الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في تعارض البينتين
وهو التعادل من كل وجه، يقال: تعارضت البينتان إذا تقابلتا أي أثبتت كل منهما ما نفته الأخرى حيث لا يمكن الجمع بينهما فيتساقطان، وعارض زيد عمرا إذا أتاه بمثل ما أتى به (1). إذا قال لعبده: متى قتلت فأنت حر فادعى العبد أنه قتل وأنكر ورثته فالقول قولهم إن لم تكن له بينة: لأن الأصل عدم القتل، وإن أقام كل منهما بينة بما ادعاه قدمت بينة العبد وعتق: لأن مع بينته زيادة وهو القتل، وإن لم تكن له بينة فله تحليفهم على نفي العلم.
وإن قال سيد عبدين فأكثر: إن مت في المحرم فسالم حر وإن مت في صفر فغانم حر ثم مات وأقام كل منهما بينة بموجب عتقه تساقطتا؛ لأن كلا منهما تنفى ما أثبتته الأخرى ورقا لجواز موته في غير المحرم وصفر، وإن علم موته في إحدى الشهرين وجهل أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة عتق ورق الآخر، وإن قال: إن مت في مرضي هذا فسالم حر وإن برئت منه فغانم حر ثم مات وأقاما بينتين تساقطتا ورقا لنفي كل منهما ما أثبتته الأخرى، وإن جهل ثم مات ولا بينة أقرع بينهما، فيعتق من خرجت له القرعة؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون بريئا أو لم يبرأ، فيعتق أحدهما على كل حال، وكذا إن أتى بمن بدل في التعارض، وأما في صورة الجهل وعدم البينة فيعتق سالم؛ لأن الأصل دوام المرض وعدم البرء.
(1) ينظر: المطلع ص 405، وكشاف القناع 6/ 398.
وإن شهدت (1) بينة على ميت أنه وصى بعتق سالم وأخرى على أنه وصى بعتق غانم وكل واحد من سالم وغانم ثلث ماله ولم تجز الورثة عتقهما عتق أحدهما بقرعة لثبوت الوصية بعتق كل منهما، والإعتاق بعد الموت كالإعتاق في مرض الموت، وقد ثبت الإقراع بينهما فيه لحديث عمران بن حصين (2)، فكذا الإعتاق بعد الموت لاتحاد المعنى فيهما، فإن أجاز الورثة الوصيتين عتقا؛ لأن الحق لهما كما لو أعتقوهما بعد موته.
ومن مات عن ابنين مسلم وكافر فادعى كل منهما أنه مات على دينه فإن عرف أصله من إسلام وكفر قبل قول مدعيه، وإن لا يعرف أصل دينه فميراثه للكافر إن اعترف المسلم بأخوته أو ثبتت ببينة؛ لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإسلام ولاعترافه بكفر أبيه فيما مضى وادعائه إسلامه فجعل أصل دينه الكفر، والأصل بقاؤه عليه، وإلا يعترف المسلم بأخوته ولا ثبتت ببينة فميراثه بينهما لاستوائهما في اليد والدعوى، وإن جهل أصل دينه وأقام كل منهما بينة بدعواه تساقطتا وتناصفا التركة كما لو لم تكن بينة، وإن قالت بينة: نعرفه مسلما وأخرى نعرفه كافرا ولم تؤرخا وجهل أصل دينه فميراثه للمسلم لإمكان العمل بالبينتين، إذ الإسلام يطرأ على الكفر
(1) فى الأصل: شهد.
(2)
عن عمران بن حصين رضي الله عنه: "أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة. . " هذا لفظ مسلم. وقد سبق تخريجه بنحوه ص 192.
وعكسه خلاف الظاهر؛ لأن المرتد لا يقر على ردته، وتقدم البينة الناقلة إذا عرف أصل دينه فيهن؛ لأن معها علما لم تعلمه الأخرى كما تقدم في نظائره، ولو شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الإسلام وأخرى أنه مات ناطقا بكلمة الكفر تساقطتا سواء عرف أصل دينه أو لا.
ومن أسلم وادعى تقدم إسلامه على موت مورثه المسلم، أو ادعى تقدم إسلامه على قسم تركته قبل منه ببينة أو تصديق وارث معه لدعواه، وإلا فلا؛ لأن الأصل بقاؤه على كفره فالقول قول أخيه المسلم بيمينه لأنه منكر.
وإن قال من كان كافرا: أسلمت في محرم ومات مورثي في صفر، وقال الوارث: مات قبل محرم ورث لاتفاقهما على الإسلام في المحرم واختلافهما في الموت هل كان قبله أو بعده، والأصل بقاء حياة الأب فالقول قول مدعي تأخر الموت.
ولو خلف حر ابنا حرا وابنا كان قنا فادعى الذي كان قنا أنه عتق وأبوه حي ولا بينة له صدق أخوه في عدم ذلك؛ لأن الأصل بقاء الرق، وإن ثبت عتق برمضان فقال الحر: مات أبي بشعبان وقال العتيق: بل بشوال صدق العتيق؛ لأن الأصل بقاء حياة الأب إلى شوال، وتقدم بينة الحر مع التعارض؛ لأن معها زيادة علم.
وإن شهد اثنان على اثنين بقتل فشهدا على الأولين به فصدق الولي الأولين فقط حكم له بهما لرجحانهما بتصديق المشهود له، وإن صدق الجميع أو الأخيرين أو كذب الجميع أو الأولين فقط فلا شيء له لسقوط شهادة المشهود عليهما لاتهامهما بالدفع عن
أنفسهما بذلك، وتصديق الولي لهما غير معتبر، وكذا لو صدق الجميع بأن قال: قتلوه كلهم؛ لأن كلا من البينتين تدفع عن نفسها القتل بالشهادة فلا تقبل، وكذا لو كذب الجميع؛ لأنه يصير كمن لا بينة له.
وإن شهدت بينة بتلف ثوب وقالت: قيمته عشرون وشهدت أخرف أن قيمته ثلاثون ثبت الأقل لاتفاقهما عليه دون الزائد لاختلافهما فيه، وكذا لو كان بكل قيمة شاهد واحد فيثبت الأقل لما تقدم.