الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في التعزير
وهو لغة: المنع، ومنه التعزير بمعنى النصرة (1)، كقوله تعالى:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (2) لمنع الناصر المعادي والمعاند لمن ينصره.
واصطلاحا: التأديب لأنه يمنع مما لا يجوز فعله (3).
(ويجب التعزير) على كل مكلف، نص عليه في سب صحابي (4)، وكحد، وكحق آدمي طلبه (في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة)، كمباشرة دون فرج، وإتيان امرأة امرأة، وسرقة لا قطع فيها لفقد حرز ونقص نصاب، وكجناية لا قود فيها كصفع ووكز، وكقذف بغير زنا كقوله: يا فاسق، يا شاهد زور، ونحو ذلك، وكلعنه وليس لمن لعن ردها على من لعنه، وكدعاء عليه وشتمه بغير فرية، وكقوله: اللَّه أكبر عليك، وخصمك اللَّه، وكذا ترك الواجبات، ولا يحتاج في إقامة تعزير إلى مطالبة؛ لأنه مشروع للتأديب، فيعزر من سب صحابي ولو كان له وارث ولم يطالب به، وفي سقوطه
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 311، ولسان العرب 4/ 561 - 562.
(2)
سورة الفتح من الآية (9).
(3)
قال ابن قدامة: "التعزير: هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها". ا. هـ. المغني 12/ 523، وينظر: الهداية 2/ 102، والمبدع 9/ 108، والتنقيح ص 278، والإقناع 4/ 268، وغاية المنتهى 3/ 315.
(4)
كتاب الفروع 6/ 104، والمبدع 9/ 108، والإنصاف 26/ 448، والإقناع 4/ 269، وشرح منتهى الإرادات 3/ 360.
بعفو مجني عليه خلاف.
(ومرجعه) أي التعزير (إلى اجتهاد الإِمام) ولا يزاد فيه على عشرة نصا (1)، لحديث أبي بردة (2) مرفوعا:"لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود اللَّه" متفق عليه (3) ، وللحاكم نقصه عن العشرة؛ لأنه عليه السلام قدر أكثره ولم يقدر أقله فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم بحسب حال الشخص.
ويشهر لمصلحة نقله عبد اللَّه في شاهد زور (4).
ويكون التعزير أيضا بالحبس والصفع والتوبيخ والعزل عن الولاية وإقامته من المجلس حسب ما يراه الحاكم، ويصلبه حيا، ولا يمنع من أكل ووضوء ويصلي بالإيماء ولا يعيد.
ويحرم تعزير بحلق لحية وقطع طرف وجرح؛ لأنه مثلة، وبأخذ مال أو إتلافه؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عمن يقتدى به.
(1) مسائل الإِمام أحمد رواية صالح 2/ 272 - 273، وكناب الروايتين والوجهين 2/ 344، والمقنع لابن البناء 3/ 1147، والمغني 12/ 524، والمحرر 2/ 164، والمبدع 9/ 112.
(2)
أبو بردة: هانئ بن نيار بن عمرو البلوي، حليف الأنصار، صحابي اشتهر بكنيته، وهو خال البراء بن عازب، شهد بدرا وما بعدها، توفي سنة 40 هـ.
ينظر: أسد الغابة 5/ 382، والإصابة 7/ 31 - 32.
(3)
أخرجه البخاري، باب كم التعزير والأدب، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة برقم (6848) صحيح البخاري 8/ 144 - 145، ومسلم، باب قدر أسواط التعزير، كتاب الحدود برقم (1708) صحيح مسلم 3/ 1332 - 1333.
(4)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 108، والإنصاف 26/ 461، وشرح منتهى الإرادات 3/ 361.
ولا يحرم تعزير بتسويد وجه ولا بأن ينادى عليه بذنبه، ويطاف به مع ضربه، قال أحمد في شاهد الزور (1) فيه عن عمر:"يضرب ظهره، ويحلق رأسه، ويسخم (2) وجهه، ويطاف به ويطال حبسه"(3).
ومن قال لذمي: يا حاج أو لعنه بغير موجب أدب.
ومن عرف بأذى الناس حتى بعينه حبس حتى يموت أو يتوب، ونفقته من بيت المال ليدفع ضرره، وقال المنقح: لا يبعد أن يقتل العائن إذا كان يقتل بعينه غالبا، وأما ما أتلفه فيغرمه انتهى. (4) وفي "شرح منازل السائرين" لابن القيم (5): إن كان ذلك بغير اختياره بل غلب على نفسه لم يقتص منه وعليه الدية، وإن عمد ذلك وقدر على رده وعلم أنه يقتل به ساغ للوالي أن يقتله بمثل ما قتل به فيعينه إن شاء كما هو أعان المقتول، وأما قتله بالسيف قصاصا فلا؛ لأن هذا
(1) ينظر: كتاب الفروع 6/ 108 - 109، والإنصاف 26/ 461.
(2)
السخم: السواد، يقال: شعر سخامي: أسود، والسخام: سواد القدر.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 145 - 146، ولسان العرب 12/ 283.
(3)
أخرجه عبد الرزاق برقم (15393) المصنف 8/ 327، وابن أبي شيبة برقم (8762) الكتاب المصنف 10/ 58، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 142 وضعفه.
(4)
التنقيح ص 279.
(5)
الكتاب اسمه: "مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" مجلدان وهو شرح "منازل السائرين" لشيخ الإِسلام الأنصاري، قال ابن رجب عن هذا الشرح:"كتاب جليل القدر"، من تأليف شيخ الإِسلام العلامة الفقيه محمد بن أبي بكر بن أيوب، شمس الدين، أبو عبد اللَّه بن قيم الجوزية، (691 - 751 هـ). ينظر: كتاب الذيل 2/ 447 - 452. والكتاب مطبوع في مجلد.
ليس مما يقتل غالبا ولا هو مماثل للجناية، وفرق بينه وبين الساحر من وجهين قال: وسألت شيخنا عن القتل بالحال هل يوجب القصاص؟ فقال: للولي أن يقتله بالحال كما قتل به.
ويعزر بعشرين سوطا بشرب مسكر في نهار رمضان مع الحد، لما روى أحمد:"أن عليا أتي بالنجاشي (1) قد شرب خمرا في رمضان، فجلده ثمانين الحد، وعشرين سوطا لفطره في رمضان"(2) ، ومن وطئ أمة امرأته حد ما لم تكن أحلتها له فيجلد مائة إن علم التحريم، لحديث أبي داود عن حبيب بن سالم (3): "أن رجلا يقال له: عبد الرحمن بن حبيب وقع على جارية
(1) النجاشي. قيس بن عمرو بن مالك بن معاوية بن خديج الحارثي، أبو الحارث، الشاعر، أمه من الحبشة، له إدراك، كان في عسكر علي، عمر طويلا، استقر في الكوفة، وهجا أهلها، وهدده عمر بقطع لسانه، وتوفي بلحج باليمن سنة 40 هـ.
ينظر: الإصابة 6/ 387 - 388، وتاريخ دمشق 49/ 473 - 477، والشعر والشعراء 1/ 329.
(2)
لم أقف عليه في المسند، وينظر: مسائل الإِمام أحمد برواية صالح 2/ 325 - 326، وأخرجه عبد الرزاق برقم (13556) المصنف 7/ 382، وابن أبي شيبة برقم (8673) الكتاب المصنف 10/ 36، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 153، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 321، وحسنه الألباني في الإرواء 8/ 57.
(3)
حبيب بن سالم: الأنصاري، مولى النعمان بن بشير وكاتبه، قال أبو حاتم: ثقة، وقال البخاري: فيه نظر، وقال ابن حجر: لا بأس به.
ينظر: الجرح والتعديل 3/ 102، وتهذيب الكمال 5/ 374، والتقريب ص 151.
امرأته، فرفع إلى النعمان بن بشير (1) وهو أمير على الكوفة فقال: لأقضين فيك بقضية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة، فوجدوها أحلتها فجلده مائة" (2)، وإن ولدت منه لم يلحقه نسبه لانتفاء الملك والشبهة، ولا يسقط حد بإباحة في غير هذا الموضع، ومن وطئ أمة له فيها شرك عزر بمائة سوط إلا سوطا نصا (3)، لينتقص عن حد الزنا، وللحاكم نقص التعزير فيما سبق بحسب اجتهاده.
ومن استمنى من رجل أو امرأة لغير حاجة حرم وعزر عليه؛ لأنه معصية، وإن فعله خوفا من الزنا أو اللواط فلا شيء عليه، ولا يباح إلا إذا لم يقدر
(1) النعمان بن بشير: بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصاري الخزرجي، أبو عبد اللَّه، له ولأبيه صحبة، ولد بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا، استعمله معاوية على حمص، ثم على الكوفة، وكذلك ابنه يزيد ولما استخلف معاوية يزيد دعا النعمان إلى بيعة ابن الزبير، ثم دعا إلى نفسه فواقعه مروان بن الحكم وقتله سنة 64 هـ، وقيل: 65 هـ.
ينظر: أسد الغابة 5/ 326 - 329، والإصابة 6/ 346 - 347.
(2)
أخرجه أبو داود برقم (4458) سنن أبي داود 4/ 157، والترمذي برقم (1451 - 1452) الجامع الصحيح 4/ 44، والنسائي برقم (3361) المجتبى 6/ 124، وابن ماجة برقم (2551) سنن ابن ماجة 2/ 853، وأحمد برقم (17957 - 17958) المسند 5/ 345 - 346، والدارمي برقم (3239) سنن الدارمي 2/ 237، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 239، من طرق عن قتادة عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم (أن رجلا يقال له عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته. . .) الخ، والحديث قال عنه الترمذي:"في إسناده اضطراب" ا. هـ، وضعفه البيهقي.
(3)
كتاب الروايتين والوجهين 2/ 344، والمغني 12/ 524، والشرح الكبير والإنصاف 26/ 455 - 457، والمحرر 2/ 164، وشرح الزركشي 6/ 407، والمبدع 9/ 112، وغاية المنتهى 3/ 316.
على نكاح ولو لأمة، وقياسه المرأة فلا يباح لها إلا إذا لم يرغب أحد في نكاحها.