول، ألم يقل برنارد شو:

«لقد كانوا- رجال الكنيسة والمعلمون- يمرنونا على كراهية محمد صلى الله عليه وسلم وكراهية دينه ويصورونه لنا على أنه عدو وخصم للسيد المسيح» «3» وإنه لشيء محير ويبعث على الأسى أن تكون هذه هي صورة الإسلام والمسلمين عند الغربيين، مع أنه في حقيقته دين سلام ورحمة ومحبة وتسامح وعدل حرية، ودين بنى وشاد حضارة عالمية راقية، حملت الخير للبشرية عامة، وللأوربيين خاصة، ولم تقم نهضتهم وحضارتهم الحالية إلا على أساس علوم المسلمين ومعارفهم، وكثيرون من علمائهم

(1) طبع دار المعارف- مصر سنة (1997 م) . والكتاب مليء بالأدلة على عداء وكراهية الغرب للإسلام.

(2)

بدا من (العدد 1116) بتاريخ (15/ 3/ 1998 م) والأعداد التالية.

(3)

بحث للدكتور عبد الحليم عويس بعنوان: شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في كتاب «تاريخ الجزيرة العربية في عصر الرسول والخلفاء الراشدون» الرياض (1983 م)(1/ 83) .

ص: 403

وعقلائهم يعترفون بذلك، ولكن الأصوات العاقلة تضيع وسط الضجيج الإعلامي الكاسح في الغرب ضد الإسلام والمسلمين. يقول أحد الكتاب:«كعادة الإدارة الأمريكية في اتهام بعض الدول العربية والإسلامية بمناسبة وبدون مناسبة بالإرهاب وإيواء جماعات الإرهاب، أعلن مدير المخابرات المركزية الأمريكية منذ أيام، أن هناك 12 دولة تعد للقيام بعمليات اختراق لشبكات المعلومات الأمريكية، وقال- لا فض فوه- في جلسة مغلقة أمام الكونجرس: إن في مقدمة هذه الدول إيران وليبيا والعراق! والمضحك أن بعض المصادر الرسمية الأمريكية أعلنت في الوقت نفسه أنه تم القبض على ثلاثة إسرائيليين بتهمة اختراق شبكات الكمبيوتر لوزارة الدفاع الأمريكي ألا يستحي كبار المسؤولين الأمريكيين حينما يتهمون إيران والعراق وليبيا بمحاولة التجسس على الأمن القومي الأمريكي بينما شاء ربي وربك ورب الكون إظهار الحقيقة، فتم اعتقال الجواسيس متلبسين باختراق شبكات الكمبيوتر الخاصة بالبنتاجون، وكانوا من حلفاء أمريكا الإسرائيليين، ثم كيف بالله يمكن للعراق وليبيا أن تتجسسا على أمريكا وهما تعانيان من الحصار الظالم الذي فرضته أمريكا عليهما منذ سنوات، ولم تعد تربط العراق وليبيا بالولايات المتحدة أية علاقات سوى التجويع والإذلال التي تفرضها أمريكا عليهما بغير وجه حق» «1» .

ومن مظاهر، بل من دلائل العداء الغربي للإسلام احتضان الغرب لكل من يسب الإسلام ونبي الإسلام- عليه الصلاة والسلام ويهين المقدسات الإسلامية، ويجرح مشاعر المسلمين، والأمثلة على ذلك كثيرة. انظر إلى سلمان رشدي «الهندي الجنسية» المقيم في بريطانيا، كيف احتفى به الغرب وبسط عليه حمايته بعد صدور روايته التافهة- آيات شيطانية- وكيف استقبله الرئيس الأمريكي كلينتون في البيت الأبيض لمدة ساعتين؟! وانظر إلى تسليمه نسرين- البنغالية- وكيف استقبلت في فرنسا من أعوام قليلة استقبال رؤساء الدول؛ لأنها أهانت الإسلام، عقيدة شعبها؟! فحرية الفكر والرأي في أوربا لا تراعى إلا عند ما يكون الهجوم على الإسلام وعلى المقدسات الإسلامية.

في مايو الماضي (1998 م) فجرت الهند خمس تفجيرات نووية وتبعتها باكستان- بعد نحو أسبوعين- بست تفجيرات وهنا انطلقت الدعايا الغربية

(1) الأستاذ أحمد الملا. جريدة الأهرام (العدد 41771) الخميس (23/ 7/ 1998 م) .

ص: 404

والصهيونية تتحدث وتخوف العالم من القنبلة الباكستانية بالذات؛ لأنها قنبلة إسلامية، ومع أن رئيس وزراء باكستان نفى ذلك وقال: إن القنبلة هي باكستانية للرد على القنبلة الهندية وليست إسلامية؛ لأن القنابل لا دين لها، ورغم ذلك فإن الإعلام الغربي والصهيوني يصر على وصف القنبلة الباكستانية بأنها القنبلة الإسلامية. ومع أن أمريكا هي أول دولة في العالم صنعت القنبلة الذرية بل استخدمتها بدون ضرورة في تدمير مدينتين يابانيتين- هيروشيما 6/ 8/ 1945 م ونجازاكي في 9/ 8/ 1945 م- إلا أن أحدا لم يسم قنبلتها بالقنبلة المسيحية، وتبعتها روسيا فلم يسم أحد قنابلها بالقنابل الشيوعية ولا سمى أحد القنابل الإنجليزية والفرنسية بالمسيحية ولا القنابل الإسرائيلية بالقنابل اليهودية، ولا حتى القنابل الهندية التي سبقت الباكستانية فلم يسمها أحد بالقنابل الهندوسية، فقط قنبلة باكستان التي تسمى بالإسلامية وبتركيز شديد واستمرار والمعنى واضح، وهو تشويه سمعة الإسلام والمسلمين.

ز- آخر التقاليع الأمريكية في هذا السياق- قانون الاضطهاد الديني أو حماية الأقليات الدينية والذي وافق عليه مجلس النواب الأمريكي في مايو (1998 م) بأغلبية كبيرة «1» - (375) صوتا ضد (41) - وهذا القانون يقضي بفرض عقوبات اقتصادية على الدول التي بها أقليات دينية، بزعم أنها تضطهد تلك الأقليات الدينية، وهذا قانون لا مثيل له في الدنيا؛ لأنه تدخل واضح وفاضح في شؤون الدول الداخلية، ولكن الهدف الأمريكي من ذلك غير خاف على أحد، وهو مضايقة الدول الإسلامية وإحراجها كلما أرادت أمريكا ذلك، والشيء المؤسف أن الكونجرس الأمريكي- الذي يسيطر عليه اللوبي الصهيوني- يصر على أن المسلمين في مصر يضطهدون المسيحيين في الوقت الذي يعلن فيه المسيحيون أنفسهم وعلى لسان أكبر مسؤول وهو رئيس الكنيسة المصرية البابا شنودة الثالث أنه لا يوجد اضطهاد ولا سياسة عدائية للمسيحيين في مصر، لا من الدولة ولا من المواطنين المسلمين، وأن حوادث الإرهاب التي يتعرض لها أحيانا بعض المسيحيين، هي حوادث فردية وليس لها بعد سياسي أو ديني ويتعرض المواطنون المسلمون لأضعافها، ولكن على الرغم من كل ذلك إلا أن أعضاء الكونجرس يصرون على الاتهام ويقولون للبابا وغيره من قادة المسيحيين: نحن نعرف أكثر منكم.

(1) صحيفة الأهرام: العدد (40773) السبت (25/ 7/ 1998 م) .

ص: 405