المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في آداب القاضي - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٤

[عثمان ابن جامع]

فهرس الكتاب

- ‌(باب النفقات)

- ‌فصل في نفقة الأقارب والمماليك

- ‌فصل

- ‌فَصْلُ

- ‌(فَصْلٌ) في الحَضَانَةِ

- ‌فصل

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌(والخَطَأُ) ضربان:

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في شُرُوْطِ وُجُوْبِ القِصَاصِ

- ‌فصل فى استيفاء القصاص في النفس وما دونها

- ‌(فصل)

- ‌فصل في الجراح فيما دون النفس

- ‌(فصل) في الديات

- ‌(فَصْلٌ) في مَقَادِيْرِ دِيَاتِ النَّفْسِ

- ‌فصل

- ‌(فصل) فى دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل

- ‌فصل في الشجاج وكسر العظام

- ‌فصل

- ‌(فصل) في العاقلة وما تحمله من الدية

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القسامة

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌فصل

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل

- ‌فصل في التعزير

- ‌فصل في حد المسكر

- ‌فصل في القطع في السرقة

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حد قطاع الطريق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حكم المرتد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في السحر وما يتعلق به

- ‌(فصل) في الأطعمة

- ‌فَصْلٌ في الذَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ في الصَّيْدِ

- ‌بَابُ الأَيْمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في النَّذْرِ

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في شُروطِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في آدَابِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ فِي طَرِيْق الحُكْمِ وَصِفَتِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌فصل

- ‌(فصل) في القسمة

- ‌فصل في الدعاوي والبينات

- ‌فصل

- ‌فصل في تعارض البينتين

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشَّهادةِ على الشهادةِ والرجوع عنها وأدائها

- ‌فَصْلٌ في أَداءِ الشَّهادةِ

- ‌فَصْلٌ في اليَمِينِ في الدَّعاوي

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فَصْلٌ فيْمَا يَحْصلُ بهِ الإِقْرَارُ ومَا يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ فيمَا إذا وصَلَ بإِقْرَارِهِ ما يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الإِقْرَارِ بالْمُجْمَلِ

الفصل: ‌فصل في آداب القاضي

‌فَصْلٌ في آدَابِ القَاضِي

وهي أخلاقه التي ينبغي أن يتخلق يها، (وسُنَّ كَوْنُهُ) أي القاضي (قويًّا بلا عُنْفٍ) لئلا يطمع فيه الظالم، (لَيِّنًا بلا ضَعْفٍ) لئلا يهابه المحق، (حَلِيمًا) لئلا يغضب من كلام الخصم فيمنعه الحكم، (مُتَأَنِّيًا) من التأني وهو ضد العجلة لئلا تُؤَدِّي عجلته إلى ما لا ينبغي، (فَطِنًا) لئلا يخدع من بعض الخصوم لِغِرَّةٍ، قال في "الشرح" (1):"عالما بلغات أهل ولايته".

(عَفِيْفًا) أي كافًا نفسه عن الحرام لئلا يطمع في ميله بإطماعه، بصيرًا بأحكام الحكام قبله لقول علي:"لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيًا حتى تكمل فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في اللَّه لومة لائم"(2)، وليسهل عليه الحكم ويتضح له طريقه.

(1) 28/ 329.

(2)

لم أقف عليه مسندًا عن علي رضي الله عنه.

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 10/ 110 من طريق محمد بن يوسف قال ذكر سفيان عن يحيى بن سعيد قال: سأل عمر بن عبد العزيز عن قاضي الكوفة، وقال: القاضي لا ينبغي أن يكون قاضيًا حتى يكون فيه خمس خصال فذكرها، إلا أنه قال في الأخيرة (لا يبالي بملامة الناس). وأخرج عبد الرزاق في مصنفه 8/ 298 برقم (15287)، وكذا البيهقي في السنن الكبرى 10/ 117 من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن عامر، عن عمر بن عبد العزيز نحوه، وزاد:(فإن أخطأته واحدة كانت فيه وصمة، وإن أخطأته اثنتان كانت فيه وصمتان).

ص: 1075

ويسن سؤاله إن ولي في غير بلده عن علمائه ليشاورهم في الحوادث ويستعين بهم على قضائه، وعن عدوله لاستناد أحكامه إليهم وثبوت الحقوق عنده بهم، ويسن إعلامهم يوم دخوله ليتلقوه؛ لأنه أوقع له في النفوس وأعظم لحشمته من غير أن يأمرهم بتلقيه؛ لأنه أنسب بمقامه، وسن دخوله [بلدا](1) وُلِّيَ الحكم فيه يوم اثنين أو خميس أو سبت؛ لأنه عليه الصلاة والسلام دخل في الهجرة المدينة يوم الاثنين (2)، وكذا من غزوة تبوك وقال:"بورك لأمتي في سبتها وخميسها"(3)، وينبغي

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 468.

(2)

أخرجه البخاري، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، كتاب المناقب برقم (3906) صحيح البخاري 5/ 52.

(3)

لم أقف عليه بهذا اللفظ، وعن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:"اللهم بارك لأمتي في بكورها واجعله يوم الخميس" أخرجه الطبراني في الأوسط 5/ 417 وفيه اسماعيل بن قيس وهو مجهول. قاله الحافظ ابن حجر في التقريب ص 105.

وعن صخر الغامدي مرفوعًا: "اللهم بارك لأمتي في بكورها". أخرجه أبو داود، باب في الابتكار، كتاب الجهاد برقم (2606) سنن أبي داود 3/ 35، والترمذي، باب ما جاء في التبكير، كتاب البيوع برقم (1212) الجامع الصحيح 3/ 517، وابن ماجة، باب ما يرجى من البركة في البكور، كتاب التجارات برقم (2236)، سنن ابن ماجة 2/ 752، وأحمد برقم (15012) المسند 4/ 426، والبيهقي، باب الابتكار في السفر، كتاب السير، السنن الكبرى 9/ 151 - 152، والحديث حسّنه الترمذي، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 411، قال الحافظ ابن حجر:"وروي أيضًا: "اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم

ص: 1076

أن يدخلها ضحوة تفاؤلًا لاستقبال الشهر لابسًا أجمل ثيابه؛ لأنه تعالى يحب الجمال وقال: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1) لأنها مجامع الناس وهنا يجتمع ما لا يجتمع في المساجد فهو أولى بالزينة (2)، وكذا أصحابه؛ لأنه أعظم له ولهم في النفوس، ولا يتطير وإن تفاءل فحسن؛ "لأنه عليه السلام كان يحب الفأل الحسن، وينهى عن الطيرة"(3) فيأتي الجامع فيصلي فيه ركعتين تحيته، ويجلس مستقبلًا القبلة؛ لأن خير المجالس ما استقبل القبلة، ويأمر بعهده فيقرأ على الناس ليعلموا توليته، ويأمر بمن يناديهم بيوم جلوسه للحكم، وُيقِلُّ من الكلام إلا لحاجة؛ لأنه أهيب له، ثم يمضي إلى منزله.

ويبعث ثقة فيتسلم ديوان الحكم وهو الدفتر المعد لكتب الوثائق والسجلات

= سبتها، ويوم خميسها" وسئل أبو زرعة عن هذه الزيادة فقال هي مُفتعلة". ا. هـ. التلخيص الحبير 4/ 98.

(1)

سورة الأعراف من الآية (31).

(2)

هذا فيه نظر! ! ولاشك أن أخذ الزينة في مثل هذه المجامع مما ينبغي الإهتمام به.

(3)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه البخاري، باب الطيرة، كتاب الطب برقم (5754) صحيح البخاري 7/ 116، ومسلم، باب الطيرة والفأل. .، كتاب السلام برقم (2223) صحيح مسلم 4/ 1745، وأحمد واللفظ له برقم (8192) المسند 2/ 636.

ص: 1077

والودائع ممن كان قاضيًا قبله؛ لأنه الأساس الذي يبنى (1) عليه، وهو في يد الحاكم بحكم الولاية وقد صارت إليه، ويأمر كاتبًا ثقةً يثبت ما تسلمه بمحضر عَدْلَيْنِ، ثم يخرج يوم الوعد بأعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا حاقن ولا مهموم بما يشغله عن الفهم فيُسلِّم على من يمر به ولو صبيًا، ثم يسلم على من بمجلسه لحديث:"إن من حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إِذا لقيه"(2)، ويجلس على بساطٍ ونحوه يختص به ليتميز عن جلسائه؛ لأنه أهيب له لأنه مقام عظيم يجب فيه إظهار الحرمة تعظيمًا للشرع، ويدعو اللَّه بالتوفيق للحق والعصمة من زلل القول والعمل؛ لأنه مقام خطر، وكان من دعاء عمر رضي الله عنه "اللهم أرني الحق حقًا ووفقني لاتباعه وأرني الباطل باطلًا ووفقني لاجتنابه"(3) وليكن مجلسه فسيحًا كجامع فيجوز القضاء فيه بلا كراهة، روي عن عمر وعثمان وعلي "أنهم كانوا يقضون في المسجد" (4) قال مالك: "القضاء في

(1) في الأصل: يبين.

(2)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه البخاري، باب حق المسلم على المسلم أن يسلِّم عليه إذا لقيه برقم (1021) الأدب المفرد ص 213، ومسلم، باب من حق المسلم للمسلم ردُّ السَّلام، كتاب السَّلام برقم (2162) صحيح مسلم 5/ 1704.

(3)

لم أقف عليه سندًا، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار 1/ 642:"لم أقف لأوله على أصل".

(4)

ما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا 9/ 57، وأورده الماوردي في أدب القاضي 1/ 206 - 207، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 110.

ص: 1078

المسجد من أمر الناس القديم" (1)، وكان عليه السلام "يجلس في المسجد" (2) مع حاجة الناس إليه في الفتيا والحكم وغيرهما من حوائج الناس، وكدار واسعة وسط البلد [إن] (3) أمكن يستوي أهل البلد في المضي إليه، ولا يتخذ حاجبًا ولا بَوَّابًا بلا عُذر لحديث عمرو بن مُرَّةَ (4) مرفوعًا: "ما من إمام أو والٍ يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق اللَّه أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته" رواه أحمد والترمذي (5)، ولأنهما ربما منعا ذا الحاجة لغرض النفس أو غرض الحطام، ويَعْرِضُ

= قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية 4/ 72: "قوله: أن الخلفاء الراشدين كانوا يجلسون في المساجد لفصل الخصومات، قلت: غريبٌ". ا. هـ.

(1)

المدونة 5/ 144.

(2)

أخرجه البخاري، باب الحلق والجلوس في المسجد، كتاب الصلاة، برقم (474) صحيح البخاري 1/ 85.

(3)

ما بين المعقوفين ليست في الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 469.

(4)

عمرو بن مُرَّةَ: بن عيسى بن مالك بن المُحَرَّث الجهني، ويقال: الأسْدِيْ أو الأزدِيْ، والأول أكثر، صحابي يكنى أبا مريم، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد، وكان شيخًا كبيرًا، سكن الشام، وتوفي في خلافة معاوية، وقيل: في خلافة عبد الملك بن مروان. ينظر: أسد الغابة 4/ 269 - 270، والإصابة 4/ 563 - 564.

(5)

أخرجه الإمام أحمد برقم (17572) المسند 5/ 274، والترمذي، باب ما جاء في الرعية، كتاب الأحكام برقم (1332) الجامع الصحيح 3/ 619، من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن علي بن الحكم قال: حدثني أبو الحسن أن عمرو بن مرة قال لمعاوية: يا معاوية =

ص: 1079

الْقَصَصَ، ويجب تقديم سابق ولا يقدم سابقًا في أكثر من حكومةٍ لئلا يستوعب المجلس ويقرع بينهم إن حضروا دفعةً واحدةً وتشاحوا.

(و) يجب (عَلَيهِ) أي القاضي (العدلُ بين مُتَحَاكِمَينِ) ترافعا إليه (في لَفْظِهِ) أي كلامه (ولَحْظِهِ) أي ملاحظته (ومجلسِهِ ودخولٍ عليهِ) إلَّا إذا سلم أحدهم عليه فيرد عليه السلام، ولا ينتظر سلام الثاني لوجوب الرد فورًا، وإلا المسلم إذا ترافع إليه مع الكافر فيقدم المسلم دخولًا ويرفع جلوسا لحرمة الإسلام (1)، قال

= إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما من والٍ. . . " الحديث. قال الترمذي: "حديث عمرو بن مرّة حديث غريب، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه. . . ". وصحّحه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير 5/ 158.

وأخرج أبو داود في سننه 3/ 135 باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية. .، كتاب الخراج والإمارة والفيء برقم (2948)، وكذا الحاكم في المستدرك 4/ 93 - 94، باب إن اللَّه مع القاضي ما لم يُجرْ، كتاب الأحكام، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 101، باب ما يستحب للقاضي من أن يقضي في موضع بارز للناس. . .، كتاب آداب القاضي، من طريق يزيد بن أبي مريم، عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي مريم، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من ولي من أمر المسلمين شيئًا فاحتجب دون خلّتهم وفقرهم وفاقتهم، احتجب اللَّه عز وجل يوم القيامة دون خلته وفاقته وحاجته وفقره". والحديث قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه وإسناده شامي صحيح" ا. هـ. ووافقه الذهبي، وصحّحه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود 2/ 569.

(1)

قلت: وفي التسوية بينهما في مجلس القضاء إظهار لعدالة الإسلام والطمأنينة للخصم وفيه دعوة إلى هذا الدين بتحقيق مبدأ المساواة، واللَّه أعلم.

ص: 1080

تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} (1) ودليل وجوب العدل بين الخصمين حديث عُمَرَ بن شَبَّةَ (2) في كتاب القضاء عن أمِّ سلمة مرفوعًا: "من ابتلي بالقضاء بين السلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر"(3) وفي

(1) سورة السجدة الآية (18).

(2)

في الأصل: عمْرو بن أبي شيبة، والمثبت من كتب الحديث والتراجم.

وهو: عُمر بن شَبَّةَ بن عُبيدة بن زيد بن رائطة النُّميري، البصري، النحوي، أبو زيد، نزيل بغداد، وُلد سنة 173 هـ، وكان ثقة، عالمًا بالسير، وصاحب أدب وشعر، له مصنفات كثيرة، منها:"تاريخ البصرة" و"أخبار المدينة" و"النسب" و"التاريخ"، وفي آخر عمره نزل بـ "سُرَّ مَن رَأى" وتوفي بها سنة 262 هـ، وقد جاوز التسعين.

ينظر: تهذيب الكمال 21/ 386 - 390، وسير أعلام النبلاء 12/ 369 - 372.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير 23/ 284 - 285، برقم (622 - 623)، والدارقطني، كتاب في الأقضية والأحكام، سنن الدارقطني 4/ 205، والبيهقي، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه. . .، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 135، كلهم من طريق عباد بن كثير، عن أبي عبد اللَّه عن عطاء بن يسار عنها به. قال البيهقي:"هذا إسناد ضعيف". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 197 بعد أن عزاه للطبراني في الكبير وأبي يعلى: "وفيه عباد بن كثير الثقفي وهو ضعيف". وأورد الحديث الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 193، وقال:"في إسناده عباد بن كثير وهو ضعيفٌ" ا. هـ.

ص: 1081

رواية "فَلْيُسَوِّ بينهم في النظر والمجلس والإشارة"(1) ولأنه إذا ميز أحدهما حُصِرَ الآخر وانْكَسَرَ وربما لم تقم له حجة فيؤدي ذلك إلى الظلم، ولا يكره قيامه للخصمين، فإن قام لأحدهما وجب أن يقوم للآخر، ويحرم أن يُسَارَّ أحدهما أو يلقنه حجته أو يضيفه؛ لأنه إعانة له على خصمه وكسر لقلبه، وروي عن علي أنه نزل به رجل فقال:"ألك خصمٌ؟ قال: نعم، قال: تحوَّل عنا فإني سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا تضيفوا أحد الخصمين إلا وخَصْمُه معه"(2) أو يعلمه كيف يدعي إلا أن يترك ما يلزم ذكره في الدعوى كشرط عقد وسبب إرث ونحوه فله أن يسأل عنه ضرورة تحريرًا للدعوى، ولا ضرر على صاحبه في ذلك، وأكثر الخصوم لا يعلمه

(1) أخرجه الطبراني في الكبير 23/ 386، برقم (923)، من طريق واثلة بن الحسين، حدثنا كثير بن عبيد، حدثنا بقية بن الوليد، عن إسماعيل بن عياش، حدثني أبو بكر التيمي، عن عطاء بن يسار عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .. الحديث. قال الألباني في الإرواء 8/ 241: "وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن له علتان: الأولى إسماعبل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وهذا منها. .، والأخرى بقية بن الوليد مدلس وقد عنعنه".

(2)

أخرجه البيهقي، باب لا ينبغي للقاضي أن يضيف الخصم. . .، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 137، من طريق إسماعيل بن عبد اللَّه بن بشر عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال:(نزل على علي رضي الله عنه رجل. . .) فذكره بنحوه. وهذا إسناد ضعيف منقطع قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 193، ووصله البيهقي -في الموضع السابق- من طريق قيس بن الربيع عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: حدثنا رجل نزل على علي رضي الله عنه فذكره بنحوه. قال الألباني في الإرواء 8/ 251: "ومداره من الوجهين على إسماعيل بن مسلم وهو المكي ضعيف، وقيس بن الربيع مثله".

ص: 1082

وليتضح للقاضي وجه الحكم، وللقاضي أن يَزِنَ عن أحد الخصمين؛ لأن فيه نفعًا لخصمه، وله أن يشفع له عند خصمه ليضع عنه بعض دينه أو ينظره فيه ويكون ذلك بعد الحكم، قال تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} (1) وعن كعب بن مالك: "أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَدٍ (2) دينًا كان عليه، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سِجْفَ حجرته، فنادى يا كعب، فقلت: لبيك يا رسول اللَّه! فقال: ضع من دينك وأومأ إليه أي الشَّطْرَ، قال: قد فعلت يا رسول اللَّه قال: قم فاقضه" رواه الجماعة إلا الترمذي (3)، وله أن يؤدب خصمًا افْتَاتَ عليه كقوله: ارتشيت علي، أو حكمت علي بغير حق ونحوه بضرب لا يزيد على عشر وحبس، وأن يعفو عنه، وله أن ينتهره

(1) سورة النساء من الآية (85).

(2)

ابن أبي حَدْرَدٍ: عبد اللَّه بن أبي حَدْرَدٍ واسم ابن أبي حدرد: سلامة أو عبيد بن عمير بن أبي سلامة الأسلمي، أبو محمد، له ولأبيه صحبة، توفي سنة 71 هـ، وعمره 81 سنةً.

ينظر: أسد الغابة 3/ 210 - 211، والإصابة 4/ 48 - 50.

(3)

أخرجه البخاري، باب الصلح بالدين والعين، كتاب الصلح برقم (2710) صحيح البخاري 3/ 164، ومسلم، باب استحباب الوضع من الدين، كتاب المساقاة برقم (1558) صحيح مسلم 3/ 1192، وأبو داود، باب في الصلح، كتاب الأقضية برقم (3595) سنن أبي داود 3/ 304، والنسائي، باب حكم الحاكم في داره، كتاب آداب القضاة برقم (5408) المجتبى 8/ 239، وابن ماجة، باب الحبس في الدين والملازمة، كتاب الصدقات، برقم (2429) سنن ابن ماجة 2/ 811.

ص: 1083

إذا التوى عن الحق لئلا يطمع فيه.

ويسن للقاضي أن يحضر مجلسه فقهاء المذهب ومشاورتهم فيما يشكل إن أمكن وسؤالهم إذا حدث حادثة ليذكروا جوابهم وأدلتهم فيها فإنه أسرع لاجتهاده وأقرب لصوابه، قال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (1) قال الحسن: "إنه كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لغني عن مشاورتهم وإنما أراد أن يستن بذلك الحكام بعده". (2) فإن اتضح له الحكم [حكم](3) باجتهاده ولا اعتراض؛ لأنه افتيات عليه، وإلا يتضح له الحكم أَخَّرَهُ حتى يتضح، فلو حكم ولم يجتهد لم يصح حكمه ولو أصاب الحق إن كان من أهل الاجتهاد، ويحرم تقليد غيره ولو كان غيره أعلم منه كالمجتهدين في القبلة، نقل أبو الحارث:"إلا تُقَلِّدْ أمرك (4) أحدًا وعليك بالأثر"(5)، وقال أحمد للفضل بن زياد (6): "ولا

(1) سورة آل عمران من الآية (159).

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 109.

(3)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 471.

(4)

في الأصل: أمركم، والمثبت من كتاب الفروع 6/ 445.

(5)

ينظر: كتاب الفروع 6/ 445، والإنصاف 28/ 348، وغاية المنتهى 3/ 417، وكشاف القناع 6/ 316.

(6)

الفضل بن زياد؛ أبو العباس، القطان البغدادي، الحنبلي، من المتقدمين عند أبي عبد اللَّه، وكان أبو عبد اللَّه يعرف قدره ويكرمه، له مسائل كثيرة عن الإمام أحمد.

ص: 1084

تُقَلِّدْ دِيْنَكَ الرِّجَالَ فإنهم لم يسلموا أن يغلطوا". (1)

(وحَرُمَ) على قاض (القضاءُ وهو غَضبانُ كثيرًا) لخبر أبي بكرة مرفوعًا: "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان" متفق عليه (2)، بخلاف غضب يسير لا يمنع فهم الحكم.

(أَوْ) أي وحرم أن يقضي وهو (حَاقِنٌ أو في شِدَّةِ جُوْع أو) في شدة (عَطَشٍ أوْ هَمٍّ أو مَلَلٍ أو كَسَلٍ أو نُعَاسٍ أو بَرْدٍ مُؤْلِمٍ أوْ حُرٍّ مُزْعِجٍ)؛ لأن ذلك كله في معنى الغضب؛ لأنه يشغل الفكر الموصل إلى إصابة الحق غالبًا، فإن خالف وقضى وهو غضبان ونحوه فأصاب الحق نفذ حكمه وإلا لم ينفذ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم القضاءُ مع ذلك؛ لأنَّه عليه السلام لا يجوز عليه غلط يقر عليه لا قولًا ولا فعلًا في حكم بخلاف غيره من الأمة.

(و) حرم على قاضٍ (قبولُ رِشوَةٍ) بتثليث الراء لحديث ابن عمر

= ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 251 - 253، والمقصد الأرشد 2/ 312 - 313، وتاريخ بغداد 12/ 363.

(1)

ينظر: كتاب الفروع 6/ 445، والمبدع 10/ 37، والإنصاف 28/ 348، وشرح منتهى الإرادات 3/ 471.

(2)

أخرجه البخاري، باب هل يقضي الحاكم أو يفتي وهو غضبان، كتاب الأحكام برقم (7158) صحيح البخاري 9/ 54، ومسلم، باب كراهية قضاء القاضي وهو غضبان، كتاب الأقضية برقم (1717) صحيح مسلم 3/ 1342 - 1343.

ص: 1085

قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ والْمُرْتَشِيَ"(1) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". ورواه أبو هريرة وزاد: "في الحكم"(2) رواه أبو بكر في

(1) لم أقف عليه عن ابن عمر، وإنما عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهم، أخرجه الترمذي، باب ما جاء في الراشي والمرتشي، كتاب الأحكام برقم (1337) الجامع الصحيح 3/ 623، وأبو داود، باب في كراهية الرشوة، كتاب الأقضية برقم (3580) سنن أبي داود 3/ 300، وابن ماجة، باب التغليظ في الحيف والرشوة، كتاب الأحكام برقم 2313، سنن ابن ماجة 2/ 775، وأحمد برقم (6496، 6945) المسند 2/ 349 ، 428، وابن حبان، باب ذكر لعن المصطفى المرتشي في أسباب المسلمين. .، كتاب القضاء برقم (5077) الإحسان 11/ 468، والحاكم، باب لعن رسول اللَّه الراشي والمرتشي، كتاب الأحكام، المستدرك 4/ 102 - 103، والبيهقي، باب التشديد في أخذ الرشوة. . .، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 139، والحديث صحّحه الترمذي، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ا. هـ. ووافقه الذهبي.

(2)

أخرجه الترمذي، باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم، كتاب الأحكام برقم (1336) الجامع الصحيح 3/ 622، وأحمد برقم (8794) المسند 3/ 91، وابن حبان، باب الرشوة، كتاب القضاء برقم (5076) الإحسان 11/ 467، والحاكم، باب لعن رسول اللَّه الراشي والمرتشي، كتاب الأحكام، المستدرك 4/ 103، من طرق عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا به. والحديث قال عنه الترمذي:"حسن صحيح"، وأما الحاكم فأتى به شاهدًا للحديث الأول، وقال شعيب الأرنؤوط:"إسناده حسن". وقال الألباني في الإرواء 8/ 244: "فإن عمر بن أبي سلمة فيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ في التقريب: "صدوق يخطئ"، ولذلك فتصحيح الترمذي لحديثه يعد من تساهله. . . والحاكم مع تساهله إنما أخرجه شاهدًا". وينظر: التقريب ص 413.

ص: 1086

"زاد المسافر"(1) وزاد "والرائش"(2) وهو السفير بينهما؛ لأنه إنما يرتشي ليحكم بغير الحق أو يوقف الحكم وهو من أعظم الظُّلْمِ.

(و) كذا يحرم عليه قبول (هَدِيَّةٍ) لحديث أبي حميد السَّاعِدِيِّ (3) مرفوعًا: "هَدَايَا العُمَّالِ غُلُوْل" رواه أحمد (4)، ولأن القصد بها غالبًا استمالة الحاكم ليعتنى [به](5) في الحكم فتشبه الرشوة (من غيرِ [من كان] (1) يُهَادِيْهِ قبل ولايته

(1) من مصنفات العلامة عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، أبو بكر، المعروف بغلام الخلال.

ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 120، وسير أعلام النبلاء 16/ 144.

(2)

أخرجه الإمام أحمد برقم (21893) المسند 6/ 376، والحاكم في المستدرك 4/ 103، والطبراني في الكبير 2/ 93 - 94، من طريق ليث، عن أبي الخطاب، عن أبي زرعة، عن ثوبان قال:(لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش. .). والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 198 وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار وفيه أبو الخطاب وهو مجهول" ا. هـ.

(3)

أبو حميد الساعدي: صحابي مشهورٌ بكنيته، اختلف في اسمه فقيل: عبد الرحمن بن سعد، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد، وقبل: المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل: غير ذلك، شهد أحدًا وما بعدها، وتوفي في آخر خلافة معاوية.

ينظر: أسد الغابة 6/ 78 - 79، والإصابة 7/ 80 - 81.

(4)

أخرجه الإمام أحمد برقم (23090) المسند 6/ 590، والبيهقي، باب لا يقبل منه هدية، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 138، وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير ولأحمد وهو من طريق إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز وهي ضعيفة. مجمع الزائد 4/ 151، والحديث صحّحه الألباني في الإرواء 8/ 246 بشواهده.

(5)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 471.

(6)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من أخصر المختصرات المطبوع ص 262.

ص: 1087

ولا حُكُومةَ لَهُ) فيباح له قبولها لانتفاء التهمة إذن، كما يباح لِمُفْتٍ أخذها، وردها من الحاكم أولى، فإن خالف القاضي فأخذ الرشوة والهدية حيث حرمت ردتا لمعطٍ؛ لأن أخذها بغير حق كالمأخوذ بعقد فاسدٍ.

ويكره بيع القاضي وشراؤه إلا بوكيل لا يعرف به، وليس له ولا لوالٍ أن يَتَّجِرَ لحديث أبي الأسود المالكي (1) عن أبيه عن جده مرفوعًا:"ما عدل والٍ اتَّجَرَ في رَعِيَّتِهِ أبدًا"(2)، وإذا احتاج إلى التجارة ولم يكن له ما يكفيه لم تكره له؛ لأن أبا بكر قصد السوق ليتجر فيه حتى فرضوا له ما يكفيه (3)، ولوجوب القيام بعياله فلا يتركه لِوَهْم مَضَرَّةٍ.

ويسن له عيادة المرضى وشهادة الجنائز وتوديع غازٍ وحاجٍ ما لم يشغله ذلك عن الحكم؛ لأنه من القُرَبِ وفيه أجرٌ عَظيمٌ، وهو في الولائم كغيره؛ لأنه عليه السلام

(1) أبو الأسود المالكي: أو القرشي، يروي عن أبيه عن جده. هذا ما وقفت عليه في ترجمته. ينظر: الإصابة 7/ 12 - 13، ولسان الميزان 7/ 10.

(2)

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين 2/ 272، برقم (1322)، وإسناده ضعيف، علته كما قال الألباني أبو الأسود هذا. إرواء الغليل 8/ 250، وأورده الذهبي في الميزان 4/ 491 وساق له هذا الحديث وقال: قال أبو أحمد الحاكم ليس حديثه بالقائم".

(3)

سبق تخريجه ص 927.

ص: 1088

كان يحضرها (1) وأمر بحضورها (2) وقال: "ومن لم يجب فقد عَصَى اللَّه ورسوله"(3)، ولا يجيب قومًا ويدع قومًا بلا عُذر، ومتى كثرت وازدحمت تركها كلها، فإن كانَ في بعضها عُذْرٌ كمنكر ونحوه أجاب من لا عذر له في تركها، ويوصي وجوبًا الوكلاء والأعوان ببابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع، ويجتهد أن يكونوا شيوخًا أو كُهولًا من أهل الدِّين والعفة والصِّيانة ليكونوا أقل شرًّا، فإن الشَّباب شعبة من الجنون، والحاكم تأتيه النساء، وفي اجتماع الشباب بهنَّ مفسدةٌ.

ويباح لقاضٍ وفي "المبدع"(4): "والأشهر أنه يُسَنُّ أن يتخذ كاتبًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم

(1) عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال:(دعا أبو أسيد الساعديّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عرسه، وكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس، قال سهل: تدرون ما سقت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل فلما أكل سقته إياه). أخرجه البخاري، باب حق إجابة الوليمة والدعوة، كتاب النكاح برقم (5176) صحيح البخاري 7/ 22.

(2)

عن نافع قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها". أخرجه البخاري، باب إجابة الداعي في العرس وغيرها، كناب النكاح برقم (5179) صحيح البخاري 7/ 22، ومسلم، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، كتاب النكاح برقم (1429) صحيح مسلم 2/ 1053.

(3)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه مسلم، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، كتاب النكاح برقم (1432) صحيح مسلم 2/ 1055.

(4)

10/ 43.

ص: 1089

استكتب زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان (1) وغيرهما، ولكثرة اشتغال الحاكم ونظره في أمر الناس فلا يمكنه تولي الكتابة بنفسه وشرط كون الكاتب مُسْلِمًا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ

(1) استكتابه صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه أورده البخاري في صحيحه 9/ 62 - 36 معلقًا ، ولفظه:(وقال خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود، حتى كتبتُ للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه). ومن طريق خارجة بن زيد عن أبيه به، رواه مسندًا أبو داود، باب رواية حديث أهل الكتاب، كتاب العلم برقم (3645) سنن أبي داود 3/ 318، الترمذي، باب ما جاء في تعليم السريانيَّة، كتاب الاستئذان برقم (2715) الجامع الصحيح 5/ 64، وأحمد برقم (21108) المسند 6/ 238، والحاكم، باب جواز تعلم كتابة اليهود، كتاب الإيمان، المستدرك 1/ 75، والبيهقي، باب لا ينبغي للقاضي ولا للوالي أن يتخذ كاتبًا ذميًا. . .، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 127، والحديث قاله عنه الترمذي:"حسن صحيحٌ"، وقال الحاكم:"حديثٌ صحيحٌ"، ووافقه الذهبي.

واستكتابه صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه: أخرجه البيهقي، باب اتخاذ الكاتب، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 126، من طريق محمد بن حميد، حدثنا سلمة بن ابن اسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد اللَّه بن الزبير به. وضعّف إسناده الألباني في الإرواء 8/ 254 من أجل عنعنة ابن إسحاق فإنه مدلس، ومحمد بن حميد هو الرازي وهو ضعيف". وأخرج أحمد في مسنده 1/ 480 برقم (2646) من طريق أبي عوانة قال: أخبرنا أبو حمزة، قال سمعت ابن عباس يقول: كنت غلامًا أسعى مع الصبيان، قال فالتفت فإذا نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم خلفي مقبلًا. . . قال:"أذهب فادع في معاوية -وكان كاتبه- قال: فسعيت فقلت: أجب نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم فإنه على حاجة".

ص: 1090

خَبَالًا} (1) وقال عمر: "لا تُؤَمِّنوْهُمْ وقد خَوَّنَهُم اللَّهُ، ولا تُقَرِّبُوْهمْ وقد أَبْعَدَهُمُ اللَّه، ولا تُعِزُّوْهُمْ وقد وقد أَذَلَّهُم اللَّه"(2)، عدلًا؛ لأنه موضع أمانة، ويسن كونه حافظًا عالمًا؛ لأن فيه إعانة على أمره، وكونه حرًا خُرُوجًا من الخلاف، وكونه جيد الخط؛ لأنه أكمل، وكونه عارفًا، قاله في "الكافي"(3) لئلا يفسد ما يكتبه بجهله، ويجلس بحيث يشاهد القاضي ما يكتبه؛ لأنه أمكن لإملائه عليه وأبعد للتُّهْمَةِ، ويجعل القاضي القِمَطْرَ -بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء أعجمي مُعَرَّبٌ- وهو ما يجمع فيه القضايا (4) مختومًا بين يديه ليحفظ عن التغيير، ويُسَنُّ حكمه بحضرة شهودٍ ليستوفي بهم الحقوق، وتثبت بهم الحجج والمحاضر (5)، ويحرم عليه تعيين قوم بقبول الشهادة بحيث لا يقبل غيرهم لوجوب قبول شهادة من تثبت عدالته.

ولا يصح (ولا يَنفُذُ حُكْمُهُ) أي القاضي (على عَدُوّهِ) كالشهادة عليه بل يُفْتِيْ

(1) سورة آل عمران من الآية (118).

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 126، بلفظ:"لا تُكرموهم إذْ أهانهم اللَّه، ولا تُدْنوهم إذْ أقصاهم اللَّه، ولا تَأتمنوهم إذْ خوَّنهم اللَّه" وصحَّح إسناده الألباني في الإرواء 8/ 255.

(3)

4/ 444.

(4)

والقِمَطْرَ: من الفعل الرُّباعي: تقول: فلانٌ يمشي قِمَطْرًا أي: مجتمعًا، وكل شيء جمعته فقد قَمْطَرتَهُ، والقِمَطرُ والْقِمْطَرَة: ما تُصان فيه الكتب.

ينظر: المطلع ص 398، ولسان العرب 5/ 117، والقاموس المحيط 2/ 121.

(5)

في الأصل: والمحاضرة.

ص: 1091

عليه؛ لأنه لا إلزام في الفتيا بخلاف القضاء، (ولا) يَصِحُّ ولا ينفذ حكم (لنفسهِ ولا لِمَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ) كزوجته وعمودي نسبه كالشهادة ولو كانت الخصومة بين ولديه أو بين والده وولده لعدم قبول شهادته لأحدهما على الآخر، فإن عرضت للقاضي ولمَنْ تُرَدُّ شهادته له حكومة تحاكم إلى بعض خلفائه أو بعض رعيته، فإن عُمَرَ حاكم أبيًّا إلى زيد بن ثابت (1) وحاكم رجلًا عراقيًّا إلى شريحٍ وحاكم عليٌّ رجلًا يهوديًّا إلى شُريحٍ (2) وحاكم عثمانُ طَلْحَةَ إلى جبير بن مطعمٍ (3)، وله استخلاف من لا يصح حكمه له كحكمه لغيرهم بشهادتهم وكحكمه عليهم.

ويُسَنُّ للقاضي أن يبدأ بالنظر بأمر المحبوسين؛ لأن الحبس عذابٌ وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه، فينفذ ثقةً إلى الحبس فيكتب أسماءهم وأسماء من حبسهم وفيم، ذلك كله في رقعةٍ مُنْفردة لِئَلَّا يتكرر النَّظر في حال الأول لو كتبوا في رقعة واحدة، ويخرج واحدة من الرقاع بالاتفاق كالقرعة ثم ينادي بالبلد أن القاضي ينظر في حال المحبوسين في كذا، فمن له خصم محبوس فليحضر، فإذا جلس لموعدهم نظر ابتداءً في رقاع المحبوسين، فيخرج رقعة منها ويقال: هذه رقعة فلان فمن خصمه، فمن حضر له خصم نظر بينهما، فإن كان حبس لتعدل البينة فإعادته إلى

(1) سبق تخريجه ص 931.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 10/ 136، وأبو نعيم في الحلية 4/ 139، وأورده ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 193، وبين أوجه ضعفه، وضعّفه الألباني في الإرواء 8/ 242.

(3)

سبق تخريجه ص 932.

ص: 1092

الحبس مبنية على حبسه في ذلك، والأصح حبسه إن كان في غير حَدٍّ، فيعاد للحبس، ويقبل قول خصمه في أن القاضي حبسه بعد تكميل البينة وتعديلها؛ لأن الظاهر أنه إنما حبسه لحق ترتيب عليه، وإن ذكر مَحبوسٌ أنَّهُ حبس بقيمة كلبٍ أو خَمْر ذمي وصدقه (1) خلي سبيله؛ لأنه لا دين عليه (2) وإن كذبه (3) وقال: بل بحق واجب غير هذا فقول غريم؛ لأنه الظاهر، وإن بَانَ حبسه في تهمةٍ أو تعزيرٍ كافتياتٍ على القاضي قبله [خلاه](4) أو أبقاه في الحبس بقدر ما يرى.

فإطلاق القاضي وإذنه ولو في قضاء دين أو في نفقةٍ ليَرْجِعَ، ووضع ميزاب وبناء ووضع خشب على جدار جار وأمره بإراقة نبيذ وقرعةٍ حكم يرفع الخلاف إن وإن، وذكر الشيخ تقي الدين أنه لو أذن أو حكم لأحدٍ باستحقاق عقدٍ أو فسخٍ لم يحتج بعد ذلك إلى حكمه بصحته بلا نزاع، وكذا نوع من فعله كتزويج يتيمةٍ بالولاية العامة وشراء عينٍ غَائبةٍ مَوصُوفةٍ بما يكفي في سَلَمٍ لقضاء دين نحو غائب وممتنع حكم يرفع الخلاف.

وحكمه بشيء -كبيع عبد أعتقه من أحاط الدين مسألة- حكم بلازمه وهو بطلان العتق في المثال؛ لأنه لصحة البيع فلا يحكم غيره بخلافه؛ لأنه نقض لحكمه.

(1) يعني غريمه.

(2)

في الأصل: لاين عليه.

(3)

أي غريمه.

(4)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 473.

ص: 1093

وإقراره غيره على فعل مختلف فيه، وثبوت شيء عنده ليس حكمًا به، بخلاف إثبات صفة العدالة وأهلية وصيَّةٍ فهو حُكمٌ.

وتنفيذ الحكم يتضمن الحكم بصحة الحكم المنفذ قاله ابن نصر اللَّه، وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنَّه حكم (1).

والحكم بالصحة يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعًا، فمن ادَّعَى أنه ابتاع من المدعى عليه عينًا، واعترف له بذلك لم يجز للحاكم الحكم بصحة البيع بمجرد ذلك حتى يدعى المدعي أنه باعه العين المذكورة وهو مالك لها، ويقيم البينة بذلك.

والحكم بالمُوْجب -بفتح الجيم- حكمٌ بموجب الدعوى الثابتة ببينة أو غيرها كالإقرار والنكول، فالدعوى المشتملة على ما يقتضي صحة العقد المدعى به من نحو بيع وإجارة الحكم فيها بالموجب حكم بالصحة؛ لأنها من موجبه كسائر آثاره قال الوليُّ العراقي (2): فيكون الحكم فيها بالموجب حينئذ أقوى مطلقًا لسعته وتناوله الصحة وآثارها. والدعوى غير المشتملة على ذلك كإن أدعى أنه باعه العين فقط الحكم فيها

(1) ينظر: المبدع 10/ 49، والننقيح ص 299، وغاية المنتهى 3/ 420، وشرح منتهى الإرادات 3/ 474.

(2)

هو: الإمام الحافظ، أحمد بن زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي، الكردي، المصري، أبو زرعة، قاضي الديار المصرية، ولد سنة 762 هـ، درَّس في أماكن عدة، وولي القفاء، وصنف التصانيف، توفي مسلولًا سنة 826 هـ.

ينظر: الضوء اللامع 1/ 336 - 344، وإنباء الغمر 8/ 21، والبدر الطالع 1/ 72، والأعلام 1/ 148.

ص: 1094

بالموجب ليس حكمًا بالصِّحَّةِ إذ مُوْجب الدعوى حينئذ حصول صورة بيع بينهما، ولم تشتمل الدعوى على ما يقتضي صحته حيث لم يذكرهر أن العين كانت للبائع ولم تقم به بينة وصحة العقد تتوقف على ذلك، بخلاف ما سبق، لا يقال: هو أيضًا في الأولى لم يدع الصِّحة فكيف يحكم له بها؛ لأن دعواها وإن لم تكن صريحةً فهي واقعةٌ ضمنًا؛ لأنها مقصود المشتري، والحكم بالإقرار ونحوه كالحكم بموجبه، إذ معناه إلزام المقر بما أقر به وهو أثر إقراره ولا يحكم بالصِّحَّة، نقله الولي العراقي عن شيخه البُلْقِيْنِيْ (1) وقال: لا يظهر لهذا معنًى فليتأمل. (2) وقد رجع الشيخ إلى ما ذكر أولًا من أن الحكم بالموجب يتضمن الحكم بالصحة.

ومن لم يعرف خصمه أو أنكره المحبوس بأن قال: حبست ظلمًا ولا حق علي ولا خصم لي نودي بذلك في البلد (3)، فإن لم يعرف خصمه بعد ذلك حلفه حاكمٌ وأطلقه، ومع غيبة خصمه يبعث إليه ليحضر، ومع تأخره بلا عذر يخلي

(1) هو: القاضي، جلال الدين، أبو الفضل، عبد الرحمن بن عمر بن نصير بن صالح الكناني، البلقيني، المصري، الشافعي، ولد سنة 763 هـ، ونشأ ذكيًا، فحفظ عدة محفوظات، وكان آية في سرعة الفهم، وجودة الحفظ، ودخل دمشق مع والده، أجازه ابن أميلة وابن كثير، انتهت إليه رئاسة الفتوى بعد وفاة والده، ولي القضاء، ومات قاضيًا بعلة الصرع سنة 824 هـ بالقاهرة، من تصانيفه:"التفسير" و"الفقه" و"مجالس الوعظ".

ينظر: الضوء اللامع 4/ 106، شذرات الذهب 7/ 166، الأعلام 3/ 320.

(2)

ينظر: شرح منتهى الإرادات 3/ 475.

(3)

قال في المقنع 28/ 374: "ثلاثًا" ا. هـ.

ص: 1095

سبيله، والأولى بكفيلٍ.

ثم إذا تم آمر المحبوسين نظر في أمر أيتام ومجانين ووقوف ووصايا لا ولي لهم ولا ناظر؛ لأن هذه أموال يتعلق بها حفظها وصرفها في وجوهها فلا يجوز إهمالها، ولا نظر له مع الولي أو الناظر الخاص لكن له الاعتراض إن فعل ما لا يسوغ، فلو نفذ القاضي الأول وصية موسى إليه أمضاها الثاني؛ لأن الظاهر أن الأول لم ينفذها إلَّا بعد معرفة أهليته.

ويحرم أن ينقض من حكم قاض صالح للقضاء شيئًا لئلا يؤدي إلى نقض الحكم بمثله غير ما خالف نص كتاب اللَّه تعالى أو سنة متواترة أو آحاد كالحكم بقتل مسلم بكافر، وكالحكم بجعل من وجد عين ماله عند من حجر عليه بفلس أسوة الغرماء فينقض؛ لأنه لم يصادف شرطه، إذ شرط الاجتهاد عدم النص، لخبر معاذ بن جبل (1)، ولأنه مفرط بترك الكتاب والسنة، أو خالف إجماعًا قطعيًّا فينقض؛ لأن المجمع عليه

(1) وفيه: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاءٌ؟ قال: أقضي بكتاب اللَّه، قال: فإن لم تجد في كتاب اللَّه؟ قال: فبسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب اللَّه؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلُوْ". أخرجه أبو داود، باب اجتهاد الرأي في القضاء، كتاب الأقضية برقم (3592 - 3593) سنن أبي داود 3/ 303، والترمذي، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، كتاب الأحكام برقم (1327) الجامع الصحيح 3/ 616، وأحمد برقم (21502) المسند 6/ 303، والدارمي في المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة برقم (168) سنن الدارمي 1/ 72، والبيهقي، باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي. . .، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 114. والحديث =

ص: 1096

ليس محلا للاجتهاد بخلاف الإجماع السكوتي، أو خالف ما يعتقده بأن حكم بما لا يعتقد صحته فيلزم نقضه لاعتقاد بطلانه، فإن اعتقده صحيحًا وقت الحكم ثم تغير اجتهاده ولا نص ولا إجماع لم ينقض لقضاء عمر في المشركة حيث أسقط الإخوة من الأبوين ثم شرك بينهم ويين الإخوة للأم بعد، وقال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي (1)، وقضى في إرث الجد بقضايا مختلفة (2)، ولئلا يؤدي إلى نقض الاجتهاد بمثله، وإن تغير اجتهاده قبل الحكم عمل بالأخير لاعتقاده بطلان ما قبله، ولا ينقض حكم بتزويج المرأة نفسها ولو مع حضور وليها لاختلاف الأئمة في صحته، وحديث:"لا نكاح إلا بوليٍّ وشَاهِدَيْ عَدلٍ" تقدم ما فيه (3)، ولا ينقض حكم لمخالفة قياس؛ لأن من أحكام الشريعة ما ثبت على خلاف القياس، ولا لعدم علمه الخلاف في المسألة المحكوم (4) فيها؛ لأن علمه ذلك لا أثر له في صحة الحكم حيث وافق الشرع، ولا إن حكم بينة خارج وجهل

= قال عنه الترمذي: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصلٍ" ا. هـ، وأورده الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 4/ 182 - 183 مع بيان أوجه ضعفه.

(1)

سبق تخريجه ص 111.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه 3/ 1/ 66 - 67 برقم (59)، وكذا البيهقي في السنن الكبرى 6/ 249، والدارمي في سننه 2/ 452 برقم (2914).

(3)

سبق تخريجه ص 251.

(4)

في الأصل: الملوك.

ص: 1097

علمه ببينة تقابلها، أو حكم [ببيِّنة](1) داخل وجهل علمه بسبب بينة تقابلها حيث وقع الحكم على وفق الشرع (2).

وما قلنا: أنه ينقض فالناقض له حاكمه إن وإن موجودًا، فيثبت عنده السبب المقتضي للنقض وينقضه وجوبًا، ولا يعتبر لصحة نقضه طلب رب الحق نقضه؛ لأنه حق للَّه تعالى، وينقضه إن بَانَ بمن شهد عنده ما لا يرى معه قبول الشهادة ككون الشاهد من عمودي نسب مشهودٍ، وكذا كل ما صادف وما حكم به مختلف فيه [-صِفَةٌ) (3) لِمَا الأُوْلَى- أي (4) أن لا يرى القاضي الحكم معه كبيع عبد تبين أنه منذور عتقه نذر تَبَرُّر ولم يعلم قاضٍ عند حكم فينقضه إذا ثبت عنده.

وتنقض أحكام من لا يصلح للحكم لفقد بعض الشُّروط وإن وافقت الصواب؛ لأن حكمه غير صحيح فوجوده كعدمه، وهذا في غير قضاة الضرورة، ولا ينقض من أحكامهم ما وافق الصواب كما اختاره الشَّيْخُ تقي الدِّين (5)؛ لأنها ولاية شرعية وإلا تعطلت الأحكام.

(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 479.

(2)

قال الزركشي: "واعلم أن بينة المدعى عليه تسمى بينة الداخل، وبينة المدَّعي تسمي بينة الخارج، لأنه جاء من خارج ينازع الداخل. . " ا. هـ، شرح الزركشي 7/ 402.

(3)

ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 479.

(4)

في الأصل: أن.

(5)

الاختيارات ص 580.

ص: 1098

(ومن اسْتَعْدَاهُ) أي القاضى (على خَصْمٍ في البلدِ) الذي به القاضي (بما) أي شيء (تتْبَعُهُ الْهِمَّةُ لَزِمَهُ) أي القاضي (إحضاره) أي الخصم ولو لم يحرر المستعدي الدعوى نَصًّا (1) أو لم يعلم أن بينهما معاملة لئلا تضيع الحقوق ويقر الظلم، وقد يثبت حق الأدنى على الأرفع منه لنحو غصب أو شراء ولا يوفيه ثمنه أو إيداع أو إعارة ولا يرد إليه، فإن لم يعد عليه ذهب حقه وهو أعظم ضررًا من حُضُور مجلس الحكم فإنه لا نقص فيه، وقد حضر عمرُ وأبيٌّ عند زيد بن ثابت، وللمُستَعْدَى عليه أن يوكل إن كره الحضور، ومن طلبه خصمه أو حاكم حيث لزمه إحضاره بطلبه منه لمجلس الحكم لزمه الحضور، فإن حَضَرَ وإلا أعلم القاضي الوالي، ومتى حضر فله تأديبه بما يراه من انتهار أو ضرب، ويعتبر تحرير الدعوى فيما إذا استعدى على حاكم معزول ومن في معناه من ذوي المناصب كالخليفة والعالم الكبير والشيخ المتبوع صيانة له عن الابتذال، ثم يراسله القاضي، فإن خرج من العهدة وإلا أحضره.

(إلا غَيْرَ بَرْزَةٍ) وهي المخدرة التي لا تبرز لقضاء حوائجها إذا استعدي عليها (فَتُوَكِّلُ كمريض ونحوه) ممن له عذر (وإِنْ وَجَبَـ) ـت عليها (يَمِيْنٌ أَرْسَلَ) الحاكم (مَنْ) أي أمينا معه شاهدان (يُحَلِّفُهَا) بحضرتهما.

ومن ادَّعى على غائبٍ بموضع من عمل القاضي لا حاكم به بعث القاضي إلى ثقةٍ يتوسط بينهما قطعًا للنِّزاع، فإن تعذر حرر دعواه ثم أحضره ولو بَعُد مكانه إذا كان

(1) المغني 14/ 39، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 28/ 389 - 391، والمحرر 2/ 205، والمبدع 10/ 51، وكشاف القناع 6/ 327.

ص: 1099

بعمله.

ومن قال لحاكمٍ: حكمتَ علي بشهادة فاسقين عمدًا فأنكر القاضي لم يحلف لئلا يتطرق المدعى عليهم على إبطال ما عليهم من الحقوق بذلك وفيه ضرر عظيم، واليمين إنما تجب للتهمة، والقاضي ليس من أهلها.

وإن قال قاضٍ معزولٍ عدلٍ لا يُتَّهَمُ: كانتُ حكمتُ في ولايتي لفلان على فلان بكذا وبَيَّنَهُ وهو ممن يسوغ الحكم له قُيلَ نَصًّا (1) ولو لم يذكر مستنده في حكمه من نحو بينة أو إقرار، ولو أن العادة تسجيل أحكامه وضبطها بشهود؛ لأن عزله لا يمنع قبول قوله، قال القاضي مجد الدين (2) ما لم يشتمل قوله على إبطال حكم حاكم آخر فلا يقبل إذن، فلو حكم حنفي برجوع واقف على نفسه وأخبر حنبلي أنه حكم بصحة ذلك الوقف قبل حكم الحنفي برجوعه لم يقبل، نقله المحب ابن نصر اللَّه في "حواشي الفروع"(3).

وإذا أخبر حاكمٌ حاكمًا بحكمٍ أو ثبوتٍ ولو في غير عملهما قبل وعمل به

(1) المغني 14/ 85، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 28/ 395 - 396، والمحرر 2/ 211، وشرح الزركشي 7/ 284 و 285، والمبدع 10/ 52، وغاية المنتهى 3/ 424.

(2)

هو: أبو البركات، سالم بن سالم بن أحمد بن سالم بن عبد الملك، المقدسي، القاضي، الفقيه، الحنبلي، ولد سنة 748 هـ، ولي القضاء أكثر من ثلاثين سنة بتواضع وعفّة، توفي سنة 820 هـ.

ينظر: المنهج الأحمد 5/ 205 - 206، وإنباء الغمر 8/ 28، والسحب الوابلة 2/ 401 - 403.

(3)

وقال: "هذا تقييد حسن ينبغي اعتماده". ا. هـ. ينظر: الإنصاف 28/ 398.

ص: 1100

الْمُخْبَرُ -بفتح الباء- إذا بلغ عمله كما لو أخبره بعد عزله وأوْلَى، ويجوز للمُخْبَرِ -بفتح الباء- أن يعمل بأخبار الآخر مع حضوره وهما بعملهما إذا أخبره بالثبوت عنده بلا حكمٍ؛ لأنه كنقل الشهادة فاعتبر فيه ما يعتبر في الشهادة على الشَّهادة، بخلاف ما لو حكم وأخبر به أوكانا أو أحدهما بغير عملهما، وكذا إخبار أمير جهاد وأمين صدقة وناظر وقف بعد عزله بأمرٍ صدر منه حال ولايته فيقبل منه حيث يقبل في ولايته، قال في "الانتصار": كل من صحّ منه إنشاء أمر صحّ إقراره به. (1)

(1) ينظر: الإنصاف 28/ 399، وكشاف القناع 6/ 329.

ص: 1101