الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتب ابن عباس، مما يدل على أن التدوين قد بدأ مبكرا، غير أن معظم مدونات الفترة الأولى قد ضاعت، وقد توفي موسى بن عقبة (سنة 141 هـ) .
2- معمر بن راشد:
من رجال الطبقة الثالثة البارزين من كتّاب السير والمغازي، وهو مولى من الموالي وكان من أهل الكوفة، كما يقول ابن النديم «1» ، ثم رحل إلى البصرة ثم اليمن، وظل ينتقل بين هذه البلاد، يتلقى العلم عن الشيوخ، وكان أبرز شيوخه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وكان هو من أنبل وأنجب تلاميذ الزهري- بعد ابن إسحاق- ولذلك فأكثر ما يرويه معمر عن السير والمغازي ينسبه إلى شيخه الإمام الزهري، وكان يتحلى بخلق كريم، وصفات حميدة كثيرة، يقول عنه ابن سعد:
«كان معمر رجلا له حلم ومروءة ونبل في نفسه» «2» .
كما كان واسع العلم بالحديث والسير والمغازي، وإن كان ابن النديم في الفهرست لم ينسب له سوى كتاب واحد في المغازي، فقد قال عنه:«معمر بن راشد من أهل الكوفة، يروي عنه عبد الرزاق، من أصحاب السير والأحداث، وله من الكتب: كتاب المغازي» «3» . وحتى هذا الكتاب لم يصل إلينا، وإنما وصلنا منه مقتطفات في الواقدي وابن سعد والبلاذري والطبري. وكانت وفاته (سنة 150 هـ) أو (152 هـ)«4» .
3- محمد بن إسحاق المطلبي
«5» :
إذا نحن وصلنا إلى ابن إسحاق فقد وصلنا إلى إمام الأئمة وأكبر علماء السير والمغازي على الإطلاق، وفي كل العصور، ومن عليه كان اعتماد كل من كتب في السيرة النبوية ومغازي الرسول صلى الله عليه وسلم ممن جاؤوا بعده.
فهو فارس هذا الميدان دون منازع، لقد شهد له بذلك جمع من العلماء، منهم أستاذه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، حيث قال: «من أراد المغازي فعليه
(1) الفهرست (ص 138) .
(2)
ضحى الإسلام (2/ 328) .
(3)
الفهرست (ص 138) .
(4)
ضحى الإسلام (2/ 328) .
(5)
انظر- فيما يتعلق بابن إسحاق وأخباره ومكانته العلمية وآراء العلماء فيه المصادر الآتية: الطبقات الكبرى لابن سعد (4/ 321، 322) - طبعة دار صادر بيروت، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، القسم الثاني من المجلد الثالث (ص 191- 194) - دار الكتب العلمية- بيروت، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي- دار الكتاب العربي بيروت، الفهرست لابن النديم- دار المعرفة بيروت، تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 172) لسان الميزان لابن حجر (5/ 72) - مؤسسة الأعلى للمطبوعات، بيروت.
بابن إسحاق» . وقال عنه الإمام الشافعي: «من أراد التبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق» . ويقول عنه ابن خلكان وهو راوي هذه الأخبار: «وأما في المغازي والسير فلا تجهل إمامته» ، وسئل يحيى بن معين عن ابن إسحاق فقال:
«قال عاصم بن عمر بن قتادة: لا يزال في الناس علم ما عاش ابن إسحاق» . وقال سفيان بن عيينة: «لا يزال في المدينة علم ما عاش هذا الغلام- يقصد ابن إسحاق-» وقال عنه الذهبي، وهو معروف بتحريه ودقته وصرامته في الحكم على الرجال:«والذي تقرر عليه العمل أن ابن إسحاق إليه المرجع في المغازي والأيام النبوية.. وكان أحد أوعية العلم، حبرا في معرفة المغازي والسير» «1» . وأقوال العلماء فيه مستفيضة، وكلها مجمعة على إمامته في المغازي والسير، لذلك رأينا أن نخصه بمزيد من التقصي والتفصيل لأخباره، حتى يعرف المسلمون علماءهم وأصحاب الفضل في إيصال أخبار وسير ومغاز وجهاد رسولهم وصحابته إليهم فمن هو ابن إسحاق.
هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار- وقيل: يسار بن كوتان- المطلبي بالولاء، المديني؛ نسبة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يكنّى بأبي بكر، وقيل:
بأبي عبد الله، وكان جده يسار من أهل قرية عين التمر بالعراق، وقد وقع في أسر المسلمين عندما فتح خالد بن الوليد رضي الله عنه عين التمر فيما فتح من أرض العراق (سنة 12 هـ) في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه (11- 13 هـ) وأرسل يسار بن خيار مع غيره من الأسرى إلى المدينة المنورة- عاصمة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت- ولا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت أسرته عربية أم أعجمية، وإن كان ليس بعيدا أن تكون عربية مسيحية، وصار ولاء يسار إلى قيس بن مخرمة بن المطّلب، وقد أسلم فأعتقه مولاه، ومن ثم نسب إليهم فلقب بالمطّلبي.
وكان ليسار بن خيار ثلاثة أولاد؛ أحدهم إسحاق، والد عالمنا الذي نتحدث عنه والذي طبقت شهرته الآفاق، وهو محمد بن إسحاق الذي ولد في المدينة المنورة، حوالي (عام 85 هـ) ونشأ بها، وقد سبق أن أشرنا كثيرا إلى بيئة المدينة وفضلها وصلاحها وحركتها العلمية الواسعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينكر أحد فضل البيئة والوسط المحيط وتأثيرهما في تنشئته الناشئة، وأي بيئة أفضل من بيئة
(1) انظر تذكرة الحفاظ للذهبي، ج 1، (ص 172) .
فقد أسس الفاتح عمرو بن العاص مدينة الفسطاط (سنة 21 هـ) أي: عند تمام الفتح، أسس مسجده العتيق- أو تاج الجوامع- الذي يعتبر أول مسجد يؤسس في قارة أفريقيا والذي أصبح مركزا للدراسات الإسلامية، ومدرسة من أشهر المدارس، أساتذتها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء الذين جاؤوا مع جيش الفتح مجاهدين، أو الذين لحقوا بهم وجاؤوا بعد تمام الفتح وطاب لهم المقام في أرض الكنانة، وعلى ضفاف النيل واستقروا فيها، وقد ازدهرت المدرسة المصرية في الدراسات الإسلامية، وذاع صيتها، وأصبحت لها مكانة علمية رفيعة، فتاقت نفوس علماء الأقطار الآخرى إلى زيارتها وملاقاة علمائها والأخذ عنهم وإعطائهم أيضا، فالعلم أخذ وعطاء، فما من عالم كبير في المشرق- في ذلك الوقت- سواء في مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو الكوفة، أو البصرة، أو دمشق، أو بغداد، إلا وتراه قد زار مصر، وتعرف على علمائها وأخذ عنهم وأعطاهم.
وكان من الطبيعي أن يتطلع طالب علم نابه مثل ابن إسحاق إلى زيارة بلد مثل مصر، فشد رحاله إليها، وهو في شرخ شبابه وفي مرحلة القوة والفتوة والقدرة على السفر، والشد والترحال، وحدة الذهن والقدرة على الحفظ والاستيعاب، فقد بدأ زيارته لمصر (عام 115 هـ)، أي: عندما كان في حوالي الثلاثين من عمره، وقد تجول في أقاليم مصر، وزار مدينة الإسكندية، التي كانت عاصمة مصر منذ أسسها الإسكندر الأكبر المقدوني، في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد إلى الفتح الإسلامي في منتصف القرن السابع الميلادي، أي: أنها ظلت عاصمة مصر قرابة ألف عام، وكانت بها مدرسة علمية لها شهرة عالمية، في علوم الطب والفلك والهندسة والرياضيات والكيمياء والفلسفة.
فكان من الطبيعي أن يزور ابن إسحاق الإسكندرية ما دام قد حل بأرض مصر.
وقد التقى بكثيرين من علماء مصر، وفي مقدمتهم عالمها الأكبر، يزيد بن أبي حبيب، وروى عنه كثيرا، وقد أشرنا فيما سبق- ونحن نتحدث عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري شيخ ابن إسحاق- إلى الوثيقة التي رواها ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، ثم عرضها على شيخه الزهري، ليتأكد من صحة المعلومات التي جاءت بها ثم التقى بعبد الله بن جعفر، والقاسم بن قزمان، وعبيد الله بن المغيرة وغيرهم، وبعد أن تزود من علم علماء مصر، وتأثر بهم وأثر فيهم، واطلع على اتجاهات المدرسة المصرية في الدراسات الإسلامية، عاد إلى المدينة ليواصل