الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في نفقة الأقارب والمماليك
والمراد بالأقارب: من يرثه المنفق بفرض أو تعصيب (1) فيدخل فيهم العتيق.
و[نفقة](2) المماليك من الآدميين والبهائم.
وأجمعوا على وجوب نفقة الوالدين والمولودين (3) لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (4) وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (5)، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما، وحديث هند:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه (6)، وعن عائشة مرفوعا:"إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" رواه أبو داود (7)، ولأن ولد
(1) المقنع والشرح الكبير والإنصاف 24/ 393، وكتاب الفروع 5/ 595، وتصحيح الفروع 5/ 595، والمبدع 8/ 214، والإقناع 4/ 148، وغاية المنتهى 3/ 232.
(2)
ما بين المعقوفين ليست في الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 254.
(3)
ينظر: المبسوط 5/ 222، والهداية شرح بداية المبتدي 2/ 46، وعقد الجواهر الثمينة 2/ 315، ومنح الجليل 2/ 447، والإشراف 4/ 138، وروضة الطالبين 9/ 83، والمغني 11/ 373، وشرح الزركشي 6/ 9 - 10، والمبدع 8/ 213.
(4)
سورة البقرة من الآية (233).
(5)
سورة الإسراء من الآية (23).
(6)
سبق تخريجه ص 591.
(7)
في: باب في الرجل يأكل من مال ولده، كتاب البيوع برقم (3528) سنن أبي داود 3/ 288 - 289، والترمذي، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده، كتاب الأحكام برقم (1358) الجامع الصحيح 3/ 639، والنسائي، باب الحث على الكسب، كتاب البيوع برقم (4449) =
الإنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه فكذلك على بعضه وأهله.
(وتجب) النفقة (عليه) -أي المنفق-[إذا لم يكن معه](1) من يشركه في الإنفاق، أو إكمالها إن وجد المنفق عليه بعضها (بمعروف) أي بحسب ما يليق بهم من حلال لا حرام، وإنما تجب بثلاثة شروط: -
الأول: كون منفق من عمودي نسبه، أو وارثا له، وإليه الإشارة بقوله:(لكل من أبويه وإن علوا، وولده وإن سفل) حتى ذوي الأرحام منهم، (ولو حجبه معسر) كجد مع أب معسر، وكابن مع ابن ابن موسر، فتجب النفقة في المثالين على الموسر ولا أثر لكونه محجويا، وكذا جد مع ابن بنته لأن بينهما قرابة قوية توجب العتق ورد الشهادة فأشبه القريب.
(و) تجب النفقة (لكل من يرثه) قريبه الغني (بفرض) كأخ لأم، (أو تعصيب) كابن عم لغير أم، (لا برحم) كخال ممن (سوى عمودي نسبه)، سواء ورثه الأخر كأخ للغني أو لا كعمة وعتيق، فإن العمة لا ترث ابن أخيها بفرض ولا تعصيب، وهو يرثها
= المجتبى 7/ 241، وابن ماجة، باب ما للرجل من مال ولده، كتاب التجارات برقم (2290) سنن ابن ماجة 2/ 768 - 769، وأحمد برقم (23512) المسند 7/ 49، والدارمي، باب في الكسب وعمل الرجل بيده، كتاب البيوع برقم (2537) سنن الدارمي 2/ 321، والحاكم، باب ولد الرجل من كسبه. .، كتاب البيوع، المستدرك 2/ 46، والحديث قال عنه الترمذي:"حسن صحيح"، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الإرواء 6/ 65.
(1)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 254.
بالتعصيب، وكذا العتيق لا يرث مولاه وهو يرثه، فتجب النفقة على الوارث بالمعروف لقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إِلى قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فأوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم أوجب على الوارث مثل ما أوجب على الأب، ولحديث:"من أبر؟ قال: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك" وفي لفظ: "ومولاك الذي هو أدناك حقا واجبا ورحما موصولا" رواه أبو داود (1)، فألزمه البر والصلة، والنفقة من الصلة وقد جعلها حقا واجبا.
والشرط الثاني: حاجة متفق عليه، وذكره بقوله:(مع فقر من تجب له وعجزه عن كسب)؛ لأن النفقة إنما تجب على سبيل المواساة، والغني يملكه، والقادر على الكسب مستغن عنها، ولا يعتبر نقص المنفق عليه في خلقة كزمن، أو حكم كصغر وجنون، فتجب النفقة لصحيح مكلف لا حرفة له لأنه فقير.
الشرط الثالث: أن يفضل ما ينفقه عليهم عن حاجته، وإليه أشار بقوله:(إذا كانت فاضلة عن قوت نفسه) أي المنفق، (و) قوت (زوجته ورقيقه يومه وليلته كفطرة) وكسوة ومسكن لهم من حاصل بيده، أو استحصل من صناعة أو تجارة أو أجرة عقار
(1) من حديث كليب بن منفعة عن جده: أخرجه أبو داود، باب في بر الوالدين، كتاب الأدب برقم (5140) سنن أبي داود 4/ 336، والبخاري، باب وجوب صلة الرحم برقم (47) الأدب المفرد ص 22، والبيهقي، باب الاختيار في صدقة التطوع، كتاب الزكاة، السنن الكبرى 4/ 179، وضعف إسناده الألباني في الإرواء 7/ 230.
وله شاهد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أخرجه أبو داود، باب في بر الوالدين، كتاب الأدب برقم (5139) سنن أبي داود 4/ 336، والترمذي، باب ما جاء في بر الوالدين، كتاب البر والصلة برقم (1897) الجامع الصحيح 4/ 273، وأحمد برقم (19524) المسند 5/ 623، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 967.
أو ريع وقف ونحوه، فإن لم يفضل عنده عما (1) ذكر شيء فلا شيء عليه، لحديث جابر مرفوعا:"إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل فعلى عياله فإن كان فضل فعلى قرابته"(2) وفي لفظ: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" حديث صحيح (3)؛ ولأن وجوب النفقة على سبيل المواساة وهي لا تجب مع الحاجة.
و(لا) تجب النفقة على قريب (من رأس مال) تجارة لنقص الربح بنقص رأس ماله، وربما أفنته النفقة فيحصل له الضرر وهو ممنوع شرعا، (و) لا تجب النفقة من (ثمن ملك)[و](4) لا من ثمن (آلة صنعة).
(1) في الأصل: عن من.
(2)
أخرجه مسلم، باب الابتداء في النفقة. . .: كتاب الزكاة برقم (997) صحيح مسلم 2/ 692، وأبو داود، باب في بيع المدبر، كتاب العتق برقم (3957) سنن أبي داود 4/ 27 - 28، والنسائي، باب بيع المدبر، كتاب البيوع برقم (4653) المجتبى 7/ 304، وأحمد برقم (13861) المسند 4/ 238، وابن خزيمة، باب صدقة المقل. .، كتاب الزكاة برقم (2445) صحيح ابن خزيمة 4/ 100، وابن حبان، باب ذكر الأمر لمن أراد الصدقة. .، كتاب الزكاة برقم (3342) الإحسان 8/ 131 - 132، والبيهقي، باب المدبر يجوز بيعه متى شاء مالكه، كتاب المدبر، السنن الكبرى 10/ 309.
(3)
هذا الحديث مركب من حديثين، أحدهما: حديث جابر بلفظ: "ابدأ بنفسك" وقد سبق تخريجه ص 595.
والثاني: حديث أبي هريرة وهو قوله: "وابدأ بمن تعول" وهذا أخرجه البخاري، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، كتاب الزكاة برقم (1426) صحيح البخاري 2/ 96، وأبو داود، باب الرجل يخرج من ماله، كتاب الزكاة برقم (1676) سنن أبي داود 2/ 129، والترمذي، باب ما جاء في النهي عن المسألة، كتاب الزكاة برقم (685) الجامع الصحيح 3/ 64، والنسائي، باب أي الصدقة أفضل، كتاب الزكاة برقم (2544) المجتبى 5/ 69.
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من أخصر المختصرات الطبوع ص 242.
ومن قدر يكتسب بحيث يفضل من كسبه ما ينفقه على قريبه أجبر عليه؛ لأن (1) تركه مع قدرته عليه تضييع لمن يعول وهو منهي عنه.
ولا تجبر امرأة على نكاح إذا رغب فيها بمهر لتنفقه على قريبها الفقير؛ لأن الرغبة في النكاح قد تكون لغير المال بخلاف التكسب.
وزوجة من تجب له النفقة كهو؛ لأن ذلك من حاجة الفقير اليومية لدعاء الضرورة إليه، فإذا احتاج ولم يقدر عليه ربما دعته نفسه إلى الزنا، ولذلك وجب إعفافه.
(وتسقط) النفقة (بمضي زمن)[ما لم يفرضها حاكم](2)؛ لأنها تأكدت بفرضه كنفقة الزوجة، (أو) ما لم (تستدن بإذنه) أي الحاكم.
(وإن امتنع من وجبت عليه) نفقة من زوج أو قريب بأن تطلب منه فيمتنع (رجع عليه منفق بنية الرجوع)؛ لأنه قام عنه بواجب كقضاء دينه وتقدم.
(وهي على كل) من الورثة (بقدر إرثه) ممن وجبت له النفقة، فمن له -من المحتاجين للنفقة ولو كان حملا- وارث دون أب فنفقته عليهم على قدر إرثهم منه؛ لأنه تعالى رتب النفقة على الإرث لقوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (3)، فمن له جد وأخ لغير أم النفقة بينهما سواء لأنهما يرثانه كذلك تعصيبا، أو له أم أم وأم أب فالنفقة عليه بينهما سواء؛ لأنهما يرثانه كذلك فرضا وردا، ومن له أم وجد أو أخ وأخت النفقة بينهما أثلاثا كإرثهما له، ومن له أم وبنت النفقة عليهما أرباعا ربعها على الأم وباقيها على البنت؛ لأنهما يرثانه كذلك، وهكذا.
(1) في الأصل: لا.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من أخصر المختصرات المطبوع ص 242.
(3)
سورة البقرة من الآية (233).
فلا تلزم النفقة أبا أم مع أم موسرة، ولا ابن بنت معها؛ لأنه محجوب بها، ولا تلزم أخا مع ابن ولو معسرا؛ لأنه محجوب به.
ومن له ورثة بعضهم موسر وبعضهم معسر كأخوين أحدهما موسر والآخر معسر تلزم نفقته موسرا منهما مع فقر الآخر بقدر إرثه فقط؛ لأنه إنما يجب جمليه مع يسار الآخر ذلك القدر فلا يتحمل عن غيره إذا لم يجد الغير ما يجب عليه إذا لم يكن من عمودي النسب.
(وإن كان أب) غنيا (انفرد بها) أي نفقة ولده، لقوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} (1) وقوله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (2)، وتلزم نفقة جدا موسرا لابن ابنه الفقير ولو كان معه أخ مع فقر أب لعدم اشتراط الإرث في عمودي النسب لقوة قرابتهم، وتلزم جدة موسرة مع فقر أم لما تقدم.
ومن لم يكف ما فضل عن كفايته جميع من تجب نفقته عليه لو أيسر بجميعها بدأ بزوجته؛ لأن نفقتها معاوضة فقدمت على ما وجب مواساة، ولذلك تجب مع يسارهما وإعسارهما بخلاف نفقة القريب، فنفقة رقيقه لوجوبها مع الإيسار والإعسار كنفقة الزوجة، فنفقة أقرب فأقرب، لحديث طارق المحاربي (3): "ابدأ بمن
(1) سورة البقرة من الآية (233).
(2)
سورة الطلاق من الآية (6).
(3)
طارق بن عبد اللَّه المحاربي، من محارب خصفة، صحابي نزل الكوفة.
ينظر: أسد الغابة 3/ 71، والإصابة 3/ 414 - 415.
تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك" (1) أي الأدنى فالأدنى، ولأن النفقة صلة وبر، ومن قرب أولى بالبر ممن بعد، ثم مع الاستواء في الدرجة يبدأ بالعصبة، كأخوين لأم أحدهما ابن عم، ثم التساوي، فيقدم ولد على أب لوجوب نفقته بالنص، ويقدم أب على أم لانفراده (2) بالولاية واستحقاقه الأخذ من مال ولده، وقد أضافه عليه السلام بقوله: "أنت ومالك لأبيك" (3)، وتقدم أم
(1) أخرجه النسائي، باب أيتهما اليد العليا، كتاب الزكاة برقم (2532) المجتبى 5/ 61، وابن حبان، باب ذكر البيان بأن على المرء إذا أراد الصدقة بأنه يبدأ بالأدنى فالأدنى منه. .، كتاب الزكاة برقم (3341) الإحسان 8/ 130 - 131، والدارقطني، كتاب البيوع، سنن الدارقطني 3/ 44 - 45، والحاكم، باب يد المعطي، كتاب التاريخ، المستدرك 2/ 612، والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وقال أبو الطيب في التعليق المغني على سنن الدارقطني 3/ 44:"رواته كلهم ثقات"، وحسنه الألباني في الإرواء 7/ 233.
(2)
في الأصل: لانفراد.
(3)
من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا: أخرجه ابن ماجة، باب ما للرجل من مال ولده، كتاب التجارات برقم (2291) سنن ابن ماجة 2/ 769، والطحاوي في شرح معاني الآثار، باب الوالد هل يملك مال ولده أم لا، كتاب القضاء والشهادات 4/ 158، كلاهما من طريق عيسى بن يونس عن يوسف بن اسحاق السبيعي عن محمد بن المنكدر عن جابر به. قال الألباني:"هذا سند صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري". الإرواء 3/ 323.
ومن حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: أخرجه ابن حبان، باب ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أن مال الابن يكون للأب، كتاب البر والإحسان برقم (410) الإحسان 2/ 142، وصححه شعيب الأرنؤوط.
ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: أخرجه أبو داود، باب في الرجل يأكل من مال ولده، كتاب البيوع برقم (3530) سنن أبي داود 3/ 289، وابن ماجة، في الموضع السابق =
على ولد ابن؛ لأنها تدلى إليه بلا واسطة ولها فضيلة الحمل والرضاع والتربية، ويقدم ولد ابن علي جد كما يقدم الولد على الأب، ويقدم جد على أخ؛ لأن له مزية الولادة والأبوة، ويقدم أبو أب على أبي أم لامتيازه بالتعصيب، وأبو أم مع أبي أبي أب مستون لتميز أبي الأم بالقرب والآخر بالتعصيب فتساويا.
ولمستحق النفقة الأخذ من مال منفق بلا إذنه مع امتناعه كما يجوز ذلك للزوجة.
ولا نفقة مع اختلاف دين بقرابة ولو من عمودي نسب؛ لأنهما لا يتوارثان إلا بالولاء، فتجب للعتيق على معتقه بشرطه وإن باينه في دينه، لأنه يرثه فدخل في عموم قوله تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (1)، فإن مات مولاه فالنفقة على وارثه من عصبة مولاه.
= برقم (2292) سنن ابن ماجة 2/ 769، وأحمد برقم (6640) المسند 2/ 374، وحسن إسناده الألباني في الإرواء 3/ 325.
(1)
سورة البقرة من الآية (233).