الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شديدة التفاوت؛ من الغابات الاستوائية إلى المدارية، ومن السافانا الإفريقية إلى الاستبس الآسيوي، ومن أدغال الهند إلى الفلد الإفريقي. فهو إذا يتوزع في المناطق الحارة والمعتدلة والباردة على السواء، كما ينتشر في الصحاري الجافة والأعشاب المطرية والغابات الكثيفة بلا استثناء. وبالمثل نجد الإسلام البحري على الساحل كما نجده في صميم القارات من الداخل، بل إن السواد الأعظم من المسلمين أقرب إلى التمركز على القطاعات الساحلية والبحرية، وننتقل من النواحي الطبيعية إلى الجانب البشري لنجد نفس التنوع داخل العالم الإسلامي، فالإسلام ينتظم من الأجناس والسلالات ومن اللغات والقوميات ما يجعله متحفا بشريّا، فمن سلالات البحر المتوسط القوقازية غربا إلى الأجناس الزنجية جنوبا، ومن القوميات العربية والتركية والإيرانية، إلى القوميات الطورانية في وسط آسيا، إلى الملاوية والأندونيسية في جنوبها..
وكل من هذه أو بعضها قابل للقسمة إلى مزيد من التفريعات والتصانيف «1» .
بناء على الحقائق السابقة فواقع الإنسان المسلم يختلف من مجتمع إسلامي إلى آخر اختلافا كبيرا؛ فهناك مجتمعات إسلامية ذات ثروة هائلة- الدول البترولية على سبيل المثال- ومستوى معيشة سكانها مرتفع جدّا، وهناك مجتمعات متوسطة الثراء، وهناك مجتمعات فقيرة، بل شديدة الفقر وكل مجتمع من هذه المجتمعات له مشكلاته وواقع الإنسان يختلف باختلاف تلك المجتمعات وتنوعها، غير أن هناك العديد من المشكلات التي تكاد تكون عامة أو هي الظواهر السائدة في العالم الإسلامي، فعلى الرغم مما يبدو على السطح من التوحد- تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي مثلا- إلا أن من المؤسف أن العلاقات الإسلامية ليست على ما يرام، أو ليست على المستوى المقبول في عالم جديد ونظام جديد يعمل كل ما في وسعه للضغط على العالم الإسلامي وحصاره بل خنقه؛ ليظل دائما تحت السيطرة الغربية.
ولذلك سأتحدث عن ظاهرتين فقط من الظواهر العامة، والتي تشترك فيها معظم المجتمعات الإسلامية، وهاتان الظاهرتان قد تكونان السبب الرئيسي في معظم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي.
1- الظاهرة الأولى: العلاقات الإسلامية
؛ فعلى الرغم من أن القاعدة الأصيلة التي رسخها القرآن
(1) د. جمال حمدان- المرجع السابق (ص 125، 126) .
الكريم في الأمة الإسلامية هي الوحدة كما يقول ربنا تبارك وتعالى: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون: 52]، والدعوة القوية إلى المحافظة على هذه الوحدة وعدم التفرق كما يقول الله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103] ، وأن الله تعالى يحب عباده الذي يجاهدون في سبيله صفا واحدا كأنهم بنيان واحد متماثل، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ [الصف: 4]، وأن الله تعالى يصف المؤمنين جميعا بأنهم إخوة حيث يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] ، هذه بعض النصوص فقط كأمثلة دالة على أن الأصل في الأمة الإسلامية أن تكون أمة واحدة، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تحث المسلمين على الوحدة والتماسك والتعاون والتعاطف والتناصح إلخ أكثر من الحصر، ولكن على الرغم من هذا كله فإن العلاقات الإسلامية في الوقت الحاضر بعيدة عن هذا، والشواهد على ذلك كثيرة والكلام فيها أيضا يمكن أن يكون كثيرا، ويكفي أن نقتبس بعض كلام الرئيس نيكسون في وصف العلاقات الإسلامية وإن كان كلامه لا يخلو من نبرة شماتة، إلا أنه في الواقع فيه بعض الصدق للأسف الشديد، يقول نيكسون:«والصراعات والتنافسات في العالم الإسلامي جعلت منه مرجلا من النزاعات، والقائمة القصيرة لهذه النزاعات تشمل المغرب ضد الجزائر، وليبيا ضد تشاد، والعالم العربي ضد إسرائيل، والأردن ضد السعودية، وسوريا ضد الأردن، وسوريا ضد لبنان، والسعودية ضد دول الخليج الصغيرة، والسعودية ضد اليمن، والعراق ضد سوريا، والعراق ضد الكويت والسعودية، والعراق ضد إيران، ودول الخليج العربية ضد إيران، وباكستان ضد أفغانستان، والهند ضد باكستان وبنجلاديش، وأندونيسيا ضد ماليزيا وغينيا الجديدة. وإن الكثير من هذه الدول هي تالفات اصطناعية من عدة دول، أو مجموعات عرقية، فإن التنازع الداخلي يسود المنطقة وكثير من الدول في العالم الإسلامي هي لبنان المستقبل «1» ، تنتظر ما يمكن أن يحدث» «2» .
من المؤسف أن معظم ما ذكره نيكسون صحيح، نراه بأعيننا ونسمعه باذاننا.
والكل يعرف نتائج هذه الصراعات والحروب على واقع الإنسان المسلم وكيف أثرت
(1) الإشارة إلى لبنان هنا المقصود بها أن كثيرا من الدول الإسلامية مرشحة في المستقبل للحروب الأهلية والانقسامات العرقية، وطبعا أيدي الغرب تلعب الدور الأكبر في هذا المجال.
(2)
انتهزوا الفرصة، مرجع سابق (ص 41) .