الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فيْمَا يَحْصلُ بهِ الإِقْرَارُ ومَا يُغَيِّرهُ
(ومن ادُّعِيَ عَلَيهِ بشيء) كألف أو مائة (فقال: نعم، أوْ) فقال: (بَلَى) فإقرار صحيح لقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (1) قال ابن عباس: "لو قالوا نعم لكفروا"(2)(ونحوهما) كقوله: أجَلْ -بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام- لأنه حرف تصديق كنعم قال الأخفش (3): "إلا أنه أحسن من نعم في التصديق ونعم أحْسَنُ منه في الاستفهام". (4) ويدل على
(1) سورة الأعراف من الآية (172).
(2)
لم أقف عليه مسندًا، وأورده الإسنوي في الكوكب الدري ص 353، والدّمشقي في اللباب في علوم الكتاب 9/ 383، وابن السمين في الدر المصون 5/ 512.
(3)
الأخفش: أبو الحسن، سعيد بن مسعده المجاشعي، البلخي البصري، المعروف بالأخفش الأوسط، وإذا أطلق فالمراد به هذا، لغوي، سكن البصرة، ودخل بغداد وأقام بها مدة، أخذ علم اللغة عن الخليل بن أحمد، وسيبويه، له مصنفات كثيرة منها:"معاني القرآن" و"الاشتقاق" و"الأوسط في النحو"، توفي سنة 215 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء 10/ 206 - 208، ووفيات الأعبان 2/ 380 - 381، وبغية الوعاة 1/ 590 - 591، وإنباء الرواة على أنباه النحاة 2/ 36 - 43، ومقدمة معاني القرآن 1/ 13 - 48.
(4)
ينظر: الصحاح 4/ 1622، والجني الداني في حروف المعاني ص 354، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 18 - 19، وشرح المفصل 8/ 124، ومعجم حروف المعاني ص 191، وموسوعة الحروف في اللغة العربية ص 70.
ذلك قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} (1) وقيل لسلمان (2): علمكم نبيكم كل شيء حتى الخِراءة قال: "أجَلْ"(3) أو ادعي عليه بألف فقال: صَدَقْت. أو قال: أنا أو إني مقر به أو مقر بدعواك أو مقر فقط فقد أقر؛ لأن هذه الألفاظ تدل على تصديق المدعي، (أَوْ) ادعي عليه بألف مثلًا فقال:(اتَّزِنهُ أوْ خُذْ) ـه، أو اقبضها، أو أحرزها، أو قال: هي صحاح أو قال: كأني جاحد لك أو كأني جحدتك حقك (فقد أَقَرَّ)، وكذا إن قال: "أقررت
(1) سورة الأعراف من الآية (44).
(2)
سلمان: الفارسي، أبو عبد اللَّه، ويقال له: سلمان الخير، وسلمان ابن الإسلام، أصله من رامهرمز، وقيل: من أصبهان، سمع أنَّ نبيًا سيُبعثُ، فخرج في طلبه، فأُسر وبيعَ بالمدينة، فاشتغل بالرق حتى كان أول مشاهده الخندق، وهو الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، وشهد المشاهد بعدها وفتوح العراق، ووليَ المدائن، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، كان من المعمرين، توفي سنة 36 هـ.
ينظر؛ أسد الغابة 2/ 417 - 421، وسير أعلام النبلاء 1/ 505 - 557، والإصابة 3/ 118 - 120.
(3)
أخرجه مسلم، باب الاستطابة، كتاب الإيمان برقم (262) صحيح مسلم 1/ 223، وأبو داود، باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، كتاب الطهارة برقم (7) سنن أبي دواد 1/ 3، والترمذي، باب الاستنجاء بالحجارة، كتاب الطهارة برقم (16) الجامع الصحيح 1/ 24، والنسائي، باب النهي عن الاكتفاء وفي الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار، كتاب الطهارة برقم (41) المجتبى 1/ 38 - 39، وابن ماجة، باب الاستنجاء بالحجارة. . .، كتاب الطهارة وسننها برقم (316) سنن ابن ماجة 1/ 115، وأحمد برقم (23191) المسند 9/ 606.
لقوله تعالى: {قَالُوا أَقْرَرْنَا} (1) فكان منهم إقرارًا (لا) إن قال: (خُذْ أو اتَّزِنْ ونحوه) كإحرز أو افتح كمك لاحتمال أن يكون لشيء غير المدعى به، أو قال: أنا أقر؛ لأنه وعد، أو لا أنكر؛ لأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار؛ لأن بينهما قسم آخر وهو السكوت، أو قال: يجوز أن تكون محقا لجواز أن لا يكون محقا، أو قال: عسى أو لعل؛ لأنهما للشك، أو قال: أظن أو أحسب أو أقدر لاستعمالها في الشك.
وقول مدعى عليه: بلى في جواب أليس لي عليك كذا؟ إقرار بلا خلاف؛ لأن نفي النفى إثبات لا قوله: نعيم إلا من عامي فيكون إقرارا، كقوله: عشرة غير درهم -بضم الراء- يلزمه تسعة إذ لا يعرفه إلا الحاذق من أهل العربية، وإن قال: اقضني ديني عليك ألفا أو اشتر أو أعطني أو سلم لي ثوبي هذا أو فرسي هذه أو ألفا من الذي عليك أو هل لي عليك ألف؟ فقال: نعم، أو قال: أبي علميك ألف؟ فقال: نعم فقد أقر؛ لأنها صريحةٌ فيه أو قال: أمهلني يومًا أو حتى أفتح الصندوق فقد أقر؛ لأن طلبه المهلة يقتضي الحق عليه، أو قال: له علي ألف إن شاء اللَّه فقد أقرَّ به نصًّا. (2)
وإن علَّق الإقرار بشرط قدوم كقوله: إن قدم زيد فلعمرو علي كذا، أو إن شاء زيدٌ ذلك عليَّ كَذا، أو إن جاء رأس الشهر فله عليَّ كذا لم يكن مقرًا؛
(1) سورة آل عمران من الآية (81).
(2)
المقنع والشرح الكبير والإنصاف 30/ 210، والكافي 4/ 575، والمحرر 2/ 420، وكتاب الفروع 6/ 619، والمبدع 10/ 321، وغاية المنتهى 3/ 499.
لأنه لم يثبت على نفسه شيئًا في الحال، وإنما علق ثبوته على شرط، والإقرار إخبار سابق فلا يتعلق بشرطٍ مستقبلٍ بل يكون وعدًا لا إقرارًا بخلاف تعليقه على مشيئة اللَّه فإنَّها تذكر في الكلام تبركا وتفويضًا إليه تعالى، كقوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (1) وقد علم اللَّه أنهم سيدخلونه بلا شك، أو قال: إن شهد به زيد فهو صادق أو صدقته لم يكن مقرًا؛ لأنه وعد بتصديقه له في شهادته لا تصديقه، ومتى فسر قوله بأجل أو وصية قبل منه ذلك بيمينه؛ لأنه لا يعلم إلا من جهته، كمن أقر بغير لسانه وقال: لم أرد ما قلت فيقبل منه بيمينه، وقال الشيخ تقي الدين:"إذا أقر عامي بمضمون محضر وادعى عدم العلم بدلالة اللفظ ومثله يجهله فكذلك". (2) قال صلى الله عليه وسلم"الفروع"(3): "وهو متجه".
وإن رجع مقرٌّ بحق آدميٍّ أو زَكاةٍ أو كَفَّارَةٍ لم يقبل لتعلق حق الآدمي المعين وأهل الزَّكاة به، (ولا يَضُرُّ الإنشاءُ فيهِ) أي في الإقرار.
(1) سورة الفتح من الآية (27).
(2)
الاختيارات ص 613.
(3)
6/ 619.