الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدل: لا تفعل هذا إن فعلت ذلك، وعن البدل: النهي "عن" أن تجعل بدلًا، ويفهم منه - أيضًا - النهي عن أن يفعل أحدهما بدون الآخر.
العموم
مسألة:
حد العام:
العام "هو اللفظة المستغرقة بجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد".
وفيه احتراز: عن المعاني العامة والألفاظ المركبة، والنكرة: إفرادا، وتثنية، وجمعًا، والألفاظ المشتركة، والذي له حقيقة ومجاز.
وأورد: بأن المشترك: إن عم فلا يحترز عنه، وإلا: خرج بالمستغرق.
وأجيب: بأنه حد للعام المتواطئ لا لمطلقه.
واعترض عليه: بأن المستغرق مرادف للعام، والتعريف معنوي، فلم يجز تعريفه به.
وأجيب: بمنعه اصطلاحًا، ولغة لا يضر، وبأنه غير ما نع لدخول مثل: ضرب زيد عمرًا.
وأجيب: بمنعه فإنه مركب، وبأنه غير صالح لغيره، فلم يصدق عليه، إذ الاستغراق
ينفي التعدد.
وقيل: "إنه اللفظة الدالة على شيئين فصاعدًا من غير حصر"، وفيه احتراز: عن النكرة جمعًا، وتثنية، وإفرادًا، وعن العدد.
وهو غير جمع، لخروج المعدومات والمستحيلات عنه.
وقال الغزالي - رحمه الله تعالى -: "هو اللفظ الواحد، الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدًا".
واحترز "بجهة واحدة" عن مثل: ضرب زيد عمرًا.
وزيف: بأنه إن أراد به دلالة "ضرب" عليهما فباطل، لأنها التزامية، ودلالة العام على معناه بالمطابقة، وإن عنى به دلالتهما على ذاتهما فكذلك، لخروجه عنه باللفظ الواحد.
ثم هو غير جامع للمستحيل، وغير جامع لدخول أسماء العدد، وما ذكره يتناول عموم الشمول والبدل، كالنكرة في الإثبات إذا كان أمرًا، فلا تناقض بين عدة ذلك من العموم، وبين هذا الحد.
وقيل: ما استغرق جميع ما يصلح له"، وهو غير مانع لدخول غير اللفظ تحته، والأظهر أن الاستغراق ظاهر في الشمول دون البدل، وهو يصلح أن يكون فرقًا بينه وبين العام، إذ هو مستعمل فيهما.
مسألة:
العموم من عوارض الألفاظ، وقيل: والمعاني - أيضًا - لغة.
للأول:
أن العموم متحد شامل لمتعدد، وهو في مثل: عم المطر، والخير، والقحط، وعم بالعطاء ممتنع، لأن ما اختص بأرض، وقوم غير الذي اختص بآخرن والأصل عدم دليل آخر.
واستدل: بأنه لو كان حقيقة في المعنى لاطرد، ونقض باللفظ.
وتمسكوا بالاستعمالات المتقدمة، والأصل فيه الحقيقة، وأجيبوا بما تقدم، فأجابوا بمنع قدح ذلك في عمومه لغة.
والحق أن المعنى الذهني عام، إذ لا تخصيص فيه، دون الخارجي.
تنبيه
إن اللفظ الدال على الماهية الكلية من غير تخصيص بوجه ما هو: المطلق، والدال على الجزئيات الداخلة تحتها هو: العام، ولو كان المعنى الكلي عاما لكان اللفظ الدلا عليه عاما بالعرض.
مسألة:
ما عم لغة على الجميع:
بنفسه، لا يختص بالعقلاء، كـ "كل"، و"جميع"، و"أي" استفهاما ومجازاة، أو يختص بهم كـ "من" فيهم، أو بغيرهم كـ "ما"، وقيل: يتناولهما، لقوله تعالى:{والسماء ومابناها} [الشمس: آية 5]، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3] او مختص ببعضها: كـ "متى"، و "مهما"، و"أين"، و"حيث".
أو لا بنفسه، بل بغيره: إما إثباتا كـ "الجمع المعروف باللام والإضافة"، وفي المفرد كذلك خلاف بين.
أو نفيا: كـ "النكرة" في النفي، أو على البدل كالنكرة في الأمر والمضاف إليهما المصدر، كقوله تعالى:{فتحرير رقبة} [النساء: آية 92].
أو عرفًا: كقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: آية 23] إذ أفادته تحريم جميع أنواع الاستمتاعات، إنما هو عرفًا لا لغة، أو عقلا: كتعميم الحكم لعموم علته، وتعميم الجواب الوارد على سؤال عام، ومفهوم المخالفة، وإن لم يقل بعلية الوصف فيه.
مسألة:
ذهب الشافعي وأكثر الفقهاء والمتكلمين على أن للعموم صيغًا حاصة به، وأنكره المرجئة، والواقفية، وأرباب الخصوص، والوقف: إما وقف الاشتراك وعليه الأكثر منهم، أو لا ندري، وعليه القاضي، ومنهم من قال: بالعموم في الأمر والنهي، وبالوقف في الأخبار، والوعد، والوعيد.
وقال أرباب الخصوص: ما يظن للعموم نص في أقل الجمع محتمل له.
لنا:
(أ) العموم - لمسيس الحاجة إليه، وزوال المانع عنه ظاهرًا - له لفظ كغيره، ومنعت الأولى والثانية، وأسند إلى قلة الحاجة إلى جميع من بالمشرق والمغرب، أو ما فيهما، وبأن اللغات توقيفية، فهو كأنواع الروائح، ثم هو إثبات للغة بالدلالة، وهي إما تثبت توقيفيًّا، ثم لا يلزم منه أن يكون له لفظ مفرد على الانفراد.
وأجيب:
بأن الحاجة إلى ألفاظ تدل على العموم في الأمر والنهي، والأخبار عن جميع المجودات، والمعدومات، والممكنات، ونحوها ظاهرة سيما في الشرعيات، والعلوم، وإن كانت دون ما يضطر إليه الإنسان بخلاف أنواع الروائح، وليس من شرط مسيس الحاجة أن تكون ضرورية.
وعن (ب): زوال المانع ظاهرًا بالأصل، والاستقراء جلي، والتوقيف غير مانع، إذ يدعى الوضع للعموم اصطلاحًا، أو توقيفًا لحاجة العباد، ولأنه لو كان مانعًا لما صحلت الألفاظ العرفية.
وعن (ج): أن الاستدلال بالعلة على المعلول جار في كل شيء، والحاجة علة الوضع، فيحسن الاستدلال بها عليه.
وعن (د) و (هـ): ما سبق في الأمر.
(ب) إجماع الصحابة وأهل اللغة عليه، إذ تمسكوا بألفاظ العموم على الوقائع، شائعا ذائعا على ما ذكرناه من غير نكير، إذ لو وجد لنقل، واشتهر فكان إجماعًا.
مسألة:
"من" و"ما" و"أين" و"متى" للعموم في الاستفهام، والخبر والجزاء، وكذا "كل" و"جميع".
إذ لو كانت للخصوص لكانت إذا ذكرت بلا قرينة لما حسن الجواب بذكر العموم، لا الجري على موجب الأمر بفعله، لعدم المطابقة.
ولا تعارض بمثله، إذ السؤال عن العام بالمطابقة سؤال عن الخاص بالتضمن فيحسن الجواب به عند عدم العام، ولهذا يجب على المدعى عليه نفي مدلول الدعوى مطابقة وتضمنًّا، والسؤال عن الخاص ليس سؤالًا عن العام، فلا يحسن الجواب به إذا كان للخاص، ولا يقال: الجواب به يفيد المطلوب جزمًا، لأنه يقتضي حسنه.
مسألة:
ما اختص بالذكور لا يتناول الإناث، وبالعكس، وغير المختص يتناولهما - إن لم يجب دخول علامة التأنيث سواء جاز دخولها فيه كـ "من" أو لا كالناس، لدخولهما فيه لو ذكر وصية أو توكيل أو تعليق.
وقيل: لا، إذ يقول العرب:"من" و"منه".
وجوابه: أنه جائز، إذ أجمعوا على صحة استعماله بغير علامة فيهما.
وإن وجب:
فما فيه العلامة: لا يتناول الذكور وفاقًا، وما لا علامة فيه: لا يتناول الإناث إلا: لمنفصل خلافًا للحنابلة، والظاهرية.
وقيل الخلاف في خطاب الشرع، لغلبة الاشتراك في أحكام الشرع.
لنا:
(أ){المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: آية 35] والتأسيس أولى من غيره.
(ب) ما روي في سب نزول الآية، وحمله على "صراحة الذكر خلاف الأصل".
(ج) سمعت عائشة رضي الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذين يمسون فرجهم ثم يصلون ولا يتوضئون"، فقالت: هذا للرجال فما للنساء؟ ولم يرد صلى الله عليه وسلم عليها، بل أجاب عنه.
(د) الجمع تضعيف الواحد، وهو لا يتناول الإناث، فكذا الجمع.
(هـ) أجمعنا على أنه حقيقة في المذكر، ولو كان حقيقة في غيره - أيضًا - لزم الاشتراك.
لهم:
(أ) التذكير يغلب.
(ب) دخولهن في أكثر أوامر الشرع.
(ج) العرف، إذ يقال لأهل القرية كيف أنتم، وأنتم آمنون، ولم يخص السؤال بالذكور.
وجواب:
(أ) أنه يدل على صحة إرادتهن منه، لا على الظهور.
(ب) و (ج) أنه لمنفصل.
مسألة:
نحو {يا أيها الناس} [البقرة: آية 21] يعم العبد والكافر، لعموم اللفظ، والأصل عدم
التخصيص.
وقيل: لا، أما الكافر فلما سبق، وأما العبد:
(أ) فلأن منافعه مستغرقة للسيد، لأن ما يدل على وجوب خدمته للسيد لا إشعار له بوقت دون وقت فيعم، والتخصيص خلاف الأصل.
(ب) أنه يشبه البهائم، من حيث إنه يباع ويشترى، وجناياته تضمن بما نقص من قيمته، فلا يدخل تحت الخطاب كالبهيمة.
(ج) لو قيل بدخوله، فحيث لم يدخل لزم الترك بمقتضى الدليل، وأنه خلاف الأصل، ولا محذور في عكسه، فكان أولى.
وجواب:
(أ) منعه، ويصار إلى تخصيصه لئلا يلزم تخصيص الأخص بالأعم، فإن النصوص الدالة على العبادات أخص منه.
لنا:
(أ) القطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة وعرفًا.
(ب) أنه لا يعم لغة، وهو ظاهر، ولا شرعًا من جهة نقله إلى العموم، إذ الكلام مفروض فيه، ولأن النقل خلاف الأصل، ولا مجازًا لأن دلالته على العموم - حينئذ - تتوقف على القرينة المعممة فيه، والتعميم لمنفصل لا نزاع فيه. وقال إمام الحرمين: لا معنى للخلاف فيه، إذ ليس بعام لغة، وعام شرعًا.
(ج) أنه لازم عليكم، فإن عدم دخوله تحته عندكم بطريق أن الرق مخصوص، لا أن اللفظ غير متناول له، فإن ذلك جهالة بينة.
مسألة:
ما اختص بواحد من الأمة ليس بخطاب للباقين، خلافا لبعض الظاهرية.
لنا:
(أ) القطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة وعرفًا.
(ب) أنه لا يعم لغة وهو ظاهر، ولا شرعًا من جهة نقله إلى العموم، إذ الكلام مفروض فيه، ولأن النقل خلاف الأصل، ولا مجازًا لأن دلالته على العموم - حينئذ - تتوقف على القرينة المعممة فيه، والتعميم لمنفصل لا نزاع فيه.
وقال إمام الحرمين: لا معنى للخلاف فيه إذ ليس بعام لغة، وعام شرعًا، وفيه نظر إذ العموم في مقتضاه لا فيه.
لهم:
(أ)"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة".
(ب) لو كان الحكم مختصًا لذكر، كما خص أبا بكرة بقوله:"زادك الله حرصًا ولا تعد"،
وعبد الرحمن بن عوف بلبس الحرير، وأبا بردة بإجزاء التضحية بعناق، وخزيمة بقبول شهادته وحده، والأعراب بسقوط
الكفارة إلا سكت، فلو لم يفد التعميم لذكر، إذ السكوت لا يستفاد منه التعميم.
وجواب:
(أ) أن النزاع في عموم اللفظ لا في الحكم.
(ب) أنه إنما لم يذكره، لوجود سبب تعميم الحكم، وهو علة الحكم، أو ما ذكرتم من الخبر ونحوه.
مسألة:
خطاب المشافهة يختص بالحاضرين، وإنما ثبت الحكم لمن بعدهم لمنفصل. خلافًا لبعض الفقهاء، والسلفيين، والحنابلة.
لنا:
(أ) أن من يحدث بعده لم يكن مؤمنًا، ولا إنسانا - إذ ذاك - فلا يتناوله.
(ب) يشترط أن يكون المخاطب فاهمًا، ولهذا يشترط فيه البلوغ والعقل، وهو في المعدوم ممتنع
وأورد عليهما:
أنه لا ينفي تناوله بعد وجوده وبلوغه، ولعل الخصم يقول بالتناول بهذا الاعتبار، كما يجوز خطاب المعدوم بهذا الاعتبار.
وأجيب:
بأن تناوله بهذا الاعتبار يخرجه عن أن يكون خطاب مشافهة، وجواز خطاب المعدوم بالتفسير المذكور إنما هو في غيره، سلمناه، لكنه يرفع النزاع.
فإن قلت: فما الذي يدل على ثبوت الحكم في حقهم؟
قلت: الحق أنه معلوم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وسلم ولأن ما يدل على دوام شرعه إلى قيام الساعة يدل عليه، والتمسك عليه بنحو قوله تعالى:{وما أرسلناك} [سبأ: آية 28]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"بعثت إلى الأحمر والأسود" و "حكمي على الواحد، حكمي على الجماعة"
ضعيف إذ الألفاظ المذكورة في النصوص - أيضا - تختص بالموجودين.
(أ) أيضًا لهم النصوص المذكورة، ووجه التمسك بها: أنه لو لم يكن خطاب القرآن وقت النزول خطابًا لهم لم يكن مبلغًا لهم، ولا رسولًا، ولا مبعوثًا إليهم، وهو "باطل" وفاقًا.
(ب) الإجماع، فإن الصحابة والعلماء في كل عصر يتمسكون بالآيات والأخبار الواردة "إليهم" شفاها في إثبات الأحكام على من وجد في زمانهم، وإن لم يكن موجودًا وقت نزولها.
(ج) أنه عليه السلام إذا أراد التخصيص ببعض الناس ذكر ذلك - كما سبق - ولو لم يكن الخطاب عامًّا في الكل لما احتيج إليه، وإن خص الخاص بالذكر، وهو باطل، وفاقًا، ولأنه جواب عما لم يسأل عنه بوجه ما، وهو قبيح، ولأن السكوت عنه قد يكون غرضًا، فذكره مناقض للغرض.
ولو كانت مشتركة بينهما لوجب الاستفهام عن جميع مراتب الخصوص، إذ ليست مشتركة بين بعضها وبين العام وفاقًا، ولا يجب، لقبحه لغة، وتعذره، أو تعسره عقلًا، ولا يعارض بحسن بعضه، لأن حسنه ليس دليل الاشتراك، لما يأتي من فوائد الاستفهام.
فإن قلت: إنما لم يجب الاستفهام، لأن مسماه أحدهما لا بعينه، فإذا أجيب بأيها كان، فقد أجيب عما سأل عنه.
قلت: اللفظ - حينئذ - يكون متواطئًا، لا مشتركًا، ولأنه لو كان مدلوله ذلك لما توقف العمل على وجود القرينة المعينة وهو باطل وفاقًا، ولو وجب تبادره إلى الفهم عند السماع بلا قرينة، وهو خلاف الوجدان، ولوجب أن لا يحسن الجواب بالكل إذ هو جواب عما لم يسأل عنه وهو باطل إجماعًا.
(ب) أنه يصح استثناء كل فرد منهما، أما في الاستفهام ففي جوابه، وأما في غيره ففي أصله، وهو يخرج من الكلام ما لولاه لدخل على ما يأتي.
(ج) سقوط الاعتراض عمن جرى على موجب العموم، وتوجهه على من ترك دليل العموم.
(د) الإجماع على حرية كل من دخل داره من عبيده، لو علق العتق عليه.
(هـ) لما نزل: {إنكم وما تعبدون} [الأنبياء: آية 98]، قال ابن الزبعري لأخصمن محمدًا به ثم أتاه عليه السلام وقال:"أليس قد عُبدت الملائكة، أليس قد عُبد عيسى؟ " تمسك بالعموم، ولم ينكره عليه، وترك جوابه بالتخصيص، وهو قوله تعالى:{إن الذي سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: آية 101]، ورده عليه السلام "عليه" بقوله:"ما أجهلك بلغة قومك، أما علمت أنَّ (ما) لما لا يعقل"، لم ثبت، ويؤيده نزول الآية المخصصة في جوابه، على ما ذكره المفسرون، ولو كان السؤال خطأ لما احتيج إلى جواب، ولأن ابن الزبعري من أهل اللسان فجهله به بعيد، ويؤكده قوله تعالى:{والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها} [الشمس: أيات 5 - 7]، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: آية 3، 5] وحمل (ما) على المصدرية ضعيف، إذ القسم بالثاني أبلغ من البناء ولأن السماء دل عليه، لأنه جزؤه الصوري، فكان الحمل على غيره أولى.
(و) اتفقنا على أنها للعموم، فلا يكون للخصوص النافي للاشتراك.
(ز)"جاءني كل فقيه" يناقضه "ما جاءني كل فقيه"، ورفع الكل لا ينافي ثبوت البعض، ومنع تناقضهما مطلقًا، وأسند إلى أنه لو فسره بالغالب صح، ولا ناقض.
وأجيب:
بأنه لا يلزم من عدم إفادته الكل إذ ذاك: عدم إفادته له عند الإطلاق، وهو بين.
وأورد:
بأنه يكفي في تناقضهما دلالتهما على شيء واحد.
وأجيب:
بأن ذلك الواحد لما لم يكن معلومًا
…
لا من اللفظ، ولا من القرينة - إذ الكلام مفروض فيه، فتعين أن يكون ذلك هو الكل وعدمه.
(ح) إذ قال: "أعتقت كل من في الدار من عبيدي" عتق الكل إجماعًا، وإذ قال:"أعط كل من دخل داري درهمًا" فإنه مطيع ممتثل بالاستيعاب، وعاص بالتخصيص، ولهذا يستحق اللوم عليه.
(ط) الكل مقابل البعض على الإطلاق، ولهذا يستعمل كل واحد منهما في نفي الآخر، ولولا أنه للعموم لما كان كذلك.
(ي) فرق أهل اللغة بين قوله "جاءني كل الفقهاء"، وبين قوله "جاءني فقهاء" ولو لم يكن الكل يفيد العموم لما حصلت التفرقة، وهذا لا ينتهض حجة على من قال بالاشتراك، لحصول الفرق - حينئذ - أيضًا.
(يا) أنه مسمى بالتأكيد إجماعًا، وليس لتأكيد غير المعارف العامة، فيلزم أن يكون للعموم.
(يب) كذب عثمان قائل:
.............
…
وكل نعيم لا محالة زائل
بأن نعيم أهل الجنة لا يزول، ولو لم يكن للعموم لما توجه.
(يج) نعلم - ضرورة - بالاستقراء من عادة أهل اللسان: أنهم إذا أرادوا التعبير عن الشيء عموما فزعوا إلى الاستعمال لفظ "كل" و "جميع"، وما يجري مجراهما، ولو لم يكن للعموم لما كان كذلك.
مسألة:
الجمع المعرف باللام، أو الإضافة للعموم عند عدم العهد خلافًا لأبي هاشم، وإن أشكل فكذلك، خلافًا لإمام الحرمين.
لنا:
(أ) تمسك الصديق على الأنصار لما طلبوا الإمامة بقوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش"،
وتمسك عمر عليه لما هم بقتال مانعي الزكاة بقوله صلى الله لعيه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" ولم ينكر عليهما.
واعترض عليهما:
(أ) بأن التعميم في الأول مستفاد بما عرف من قصده عليه السلام بذلك تعظيم قريش، وميزهم عن غيرهم.
(ب) وفي الثاني: من العلة الموجبة لعصمة النفس والمال، وهي كلمة التوحيد، فإنها مناسبة لذلك، ولأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، ولا عصمة مرتبة عليها، فهي علتها.
وأجيب: -
عن (أ) أن الأصل إحالة الفهم إلى اللفظ، دون القرائن، لأن مطلق التعظيم لا يفيده، والتعظيم الخاص يمنع أنه معلوم من قصده، وهذا لأن ادعاء معرفته ادعاء معرفة اختصاص الإمامة بهم من قصده عليه السلام ومعه لا يتصور النزاع، سلمناه، لكن بالنسبة إلى البعض، دون الكل فلم يجز إحالة فهمه إلى القرينة.
وعن (ب) أنه فهم منه الحكم على العموم من أرباب اللسان من لم يعرف القياس، وشرائطه، وإحالة الجلي على الخفي غير جائز، ولأن قوله عليه السلام:"إلا بحقها" ينفي ما ذكرتم من حيث أن عود الاستثناء إلى المذكور لفظًا أولى من المذكور معنى.
(ب) أنه مؤكد بما يفيد العموم، فوجب أن يفيده، وإلا: لم يكن مؤكدًّا به، ولا ينقض بقوله:
قد صرت البكرة يومًا أجمعا
…
........................
لأنه شاذ يمنع صحته على رأي البصريين، سلمناه، لكنه يفيد تعميم أجزائه، وللمؤكد دلالة عليه.
(ج) أنه يصح الاستثناء كل فرد منه وهو ضروري بعد الاستقراء، وهو: من الكلام ما لولاه لدخل فيه.
فإن قيل: الثانية ممنوعة، وسنده الاستثناء من غير الجنس كقوله تعالى:{إلا إبليس} [الكهف: آية 50]، وهو ليس منهم لقوله تعالى:{كان من الجن} [الكهف: آية 50]، وقوله:{إلا قيلا سلاما} [الواقعة: آية 26]، {إلا اتباع الظن} [النساء: آية 157]، وقول الشاعر:
..................... .... وما بالربع من أحد
إلا الأواري ..............
…
.....................
قلنا: الدليل عليها: ما نقل عنهم، الاستثناء:"يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخول فيه"، والاستثناء من غير الجنس مجاز، وإن تصور بصورته، إذ هو مشتق من الثني، وهو الصرف، وهو إنما يعقل فيما يتصور فيه الدخول. وعورض ذلك بما نقل عنهم - أيضًا -: أنه يخرج من الكلام ما لولاه لصح دخوله، والترجيح معنا: إذ الصحة أعم منه، وجعله حقيقة في العام أزلي، ولأنه يصح الاستثناء من الجمع المنكر قلة أو غيرها.
و- أيضًا - يصح: صل إلا: اليوم الفلاني، وهو ليس للتكرار وأبطل: بأنه لو كان عبارة عنه لما بقي فرق بين الاستثناء عن الجمع المعرف والمنكر، ولكنه معلوم ضرورة، وهو بالدخول وعدمه لأنه غير منتف بالإجماع.
ولأنه نقل عنهم: أنه إخراج جزء عن كل، والأصل الحقيقة الواحدة، و- أيضًا - لو كان عبارة عنه لصح قول القائل: رأيت رجلًا إلا: زيدًا، لصلاحية دخوله تحته، لكنه باطل إجماعًا فإن قلت: لعله لمانع.
قلت: الأصل عدمه، فإن بين وهو أن المرئي متعين في نفس الأمر، والإيهام إنما هو عند السامع، واستثناء المعين لا يصح، فنحن نمنعه، سلمناه، لكن إسناد انتفاء الصحة إلى عدم المقتضي أولى من إسناده إلى وجود المانع.
سلمنا عدم بطلانه، لكن ترجيحكم الأول معارض بما أنه لو جعل حقيقة في الوجوب لأمكن جعله مجازًا في الصحة من غير عكس، ولو أمكن فالأول أولى، لما تقدم.
وعن الثاني: أنه يجب حمله على التجوز جمعًا بين الدليلين، هذا إن سلم عدم تعميمه، وإلا: فهو ساقط.
وأجيب عنه:
هب أن الاستثناء من الجمع المنكر عبارة عن ذلك، فلم قلتم: إنه في سائر الصور
كذلك، وضعفه بيِّن، للزوم الاشتراك والدور.
وعن الثالث: أن الاستثناء قرينة التكرار.
(د) يصح انتزاع المنكر من المعرف من غير العكس، والمنتزع منه أكثر، وهو إما الكل وإما دونه، والثاني باطل إجماعًا، فتعين الأول، لا يقال: إنه لقرينة الانتزاع، لأن الأصل، إحالته إلى اللفظ دون القرينة.
(هـ) أنه لو لم يحمل على العموم: فإن حمل على جمع معين فباطل، إذ ليس في اللفظ، ولا في غيره ما يشعر به، إذ الكلام مفروض عند عدم المعهود السابق، أو غير المعين، وهو - أيضًا - باطل:
أما أولا: فبالاتفاق، وأما ثانيًا: فلأنه لا يبقى فرق بينه والمنكر، وأما ثالثا: فلأنه لا يكون لدخول اللام فائدة. فإن قلت: الفرق، والفائدة أنه صالح للعموم والخصوص، بخلاف المنكر.
قلت: فحينئذ يلزمكم محذور الإجمال، أو لا يحمل على شيء وهو باطل إجماعًا، وحينئذ يلزم حمله على العموم.
(و) اللام للتعريف وفاقًا، والمعرف به ليس هو الماهية لتعرفهما بالجمع، ولا البغض، لما سبق، فهو الكل. وبهذا يتمسك من يقول: المفرد المعرف يعم، وإلا: فيرد على ذلك نقضًا. فإن أجيب عنه أنه لتعيين الماهية المشتركة بين كل فرد، أجيب بمثله - هنا - فإنه لتعيين الجمع المشترك بين كل جمع.
فرع: -
الكناية تابعة للمكني في عمومه وخصوصه، وإلا: لزم التخصيص والإجمال، أو عود الضمير إلى غير المذكور، ولأن السيد إذا قال: افعلوا - بعد أن ذكر لفظ العبيد - فإن