المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في الديات - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٤

[عثمان ابن جامع]

فهرس الكتاب

- ‌(باب النفقات)

- ‌فصل في نفقة الأقارب والمماليك

- ‌فصل

- ‌فَصْلُ

- ‌(فَصْلٌ) في الحَضَانَةِ

- ‌فصل

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌(والخَطَأُ) ضربان:

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في شُرُوْطِ وُجُوْبِ القِصَاصِ

- ‌فصل فى استيفاء القصاص في النفس وما دونها

- ‌(فصل)

- ‌فصل في الجراح فيما دون النفس

- ‌(فصل) في الديات

- ‌(فَصْلٌ) في مَقَادِيْرِ دِيَاتِ النَّفْسِ

- ‌فصل

- ‌(فصل) فى دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل

- ‌فصل في الشجاج وكسر العظام

- ‌فصل

- ‌(فصل) في العاقلة وما تحمله من الدية

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القسامة

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌فصل

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل

- ‌فصل في التعزير

- ‌فصل في حد المسكر

- ‌فصل في القطع في السرقة

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حد قطاع الطريق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حكم المرتد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في السحر وما يتعلق به

- ‌(فصل) في الأطعمة

- ‌فَصْلٌ في الذَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ في الصَّيْدِ

- ‌بَابُ الأَيْمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في النَّذْرِ

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في شُروطِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في آدَابِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ فِي طَرِيْق الحُكْمِ وَصِفَتِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌فصل

- ‌(فصل) في القسمة

- ‌فصل في الدعاوي والبينات

- ‌فصل

- ‌فصل في تعارض البينتين

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشَّهادةِ على الشهادةِ والرجوع عنها وأدائها

- ‌فَصْلٌ في أَداءِ الشَّهادةِ

- ‌فَصْلٌ في اليَمِينِ في الدَّعاوي

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فَصْلٌ فيْمَا يَحْصلُ بهِ الإِقْرَارُ ومَا يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ فيمَا إذا وصَلَ بإِقْرَارِهِ ما يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الإِقْرَارِ بالْمُجْمَلِ

الفصل: ‌(فصل) في الديات

(فصل) في الديات

جمع [دية](1) وهي مصدر وديت القتيل، أي أديت ديته (2).

وشرعا: المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية (3).

وأجمعوا على وجوب الدية في الجملة (4) لقوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (5) وحديث مالك في الموطأ والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم (6) كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديات وقال فيه:

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 298.

(2)

ينظر: لسان العرب 15/ 383، والقاموس المحيط 4/ 399.

(3)

ينظر: المطلع ص 363، والتعريفات ص 141، والتنقيح ص 266، والإقناع 4/ 199، وغاية المنتهى 3/ 268.

(4)

الإقناع لابن المنذر 1/ 358، والإجماع ص 147، وينظر: المبسوط 27/ 124، وبدائع الصنائع 7/ 252، والمدونة 6/ 306، وبداية المجتهد 2/ 409، وروضة الطالبين 9/ 255، ونهاية المحتاج 7/ 315، والهداية 2/ 84، والمغني 12/ 5.

(5)

سورة النساء من الآية (92).

(6)

عمرو بن حزم: بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن مالك بن النجار الأنصاري، الخزرجي، ثم البخاري، أول مشاهده الخندق، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كتابا كتب له فيه الفرائض والزكاة والديات وغير ذلك، توفي بالمدينة سنة 51 هـ.

ينظر: أسد الغابة 4/ 214 - 215، والإصابة 4/ 511 - 512.

ص: 748

"وفي النفس مائة من الإبل"(1) قال ابن عبد البر: "وهو كتاب مشهور عند أهل السير، وهو معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها عن الإسناد". (2) فمن أتلف إنسانا مسلما، أو ذميا، أو معاهدا، بمباشرة أو سبب، أو أتلف جزءا منه فالدية، لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (3).

(ودية العمد على الجاني) في ماله؛ لأن العاقلة لا تحمل العمد، (وغيرها) أي

(1) أخرجه الإمام مالك، باب ذكر العقول، كتاب العقول برقم (1601) الموطأ ص 566، والنسائي، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول. . .، كتاب القسامة برقم (4854) المجتبى 8/ 58، والشافعي في المسند 2/ 108، والدارمي، باب كم الدية من الإبل، كتاب الديات برقم (2365) سنن الدارمي 2/ 253، وابن حبان، باب ذكر كتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم كتابه إلى أهل اليمن، كتاب التاريخ برقم (6559) الإحسان 14/ 501 - 508، والدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره، سنن الدارقطني 3/ 209 - 210، والحاكم، باب زكاة الذهب، كتاب الزكاة، المستدرك 1/ 395 - 397، والبيهقي، باب دية النفس، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 73، والحديث قال عنه الحاكم -بعد ذكر رواياته-:"هذا حديث كبير، يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزهري بالصحة. . ". ا. هـ. المستدرك 1/ 397، وذكر الحديث الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 17 - 18، وقال:"قد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد، بل من حيث الشهرة". وذكر منهم: الشافعي وابن عبد البر والعقيلي والحاكم، والحديث صححه الألباني في الإرواء 7/ 303، 325 - 327 بشواهده.

(2)

التمهيد 17/ 338 - 339، والاستذكار 25/ 8.

(3)

سورة النساء من الآية (92).

ص: 749

غير دية العمد وهو دية الخطأ وشبه العمد (على عاقلته)، لحديث أبي هريرة:"اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها" متغق عليه (1)، ولا خلاف فيه في الخطأ، حكى ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم. (2)

ولا تطلب دية طرف ولا جرح قبل برئه كما لا يقتص منه قبل برئه.

فمن ألقى على آدمي حية، أو ألقاه عليها فقتلته، أو طلبه بسيف ونحوه مجردا فتلف في هربه ولو كان غير ضرير فعليه الدية، سواء سقط من شاهق، أو انخسف به سقف، أو خر في بئر، أو غرق في ماء، أو لقيه سبع فافترسه، أو احترق بنار صغيرا كان المطلوب أو كبيرا، وعاقلا أو مجنونا، لتلفه بسبب عدوانه، أو روعه بأن شهر السيف ونحوه في وجهه فمات خوفا، أو دلاه من شاهق فمات، أو ذهب عقله خوفا، أو حفر بئرا محرما حفره، كفي طريق ضيق، أو وضع حجرا، أو قشر بطيخ، أو صب ماء بفنائه، أو بطريق، أو بال بها، أو بالت بها دابته ويده عليها كراكب وقائد وسائق، وتلف به آدمي [ففيه](3) الدية، وكذا يضمن ما تلف به من ماشية أو تكسر من أعضاء ونحوه، فإن لم تكن يده عليها إذ ذاك فلا ضمان، أو رمى من منزله حجرا أو غيره أو حمل بيده رمحا جعله بين يديه أو خلفه -لا إن جعله قائما في الهواء وهو يمشي لأنه لا عدوان منه إذن- أو وقع على

(1) سبق تخريجه ص 627.

(2)

ينظر: الإشراف 2/ 195.

(3)

ما بين المعقوفين ليست في الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 299.

ص: 750

نائم بفناء جدارفأتلف إنسانًا، أو تلف به فمات مع قصد تعدٍّ، كإلقاء الحية عليه وإلقائه عليها والترويع والتَّدْلِيَةُ من شَاهِقٍ شبه عَمْدٍ وما بدون قصد خطأ، وفي كلٍّ منهما الدية على العاقلة والكفارة في مال جان.

ومن سَلَّمَ على غيره فمات، أو أمسك يده فمات، أو أجلسه أو أقامه فمات، أو تلف واقع على نائم بلا سبب من أحد فَهَدَرٌ لعدم الجناية.

وإن حفر بئرًا ووضع آخر حجرًا ونحوه ككيس دراهم فَعَثَر به إنسانٌ (1) فوقع في البئر فمات ضمن واضع الحجر ونحوه دون الحافر؛ لأن الحجر أو نحوه كدافع إذا [تعديا](2)؛ لأن الحَافِرَ لم يقصد بذلك القتل لعين عادةً، وإلَّا يتعديا جميعًا فالضمان على متعدٍّ منهما، فإن تعدَّى الحافر وحده بأن كان وضع الحجر لمصلحة، كوضعه في محل وحل لتمر عليه الناس فعلى الحافر الضمان، وعكسه بعكسه.

ومن حفر بئرًا قصيرةً فعمقها آخر تعديا فضمان تالف بسقوطه فيها بينهما لحصول السبب منهما، وإن وضع ثالث فيها سكينًا أو نحوها فوقع فيها شخص على السكين فمات فعلى عَوَاقِلِ الثلاثة الدية نصًّا (3)؛ لأنهم تسببوا في قتله.

وإن حفرها بملكه وسترها ليقع فيها أحدٌ، فمن دخلها بإذنه وتلف بها فعلى

(1) في الأصل: إنسانا.

(2)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 300.

(3)

الإرشاد ص 464، والمغني 12/ 88 - 89، وكتاب الفروع 6/ 4 - 5، وغاية المنتهى 3/ 269، وكشاف القناع 6/ 7.

ص: 751

حافرها القود لتعمده قتله عدوانًا، كما لو قدم له طعاما مسمومًا فأكله، وإن دخل بغير إذنه فلا ضمان، كما لو سقط ببئرٍ مكشوفةٍ بحيث يراها الداخل البصير؛ لأنه هو الذي أهلك نفسه، أشبه ما لو قدم إليه سكينًا فقتل نفسه بها، فإن كان أعمى أو في ظلمة بحيث لا يبصرها ضمنه، ويقبل قول حافر البئر بملكه في عدم إذنه لداخل في الدخول لأنه الأصل، ولا يقبل قوله في كشفها إذا ادعى وَليُّهُ أنها كانت مغطاة؛ لأن الظاهر مع ولي الداخل إذ المتبادر أنها لو كانت مكشوفةً بحيث يراها لم يسقط بها، وإن تلف أجير مكلف بحفرها بها فَهَدَرٌ لأنه لا فعل للمستأجر في قتله بمباشرة ولا سبب، أو دعى من يحفر له بداره حفيرة أو من يحفر له بمعدن ليستخرجه له فمات بهدم ذلك عليه بلا فعل أحد فَهَدَرٌ نَصًّا (1) لما تقدم.

(1) الإرشاد ص 463، والمغني 12/ 93، والمحرر 2/ 138، وكتاب الفروع 6/ 4، والمبدع 8/ 330، والتنقيح ص 266، وغاية المنتهى 3/ 269.

ص: 752

(ومَنْ قَيَّدَ حُرًّا مُكلَّفًا أو غَلَّهُ)(1) فتلف بحية أو صاعقة فالدية لهلاكه في حال تعديه، (أَوْ غَصَبَ) حُرًّا (صَغِيْرًا) أو مجنونًا (فَتَلِفَ بِحَيَّةٍ أو صَاعِقَةٍ) وهي نار تنزل من السماء فيها رعد شديد قاله الجوهري (2)، (فالدِّيةُ) لهلاكه في حال تعديه (3) بحبسه وإن لم يقيده ولم يغله لضعفه عن الهرب من الصاعقة والبطش بالحية أو دفعها عنه.

و(لا) يضمن الحر المكلف من قيده أو غَلَّه أو الصغير إدن حبسه (إِنْ مَاتَ بَمَرضٍ أَوْ) ممات (فَجْأَة) نصًّا (4)؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد (5)، ولا جناية إذن، وأما القِنُّ فيضمنه غاصبه تَلِفَ أو أتْلَفَ وتقدم.

وإن تجاذب حران مكلفان حبلًا أو نحوه فانقطع فسقطا فماتا فعلى عاقلة كل منهما دية الآخر لتسبب كل منهما في قتل [الآخر](6).

وإن اصطدما ولو كانا ضريرين، أو كان أحدهما ضريرًا فماتا كمتجاذبين على

(1) الغُلُّ -بالضم-: واحد الأغلال، يقال: في رقبته غُلٌّ من حديد.

ينظر: لسان العرب 11/ 504، والقاموس المحيط 4/ 26.

(2)

الصحاح 4/ 1506.

(3)

في الأصل: التعديه، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 301.

(4)

الكافي 4/ 64، والمحرر 2/ 136، وكتاب الفروع 6/ 5، والمبدع 8/ 331، والتنقيح ص 266، وغاية المنتهى 3/ 269.

(5)

هذه قاعدة فقهية ذكرها الإمام السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر ص 124.

(6)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 301.

ص: 753

عاقلة كل منهما [دية](1) الآخر، روي عن علي (2)، وإن اصطدمت امرأتان حاملان فكالرجلين، فإن أسقطت كل منهما جنينها فعلى كل واحدةٍ منهما نصف ضمان جنينها، ونصف ضمان جنين صاحبتها لاشتراكهما في قتله، وعلى كل منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها، واثنتان لمشاركتهما في الجنين، وإن أسقطت إحداهما دون الأخرى اشتركتا في ضمانه، وعلى كل منهما عتق رقبتين.

وإن اصطدم الحران المكلفان عمدًا -وذلك يقتل غالبًا- فهو عمدٌ يلزم كلًا منهما دية الآخر في ذمته فيتقاصان إن كانا متكافئين، وإلا يكن يقتل غالبا فشبه عمد فيه الكفارة في مالهما والدية على عاقلتهما، وإن كانا راكبين أو أحدهما فما تلف من دابتيهما فقيمته على الآخر، أو نَقَصَ فعلى كل منهما نقص دابة الآخر، وإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللَّاحِق؛ لأنه الصادم، وإن غلبت الدابة راكبها لم يضمن.

وإن كان أحدهما واقفًا أو قاعدًا فضمان مالهما على سائر نصًّا (3)؛ لأنه الصادم المتلف، وديتهما على عاقلته لحصول التلف بصدمه، وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين.

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 301.

(2)

أخرجه عبد الرزاق، باب المقتتلان والذي يقع على الآخر أو يضربه، كتاب العقول برقم 18328، المصنف 10/ 54.

(3)

الإرشاد ص 465، والمغني 12/ 546، والكافي 4/ 65، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 25/ 328، والمحرر 2/ 136، وشرح الزركشي 6/ 420، والمبدع 8/ 332، والتنقيح ص 267.

ص: 754

وإن اصطدم قِنَّانِ ماشيان فهما هَدَرٌ لوجوب قيمة كل منهما في رقبة الآخر، وقد تلف المحل الذي تعلقت به فذهبا هدرًا، وإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر كسائر جناياته.

وإن كانا حرًّا وقِنًّا فماتا فقيمة قن في تركة حر، وتجب دية الحر كاملة في تلك القيمة إن اتسعت لها.

ومن أركب صغيرين لا ولاية له على واحدٍ منهما فاصطدما فماتا فديتهما وما تلف لهما من ماله لتعديه بذلك، فإن أركبهما ولي لمصلحة كتمرين على ركوب ما يصلح لركوبهما وكانا يثبتان بأنفسهما، أو ركبا من عند أنفسهما فهما كبالغين مخطئين، على عاقلة كل منهما دية الاخر، وعلى كل منهما ما تلف من مال الآخر.

وإن اصطدم كبير وصغير فمات الصغير فقط ضمنه الكبير، وإن مات الكبير فقص ضمنه مركب الصغير إن تعدى بإركابه، وإن أركبه وليه لمصلحةٍ، أو ركب من عند نفسه فكبالغ مخطئ على ما سبق.

ومن أرسل صغيرًا لحاجة ولا ولاية له عليه فأتلف نفسًا أو مالًا فجنايته خطأ من مرسله فيضمنها، وإن جُني عليه ضمنه مرسله نقله في "الفروع"(1) عن "الإرشاد"(2) وغيره (3)، قال ابن حمدان:"إن تعذر تضمين الجاني". (4) على

(1) 6/ 5.

(2)

ص 463.

"الإرشاد إلى سبيل الرشاد" في المذهب، لمحمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي، أبي علي، القاضي، المتوفى سنة 428 هـ، وهو كتاب سهل العبارة، صغير الحجم، يذكر الأقوال والروايات عن الإمام أحمد، وبرجح فيما بينها، ويختار أحيانا، وهو مطبوع في مجلد بتحقيق الدكتور عبد اللَّه التركي، مؤسسة الرسالة.

(3)

ينظر: التنقيح ص 267، وكشاف القناع 6/ 11.

(4)

ينظر: غاية المنتهى 3/ 271، وكشاف القناع 6/ 11.

ص: 755

الصغير، فإن لم يتعذر تضمينه فعليه الضمان؛ لأنه مباشر، والمرسل المتسبب، وإن كان المرسل قنا وأرسله بلا إذن سيده فكغصبه فيضمن جناياته، والجناية عليه على ما تقدم تفصيله في الغصب.

ومن ألقى حجرًا أو عِدْلًا مملؤا بسفينة فغرقت ضمن جميع ما فيها لحصول التلف بسبب فعله كما لو خرقها.

ومن وقع في بئرٍ أو حُفْرَةٍ ثم وقع ثانٍ ثم ثالث ثم رابع بعضهم على بعض فماتوا كلهم أو مات بعضهم بلا تَدَافُعٍ ولا تَجَاذُبٍ فدم الرابع هَدَرٌ لموته بسقوطه، ولم يسقط عليه أحد، ودية (1) الثالث على عاقلة الرابع لموته بسقوطه عليه، ودية الثاني على عاقلة الثالث والرابع لموته بسقوطهما عليه، ودية الأول على عاقلة الثلاثة لموته بسقوطهم عليه.

وإن جَذَبَ الأول الثاني، وجذب الثاني الثالث، وجذب الثالث الرابع، فدية الرابع على عاقلة الثالث لمباشرته جذبه وحده، ودية الثالث على

(1) في الأصل: والدية.

ص: 756

عاقلة الثاني؛ لأنه أتلفه بجذبه له، ودية الثاني على عاقلة الأول والثالث نصفين لموته بجذب الأول وسقوط الثالث عليه، ودية الأول على عاقلة الثاني والثالث نصفين لموته بسقوطهما عليه، وإن هلك الأول بوقعة الثالث عليه فضمان نصفه على عاقلة الثاني لمشاركته بجذبه للثالث، والباقي من ديته هدر في مقابلة [فعل](1) نفسه لمشاركته في قتلها، ولو لم يسقط بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم لعُمْقِ البئر أو ماء يُغْرِقُ الْوَاقِعَ فَيَقْتُلُهُ لا بسقوط أحد منهم على غيره، وكذا لو جهل الحال ولم يتجاذبوا، أو قتلهم أسد فيما وقعوا فيه فدماؤهم جميعا مُهَدَّرَةٌ؛ لأنه ليس لواحد منهم فعل في تلف الآخر.

ومن نام على سَقْفٍ فسقط به على قوم لزمه المكث لئلا يهلك بانتقاله أحدا ويضمن ما تلف من نفسٍ ومَالٍ بدوام مكثه أو بانتقاله لتلفه بسببه، ولا يضمن ما تلف بسقوطه لأنه ليس من فعله بخلاف مكثه وانتقاله.

ومن اضْطُرَّ إلى طعام غَير مُضْطَرِّ أو شرابه فطلبه فمنعه حتى مات ضمنه ربُّ (2) الطعام أو الشراب نصًّا (3)، لقضاء عمر به (4)، ولأنه إذا اضطر إليه صار أحق به ممن هو في يده، فإن لم يطلبه المضطر منه لم يضمنه؛ لأنه لم يمنعه ولم

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 304.

(2)

في الأصل: ب.

(3)

الهداية 2/ 87، والمغني 12/ 102، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 25/ 352، والمحرر 2/ 137، وشرح الزركشي 6/ 690، وكتاب الفروع 6/ 12.

(4)

لم أقف عليه مسندا، وأورده ابن قدامة في المغني 12/ 102.

ص: 757

يوجد منه فعل يكون سببا لهلاكه، وكذا إن منعه ربُّ الطعام والشراب وهو مضطر أو خائف ذلك لأنه لا يلزمه بذله إذن.

أو أخذ طعام غيره أو شرابه وهو عاجز عن دفعه فتلف أو تلفت دابته بسبب الآخذ ضمن الأخذُ التالفَ لتسببه في هلاكه، أو أخذ منه ما يدفع به صائلًا عليه من سَبُعٍ ونحوه فأهلكه الصائل ضمنه الآخذ لصيرورته سببا لهلاكه. قال في "المغني" (1):"وظاهر كلام أحمد أن الدية في ماله لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبا". وقال القاضي: "تكون على عاقلته لأنه لا يوجب القصاص فهو شبه العمد". (2)

ولا يضمن من أمكنه إنجاءُ نفسٍ من هلكةٍ فلم يفعل؛ لأنه لم يهلكه ولم يفعل شيئا يكون سببا في هلاكه، كما لو [لم](3) يعلم به.

ومن أفزع أو ضَرَبَ شخصًا ولو صغيرًا فأحدث بغائط أو بول أو ريح ولم يُدْم فعليه ثلث ديته، لما روي:"أن عثمان قضى به فيمن ضرب إنسانًا حتى أحدث"(4) قال أحمد: "لا أعرف شيئًا يدفعه". (5) والقياس لا ضمان وهو قول

(1) 12/ 102.

(2)

ينظر: المغني 12/ 102، وكتاب الفروع 6/ 12، وشرح منتهى الإرادات 3/ 305.

(3)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 305.

(4)

أخرجه عبد الرزاق برقم 18244، المصنف 10/ 24، وابن أبي شيبة برقم 7706، الكتاب المصنف 9/ 338.

(5)

المغني 12/ 103، والمبدع 8/ 340، وكشاف القناع 6/ 15.

ص: 758

الأكثر، وروي أيضًا عن أحمد لكن المذهب الأول؛ لأن قول الصَّحابي بما يخالف القياس توقيف نصًّا (1)، خصوصًا وهذا القضاء في مَظِنَّةِ الشُّهرَةِ ولم ينقل خلافه فهو إجماع.

ويضمن أيضًا من أفزع إنسانًا أو ضَرَبَه جنَايَتَه على نَفْسِهِ أو غيرِه بسبب إفْزَاعِهِ أو ضربه وتحمله العاقلة بشرطه.

(و [إِن] (2) أدَّبَ) زوجٌ (امرأَتَه بنُشُوزٍ)، أو أدب ولده، (أَوْ) أدب (مُعَلِّمٌ صَبِيَّهُ، أَوْ) أدب (سُلطَانٌ رَعِيَّتَهُ بلا إِسْرَاف) أي زيادة على الضرب المعتاد فيه لا في عدد ولا شدة فتلف المؤدَب بذلك (فَلا ضَمَانَ) على المؤدِب (بِتَلفٍ مِنْ ذَلك) نصًّا (3)، لفعله ما له فعله شرعا بلا تعدٍّ، أشبه سراية القود والحد.

وإن أسرف أو زاد على ما يجصل [به](4) المقصود، أو ضرب من لا عقل له من صبي لم يُمَيِّز، أو مجنونٍ أو معتوهٍ فتلف ضمن؛ لأن الشرع لم يأذن في تأديب من لا عقل له لأنه لا فائدة في تاديبه.

(ومَنْ أَمَرَ مُكلَّفًا) سواء كان الآمِرُ مُكلَّفًا أو غير مكلف (أَنْ يَنْزِلَ بِئْرًا) أي في بئر (أَوْ) أن (يَصْعَدَ شَجَرَةً) أي على شجرة (فَهَلَكَ بِهِ) أي بنزول في البئر أو بصعود

(1) ينظر: العدة 4/ 1193، 1196، والمسودة ص 338.

(2)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من أخصر المختصرات المطبوع ص 246.

(3)

الهداية 2/ 85، والمغني 12/ 528، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 25/ 359، والمحرر 2/ 138، وغاية المنتهى 3/ 273.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، من شرح منتهى الإرادات 3/ 305.

ص: 759

على الشجرة (لَمْ يَضْمَن) الآمر؛ لأنه لم يجن عليه ولم يتعد، أشبه ما لو أذن له ولم يأمره كاستئجاره لذلك أقبضه أجرة أولا.

(ولو مَاتَتْ حَاملٌ (1) أَوْ) مات (حَمْلُهَا مِنْ رِيْحِ طَعَامٍ ونحوه) ككبريت وعظم (ضَمِنَ رَبُّهُ) أي الطعام ونحوه ديتها مع حملها (إِنْ عَلِمَ ذَلك) أي أنها تموت أو يموت حملها من ريح ذلك (عَادةً) أي بحسب المعتاد وأنَّ الحاملَ هُناك لتسببه فيه، وإلا فلا إثم ولا ضمان.

وإن سَلَّمَ بالغ عاقل نفسه أو سلم ولده إلى سَابحٍ حَاذِقٍ ليعلمه السباحة فغرق لم يضمنه حيث لم يفرط لفعله ما أذن فيه.

ومن وضع على سطحه جَرَّةً أو نحوها ولو متطرفة فسقطت بريح أو طير أو هرة على آدمي أو غيره فتلف لم يضمنه واضع لسقوطه بغير فعله وزمن وضعه كان في ملكه.

(1) في الأصل: حاملًا.

ص: 760