الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ في الصَّيْدِ
مصدر صَادَ يَصِيْدُ (1).
وشرعًا: اقْتِنَاصُ حيوانٍ حَلَالٍ متوحش طبعًا غير مقدور عليه ولا مملوكٍ. (2)
(والصَّيْدُ مُبَاحٌ) لقاصده، ويكره الصيد لهوًا لأنه عبث، وهو أفضل مأكولٍ؛ لأنه من اكتساب الحلال الذي لا شبهة فيه، والزراعة أفضل مكتسب؛ لأنه أقرب إلى التوكل لخبر:"لا يغرس مُسلمٌ غرسًا، ولا يَزْرَعُ زَرْعًا، فيأكل منه إنسانٌ ولا دَابَّةٌ ولا شيءٌ [إلَّا] (3) كانت له صدقة"(4)، وأفضل المعاش التجارة، وأفضل التجارة في بَزٍّ وعِطْرٍ وعلى زرعٍ وغرسٍ ومَاشيةٍ، وأبغضها في رقيقٍ
(1) صاد الصَّيْدَ يصيده ويَصَاده صيدًا إذا أخذه وتصيَّدَهُ وإصطاده وصاده، والصَّيْدُ المَصيْدُ أو ما كان ممتنعًا ولا مالك له.
ينظر: لسان العرب 3/ 260، والقاموس المحيط 1/ 309.
(2)
ينظر: المبدع 9/ 231، والتنقيح ص 287، والإقناع 4/ 321، وغاية المنتهى 3/ 358.
(3)
في الأصل: إن.
(4)
من حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم، باب فضل الغرس والزرع، كتاب المساقاة برقم (1552) صحيح مسلم 3/ 1188، وأحمد برقم (14779) المسند 4/ 383، والدارمي، باب في فضل الغرس، كتاب البيوع برقم (2610) سنن الدارمي 2/ 347 - 348، والبيهقي، باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه، كتاب المزارعة، السنن الكبرى 6/ 138.
وصَرْفٍ لتمكن الشبهة فيهما، وأفضل الصِّنَاعة خياطة ونصَّ أحمد: أن كل ما نَصح فيه فهو حسن (1) وقال الْمَرُّوْذِيُّ (2): حثني أبو عبد اللَّه على لزوم الصنعة للخبر (3). قال أحمد: لم أرَ مثل الغنى عن الناس، وقال في قوم لا يعملون ويقولون نحن متوكلون: هؤلاء مبتدعةٌ. (4)، وأدنى الصناعة حِيَاكةٌ وحِجَامَة ونحوهما، كقُمَامَةٍ وزُبَالةٍ وذَبْحٍ، وفي الحديث: "كسب الحجام
(1) ينظر: كتاب الفروع 6/ 577، والمبدع 9/ 231، والإنصاف 27/ 347، والإقناع 4/ 322، وشرح منتهى الإرادات 3/ 411.
(2)
المَرُّوْذِيُّ: أحمد بن الحجاج بن عبد العزيز، أبو بكر، هو المقدَّم من أصحاب الإمام أحمد لوَرَعه وفضله، وقد روى عنه مسائل كثيرةً، وكان الإمام أحمد يأنس به وينبسط له، وهو الذي تولى إغماضه لما مات وغسَّله، توفي سنة 275 هـ، ودُفن عند قبر الإمام أحمد رحمهم الله جميعًا-.
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 56 - 63، والمقصد الأرشد 1/ 156 - 158، وتذكرة الحفاظ 2/ 631 - 633.
(3)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 578، والإنصاف 27/ 347، وشرح منتهى الإرادات 3/ 411. والخبر المراد به: ما رواه المقدام بن معدي كرب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحدٌ طعامًا قطٌّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، كان نبى اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" أخرجه البخاري، باب كسب الرجل وعمله بيده، كتاب البيوع برقم (2072) صحيح البخاري 3/ 50، وابن ماجة بنحوه، باب الحث على المكاسب، كتاب التجارات برقم (2138) سنن ابن ماجة 2/ 723 - 724، وأحمد برقم (16729) المسند 5/ 116 - 117.
(4)
ينظر: الإقناع 4/ 321 - 322، وشرح منتهى الإرادات 3/ 411.
خبيث" (1)، وأشدها كراهة صِبْغٌ وصِيَاغَة وحِدَادَةٌ وجِزَارَةٌ لما يدخلها من الغش ومخالطة النجاسة، قال في "الفُرُوع" (2): والمراد مع إمكان ما هو أصلح منها، وقاله ابن عقيل.
ومن أدرك صيدًا مجروحًا مُتحرِّكًا فوق حركة مذبوح واتسع الوقت لتذكيته لم يبح إلا بها؛ لأنه مقدورٌ عليه وفي حكم الحي، وحتى لو خشي موته ولم يجد ما يذكيه به، وإن امتنع بِعَدْوهِ فلم يتمكن من ذبحه حتى مات تعبًا فهو حلال بشروطه الآتية؛ لأنه غير مقدور على تذكيته.
(وشُروطُهُ) أي شروط إباحة الصَّيْد (أَربعةٌ): -
أحدها: (كَونُ صَائِدٍ مِنْ أَهْلِ) الـ (ذَكَاة) أي تحل ذبيحته لقوله عليه
(1) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه مسلم، باب تحريم ثمن الكلب. .، كتاب المساقاة برقم (1568) صحيح مسلم 3/ 1199، وأبو داود، باب في كسب الحجام، كتاب الإجارة برقم (3421) سنن أبي داود 3/ 266، والترمذي، باب ما جاء في ثمن الكلب، كتاب البيوع برقم (1275) الجامع الصحيح 3/ 574، والنسائي، باب النهي عن ثمن الكلب، كتاب الصيد والذبائح برقم (4294) المجتبى 7/ 190، وأحمد برقم (16808) المسند 5/ 131، والدارمي، باب في النهي عن كسب الحجام، كتاب البيوع برقم (2621) سنن الدارمي 2/ 351 - 352.
(2)
6/ 577، وينظر: الإقناع 4/ 322، وشرح منتهى الإرادات 3/ 411.
السلام: "فَإِنَّ أخْذَ الكلبِ ذكاة" متفق عليه (1)، والصائد بمنزلة المذكي ولو كان أعمى.
(و) الشَّرْطُ الثَّانِي: (الآلةُ، وهي) نوعان، أحدهما: مُحَدَّدٌ فهو كـ (آلة ذكاة) فيما تقدم تفصيله، وشُرِطَ جرح الصيد به لحديث:"ما أنهر الدم وذكر اسم اللَّه عليه فكل"(2)، فإن قتل الصيد بثقله كشبكة وفخ وعصًا وبندقة ولو مع شدخ أو قطع حلقوم أو مريء ولم يجرحه لم يبح أكله لحديث عدي بن حاتم (3) قال:"قلت: يا رسول اللَّه! إني امرؤ أرمي بالْمِعْرَاضِ الصيد فأصيب، فقال: إذا رَمَيْتَ بالمعراض فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وإن أصاب بعرضه فلا تأكل" متفق عليه (4) والمعراض خشبةٌ مَحدودة
(1) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: أخرجه البخاري، باب التسمية على الصيد. .، كتاب الذبائح والصيد برقم (5475) صحيح البخاري 7/ 74، ومسلم، باب الصيد بالكلاب المعلمة، كتاب الصبد والذبائح برقم (1929) صحيح مسلم 3/ 1530.
(2)
سبق تخريجه ص 855.
(3)
عدي بن حاتم: بن عبد اللَّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي، ابن الجواد المشهور، أبو طريف، صحابي أسلم سنة 9 هـ، وثبت على إسلامه في حروب الردة، وشهد فتح العراق، ثم سكن الكوفة وشهد وقعة صفين مع عليٍّ رضي الله عنهما، توفي سنة 67 هـ، وله 120 سنةً.
ينظر: أسد الغابة 4/ 8 - 10، والإصابة 4/ 388 - 390.
(4)
أخرجه البخاري بنحوه، باب ما أصاب المعراض بعرضه، كتاب الذبائح والصيد برقم (5477) صحيح البخاري 7/ 75، ومسلم، باب الصيد بالكلاب المعلَّمة، كتاب الصيد والذبائح برقم (1929) صحيح مسلم 3/ 1529.
الطرف وربما جعل في رأسه حديدة.
ولم يُحَل ما قُتِلَ بمحدد فيه سُمٌّ مع احتمال إعانته على قتله تغليبًا للتحريم، وما رمي من صَيْد فوقع في ماءٍ أو تردى من عُلُوٍّ أو وطئ عليه شيءٌ وكل من ذلك يقتل مثله لم يحل لحديث عدي بن حاتم قال:"سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصَّيْدِ فَقَالَ: إذا رميت سهمك فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّه، فإن وجدته قد قَتَلَ فَكُلْ إلا أن تجده وَقَعَ في ماءٍ، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك" متفق عليه (1)، والتردي والوطء عليه كالماء في ذلك، فإن كان لا يقتل مثل ذلك بأن كان رأس الحيوان خارج الماء أو كان من طيره حل إذ لا شك أن الماء لم يقتله.
وإن رماه بالهواء أو على شجرة أو حائط فسقط فمات حل؛ لأن موته بالرمي ووقوعه بالأرض لا بد منه، فلو حرم به لأدى إلى أن لا يحل صيدٌ أبدًا، أو رمى صيدًا ثم غابَ ولو لَيْلًا ثم وجد ولو بعد يومه الذي رماه فيه ميتًا حل، لحديث عدي بن حاتم قال:"سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرضنا أرض صيد، فيرمي أحدنا الصيد، فيغيب عنه ليلة أو ليلتين، فيجد فيه سهمه، فقال: إذا وجدت سهمك ولم تجد فيه أثر غيره، وعلمت أن سهمك قتله فَكُلْهُ" رواه أحمد والنسائي (2).
(1) أخرجه البخاري، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، كتاب الذبائح والصيد برقم (5484) صحيح البخاري 7/ 76، ومسلم واللفظ له، باب الصيد بالكلاب المعلمة، كتاب الصيد والذبائح. .، برقم (1929) صحبح مسلم 3/ 1531.
(2)
أخرجه الإمام أحمد برقم (18879) المسند 5/ 508، والنسائي، باب في الذي يرمي الصيد فيغيب عنه، كتاب الصيد والذبائح برقم (4300) المجتبى 7/ 193، والترمذي، باب ما جاء في الرجل =
ويَحرُمُ عضو أبانَهُ صائد بمحدد مما به حياة مُسْتَقِرَّةٌ، لحديث:"ما أبيْنَ من حَيٍّ فهو ميت"(1)، لا إن مات الصيد المبان منه في الحال كما لو لم يبق فيه حياة مستقرة، أو كان من حوت ونحوه مما تحل ميتته، وإن بقي المقطوع مُعَلَّقًا بجلده حل بحله لأنه لم يبن.
والنوع الثاني من آلة الصيد ما أشار إليه بقوله: (أَوْ جَارِحٌ مُعَلَّمٌ) مما يصيد بنابه كالفهود والكلاب، أو بمخلبه من الطير لقوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ}
= يرمي الصيد فيغيب عنه، كتاب الصيد برقم (1468) الجامع الصحيح 4/ 55، والبيهقي، باب الإرسال على الصيد يتوارى عنك ثم تجده مقتولًا، كتاب الصيد والذبائح، السنن الكبرى 9/ 242، والحديث قال عنه الترمذي:"حسن صحيح"، وصحّحه الألباني كما في صحيح سنن النسائي 3/ 900.
(1)
من حديث أبي واقد الليثي: أخرجه أبو داود، باب في صيد قطع منه قطعة، كتاب الصيد برقم (2858) سنن أبي داود 3/ 111، والترمذي، باب ما قُطع من الحي فهو ميتٌ، كتاب الأطعمة برقم (1480) الجامع الصحيح 4/ 62، وأحمد برقم (21396 - 21397) المسند 6/ 286 - 287، والدارمي، باب في الصيد يبين منه العضو، كتاب الصيد برقم (2018) سنن الدارمي 2/ 128، والحاكم، باب ما قُطع من البهيمة وهي حية فهو ميتٌ، كتاب الذبائح، المستدرك 4/ 239، والبيهقي، باب ما قُطع من الحي فهو ميتة، كتاب الصيد والذبائح، السنن الكبرى 9/ 245، والحديث قال عنه الترمذي:"حسنٌ غريبٌ"، وقال الحاكم:"صحيح على شرط البخاري ولم يخرِّجاه" ووافقه الذهبي، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير 5/ 151.
الآية (1)، قال ابن عباس:"هي الكلابُ المعلمةُ، وكُلُّ طَيْرٍ تعلم الصيد والفهود والصقور وأشباهها"(2). والجَارحُ لغةً: الكاسب (3) قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} (4) أي: كسبتم (5)، ويقال: فلان جراحة أهله أي كاسبهم، ومُكَلِّبِيْنَ من التَّكْلِيْبِ (وهُو) الإغراءُ (6)، غير كلبٍ أسود بهيمٍ وهو ما لا بياض فيه نَصًّا (7) فيحرم صيده لأنه عليه الصلاة والسلام: "أمر بقتله وقال: إنه
(1) سورة المائدة من الآية (4).
(2)
أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان 6/ 90، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 235، وضعّف إسناده الألباني في الإرواء 8/ 182.
(3)
ينظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 451، ولسان العرب 2/ 422 - 423، والقاموس المحيط 1/ 217 - 218.
(4)
سورة الأنعام من الآية (60).
(5)
ينظر: جامع البيان لابن جرير الطبري 6/ 215، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/ 131، وفتح القدير للشوكاني 2/ 124.
(6)
ينظر: اللباب في علوم الكتاب 7/ 205، ومعالم التنزيل 3/ 16، ومجمع البيان في تفسير القرآن 6/ 27.
(7)
مسائل الإمام أحمد رواية صالح 2/ 250، والهداية 2/ 112، والمغني 13/ 267، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 27/ 386 - 387، والمحرر 2/ 194، وشرح الزركشي 6/ 616، والمبدع 9/ 242.
شيطان" رواه مسلم (1)، وكذا يحرم اقتناؤه وتعليمه لما ذكر ويجب قتل كلب عَقُور لدفع شَرِّهِ عن الناس لا إن عقرت كلبةٌ مَنْ قَرُبَ من ولدها أو خرقت ثوبه فلا يباح قتلها بذلك؛ لأن عقرها ليس عادة لها.
ثم تعليم ما يصيد بنابه بثلاثة [شروط](2) أشياء: بـ (أَنْ يَسْترسِلَ إذا أُرْسِلَ، ويَنْزَجِرَ إذا زُجِرَ) قال في "المغني"(3): إلا في وقت رؤية الصيد. ومعناه في "الوجيز"(4)(وإِذَا أَمْسَكَ) صيدًا (لَمْ يَأْكُلْ) منه لحديث: "فإن أكَلَ فلا تَأْكُلْ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه"(5)، ولأن عادة المعلم أن ينتظر صاحبه ليطعمه ولا يعتبر تكرر ذلك بل يحصل بمرة لأنه تعلم صنعة أشبه سائر الصنائع، فلو أكل بعد أن صاد صيدًا ولم يأكل منه لم يخرج بذلك عن كونه
(1) من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه مسلم، باب الأمر بقتل الكلاب. . .، كتاب المساقاة برقم (1572) صحيح مسلم 3/ 1200، ووكذا أبو داود، باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره، كتاب الصيد برقم (2846) سنن أبي داود 3/ 108، وأحمد برقم (14165) المسند 4/ 286.
(2)
مما يين المعقوفين يستقيم الكلام بدونها.
(3)
13/ 263.
(4)
ينظر: الإنصاف 27/ 389، وشرح منتهى الإرادات 3/ 415.
(5)
من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: أخرجه البخاري: باب صيد المعراض، كتاب الذبائح والصيد برقم (5476) صحيح البخاري 7/ 74، ومسلم واللفظ له، باب الصيد بالكلاب المعلمة، كتاب الصيد والذبائح برقم (1929) صحيح مسلم 3/ 1529.
معلمًا، ولم يحرم ما تقدم من صيده؛ لأنه صاده حال كونه معلمًا، ولم يبح ما أكل منه للخبر، ولقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (1) وهذا إنما أمسكه على نفسه، ثم إن صاد بعد حل ما لم يأكل منه ولو شرب الصائد دمه لم يحرم نَصًّا (2)؛ لأنه لم يأكل منه، ويجب غسل ما أصابه فم كلب لتنجسه كما لو أصاب ثوبه ونحوه.
وتعليم ما يصيد بمخلبه كبَاز وصَقْرٍ وعُقَابٍ بأمرين: أن يسترسل إذا أرسل، ويرجع إذا دعي لا بترك الأكل، لقول ابن عباس:"إذا أكل الكلب فلا تأكل، وإن أكل الصَّقْرُ فكُلْ" رواه الخلال (3)، ويعتبر لحل صيد ذي نابٍ أو مخلبٍ جرحه للصيد؛ لأنه آلة القتل كالمحدد، فلو قتله بصدم أو خنق لم يبح.
(و) الشرط الثالث: (إِرسَالها) بأن يرمي السهم أو ينصب نحو المنجل أو يرسل الجارح (قَاصِدًا) للصيد؛ لأن قتل الصيد (4) أمر يعتبر له الدين فاعتبر له القصد كطهارة
(1) سورة المائدة من الآية (4).
(2)
المغني 13/ 264، والشرح الكبير والإنصاف 27/ 395، وكتاب الفروع 6/ 328، والمبدع 9/ 244، والإقناع 4/ 327.
(3)
أخرجه عبد الرزاق برقم (8514) المصنف 4/ 473، والبيهقي في السنن الكبرى معلقًا 9/ 238، قال ابن حزم في المحلى 7/ 473:"صح عن ابن عباس: كل ما عُلم فأكل ما قتل جائزٌ".ا. هـ، وينظر: الإرواء 8/ 183.
(4)
في الأصل: لأن القصد، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 416.
الحدث لحديث: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم اللَّه عليه فكُلْ" متفق عليه (1)، ولأن إرسال الجارح جعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت التسمية معه.
(فَلو اسْتَرْسَل جَارِحٌ بنَفْسِهِ فَقَتَلَ صَيْدًا لم يَحِلَّ) ولو زجره ربه ما لم يزد في طلبه بزجره فيحل حيث سمى عند زجره.
ومن رمى هدفًا فقتل صيدًا أو رمى رائد صيدًا ولم يره فقتل صيدًا لم يحل؛ لأنه لم يقصد صيدًا على الحقيقة، وإن رمى صيدًا فأصاب غيره أو رمى صيدًا واحدًا فأصاب عددًا حل الكل، وكذا جارح أرسل.
وتحل طَريدَةٌ وهي الصيد بين قوم يأخذونه قطعًا حتى يؤتى عليه وهو حي، روى أحمد بإسناده عن الحسن: أنه كان لا يرى بالطَّرِيْدَةِ بأسًا، كان المسلمون يفعلون ذلك في مَغَازيْهِم، وما زال النَّاسُ يفعلونه في مغازيهم (2)، قال أحمد وليس هو عندي إلا الصيد يقع بينهم لا يقدرون على ذكاته فيأخذونه قطعًا. (3)، ومن أثبت صيدًا ملكه؛ لأنه أزال امتناعه بإثباته كما لو قتله، فإن تحامل ومشى غير ممتنع فأخذه غيره لم يملكه، وإن لم يثبته فدخل محل غيره فأخذه رب المحل ملكه، أو وَثَبَ حوتٌ فوقع حِجْرِ شخصٍ ولو لِسَفِينة ملكه بذلك لسبقه إلى مباح، أو دخل ظبي داره فأغلق بابها ولو جهله أو لم يقصد تملكه ملكه، أو فَرَّخَ في برجه طائر غير مملوك ملكه صاحب
(1) جزءٌ من حديث سبق تخريجه ص 867.
(2)
لم أقف عليه، وذكره بإسناده ابن قدامة في المغني 13/ 281.
(3)
ينظر: المغني 13/ 281، وكتاب الفروع 6/ 335، والمبدع 9/ 241، وغاية المنتهى 3/ 362.
البرج لحيازته له، وإن وقعتْ سَمكةٌ بسفينةٍ لا بحجر أحد فلِرَبِّ السَّفينةِ لأنها ملكه ويده عليها.
ويحرم صيد سمك وغيره بنجاسةٍ كعذرةٍ ومَيْتَةٍ ودَمٍ؛ لأنه يأكلها فيصير كالجلالة، ويكره صيد الطَّير بالشِّبَاشِ، وهو طائر كالبُوْمَةِ تخاط عيناه أو تربط لأن فيه تعذيبًا للحيوان، ولا يكره الصيد ليلًا أو بما يُسكره.
ومن وَجَدَ فيما صاده علامة مُلْكٍ كقِلَادَةٍ يِرَقَبة وكحَلَقَةٍ بأذنه وكقَصِّ جناح طائر فهو لُقَطَةٌ يُعَرِّفُهُ وَاجِدُهُ.
(و) الشرط الرابع: (التَّسْمِيَةُ) أي قول بسم اللَّه (عِنْدَ رَمْي) نحو سهم (أو) عند (إِرْسَال) جَارحَه كما تعتبر في ذكاة، وتجزئ بغير العربية ولو ممن يحسنها، صحّحه في "الإنصاف"(1)، (ولا تَسْقُطُ) التسمية في الصيد (بحالٍ) بخلاف الذكاة فتسقط سهوًا كما تقدم.
ولا يضر تقدم يسير عرفًا للتسمية على الإرسال أو الرمي، وكذا لا يضر تأخيرٌ يَسيرٌ للتسمية في جارح إذا زجره فانزجر إقامة ذلك مقام ابتداء إرساله.
ولو سمى على صيد فأصاب غيره حل لا إن سمى على سهم ثم ألقاه ورمى بغيره، أو سمى على شاة وذبح غيرها بتلك التسمية لم تحل، سواء أرسل الأولى أو ذبحها؛ لأنه لم يقصد الثانية بتلك التسمية، (وسُنَّ تَكْبِيرٌ معها) أي التسمية كما يسن مع الذكاة.
(1) 27/ 418.
(ومَنْ أَعتَقَ صَيْدًا) أو أرسله ولم يقل: أعتقته، (أَوْ أَرْسَلَ بَعِيْرًا أو غَيْرَهُ) من بهيمة الأنعام (لم يَزُلْ مُلْكُهُ عنه) ذكره ابن حزم إجماعًا (1) وكَانْفِلَاتِهِ منه، قال ابن عقيل: ولا يجوز أعتقتك في حيوان مأكول؛ لأنه فعل الجاهلية. انتهى (2)، فلا يملكه آخذه بإعراضه عنه، بخلاف نحو كسرة أعرض عنها فإنه يملكها آخذها؛ لأنه مما لا تتبعه الهمة وعادة الناس الإعراض عن مثلها.
(1) المحلى 7/ 467.
(2)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 336، والإنصاف 27/ 415، وشرح منتهى الإرادات 3/ 418.