الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال حباب بن المنذر لأمير خراسان:
أمرتُك أمرًا حازمًا فعصيتني
…
فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
ولأنه يقال: "أمر فلان على وجه الرفق واللين". والأصل في الاستعمال الحقيقة.
المعتبر: الناس يفرقون بين الصادرة من الأعلى وغيره، على ما تقدم في التقسيم.
ولأنه يستقبح: أمرت الأمير، والأصل: التقدير.
والثالث:
أن من قال لغيره - استعلاء -: افعل كذا، يقال: إنه أمره، وإن كان أعلى رتبة منه، ولهذا يوصف بالجهل والحمق، وإن قال - على وجه التضرع والخشوع - لا يقال ذلك، وإن كان أعلى رتبة منه.
مسألة
أوجه استعمال صيغة أفعل
1 -
"الوجوب"، كقوله تعالى:{وأقيموا الصلاة} [البقرة: آية 43].
2 -
و"الندب" كقوله تعالى: {فكاتبوهم} [النور: آية 33] و {وأحسنوا} [البقرة: آية 195].
3 -
و"التأديب" كقوله عليه السلام: "كل مما يليك".
والفرق بينهما، ما بين العام والخاص.
4 -
"الإرشاد"، كقوله تعالى:{واستشهدوا} [البقرة: آية 282] وهو لمنافع، والندب والتأديب أعم.
5 -
"الإباحة": {فاصطادوا} [المائدة: آية 2].
6 -
"الامتنان": {وكلوا مما رزقكم الله} [المائدة: آية 88].
7 -
"الإكرام": {ادخلوها} [الحجر: آية 46].
8 -
"التهديد": {اعملوا ما شئتم} [فصلت: آية 40].
9 -
"الإنذار": {قل تمتعوا} [إبراهيم: آية 30] وهو مقرون بالتهديد، والوعيد أعم، ولأنه في ظاهر التحريم والبطلان، والإنذار أعم.
10 -
"التسخير": {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: آية 65].
11 -
"التعجيز": {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: آية 23].
12 -
"التعجب": {كونوا حجارة أو حديدا} [الإسراء: آية 50].
13 -
"الإهانة": {ذق} [الدخان: آية 49].
14 -
"التسوية": {فاصبروا أو لا تصبروا} [الطور: آية 16].
15 -
"التكوين": {كن} [يس: آية 82].
16 -
"الدعاء": {ربنا افتح} [الأعراف: آية 89].
17 -
"التمني":
ألا أيها الليل الطويل ألا اِنْجَل
18 -
"الاحتقار": {ألقوا ما أنتم ملقون} [الشعراء: آية 43].
وهو أعم من الإهانة، إذ قد يحصل بمجرد الاعتقاد. ثم إنها ليست حقيقة في كلها وفاقًا، لكن قيل هي مشتركة بين الوجوب، والندب، والإباحة والتهديد.
وقيل: بين الثلاثة الأول.
وقيل: للمشترك بينها.
واستدل على فساده بالتفرقة الضرورية بين: "افعل"، و "لا تفعل"، و "إن شئت افعل"، "وإن شئت لا تفعل"، وإن قدر انتفاء القرائن كلها.
وهو ضعيف، لحصول التفرقة - أيضًا - على تقدير كون صيغة "افعل" مشتركة، لكونها خاصة به، وأفعل مشترك بينهما وغيره.
والأولى: التمسك بمبادرة الفهم إلى معنى الطلب، عند سماعه مجردًا عن القرينة، والتغيير خلاف الأصل.
ولأنا أجمعنا على أنه حقيقة في غير الإباحة، والتهديد، فوجب أن لا يكون حقيقة فيهما دفعًا للاشتراك، أو تكثيره.
الجمهور: هي حقيقة في الوجوب.
أبو هاشم: في الندب.
المرتضى: مشترك بينهما.
أبو منصور: للمشترك بينهما.
الأشعري، والقاضي، وإمام الحرمين، والغزالي، وبعض فقهائنا: التوقف: التوقف في هذه الأقسام.
للأولين:
قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: آية 12] وهو ذم لا استفهام لامتناعه عليه.
ونحوه: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} [المرسلات: آية 48]. واستحقاقهم الويل بسبب التكذيب، لا ينفي استحقاق الذم بترك الركوع، إذ الكافر مخاطب بالفروع.
وقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [التغابن: آية 12].
وهذا الأمر للوجوب إجماعًا، ولأنه هدد على مخالفته، والطاعة: موافقة الأمر، فتكون موافقته واجبة، ولا يرد على هذا: أنه استدلال بالشيء على نفسه.
وقوله: {انفروا في سبيل الله أثَّاقلتم إلى الأرض} [التوبة: آية 38]، هددهم وذمهم على ترك ما أمروا به، وإحالته إلى فرضية الجهاد يوجب التعارض، أو خلاف الأصل.
وقوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} الآية، ووجه التمسك به: أن تارك المأمور به مخالف للأمر، إذ هي موافقته، وهي: الامتثال، وهو مستحق للعذاب، لأنه أمر بالحذر منه، وهو إنما يحسن بعد وجود المقتضى له. وإحالته: إلى غير مخالفة لما يسمى أمرا خلاف الظاهر، والدلالة - وإن كانت ظنية لكن المسألة - أيضًا - كذلك، وإن قيل: إنها قطعية، فالمقصود القطع الحاصل من مجموع الأدلة.
فإن قلت:
(أ) موافقته اعتقاد حقيقته، أو الإتيان بمقتضاه كما يقتضيه.
(ب) ثم إنه أمر بالحذر عن المخالفة، لا أنه أمره بالحذر، وفائدته: اتقاء شره، كقوله
تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن} [الأنفال: آية 25].
(ج) ثم إنه أمر للمخالف عن الأمر، لا لمخالف الأمر، وجعل كلمة "عن" صلة: خلاف الأصل.
(د) ثم إنه يحسن الأمر بالحذر، للاحتمال، والمسألة اجتهادية. ثم لفظ "الأمر" مفرد، فلا يعم.
قلت: عن (أ) ذلك موافقة لدليل حقيقته، لا له، وسبق الذهن إلى ما ذكرناه يلغي ما ذكرتم.
وعن (ب) أن الأمة فهمت منه ما ذكرنا، لا ما ذكرتم، ولأن المأمور غير متعين - حينئذ - إذ ليس في الآية سوى المتسللين لواذًا، وهم المخالفون، وحذر الإنسان عن نفسه محال، ولأن فيه إضمار الفاعل، وإسناد الفعل في اللفظ إلى المفعول.
ولا يضيع قوله: {أن تصيبهم} [النور: آية 63] كما زعم الإمام، لإمكان جعله مفعولًا لأجله.
وعن (ج) أنهما بمعنى، لكن البعد والمجاورة في الأول مدلول عليه مطابقة، وفي الثاني التزامًا، فلا تكون عن صلة.
وعن (د) أنه يقبح في العرف بدون المقتضى.
وعن الأخير:
أنه عام، لصحة الاستثناء، ولترتب الحكم على الوصف، وبالقياس، وبأنه إذا ثبت في البعض: وجب أن يعم، لعدم القائل بالفصل، على أنا نمنع أن المفرد المعرف بالإضافة لا يفيد العموم كالمعرف باللام.
ولأن تارك المأمور به عاص نقلًا - وهو ظاهر - واستعمالًا لقوله: {أفعصيت أمري} [طه: آية 93]، وهو وإن كان حكاية لكنه رتب المعصية على مخالفة الأمر فيهم، {لا يعصون الله ما أمرهم} [التحريم: آية 6]، وهو محمول على الماضي، لئلا يلزم التكرار في قوله:{ويفعلون ما يؤمرون} ، {ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: آية 69] واشتقاقًا: لأن تركيبه يدل على الامتناع، قال عليه السلام:
"لولا أنا نعصي الله لما عصانا".
أي: لم يمتنع من إجابتنا، والعصا إنما سمي به، لأنه يمتنع بها، وكذا الجماعة: يقال: شققت عصا المسلمين، وهذا كلام يستعصي على الحفظ، وحطب يستعصي على الكسر، والعاصي يستحق النار بالنص.
فإن قلت: لو صحَّ ما ذكرتم لما صح تقسيم الأمر: إلى إيجاب وندب، وآية العقاب
مختصة بالكفار، لقرينة الخلود.
قلت: جعل ذلك مجازًا محافظة على عموم آية الخلود، أولى من جعل المستحب مأمورًا به، محافظة على صيغ الأوامر، لأنه أحوط، ولأن الاستحباب لازم الوجوب، من غير عكس، ولقلة مخالفة الأصل إذ يلزم على الثاني التجوز والتخصيص، والخلود ليس بمعنى الدوام حتى يكون قرينة.
وقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولما مؤمنة إذا قضى الله} [الأحزاب: آية 36].
ووجه التمسك به: أنه نفى الخيرة من أمر قضاء الله ورسوله، أي: عينه، ووجهه نحو المكلف، وهو بالوجوب.
ولأنه ترك ممن أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مخالفيه وقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون} [الناس: آية 65].
المراد بقوله: {مما قضيت} أي: أمرت، نقلًا عن أئمة التفسير، ويشهده القضية
التي نزلت فيها، وإذا لم يوجد فيها سوى الأمر، وهو يفيد المبالغة في الوجوب.
وفيه نظر بين.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله} [الأنفال: آية 24].
ووجه التمسك به: أنه فهم الرسول والصحابة منه الوجوب، إذ روى أنه صلى الله عليه وسلم: دعا أبا سعيد فلم يجبه، لأنه كان في الصلاة، فقال له:"ما منعك أن تستجيب وقد سمعت النص".
فلولا أن الأمر للوجوب، لما صح ذلك، إذ الصلاة عذر في ترك كلام لا يجب، فهو إذا ذم، أو سؤال عن عذر يسوغ ترك واجب، وعلى التقديرين يفيد الوجوب، ويجوز التمسك بخبر الواحد، لما سبق، ولكونه وسيلة إلى العمل.
وإحالة الوجوب إلى قرينة التعظيم: يقتضي وجوب كل أمر لله ورسوله، وإلى قرينة قوله:{لما يحييكم} [الأنفال: آية 24] أيضًا كذلك وإن كان ذلك لازمًا لكل أوامره، وإلا: كان للمدعي أن يقول: الوجوب بشرط، ولم أعلم تحققه.
وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق
…
" الحديث.
وهي لانتفاء الشيء لوجود غيره، والسواك مندوب مع وجود المشقة.
فلا يكون المندوب مأمورًا به.
وأورد:
(أ) بأنه لا يلزم منه نفي أمر الله تعالى إلا بعد تلازمهما.
(ب) ثم إنه يفيد أن بعض المندوب ليس بمأمور به، لأنه قياس من الثالث، والخصم يقول به، إذ هو أعم منه مطلقًا، أو من وجه.
(ج) ثم إنه لقرينة المشقة، لأن فيه المشقة، دون الندب.
وأجيب:
عن (أ): بتلازم الطاعتين والمعصيتين إجماعًا.
وعن (ب) أن عمومه باعتبار اللفظ، لثبوت الندبية بغير صيغة الأمر، دون المعنى، لأن معناه عند من يقول: إنه للندب، وظاهر أن المنفي - لوجود المشقة - ليس هو الصيغة، بل معناها، وذلك يفيد أنها ليست للندب.
وعن (ج) أن إطلاقه يقتضي انتفاء مطلق الأمر، لوجود المشقة وإحالته إلى قرينة المشقة يقتضي تقييده بأمر وجوب، وهو خلاف الأصل.
وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم لبريرة: "إنَّما أَنَا شَافِعٌ
…
".
مع نفي الأمر يدل عليه.
وأورد:
"أ" أن سؤالها عن الأمر طلبًا للثواب بطاعته، فلما نفى الأمر علمت أن لا ثواب، والشفاعة لمصلحة دنيوية، ولهذا قال:"أبو أولادك".
"ب" ثم إنه بقرينة نفي الأمر، وإثبات الشفاعة.
وأجيب:
عن (أ): أن إجابة شفاعته عليه السلام مندوب، وإن كان لمصلحة دنيوية.
وعن (ب): ما تقدم.
والأقوى: إجماع الصحابة، إذ التمسك بمطلقه على الوجوب شائع متكرر فيما بينهم، من غير نكير، كما في أخبار الآحاد، والقياس: تمسك الصديق، بـ {وءاتوا الزكاة} [البقرة: آية 43].
والفارق بقوله: "سنوا
…
".
ولتمسكهم بقوله: "فليصلها إذا ذكرها".
"فليغسلها سبعًا
…
"
"وابدءوا بما بدأ الله".
"إلا من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك".
فكان إجماعًا.
فإن قلت: يعتقدوه في مثل قوله: {فاصطادوا} [المائدة: آية 2]، {واستشهدوا} [البقرة: آية 282]، {فانكحوا} [النساء: آية 3]، وحينئذ ليس إحالة عدم الوجوب إلى القرينة أولى من إحالة الوجوب إليها، بل الثاني أولى لعدم التعارض.
قلت: بل الأول أولى، وإلا: لكان الدليل في أخذ الجزية عن المجوس غير الخبر، فكان يجب اشتهاره، إذ العادة تحيل إخفاء مثله ولأنه حينئذ أمكن جعله مجازًا في غيره، من غير عكس، وللاحتياط.
و-أيضًا- الوجوب معنى تمس الحاجة إليه، فكان له لفظ مفرد، إذ هو أخف، لما سبق.
ومثله مندفع لأن الترجيح معنا.
وكذا النقض: بأنواع الروائح، والاعتمادات، والحال، والاستقبال، لحصول الفرق، واشتهاره بحيث يعرف كل واحد إنما يجب لو سلم، عن المعارض الشديد الالتباس به.
و-أيضًا- حسن ذم السيد عبده بترك ما أمره به - يدل عليه.
فإن قلت: لعله لقرينة، أو لأن الشارع أوجب طاعة السيد، ولهذا لا يذم في معصيته.
ثم إنه معارض: بما أنه لا يذم تارك المندوب المأمور به.
قلت: تقليل حسن الذم بمجرد ترك ما أمر به ينفيه، والشارع إنما يوجب طاعته فيما
يوجبه السيد دون غيره، وإنما لا يذم في معصيته لانتفاء شرط الوجوب، ولا نسلم أن المندوب مأمورًا به حقيقة، و-أيضًا- لو كان للندب فقط، لزم أن لا يكون الواجب مأمورًا به، وهو خلاف الإجماع.
والمثل مندفع، لأنا نمنع نفي اللازم إجماعًا، لأن كثيرا منهم حرصوا: بأن المندوب غير مأمور به، أو كان له، وللوجوب باشتراك لفظي، وهو خلاف الأصل، أو معنوي، فلا يمكن جعله مجازًا في الوجوب، لأنه غير لازم له، أو وإن أمكن كان عكسه أولى، فتعين أن يكون للوجوب فقط.
و-أيضًا- يفيد رجحان مصلحة الوجود على مصلحة الترك وإلا: لزم العبث، أو الأمر بالمفسدة، فكان مانعًا منه، وإلا: لزم الإذن في ترك المصلحة الخالصة، وأنه قبيح عرفًا، فكذا شرعًا، للحديث، ترك العمل به في المندوبات، فيبقى فيما عداها.
ولا يقال: إلزام المكلف استيفاء المصلحة لنفسه قبيح عرفًا، فكذا شرعًا، لأنا نمنع ذلك مطلقًا، وهذا لأنه لا يقبح ذلك، ولأن هذا ينفي أصل التكليف.
وأورد عليه: لما انتقض كل منهما وجب الترجيح.
وأجيب: بأن أعمال العرف الأوّل، أولى، لانتقاضه ببعض التكاليف الفرعية، بخلاف الثاني، فإنه منتقض بجميعها والأصولية.
و-أيضًا- يفيد رجحان الوجود وفاقًا، والمنع من الترك أفضى إليه، المفضي إلى الراجح راجح، فالمنع منه راجح، فيجب العمل به نصًا، وقياسًا على الفتوى،