الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ القَضَاءِ)
لغة: إحكام الشيء والفراغ منه، ومنه قوله سبحانه وتعالى:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (1)، وبمعنى أوجب، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)، وبمعنى إمضاء الحكم، ومنه قوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} (3) أي أمضينا وأنهينا، وسمي الحاكم قاضيًا؛ لأنه يمضي الأحكام ويحكمها، أو لإيجابه الحكم على من يجب عليه (4).
(1) سورة فصلت من الآية (12)، وينظر: جامع البيان للطبري 24/ 99، وفتح القدير للشوكاني 4/ 508.
(2)
سورة الإسراء من الآية (23)، وينظر: تفسير القرآن العظيم 3/ 34، وفتح القدير للشوكاني 3/ 218.
(3)
سورة الإسراء من الآية (4)، وينظر: جامع البيان للطبري 15/ 20، وفتح القدير 3/ 209.
(4)
ينظر: كتاب الزاهر ص 276، ومعجم مقاييس اللغة 5/ 99، ولسان العرب 15/ 186، 187، والمطلع ص 393.
واصطلاحًا: تَبْيِّينُ الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الحكومات (1)، والأصل فيه قوله تعالى:{يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (2) وقوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر" متفق عليه (4)، والفتيا تبيين الحكم الشرعي للسائل، وعنه كان السلف الصالح يهابون الفتيا كثيرًا ويشددون فيها ويتدافعونها حتى ترجع إلى الأول لما فيها من المخاطرة، وأنكر أحمد وغيره من الأعيان على من يهجم على الجواب وقال: لا ينبغي أن يجيب على كل ما يستفتى فيه، وقال: إذا هاب
(1) ينظر: التنقيح ص 297، والإقناع 4/ 363، وغاية المنتهى 3/ 407، والروض المربع 2/ 365، وشرح منتهى الإرادات 3/ 459.
(2)
سورة ص من الآية (26).
(3)
سورة النساء من الآية (65).
(4)
من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه البخاري، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم (7352) صحيح البخاري 9/ 87، ومسلم، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فاصاب أو أخطأ، كتاب الأقضية برقم (1716) صحيح مسلم 3/ 1342، وكلاهما بلفظ:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجرٌ".
الرجل شيئًا لا ينبغي أن يحمل على أن يقوله (1).
وينبغي للمستفتي حفظ الأدب مع المفتي ويجلّه ويعظمه ولا يفعدما جرت عادة العوام به كإيمائه بيده على وجهه، ولا يقول له: ما مذهب إمامك في كذا، أو ما تحفظ في كذا، أو أفتاني فلانٌ غيرك بكذا، ولا يسأله عند هَمٍّ أو ضجرٍ أو قيامٍ ونحوه، ولا يطالبه بالحجة، ولا يلزم المفتي جواب ما لم يقع، روى أحمد عن ابن عمر:"لا تسألوا عمَّا لم يكن فإن عمر نهى عن ذلك"(2)، وله أيضًا عن ابن عباس قال عن الصحابة:"ما كانوا يسألون إلَّا عمَّا ينفعهم"(3)، واحتج الشافعي على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله تعالى:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (4)، وكان عليه
(1) كتاب الفروع 6/ 428 - 429، والإنصاف 28/ 313، والإقناع 4/ 370، 371، وغاية المنتهى 3/ 399، وشرح منتهى الإرادات 3/ 457.
(2)
لم أقف عليه في المسند، وأخرجه الدارمي في المقدمة برقم (121) سنن الدارمي 1/ 62، وأرده أبو خيثمة في كتاب العلم ص 34، والحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/ 266.
(3)
رواه الطبراني في المعجم الكبير 11/ 454، وقال الهيثمي:"فيه عطاء بن السائب وهو ثقة لكنه اختلط، وبقية رجاله ثقات". ا. هـ. مجمع الزوائد 1/ 158.
(4)
سورة المائدة من الآية (101)، وينظر: أحكام القرآن، للشافعي 1/ 41.
السَّلام: "ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال"(1) وفي لفظ: "إن اللَّه كره لكم ذلك" متفق عليه (2).
ولا يلزم جواب ما لم يحتمله سائل قال البخاري: قال علي: "حدّثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب اللَّه ورسوله"(3)، وفي مقدمة مسلم عن ابن مسعود:"ما أنت بمحدِّثٍ قومًا حَديثًا لا تبلغه عُقُولهمْ إلَّا كان فتنة لبعضهم"(4) ولا يلزم جواب ما لا نفع فيه لقول ابن عباس لعكرمة: "من سألك عمَّا لا يعنيه فلا تُفته"(5)، وسأل مُهَنَّا أحمد عن مسألة فغضب وقال: خذ ويحك فيما تنتفع به وإياك وهذه المسائل المحدثة وخذ فيما فيه حديث (6).
(1) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه البخاري، باب ما يكره من قيل وقال، كتاب الرقاق برقم (6473) صحيح البخاري 8/ 84، ومسلم، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجةٍ. . .، كتاب الأقضية برقم (593) صحيح مسلم 3/ 1341.
(2)
أخرجه البخاري، باب قول اللَّه تعالى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} كتاب الزكاة برقم (1477) صحيح البخاري 2/ 105، ومسلم، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة. . .، كتاب الأقضية برقم (593) صحيح مسلم 3/ 1341.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 31 برقم (127).
(4)
أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 11.
(5)
لم أقف عليه مسندًا، وأورده ابن القيم في أعلام الموقعين 2/ 187، وابن مفلح في الآداب الشرعية 2/ 72.
(6)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 429، وشرح منتهى الإرادات 3/ 457.
ويحرم تساهل مفتٍ في الإفتاء لئلا يقول على اللَّه ما لا علم له به، ويحرم تقليد معروف به، ويقلد المجتهد العدل ولو ميتا لبقاء قوله في الإجماع، وكالحاكم والشاهد لا يبطل حكمه ولا شهادته بموته، قال الشافعي:"المذاهب لا تموت بموت أربابها"(1). ويفتي مجتهد فاسق نفسه فقط؛ لأنه ليس بأمين على ما يقول، وفي "أعلام الموقعين" (2): الصواب جواز استفتاء الفاسق إلا أن يكون معلنًا بفسقه داعيا إلى بدعته.
ويجوز أن يقلد عامي من ظنه عالما ولو عبدا أو أنثى أو أخرس بإشارةٍ مفهومةٍ، وكذا من رآه منتصبا للإفتاء أو التدريس معظمًا؛ لأنه دليل علمه لا إن جهل عدالته فلا يجوز أن يقلده لاحتمال فسقه، ولمفتٍ رد الفتيا إن خاف غائلتها أو كان بالبلد عالم قائم مقامه لفعل السلف ولعدم تعين الإفتاء وإلا لم يجز له رد الفتيا لتعينها، كما لا يجوز قول حاكم لمن ارتفع إليه في حكومة: امْضِ إلى غيري ولو كان في البلد من يقوم مقامه؛ لأن تدافع الحكومات يؤدي إلى ضياع الحقوق.
(1) ينظر: فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1/ 87، والمجموع شرح المهذب 1/ 95.
(2)
4/ 220.
"أعلام الموقعين عن رب العالمين" الكتاب من تأليف الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد ابن القيم المتوفى سنة 751 هـ، اشتمل على موضوعات عدة منها: المفتون في القرون الأولى، وآداب المفتي، وما لا يسع جهله، وفوائد تتعلق بالفتوى، وفتاوى إمام المفتين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مواضيع عدة، ويقع الكتاب في أربعة أجزاء، وقد راجع نصوصه وعلق عليها بعض التعليقات طه عبد الرؤوف، نشر دار الجيل سنة 1973 م.
ويحرم على مفتٍ إطلاق الفتيا في اسم مشترك، قال ابن عقيل: إجماعًا (1)، فمن سئل: أيأكل أو يشرب برمضان بعد الفجر؟ لا بد أن يقول: الفجر الأول أو الفجر الثاني، ومثله ما امتحن به أبو يوسف فيمن دفع ثوبًا إلى قَصَّار فقصره وجحده هل له أجرة إن عاد وسلمه لربه؟ فقال: إن كان قصره قبل جحود فله الأجرة، وإن كان بعد جحوده فلا أجرة له؛ لأنه قصره لنفسه (2)، ومثله من سئل عن بيع رطل تمر برطل تمر هل يصح؟ وجوابه: إن تساويا كيلًا يصح وإلا فلا، لكن لا يلزم التنبيه على احتمال بعيد.
ويكره أن يكون السؤال بخط المفتي لإملائه وتهذيبه، وللمفتي تخيير من استفتاه بين قوله وبين مخالفه، ولا يجوز لمن انتسب لمذهب إمام أن يتخير في مسألة ذات قولين لإمامه أو وجهين لأحد أصحابه فيفتي أو يحكم بحسب اختياره منهما، بل عليه أن ينظر أيهما أقرب من الأدلة أو قواعد مذهبه فيعمل به، ومن لا يجد إلا مفتيا لزمه الأخذ بقوله كما لو حكم به عليه حاكم، قال ابن الصَّلاح (3): "ولا يتوقف ذلك على التزامه ولا سكون
(1) ينظر: كتاب الفروع 6/ 435، والإنصاف 28/ 319، والإقناع 4/ 375، وشرح منتهى الإرادات 3/ 458.
(2)
ينظر: البحر الرائق 7/ 8، وأعلام الموقعين 4/ 188، وكشاف القناع 6/ 304، 305.
(3)
ابن الصلاح: الإمام، الحافظ، تقي الدين، أبو عمرو، عثمان ابن المفتي صلاح الدين عيد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي، الموصلي، الشافعي، المحدث، الفقيه، ولد سنة =
نفسه إلى صحته" (1).
ويجوز تقليد مفضول من المجتهدين مع وجود أفضل منه لعموم قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) وقوله عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"(3) وفيهم الأفضل من غيره، وكان المفضول [من الصحابة](4) والسلف يفتي يوجود الأفضل بلا
= 577 هـ، تفقّه عليه خلق كثير، له مصنفات كثيرة منها:"علوم الحديث" و"أدب المفتي" و"الفتاوى"، توفي سنة 643 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء 23/ 140 - 144، وطبقات الشافعية الكبرى 8/ 326 - 336، وطبقات الحفاظ ص 503.
(1)
ينظر: فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1/ 90.
(2)
سورة النحل من الآية (43).
(3)
أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 925، من طريق سلام بن سليمان، حدثنا الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه به مرفوعًا. قال ابن عبد البر:"وهذا إسناد لا تقوم به حجة، لأن الحارث بن غصين مجهول". وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب ص 250 - 251 برقم (783)، وابن عدي في الكامل 2/ 785 - 786، كلاهما من طريق أبي شهاب عن حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"مثل أصحابي مثل النجوم يهتدى بها فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم". قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 190: "وحمزة ضعيف جدًا". وأورده ابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 924 معلقًا عن أبي شهاب به. وقال: "هذا إسناد لا يصح ولا يرويه عن نافع من يحتج به".
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 458.
نكيرٍ، خصوصًا والعامي يقصر عن الترجيح، ولا يجوز التقليد في معرفة اللَّه تعالى والتوحيد والرسالة لأمره تعالى بالتدبر والتفكر والنظر وقد ذم اللَّه تعالى التقليد بقوله:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ. .} الآية (1) وهي فيما يطلب للعلم فلا يلزم [في](2) الفروع.
وأجمع المسلمون على نصب القضاة للفصل بين الناس (3)، (وهو) أي القضاء (فَرْضُ كِفايةٍ)؛ لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه (كالإمامةِ) والجهادِ، وفيه فضل عظيم لمن قوي عليه وأدى الحق فيه، والواجب اتخاذها دِيْنًا وقُرْبةً فإنها من أفضل القُرب، وإنما فسد حال بعضهم بطلب الرياسة والمال بها، ومن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجز عنه.
(فـ) يجب أن (يَنْصِب الإمامُ بكلِّ إقليمٍ) بكسر الهمزة أحد الأقاليم السبعة (4)(قاضيًا)؛ لأنه لا يمكن الإمام تولي الخصومات والنظر فيها في جميع
(1) سورة الزخرف من الآية (22).
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 458.
(3)
ينظر: المبسوط 16/ 59 - 60، وبدائع الصنائع 7/ 2، وعقد الجواهر الثمينة 3/ 95 - 96، والذخيرة 10/ 6 - 8، وحاشية الدسوقي 4/ 131، وروضة الطالبين 11/ 92، ومغني المحتاج 4/ 372، والمغني 14/ 5، والمبدع 10/ 3، وكشاف القناع 6/ 286.
(4)
الأقليمُ: واحد أقاليم الأرض السبعة، وأقاليم الأرض: أقسامها، ويزعم أهل الحساب أن الدنيا سبعة أقاليم.
ينظر: لسان العرب 12/ 491، والقاموس المحيط 4/ 167.
البلاد، ولئلا تضيع الحقوق بتوقف فصل الخصومات على السفر للإمام لما فيه من المشقة وكلفة النفقة، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه القضاة للأمصار، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا إلى اليمن (1)، وبعث معاذًا قاضيًا أيضًا (2)، وولى عُمر شُرَيحًا قضاء الكوفة (3)، ووَلَّى كعب بن سور قضاء البصرة (4)، وكتب إلى أبي عبيدة ومعاذٍ يأمرهما بتولية القضاة في الشام (5)، (و) على الإمام أن (يختار) لذلك -أي نصب القضاة- (أفضل مَنْ يجد علمًا ووَرعًا)؛ لأن الإمام ينظر للمسلمين فوجب عليه تحري الأصلح، (ويأمرهُ) -أي الإمام إذا ولاه- (بالتَّقْوَى)؛ لأنها رأس الأمر ومِلَاكُه ووصية اللَّه تعالى لعباده، (و) يأمره بـ (تَحَرِّي العَدل) أي إعطاء الحق لمستحقه بلا
(1) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: أخرجه البخاري، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع، كتاب المغازي برقم (4349) صحيح البخاري 5/ 134، وأبو داود، باب في الإقران، كتاب المناسك برقم (1797) سنن أبي داود 2/ 58.
(2)
من حديث أبي بردة رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه البخاري، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، كتاب المغازي برقم (4341) صحيح البخاري 5/ 132.
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 6/ 9، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 87 من طريق الشعبي. وأعله الألباني بالانقطاع، لأن الشعبي لم يدرك عمر رضي الله عنه. ينظر: الإرواء 8/ 229، 2231.
(4)
أخرجه ابن سعد في الطبفات 7/ 65، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 87 من طريق الشعبي. قال الألباني في الإرواء 8/ 234:"رجاله ثقات، لكنه منقطع بين الشعبي وعمر".
(5)
لم أقف عليه مسندًا. وينظر: إرواء الغليل 8/ 234.
ميلٍ؛ لأنه المقصود من القضاء، أو يأمره أن يستخلف في كل صُقْعٍ -بضم الصاد المهملة وسكون القاف- أي ناحية من عمله (1) أفضل من يجد لهم علمًا وورعًا، لحديث:"من ولي من أموو المسلمين شيئًا، فولى وجلًا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين، فقد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين" وواه الحاكم في صحيحه (2).
ويجب على من يصلح للقضاء إذا طلب له ولم يوجد غيره ممن يوثق به أن يدخل فيه؛ لأن القضاء فرض كفاية، ولا قدرة لغيره على القيام إذن فتعين عليه كغسل الميت، ولئلا تضيع حقوق التاس إن لم يشغله عما (3) هو أهم منه، لحديث:"لا ضرر ولا ضرار"(4)، فإن لم يطلب له أو وجد موثوق به غيره لم يلزمه الدخول
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 299، ولسان العرب 8/ 203، والقاموس المحيط 3/ 50.
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج الحاكم بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من استعمل رجلًا من عصابةٍ وفي تلك العصابة من هو أرضى للَّه منه فقد خان اللَّه وخان رسوله وخان المؤمنين" وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". المستدرك 4/ 92 - 93، وبنحوه أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10/ 118، وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف. كما تقدم ذلك مرارًا.
(3)
في الأصل: هما.
(4)
هذا الحديث رواه ابن عباس، وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. فأما حديث ابن عباس: فأخرجه ابن ماجة، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، كتاب الأحكام برقم (2341) سنن ابن ماجة 2/ 784، وأحمد برقم (2862) المسند 1/ 515.
فيه، ومع وجود غيره ممن يصلح للقضاء الأفضل أن لا يجيب طلبًا للسلامة، ودفعًا للخطر، واتباعًا للسلف في الامتناع منه والتوقي له، لما روى ابن مسعود مرفوعًا:"ما من حاكم يحكم بين الناس إلا حُبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقفه على جهنم، ثم يرفع رأسه إلى اللَّه، فإن قال له: ألْقِهِ ألْقَاهُ في مَهْوَاةٍ (1) أربعين خريفًا" رواه أحمد وابن ماجة (2)، وكره له طلبه مع وجود صالح له لحديث أنس
= وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه ابن ماجة أيضا في الموضع السابق برقم (2340)، والإمام أحمد في المسند 6/ 446 - 447 برقم (2227).
وأما حديث أبي سعيد الخدري فاخرجه الدارقطني في سننه 4/ 228، والحاكم في المستدرك 2/ 57 - 58، وقال:"صحيح الإسناد على شرط مسلم". ووافقه الذهبي. والحديث صحّحه الألباني في الإرواء 3/ 408 - 413 بمجموع طرقه.
في الأصل: "في هوى فهوى" والمثبت من كتب الحديث.
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وبمعناه أخرجه الإمام أحمد برقم (4086) المسند 1/ 710، وابن ماجة، باب التغليظ في الحيف والرشوة، كتاب الأحكام برقم (2311) سنن ابن ماجة 2/ 775، والدارقطني، كتاب في الأقضية والأحكام، سنن الدارقطني 4/ 205، والبيهقي، باب فضل من ابتلي بشيءٍ من الأعمال فقام فيه بالقسط وقضي بالحق، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 89، كلهم من طريق مجالد بن سعيد، عن عامر، عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من حاكم يحكم بين الناس إلا جاء يوم القيامة وملك آخذ بقفاه، ثم يرفع رأسه إلى السماء، فإن قال ألقه ألقاه =
مرفوعًا: "من سأل القضاء وُكِلَ إلى نفسه، ومن جبر عليه نزل ملكٌ يسدده" رواه الخمسة إلا النسائي (1)، وفي الصحيحين عن أبي موسى مرفوعًا: "إنا واللَّه لا
= في مهواة أربعين خريفًا". والحديث في إسناده مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني، أبو عمر الكوفي، ليس بالقوي وقد تغيّر في آخر عمره كلما قاله الحافظ ابن حجر في التقريب ص 520، وقال الشوكاني في نيل الأوطار 8/ 299 - 300: "في إسناده مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعّفه جماعة". ا. هـ، وضعّف الحديث الألباني كما في ضعيف الجامع الصغير وزياداته 5/ 114.
(1)
أخرجه أبو داود، باب في طلب القضاء والتسرع إليه، كتاب الأقضية برقم (3578) سنن أبي داود 3/ 300، والترمذي، باب ما جاء عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في القاضي، كتاب الأحكام برقم (1323) الجامع الصحيح 3/ 613 - 614، وابن ماجة، باب ذكر القضاة، كتاب الأحكام برقم (2309) سنن ابن ماجة 2/ 774، وأحمد برقم (11774) المسند 3/ 566، والحاكم، باب الأمارة أمانة. .، كتاب الأحكام، المستدرك 4/ 92، والبيهقي، باب كراهية طلب الإمارة والقضاء. .، كتاب آداب القاضي، السنن الكبرى 10/ 100، من طريق اسرائيل بن يونس، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن بلال بن أبي موسى عنه به مرفوعًا. والحديث قالا الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
وأخرجه الترمذي -في الموضع السابق- برقم (1324)، والبيهقي -في الموضع السابق- من طريق أبي عوانة، عن عبد الأعلى، عن بلال، عن خيثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء، وُكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل اللَّه عليه ملكًا يسدده". قال الترمذي: "هذا حديث حسنٌ غريبٌ وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى". ا. هـ، وذكر البيهقي كلام الترمذي وسكت عنه، بينما تعقبه ابن القطان كما في الجوهر النقي 10/ 101 بأن خيثمة بن أبي خيثمة قال فيه ابن معين: ليس بشيء، فظهر أن حديث إسرائيل أصح.
نولي هذا العمل أحدًا سأله، ولا أحدًا حريصًا عليه" (1)، ويحرم على من بذل له [مال](2) فيه أخذه وهو من أكل المال بالباطل، ويحرم طلب القضاء وفيه مباشر صالح له.
ويحرم الدخول فيه على من لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه، وتحرم الشفاعة له والإعانة على التولية؛ لأنه إعانة على معصية.
ويصح تعليق ولاية قضاء أو إمارة بشرط نحو قول الإمام: إن مات فلان القاضي أو الأمير ففلان عوضه لحديث: "أميركم زيد فإن قُتل فجعفر، فإن قُتل فعبد اللَّه بن رواحة"(3).
وشرط لصحة ولاية القضاء كونها من إمامٍ أو نائبه فيه؛ لأنها من المصالح العامة كعقد الذمة، ولأن الإمامَ صَاحِب الأمر والنهي فلا يُفْتَاتُ عليه في [ذلك](4)، وأنْ يعرف أنَّ المولَّى صالح للقضاء؛ لأن الجهل بصلاحيته كالعلم بعدمها، فإن لم يعرفه
(1) أخرجه البخاري، باب ما يكره من الحرص على الإمارة، كتاب الأحكام برقم (7149) صحيح البخاري 9/ 53، ومسلم -واللفظ له- باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، كتاب الإمارة برقم (1733) صحيح مسلم 3/ 1456.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبث من شرح منتهى الإرادات 3/ 460.
(3)
من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري، باب غزوة مؤتة من أرض الشام، كتاب المغازي برقم (4261) صحيح البخاري 5/ 118، وأحمد برقم (1753) المسند 1/ 336، من حديث عبد اللَّه بن جعفر.
(4)
ما بين المعقوفين ليست في الأصل.
سأل عنه أهل المعرفة به.
وتعيين (1) ما يوليه الحكم فيه من عمل وبلد، ومشافهته بالولاية أو مكاتبته بها إن كان غائبًا كالوكالة، فيكتب له الإمام عهدًا بما ولاه؛ لأنه عليه السلام:"كتب لعمرو بن حزم حين بعثه لليمن"(2) وكتب عمر إلى أهل الكوفة: "أما بعد .. فإني قد بعثت عمارًا أميرًا، وعبد اللَّه قاضيًا، فاسمعوا وأطيعوا"(3).
وإشهاد (4) عدلين عليها فيكتب العهد ويقرأ على العدلين ويقول المولي: اشْهَدَا على أني قد وليت فلانًا قضاء كذا، وتقدمت إليه بما اشتمل عليه هذا العهد ليمضي إلى ولايته فيقيما له الشهادة هناك، واستفاضة الولاية إذا كانت بلد الأمام خمسة فما دون آكد من الشهادة، ولهذا يثبت بها النسب والموت فلا حاجة معها إلى الشهادة، ولا يشترط عدالة المولّي بكسر اللام لئلَّا يفضي إلى تعذر التولية.
وألفاظ التولية الصريحة سبعة: وَلَّيْتُك
(1) يعني ويشترط.
(2)
أخرجه النسائي، باب ذكر حديث عمرو بن حزم، كتاب القسامة برقم (4853) المجتبى 8/ 57 - 58، والحاكم، كتاب الزكاة، المستدرك 1/ 395، والبيهقي، باب قتل الرجل بالمرأة، كتاب الجنايات، السنن الكبرى 8/ 28. قال الحاكم:"هذا حديث كبير مفسر في هذا الباب يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزهري. . . ".
(3)
أخرجه عبد الرزاق برقم (10128) المصنف 6/ 100، وبرقم (19276) 10/ 333، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 136، وأخرجه بنحوه الحاكم في المستدرك 4/ 388. وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". ا. هـ ووافقه الذهبي.
(4)
يعني ويشترط.
الحكمَ، وقَلَّدْتُكَ، وفَوَّضْتُ، ورَدَدْتُ، وجَعَلْتُ إليكَ الحكمَ، واسْتَخْلَفْتُكَ، واسْتَنَبْتُكَ في الحكم، فإذا وجد أحد هذه الألفاظ السَّبعة وقبل مولى حاضر بالمجلس أو غائب بعد بلوغ الولاية له، أو شرع الغائب في العمل انعقدت لدلالة شروعه في العمل على القبول كالوكالة.
والكناية من ألفاظ التولية نحو: اعتمد عليك، أو عَوَّلْتُ عليك، أو وكلت، أو اسْتنَدْتُ إليك، ولا تنعقد الولاية [بها] (1) إلا بقرينة نحو: فاحكمْ، أو اقضِ فيه، أو فتَوَلَّ ما عولت عليك فيه؛ لأن هذه الألفاظ تحمل الولاية وغيرها كالأخذ برأيه ونحوه فلا تنصرف إلى التولية إلا بقرينةٍ تنفي (2) الاحتمال.
(1) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 461.
(2)
في الأصل: النفي.