الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري
«1» :
ينتسب الزهري إلى بني زهرة، وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار التابعين وأعلامهم، ويعتبر من أعظم مؤرخي المغازي والسير، وإليه يرجع الفضل في تأسيس مدرسة المدينة التاريخية، إلى جانب كونه من كبار الفقهاء والمحدثين. وقد رأى الزهري عشرة من الصحابة، وتتلمذ على كبار علماء التابعين وأعلامهم، ومنهم سعيد ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ وهؤلاء هم الذين كان الزهري يعتبرهم بحور قريش في العلم.
وروى عن الزهري جماعة من العلماء الأئمة الأعلام، يأتي في مقدمتهم فقيه المدينة وعالمها الأشهر- الذي قيل عنه: لا يفتى ومالك في المدينة- مالك بن أنس الأصبحي، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وقد ذاع صيت الزهري، وأصبحت له مكانة علمية رفيعة في أوساط العلماء، فقد سئل مكحول الدمشقي:
من أعلم من رأيت؟ فقال: ابن شهاب، قيل له: ثم من؟ قال: ابن شهاب، قيل له: ثم من؟ قال: ابن شهاب كان قد حفظ علم الفقهاء السبعة- يقصد فقهاء المدينة المشهورين- وكتب عمر بن عبد العزيز- وهو خليفة- إلى سائر الأقاليم:
«عليكم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه» «2» . فعمر بن عبد العزيز- وهو من هو- لا يقول مثل ذلك الكلام عن ابن شهاب إلا إذا كان الرجل فعلا يستحق هذا الثناء من الخليفة العالم، بما بلغ من مكانة علمية. والحق أن ابن شهاب كان موضع احترام وإجلال خلفاء بني أمية؛ لأنه إلى جانب تبحره في العلوم، كان يحترم نفسه، ولم يداهن في الحق «3» .
وقد امتاز محمد بن شهاب الزهري عن معاصريه بكثرة الكتابة والتدوين واقتناء الكتب. وكان إذا جلس في بيته بين كتبه اشتغل بها عن كل شيء سواها من أمور الدنيا، حتى يروى أن امرأته كانت تقول له:«إن هذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر» «4» ؛ لاشتغاله بها عنها.
(1) انظر ترجمة الزهري في وفيات الأعيان لابن خلكان (4/ 177) وما بعدها، وفي تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (9/ 448) وما بعدها.
(2)
انظر وفيات الأعيان (4/ 177) .
(3)
انظر المغازي الأولى ومؤلفوها (ص 58) .
(4)
انظر وفيات الأعيان (4/ 177) .
وكان اهتمام الزهري بالكتابة والتدوين هو الذي مكّنه من نشر علمه، وبوّأه تلك المكانة العلمية الرفيعة التي حظي بها في أوساط العلماء، وفي بلاط الخلفاء ومجالسهم، وكان هو شديد الفخر بذلك، وروي عنه أنه كان يقول:«ما نشر أحد من الناس هذا العلم نشري، ولا بذله بذلي» . ولقد ضاع ما كتبه ودونه الزهري بنفسه، ولم يصل إلينا كما هو. ولولا ما بقي لنا من علمه مما رواه تلامذته- وبصفة خاصة أشهرهم وأنبغهم محمد بن إسحاق- لكانت خسارتنا فادحة، فإلى ابن إسحاق يرجع الفضل الأكبر في حفظ علم أستاذه الزهري، فهو الذي أوصله إلينا؛ لأنه كانت تربطه بأستاذه علاقة متينة قائمة على الحب والاحترام، ومما دل على قوة تلك العلاقة ومتانتها ورفعة مكانة ابن إسحاق عند أستاذه وثقته فيه؛ أنه كان يعتبره مرجعه الأول في كل ما يتعلق بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مما يحصل عليه من معلومات من طرق أخرى ليتثبّت من صحتها. فعندما زار ابن إسحاق مصر والتقى بعالمها الكبير يزيد بن أبي حبيب، وروى عنه العلم، أرسل إلى أستاذه الزهري، ليتثبت من صحة بعض الروايات وذلك من أمثال القصة التالية فقد قال ابن إسحاق نفسه:«حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري، أنه وجد كتابا فيه ذكر من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البلدان، وملوك العرب والعجم، وما قال لأصحابه حين بعثهم، قال- ابن إسحاق-: فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري فعرفه» «1» . واسم الزهري هو الأشهر والأكثر ذكرا في سيرة ابن إسحاق، وكثيرا ما يعبر فيما يتعلق بروايته عن الزهري، بقوله: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وأحيانا يقول: حدثني الزهري فقط، أو حدثني ابن شهاب، أو سألت ابن شهاب الزهري، إلى غير ذلك من التعابير.
وكان للزهري- الذي توفي (سنة 124 هـ) - عدد آخر من التلاميذ غير ابن إسحاق، وإن كانوا أقل شهرة من ابن إسحاق، ومنهم موسى بن عقبة المتوفى حوالي عام (141 هـ) ، ومعمر بن راشد المتوفى حوالي (عام 154 هـ) وهما من رجال الطبقة الثالثة ومن كبار علماء المغازي والسير.
(1) سيرة ابن هشام (4/ 177) .