الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) في العاقلة وما تحمله من الدية
والعاقلة: من غرم (1) ثلث دية فأكثر بسبب جناية غيره (2)، سموا بذلك لأنهم يعقلون، يقال: عقلت فلانا إذا أعطيته ديته، وعقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته، وأصله من عقل الإبل، وهي الحبال التي تثنى بها أيديها، ذكره الأزهري (3)، وقيل: من العقل أي المنع؛ لأنهم يمنعون عن القاتل، أو لأنها تعقل لسان ولي المقتول (4).
(وعاقلة جان) ذكرا وأنثى (ذكور عصبته نسبا وولاء) حتى عمودي نسبه، وحتى من بعد كابن ابن عم جد جان، لحديث أبى هريرة قال:"قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنتيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها" متفق عليه (5)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثون منها إلا ما فضل عن ورثتها" رواه
(1) في الأصل: تغرم، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 327.
(2)
المبدع 9/ 16، والتنقيح ص 271، وغاية المنتهى 3/ 289.
(3)
كتاب الزاهر ص 243.
(4)
المغني 12/ 39، والمبدع 9/ 15 - 16، والإنصاف 26/ 51.
(5)
سبق تخريجه ص 627.
الخمسة إلا الترمذي (1)، ولأن العصبة يشدون أزر قريبهم وينصرونه فاستوى قريبهم وبعيدهم في العقل، ولأن الأب والابن أحق بنصرته من غيرهما فوجب أن يحملا عنه كالإخوة وبني الأعمام، وأما حديث:"لا يجني عليك ولا تجني عليه"(2) أي إثم جنايتك لا يتخطاك إليه وإثم جنايته لا يتخطاه إليك كقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3).
وإذا ثبت العقل في عصبة النسب فكذا عصبة الولاء لعموم الخبر، وأما الأخ
(1) أخرجه أبو داود، باب ديات الأعضاء، كتاب الديات برقم (4564) سنن أبي داود 4/ 189، والنسائي واللفظ له، باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء، كتاب القسامة برقم (4801) المجتبى 8/ 43، وابن ماجة، باب عقل المرأة على عصبتها. .، كتاب الديات برقم (2647) سنن ابن ماجة 2/ 884، وأحمد برقم (7052) المسند 2/ 448، والبيهقي، باب ميراث الدم والعقل، كتاب الجنايات، السنن الكبرى 8/ 58، وحسن إسناده الألباني في الإرواء 7/ 332.
(2)
من حديث أبي رمثة: أخرجه أبو داود، باب لا يؤخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه، كتاب الديات برقم (4495) سنن أبي داود 4/ 168، والنسائي، باب هل يؤخذ أحد بجريرة غيره، كتاب القسامة برقم (4832) المجتبى 8/ 53، وأحمد برقم (7076) المسند 2/ 453 - 454، والدارمي، باب لا يؤخذ أحد بجنابة غيره، كتاب الديات برقم (2388 - 2389) سنن الدارمي 2/ 260 - 261، وابن حبان، باب ذكر الإخبار عن نفي جناية الأب عن ابنه والابن عن أبيه، كتاب الجنايات برقم (5995) الإحسان 13/ 337، والحاكم باب تفسير سورة الملائكة، كتاب التفسير، المستدرك 2/ 425، والبيهقي، باب إيجاب القصاص على القاتل دون غيره، كتاب الجنايات، السنن الكبرى 8/ 27، والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الإرواء 7/ 333.
(3)
سورة الإسراء من الآية (15).
للأم وذوو الأرحام والنساء فليسوا من العاقلة بلا خلاف؛ لأنهم ليسوا من أهل النصرة، لكن لو عرف نسبه من قبيلة ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه.
ويعقل عاصب هرم غني وأعمى وغائب كضدهم (1).
(ولا عقل على فقير) أي من لا يملك نصابا عند حلول الحول فاضلا عنه كحج وكفارة ظهار ولو كان معتملا؛ لأنه ليس من أهل المواساة كالزكاة، ولأنها وجبت على العاقلة تخفيفا على الجاني فلا تثقل على من لا جناية منه، (و) لا على (غير مكلف) كصغير ومجنون؛ لأنهما ليسا من أهل النصرة والمعاضدة، ولا على امرأة (2) ولو معتقة أو خنثى مشكل لما تقدم، ولا على قن؛ لأنه لا مال له.
(و) لا على (مخالف دين جان) لفوات النصرة، ولا تعاقل بين ذمي وحربي لانقطاع التناصر بمنهما، ويتعاقل أهل ذمة اتحدت مللهم كما يتوارثون.
وخطأ إمام وحاكم في حكمهما في بيت المال لا تحمله عاقلتهما لأنه يكثر فيجحف بالعاقلة، ولأن الإمام والحاكم نائبان عن اللَّه فيكون أرش خطئهما في مال اللَّه تعالى كخطأ وكيل فإنه لا ضمان عليه فيما تلف منه بلا تعد ولا تفريط بل يضيع على موكله.
(ولا تحمل) العاقلة (عمدا) وجب به قود أو لا (ولا صلحا) عن إنكار (ولا
(1) أي: شاب صحيح وبصير وحاضر لاستوائهم في التعصيب وكونهم من أهل المواساة.
ينظر: شرح منتهى الإرادات 3/ 328.
(2)
قال ابن المنذر: "أجمعوا أن المرأة والصبي الذي لم يبلغ لا يعقلان من العاقلة شيئًا"، وقال "وأجمعوا على أن الفقير لا يلزمه من ذلك شيء" ا. هـ الإجماع ص 152.
اعترافا) بأن يقر جان على نفسه بجناية خطأ أو شبه عمد توجب ثلث دية فأكثر وتنكر العاقلة، ولا تحمل قيمة دابة أو قن أو قيمة طرفه، ولا تحمل (1) قيمة جنايته لحديث ابن عباس مرفوعًا:"لا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا"(2)، وروي عن ابن عباس موقوفا (3)، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، ولأن القاتل عمدا غير معذور فلا يستحق المواساة ولا التخفيف، ولأن الصلح يثبت بفعله واختياره فلا تحمله العاقلة كالاعتراف لأنه متهم في مواطأة المقر لعهم بالقتل ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمهم إياها، ولأن العبد يضمن ضمان المال أشبه سائر الأموال.
(ولا) تحمل (ما دون ثلث الدية) كثلاث أصابع وأرش موضحة لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة، ولأن أصل الضمان على الجاني لأنه المتلف خولف في ثلث الدية فأكثر لإجحافه بالجاني لكثرته، فبقي ما عداه على الأصل، إلا غرة جنين مات مع أمه أو بعدها بجناية واحدة فتحمل الغرة تبعا لدية
(1) في الأصل: وتحمل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 329.
(2)
لم أقف عليه مرفوعًا، وأورده صاحب الهداية كما في نصب الراية 4/ 379 مرفوعًا بدون ذكر الراوي، وقال الزيلعي:"غريب مرفوعًا".
(3)
أخرجه البيهقي، السنن الكبرى 8/ 104، وحسن إسناده الألباني في الإرواء 7/ 336 وأورده ابن المنذر في الإشراف 2/ 199، وابن عبد البر في الاستذكار 25/ 185.
الأم نصا (1) لاتحاد الجناية.
وتحمل العاقلة شبه عمد لحديث أبى هريرة: "اقتتلت امرأتان من هذيل" وتقدم (2)، ولأنه نوع قتل لا يوجب القصاص أشبه الخطأ، ويكون ما وجب في شبه عمد مؤجلا في ثلاث سنين كواجب بخطأ لما روي عن عمر وعلي:"أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين"(3)، ولا مخالف لهما في عصرهما، ولأنها تحمله مواساة فاقتضت الحكمة تخفيفه عليها، ويجتهد حاكم في تحميل كل من العاقلة لأنه لا نص فيه فرجع فيه إلى اجتهاده كتقدير النفقة فيحمل
(1) الإرشاد ص 448، والمغني 12/ 68، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 26/ 71، 77 - 78، والمحرر 2/ 149، وشرح الزركشي 6/ 130، وكتاب الفروع 6/ 41، والمبدع 9/ 22، وغاية المنتهى 3/ 291.
(2)
ص 627.
(3)
قضاء عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق لرقم (17858) المصنف 9/ 420، وابن أبي شيبة برقم (7488) الكتاب المصنف 9/ 284 - 285، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 108، كلهم من طريق أشعث بن سوار عن الشعبي عن عمر، وأعله بالانقطاع الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 32. وراه عبد الرزاق أيضًا من طريق ابن جريج عن أبي وائل (أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين) المصنف 9/ 420 برقم (17857)، وأورده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير وسكت عنه.
وقضاء علي رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/ 110، من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب (أن علي بن أبي طالب قضى بالعقل في قتل الخطأ في ثلاث سنين) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 32:"منقطع، وفيه ابن لهيعة". وينظر إرواء الغليل 7/ 337 - 338.
كلا منهم ما يسهل عليه نصا (1)؛ لأن ذلك مواساة للجاني وتخفيف عنه فلا يشق على غيره.
ويبدأ في تحميل عاقلة بالأقرب فالأقرب كالإرث، فيقسم على الأباء والأبناء ثم الإخوة ثم بني الإخوة ثم الأعمام ثم بنيهم، وهكذا أبدا حتى تنقرض عصبة النسب ثم المولى المعتق ثم عصبته الأقرب فالأقرب كالميراث، لكن تؤخذ من بعيد لغيبة قريب، وإن اتسعت أموال الأقربين للدية لم يتجاوزهم وإلا انتقل إلى من يليهم.
وما أوجب ثلث دية فقط أخذ في رأس الحول؛ لأن العاقلة لا تحمل حالا، وما أوجب ثلثيها فأقل أخذ في رأس الحول ثلث والتتمة في رأس آخر.
(1) المغني 12/ 45، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 26/ 81، والمحرر 2/ 149، وكتاب الفروع 6/ 42، والباب 9/ 23، وغاية المنتهى 3/ 291.