الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فإن عدمت النية والسبب رجع إلى التعيين؛ لأنه أبلغ من دلالة الاسم على مسماه لنفيه الإبهام بالكلية، فمن حلف لا يدخل دار فلانٍ هذه فدخلها وقد باعها أو هي فضاء أو مسجد أو حمام، أو حلف لا لبست هذا القميص فلبسه وهو رداء أو وهو عمامة حنث.
أو حلف لا كلمت هذا الصبي فصار شيخًا، أو حلف لا كلمت امرأة فلانٍ هذه أو عبده أو صديقه هذا فزال ذلك ثم كلمهم حنث.
أو حلف لا أكلت هذا الرطب فصار تمرًا ودبسًا أو خلا، أو حلف لا أكلت هذا اللبن فصار جبنًا أو أقطًا ثم أكله ولا نية ولا سبب يخص الحالة الأولى حنث.
فإن عدم ما تقدم من النية والسبب والتعيين رجع في اليمين إلى ما يتناوله الاسم؛ لأنه مقتضاه ولا صارف عنه.
ويقدم عند الإطلاق إذا اختلفت الأسماء شرعي فعرفي فلغوي كما تقدم (1)، ثم الاسم الشرعي ما له موضوع شرعًا وموضوع لغةً، كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، فاليمين المطلقة على فعل شيءٍ من ذلك أو على تركه تنصرف إلى الموضوع الشرعي؛ لأنه المتبادر للفهم عند الإطلاق، ولذلك حمل عليه كلام الشارع حيث
(1) ص 890.
لا صارف، ويتناول الصحيح منه بخلاف الفاسد؛ لأنه ممنوع منه شرعًا، فمن حلف لا ينكح أو لا يبيع أو يشتري -والشَّرِكةُ (1) والتَّوْلِيَةُ (2) والسَّلَمُ (3) والصُّلْحُ على مالٍ (4) شراءٌ- فعقد عقدًا فاسدًا (5) لم يحنث؛ لأن الاسم لا يتناول الفاسد، إلا إن حلف لا يحج فحج حجًّا فاسدًا فيحنث وكذا العمرة، بخلاف سائر العبادات.
ولو قيد يمينه بممتنع الصحة كمن حلف لا يبيع الخمر ونحو ذلك حنث بصورة ذلك لتعذر الصحيح، ومن حلف لا يحج أو لا يعتمر حنث بإحرام به أو بها، ولا يصوم حنث بشروع صحيح بالصوم لأنه يسمى صائمًا بالشروع فيه ولو نفلًا بنيته من النهار حيث لم يأتِ بِمُنَافٍ، ومن حلف لا يصلي حنث بالتكبير للإحرام ولو على جنازة لدخولها في عموم الصلاة بخلاف الطواف، وإن حلف أن لا يبيع فلانًا أو لا يؤجره أو لا يزوجه لم يحنث حتى يقبل.
(1) هي: بيع بعضه بقسطه من الثمن، مثاله: إذا اشترى شيئًا فقال له رجل: أشركني في نصفه بنصف الثمن فقال له: أشركتك صحَّ وصار مشتركًا بينهما. ينظر: المقنع والشرح الكبير والإنصاف 11/ 434.
(2)
هي: البيع برأس المال. ينظر: المقنع والشرح الكبير 11/ 434.
(3)
هو: عقدٌ على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد. ينظر: المطلع ص 245، والتنقيح ص 138.
(4)
هو: معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المختلفين. المطلع ص 250، والتنقيح ص 147.
(5)
من نكاحٍ أو بيعٍ أو شراءٍ.
ومن حلف أن لا يهب زيدًا شيئًا فأهدى إليه، أو باعه وحاباه، أو وقف عليه، أو تصدق عليه صدقة تطوع حنث؛ لأن ذلك كله من أنواع الهبة، ولا يحنث إن كانت الصدقة واجبة كالزكاة، أو كانت من نَذرٍ أو كفارةٍ أو ضَيَّفَهُ القدر الواجب فلا حنث؛ لأن ذلك من حق اللَّه تعالى فلا يسمى هبة، أو أبرأه من دين له عليه فلم يحنث لأن الهبة تمليك وليس له إلا دين في ذمته، أو أعاره أو أوصى له فلا حنث، أو حلف أن لا يتصدق عليه فوهبه فلا حنث؛ لأن الصَّدَقةَ نَوعٌ خَاصٌ من الهبة، ولا يحنث حالف على نوع بفعل نوع آخر، ولذلك لم يلزم من تحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الهبة والهدية، أو حلف لا يتصدق فأطعم عياله؛ لأنه لا يسمى صدقة عرفًا، وإطلاق الصدقة عليه في الخبر باعتبار ترتب الثواب عليه كالصدقة، وإن نذر أن يهب فلانًا شيئًا بر بالإيجاب سواء قبل الموهوب له أو لا.
والاسم العرفي: ما اشتهر مجازه حتى غلب على حقيقته كما تقدم تمثيله، فمن حلف لا يأكل عيشًا حنث بأكل خبزٍ؛ لأنه المعروف فيه، والعيش لغة: الحياة.
ومن حلف لا يطأ امرأته حنث مجماعها لانصراف اللفظ إليه عرفًا، ومن حلف لا يتسرَّى حنث بوطء أمته مطلقًا؛ لأن التَّسرِّي مأخوذٌ من السِّرِّ وهو الوطء، قال تعالى:{وَلَكِنْ [لا] (1) تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (2) وقال الشاعر (3):
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
(2)
سورة البقرة من الآية (235).
(3)
هو امرؤ القيس، والبيت في ديوانه ص 28.
أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْم أنِّنِيْ
…
كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنُ السِّرَّ أمْثَالِيْ
ولا يعتبر الإنزال كسائر أحكام الوطء.
ومن حلف لا يطأ ولا يضع قدمه في دار حنث بدخولها راكبًا وماشيًا ومنتعلًا وحافيًا؛ لأن ظاهر الحال أن القصد امتناعه من دخولها.
ومن حلف لا يركب حنث بركوب سفينة لقولى تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} (1) أو لا، يدخل بيتًا حنث بدخول مسجد لقوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} (2){فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} (3) ويدخول حمام لحديث: "بئس البيت الحمام"(4)، وبدخول بيت شعر وبيت أدَمٍ وخيمة لقوله تعالى: {وُجَعَل
(1) سورة هود من الآية (41).
(2)
سورة آل عمران من الآية (96).
(3)
سورة النور من الآية (36).
(4)
من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 339، وقال:"هذا حديث لا يصح" ا. هـ.
وأخرج الطبراني في الكيير 11/ 25 برقم (10926) من طريق يحيى بن عثمان التيمي عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شرُّ البيت الحمام يعلو فيه الأصوات ويكشف فيه العورات. . .) الحديث. وفي سنده يحيى بن عثمان التيمي وهو ضعيف كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص 594.
لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا. . .} الآية (1) لا بدخول صُفة دارٍ ودِهْلِيْزِهَا (2)؛ لأنه لا يسمى بيتًا.
وإن حلف لا يضرب فلانًا فخنقه أو نتف شعره أو عضه حنث لوجود المقصود بالضرب وهو التألم.
وإن حلف لا يَشُمُّ الريحان فَشَمَّ وردًا وَياسَمِيْنًا (3) أو بَنَفْسَجًا (4) ولو يابسا حنث.
= وأخرج الحاكم في المستدرك 4/ 288 بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا "اتقو بيتًا يقال له الحمام" قالوا يا رسول اللَّه! إنه يذهب الدرن وينفع المريض، قال "فمن دخله فليستتر". قال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(1)
سورة النحل من الآية (80).
(2)
الدِّهْلِيْزُ: الدِّلِّيْجُ، وهو ما بين الباب والدار، فارسي معرب، والجمع دَهالِيْز.
ينظر: لسان العرب 5/ 349، والقاموس المحيط 2/ 176.
(3)
اليَاسْمِيْنُ: فارسي معرب، وهو المشموم المعروف، نوع من الزهور وفبه الأبيض والأصفر، نافع للصداع البَلْغَمي والزكام.
ينظر: لسان العرب 12/ 646، والمطلع ص 391، والقاموس المحيط 4/ 193.
(4)
البَنَفْسَجُ: فارسي معرب، شجر طيب الريح، طبعه الرطوبة، زهره أحمر، وهو نافع للسعال والصداع.
ينظر: المعرّب ص 204 - 205، والنظم المستعذب 2/ 204، والقاموس المحيط 1/ 179 - 180، وتاج العروس 2/ 10.
والاسم اللغوي: ما يغلب مجازه على حقيقته، فمن حلف أن لا يأكل لحمًا حنث بأكل لم سمك وأكل لم محرم كغير مأكول لدخوله في مسمى اللحم، ولا يحنث برق لم؛ لأنه ليس بلحم، ولا بأكل منع وكبد وكلية وشحم وكرش ومصران وطحال وقلب ودماغ وأكارع ولحم رأس ولسان؛ لأن مطلق اللحم لا يتناول شيئًا من ذلك، وهذا مع الإطلاق، فإن كان نية أو سبب فكما تقدم.
وإن حَلَفَ لا يأكل لبنًا فأكله ولو من صيد أو آدمية حنث؛ لأن الاسم يتناوله حقيقة وعرفًا، ولا يحنث إن أكل زبدًا أو سمنًا أو كَشْكًا (1) أو أقطًا ونحوه مما يعمل من اللبن ويختص بالاسم؛ لأنه لا يدخل في مسمى اللَّبن.
ومن حلف لا يأكل رأسًا ولا بيضًا حنث بأكل رأس طير وسمك وجراد وبيض ذلك لدخوله في مسمى الرأس والبيض.
وإن حلف لا يأكل من هذه البقرة فلا يعم ولدًا ولا لبنًا؛ لأنهما ليسا من أجزائها، كان حلف لا يأكل فاكهةً حنث بأكل بطيخ؛ لأنه ينضج ويحلو ويتفكه به، وسواء الأصفر وغيره.
وإن حلف لا يأكل رطبًا أو بسرًا فأكل مذنبا حنث؛ لأن فيه رطبًا وبسرًا لا إن أكل تمرًا، أو حلف لا يأكل رطبًا أو بسرًا فأكل الآخر [لم يحنث](2) لأنه لم يأتِ
(1) الكَشْكُ هو: الذي يُعمل من القمح واللبن.
ينظر: لسان العرب 10/ 481، والقاموس المحيط 3/ 317، والمطلع ص 389.
(2)
ما بين المعقوفين ليست في الأصل.
بالمحلوف عليه، أو، يأكل تمرًا فأكل رطبًا أو بسرًا أو دبسًا أو نَاطِفًا (1) لم يحنث؛ لأنه لم يأكل تمرًا.
وإن حلف [لا](2) يأكل أدمًا حنث بأكل بيضٍ وشوي وجبنٍ وملحٍ وتمرٍ، لحديث يوسف بن عبد اللَّه بمن سلام (3) قال:"رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وضع تمرة على كسرة وقال: هذا أدم" رواه أبو داود (4)، وعنه عليه
(1) النَّاطف: نوعٌ من الحلوى، ويسمَّى أيضًا: القُبَّيطُ.
ينظر: لسان العرب 9/ 336، والمطلع ص 341.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادت 3/ 439.
(3)
يوسف بن عبد اللَّه بن سلام: بن الحارث الإسرائيلي، وُلد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فسمَّاه يوسف وأجلسه في حجره، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.
ينظر: أسد الغابة 5/ 529، وسير أعلام النبلاء 3/ 509 - 510، والإصابة 543 - 544.
(4)
في باب الرجل يحلف أن لا يتأدم، كتاب الأيمان والنذور برقم (3259) سنن أبي داود 3/ 225، وكذا أبو يعلى في مسنده 13/ 481 - 482 برقم (7494) كلاهما من طريق يحيى بن العلاء المديني وهو الذي يقال له الرازي، عن محمد بن يحيى الأسلمي، عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه، قال:(رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير، ثم أخذ تمرة فوضعها عليها، ثم قال: هذه إدام هذه). وفي إسناده يحيى بن العلاء الرازي متهم بالوضع. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 397، وأورد الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 40 وقال: بها رواه أبو يعلى، وفيه يحيى بن العلاء وهو ضعيف". ا. هـ.
السلام: "سيد الإدام اللَّحم"(1)، وقال:"سيد إدامكم اللحم" رواه ابن ماجة (2)، وكذا زيتون ولبن وخل وعسل وزيت وسمن لحديث:"ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، فإنه من شجرةٍ مباركةٍ" رواه ابن ماجة (3)، وعنه عليه السلام:"نعم الإدام الخل"(4)، والباقي في معناه.
(1) من حديث بريدة رضي الله عنه: أخرجه البيهقي، باب في المطاعم والشارب، برقم (5904) شعب الإيمان 5/ 92، والطبراني في الأوسط 8/ 232، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 35 وقال:"رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعيد بن عتبة القطان لم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر". ا. هـ.
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما بلفظ:"سيد إدامكم الملح" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه ابن ماجة، باب الملح، كتاب الأطعمة برقم (3315) سنن ابن ماجة 2/ 1102، وفي إسناده عيسى بن أبي عيسى الخياط؛ قال الحافظ ابن حجر:"متروك". ينظر: تقريب التهذيب ص 440.
(3)
من حديث عمر رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه ابن ماجة، باب الزيت، كتاب الأطعمة برقم (3319) سنن ابن ماجة 2/ 1103، والترمذي، باب ما جاء في أكل الزيت، كتاب الأطعمة برقم (1851) الجامع الصحيح 4/ 251، والحاكم، كتاب الأطعمة، المستدرك 4/ 122، والحديث قال عنه الترمذي:"لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث" ا. هـ، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصحّحه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير 4/ 167.
(4)
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه: أخرجه مسلم، باب فضيلة الخل والتأدم به، كتاب الأشربة برقم (2052) صحيح مسلم 3/ 1621 - 1622، وأبو داود، باب في الخل، كتاب الأطعمة برقم (3820) سنن أبي داود 3/ 359 - 360، والترمذي، باب ما جاء في الخل، كتاب =
وإن حلف لا آكل قوتًا حنث بأكل خبز وتمر وزبيب وتين يابس ولحم ولبن وكل ما تبقى معه البنية؛ لأنَّ كُلًّا من هذا يُقتات في بعض البلاد.
وإن حلف لا يأكل طعامًا حنث باستعمال كل ما يُؤْكَلُ ويشرب من قوت وأدم وحلوى أو فاكهة وجامد ومائع.
ومن أكل ما حلف لا يأكله مُستَهلكًا في غيره كسمن حلف لا يأكله فأكله في خَبيْصٍ (1)، أو حلف لا يأكلُ بَيضًا فأكل ناطفًا، أو لا يأكل شعيرًا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث؛ لأن ما أكله لا يسمى سمنًا ولا بيضًا، والحنطة فيها شعير لا تسمى شعيرًا إلا إذا ظهر طعم شيء من محلوف عليه كظهور طعم السمن في الخبيص والبيض في الناطف والشعير في الحنطة فيحنث.
ومن حلف لا يلبس شيئًا فلبس ثوبًا أو درعًا أو جَوْشَنًا (2) أو
= الأطعمة برقم (1839) الجامع الصحيح 4/ 245، وابن ماجة، باب الائتدام بالخل، كتاب الأطعمة برقم (3317) سنن ابن ماجة 2/ 1102.
(1)
الخَبِيْصُ: من الخَبْصِ، وهو الخَلْطُ، يقال: خَبَصَ الشيء أي خَلَطَه، والخبيصُ: فعيلٌ بمعنى مفعول، وهو الحلوى المخبوصة من التَّمر والسَّمن، وخبَّص الحلوى يَخْبصها خَبْصًا وخبَّصَها: خلطها وعملها.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 241، ولسان العرب 7/ 21، والقاموس المحيط 2/ 300.
(2)
الجَوْشَنُ: الدِّرْعُ من الحديد، يُلبس في الصَّدر والحَيْزُوم -أي وسط الصدر.
ينظر: المطلع ص 390، ولسان العرب 13/ 88، والقاموس المحيط 4/ 209.
قَلَنْسُوَةً (1) أو عمامةً أو خُفًّا أو نعلا حنث؛ لأنه ملبوس حقيقةً وعُرفًا كالثياب، ومن حلف لا يلبس ثوبًا حنث كيف لبسه وإن تعمم به.
وإن حلف لا كلمت زيدًا فكاتبه أو راسله حنث لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (2) وحديث: "ما بين دفتي المصحف كلام اللَّه"(3) ما لم ينو مشافهته بالكلام فلا يحنث بالمكاتبة ولا المراسلة لعدم المشافهة فيهما إلا إذا ارْتُجَّ عليه في صلاة ففتح عليه فلا يحنث لأنه كلام اللَّه.
وإن حلف ليشربن هذا الماء أو ليضربن غلامه وأمكنه فعل محلوف عليه بأن مضى بعد يمينه ما يتسع لفعله فتلف المحلوف عليه بأن أريْقَ الماء أو مات الغلام قبل الشرب أو الضرب حنث حال تلفه؛ لأنه لم يفعل ما حلف على فعله في وقته بلا إكراهٍ ولا نسيانٍ لليأس من فعله بتلفه.
وإن حلف لَيَقْضِيَنَّهُ حقه غدًا فأبرأه رب الحق اليوم لم يحنث؛ لأنه منعه بإبرائه من قضائه أشبه المكره أو أخذ رب الحق منه عوضًا لحصول الإيفاء به، أو منع الحالف
(1) القَلَنْسُوَةُ: جمع قَلَانس، وهي من ملابس الرؤوس معروف.
المطلع ص 22، ولسان العرب 6/ 181، والقاموس المحيط 2/ 242.
(2)
سورة الشورى من الآية (51).
(3)
سبق تخريجه ص 876.
منه كرهًا على عدم القضاء فلا حنث، أو مات رب الحق فقضاه لورثته لم يحنث لقيام وارثه مقامه.