الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا:
(أ) إنما يعلم أنه مأمور به حقيقة: أن لو كان كذلك في نفس الأمر، وإلا: لزم الجهل، لكنه ليس كذلك في نفس الأمر، وإلا فإن كان بشرط بقاء التمكن: لزم صول الشيء بدون شرطه، أو بدونه فيلزم تكليف ما لا يطاق.
(ب) الأمر: طلب الفعل، فيمتنع قيامه بذات من يعلم امتناع حصوله.
وأجيب:
عن (أ) بمنع لزوم تكليف ما لا يطاق على التقدير الثاني، فإنه إنما يلزم أن لو لزم من تحقق الأمر الامتثال.
وعن (ب) بمنع الثانية، فإنها غير بديهية، ولا برهان.
تنبيه:
من لم يجوز نسخ الشيء قبل حضور الوقت، شرط في تحقق الأمر: التمكن في وقت الوجوب، وإلا: فلا وأما الجواز مع الاشتراط فمشكل، لعسر الفرق في حق من لا يجوز عليه البدا.
فصل في النهي
مسألة
صيغته مستعملة في التحريم، والكراهية، والتحقير، كقوله تعالى: {ولا
تمدن عينيك} [طه: آية 131]، والتحذير كقوله تعالى:{ولا تموتن} [آل عمران: آية 102]، وبيان العاقبة:{ولا تحسبن الله غافلا} ، واليأس:{لا تعتذروا} ، والإرشاد:{لا تسألوا عن أشياء} [المائدة: آية 101]، والدعاء:"لا تكلنا إلى أنفسنا".
وليست حقيقة في الكل وفاقًا، بل في البعض، وهو التحريم والكراهية، والمذاهب الخمسة التي في الأمر آتية فيه، والدليل الدليل.
مسألة:
أكثر من قال بعدم التكرار في الأمر، قال بالتكرار هاهنا.
وقيل: بالتسوية، وهو اختيار الإمام، فعلى هذا في فوريته ما في الأمر.
وقيل: إنه يفيد التكرار إجماعًا.
لنا:
(أ) أنه المتبادر إلى الفهم عند سماع الصيغة مجردة عن القرينة، ولهذا لو فعل في وقت ما عدا مخالفًا واستحق الذم.
(ب) أنه يفيد المنع من إدخال الماهية في الوجود، وأنه بالامتناع عن جميع أفرادها في جميع الأوقات. وفيه نظر، إذ الامتناع عن جميع الأفراد أعم من أن يكون في وقت أو في جميعها.
(ج) أنه أحوط، ولا مشقة فيه، فيصار إليه للحديث.
(د) أكثر النواهي للتكرار، للاستقراء، ولو لم يكن للتكرار لزم كثرة التجوز، ولو كان له لزم التجوز في مثل قوله للمريض: لا تقصد، ولا تأكل كذا، لكن هذا أولى لقلته.
قالوا:
(أ) قد استعمل في الدوام، وفي غيره والأصل الحقيقة الواحدة.
(ب) لو كان "له" فحيث استعمل في غيره: لزم الترك بالدليل، ولو لم يكن له فحيث استعمل فيه: لزم إثبات أمر لا يثبته اللفظ، ولا ينفيه، فهو - إذن - أولى.
(ج) دليل النقض والتكرار.
وأجيب:
عن (أ): "أن" التواطؤ وإن كان خيرًا من المجاز، لكن حيث لا يلزم منه مخالفة الدليل، فأما معها فلا، و - أيضًا - لا شك في استعماله في التكرار والمرة الواحدة، بحسب الخصوصية، فلو جعل متواطئًا: لزم مجازان، فكان "جعله" حقيقة في أحدهما، مجازًا في الآخر أولى منه، وحيث قلنا: التواطؤ أولى فإنما هو باعتبار الاستعمال في القدر المشترك بين الصورتين، لا بحسب الخصوصية، و - حينئذ - جعله في التكرار مجازًا في المرة الواحدة أولى من العكس، لما سبق غير مرة.
وعن (ب) المعارضة بالفائدة المذكورة، وفيه نظر، إذ لا يعارض ذلك لمفسدة مخالفة الدليل، فالأولى: أن يعارض مخالفة ما ذكرنا من الأدلة.
وعن (ج) أنه تأكيد، وتخصيص يجب المصير إليهما، لما سبق.
مسألة:
مطلق نهي التحريم يفيد الفساد عند الشافعي، وكثير من الفقهاء والمتكلمين،
وأهل الظاهر، لكنه لفظًا، أو معنى فيه خلاف.
وقيل: في كونه كذلك لغة أو شرعًا، فالأول أخص، ولا يفيد عند أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، والكرخي، وأكثر أصحابه والقفال، والجبائيين وأبي عبد الله البصري، وعبد الجبار.
وقال البصري، والغزالي، والإمام: يفيده في العبادة دون المعاملة.
والظاهر من جهة النقل: أن من قال بالفساد في العبادة أراد به المعنى المقابل للصحة فيها عنده.
ومن جهة الدليل: أنه أريد به عدم سقوط القضاء، لا عدم موافقة أمر الشرع، فإن
النهي إذا كان للتحريم لم يكن فعله موافقًا للشرع قطعًا.
لمن قال بالفساد:
(أ) قوله عليه السلام: "من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد عليه".
أ] مردود، وهو ما ليس بصحيح؛ لأنه أخص ما استعمل فيه فيحمل عليه، لزيادة الفائدة.
وأورد:
(أ) أنه يتوقف على إثبات أنه ليس من الدين، من حيث السببية فإثباته به دور.
(ب) وبأن الضمير عائد على الفعل، ومعناه أنه غير مثاب.
(ج) أو وإن رجع إلى الفعل لكن معناه أنه غير مثاب عليه.
وأجيب:
وعن (أ) بأنه يقتضي رده مطلقًا، فتقييد بوجه خلاف الأصل، ولأن المعنى: لو كان على ما ذكرتم لم يكن في النص فائدة، إذ من المعلوم أن البيع - مثلًا - إذا لم يكن من الدين من حيث إنه سبب لإفادة الأحكام، فهو رد عليه من هذا الوجه.
وعن (ب) أنه يعود إلى الأقرب.
وعن (ج) ما سبق في الاستدلال.
(ب) الإجماع:
إذ الصحابة استدلوا عليه بالنهي: تمسك ابن عمر على فساد نكاح المشركات بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: آية 221].
وعنه - أيضًا -: كنا نخابر أربعين سنة حتى روى لنا رافع نهيه عليه السلام -
عن المخابرة.
واستدلوا على فساد "ربا الفضل" بحديث أبي سعيد الخدري وغيره.
ومنه محاججة أبي الدرداء مع معاوية - رضي الله تعالى عنهما -، وعلى فساد نكاح المتعة بنهيه عليه السلام عنه.
وأمثاله كثيرة، ولم ينكر عليهم فكان إجماعًا، ومن عوَّل على إجماعهم على أن الأمر للوجوب، وجب أن يعول على هذا، بل هذا أولى، إذ التمسك بالنهي عن الفساد أكثر منه.