الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) في مَقَادِيْرِ دِيَاتِ النَّفْسِ
(ودِيَةُ الحُرِّ المُسْلِمِ مَائةُ بَعِيْرٍ، أَوْ ألفُ مِثقالٍ ذَهبًا، أو اثنَا عَشَرَ ألفَ دِرهَمٍ) إسلامي (فِضَّة، أَوْ مائتَا (1) بَقَرةٍ، أَوْ ألفًا شاةٍ)، قال القاضي:"لا يختلفُ المذهبُ أنَّ أصول الدِّيَة الإبلُ والذَّهبُ والوَرقُ والبَقَرُ والغَنَمُ". (2) لما روى عطاء (3) عن جابر قال: "فرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائةً، وعلى [أهل] (4) البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة" رواه أبو داود (5)،
(1) في الأصل: مائتان.
(2)
الروايتين والوجهين 2/ 272، والهداية 2/ 93، والمغني 6/ 12، والمبدع 8/ 345، والإنصاف 25/ 367، وكشاف القناع 6/ 18.
(3)
عطاء: بن أبي رباح القرشي، الفهري، عامل عمر بن الخطاب على مكة، كان ثقةً فقيهًا عالمًا، كثير الحديث، وإمامًا من أئمة التابعين، توفي سنة 115 هـ.
ينظر: تهذيب الكمال 20/ 69 - 86، وسير أعلام النبلاء 5/ 78 - 88.
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من كتب الحديث.
(5)
من طريق محمد بن اسحاق ذكر عطاء عن جابر بن عبد اللَّه به، في باب الدية كم هي، كتاب الديات برقم (4544) سنن أبي داود 4/ 184، وعنه البيهقي في باب أعواز الإبل، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 78، وقال:"كذا رواه محمد بن اسحاق بن يسار، ورواية من رواه عن عمر رضي الله عنه أكثر وأشهر". وقال الألباني في الإرواء 7/ 303: "ابن اسحاق مدلس وقد عنعنه، لكن له شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده".
وعن عكرمة (1) عن ابن عباس: "أن رجلا قُتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم"(2)، وفي كتاب عمرو بن حزم:"وعلى أهل الذهب ألف دينار"(3) وهذه الخمسة المذكورة أصول الدية لما سبق، لأن غيرها من الحلل لا تنضبط (فيُخَيَّرُ مَن عَليهِ دِيةٌ بينها) أي أحد هذه الخمسة، ويلزم ولي الجناية قبوله، سواء كان من أهل
(1) عكرمة: أبو عبد اللَّه، البربري، القرشي، المدني، مولى ابن عباس، كان لحصين بن أبي الحر العنبري فوهبه لابن عباس حين جاء واليًا على البصرة لعلي بن أبي طالب، كان عالمًا بالتفسير، توفي سنة 105 هـ.
ينظر: تهذيب الكمال 20/ 264 - 292، وسير أعلام النبلاء 5/ 12 - 36.
(2)
أخرجه أبو داود، باب الدية كم هي، كتاب الديات برقم (4546) سنن أبي داود 4/ 185، والترمذي، باب ما جاء في الدية كم هي من الدراهم، كتاب الديات برقم (1388) الجامع الصحيح 4/ 6 - 7، والنسائي، باب ذكر الدية من الورق، كتاب القسامة برقم (4803) المجتبى 8/ 44، وابن ماجة، باب دية الخطأ، كتاب الديات برقم (2632) سنن ابن ماجة 2/ 879، والدارمي، باب كم الدية من الورق والذهب، كتاب الديات برقم (2363) سنن الدارمي 2/ 252، والدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره، سنن الدارقطني 3/ 130، والبيهقي، باب تقدير البدل. . .، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 78، وضعّفه الألباني في الإرواء 7/ 304.
(3)
جزء من حديث تقدم تخريجه والحكم عليه ص 668، وهذا الجزء أخرجه النسائي، باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، كتاب القسامة برقم (4853) المجتبى 8/ 58، والدارمي، باب كم الدية، كتاب الديات برقم (2364) سنن الدارمي 2/ 253، وابن حبان، باب ذكر كتبة النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب التاريخ برقم (6559) الإحسان 14/ 510، والحاكم، باب زكاة الذهب، كتاب الزكاة، المستدرك 2/ 397، والبيهقي، باب تقدير البدل باثني عشر ألف درهم أو بألف دينار، السنن الكبرى 8/ 79.
ذلك النوع أو لا؛ لإجزاء كل منهما، فالخِيَرَةُ إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة.
(ويَجِبُ في عَمْدٍ وشِبههِ من إبلٍ رُبْعٌ) أي خمس وعشرون (بِنْتُ مَخَاضٍ، وربعٌ بنتُ لَبُوْنٍ، وربعٌ حِقّةٌ ورُبعٌ جَذَعَةٌ) رواه سعيد عن ابن مسعود (1) ورواه الزهري عن السائب بن يزيد (2) مرفوعًا (3)، ولأن الدية حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحمل كالزكاة والأضحية.
(1) وبنحوه أخرجه أبو داود، باب في الخطأ شبه العمد، كتاب الديات برقم (4552) سنن أبي داود 4/ 186، وعبد الرزاق، باب شبه العمد، كتاب العقول برقم (17223) الصنف 9/ 284 - 285، وابن أبي شيبة، باب دية العمد كم هي، كتاب الديات برقم (6806) الكتاب المصنف 9/ 135، والبيهقي، باب صفة الستين التي مع الأربعين، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 69، والحديث ذكره الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص 457 - 458.
(2)
السائب بن يزيد: بن سعيد بن ثمامة، ويقال: عائذ بن الأسور الكندي، أو الأزدي، صحابي جليلٌ، ولد في السنة الثانية من الهجرة، استعمله عمر على سوق الدينة، توفي سنة 82 هـ، وقيل: بعد التسعين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة.
ينظر: أسد الغابة 2/ 321 - 322، الإصابة 3/ 22 - 23.
(3)
ولفظه: "كانت الدية على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرباعًا: خمسًا وعشرين جذعة، وخمسًا وعشرين حقَّةً، وخمسًا وعشرين بنت لبون، وخمسًا وعشرين بنت مخاضٍ". أورده الهيثمي بطوله في باب الديات في الأعضاء وغيرها، كتاب الديات، مجمع الزوائد 6/ 297، وقال:"رواه الطبراني وفيه أبو معشر نجيح، وصالح بن أبي الأخضر وكلاهما ضعيف" ا. هـ.
وتغلظ دية عمد وشبهه في طرف كما تغلظ في نفس لاتفاقهما في السبب الموجب، ولا تغلظ دية في غير إبل لعدم وروده.
(و) تجب الدية (في خَطإٍ أَخْمَاسًا ثَمَانُونَ مِنَ المَذْكُورَةِ) من كلٍّ عشرون (وعِشْرُونَ ابنُ مَخَاضٍ) قال في "الشرح"(1): "لا يختلف فيه المذهب". وهو قول ابن مسعود (2).
(و) تؤخذ دية (مِنْ بَقَرٍ) أنصافًا، (نِصْفٌ مُسِنَّات، ونِصْفٌ أَتْبِعَةٌ، و) تؤخذ دية (مِنْ غَنَمٍ) أنصافًا أيضًا، (نِصْفٌ ثَنَايَا، ونِصْفٌ أَجْذعةٌ)؛ لأن دية الإبل من الأسنان المقدرة في الزكاة فكذا البقر والغنم.
(وتُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ) من عيب في الأنواع؛ لأن الإطلاق يقتضي السلامة، و (لا) تعتبر (القِيْمَةُ)، فلا يعتبر أن تبلغ قيمة الإبل والبقر والغنم دية نقد لعموم حديث:"في النفس المؤمنة مائة من الإبل"(3) وهو مطلق فلا يجوز تقييده إلا بدليل، ولأنها كانت تؤخذ على عهده صلى الله عليه وسلم وقيمتها ثمانية آلاف، وقول عمر: "أن الإبل قد غلت فقَوِّموها على أهل الورق باثني عشر
(1) 25/ 378.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة برقم (6800) الكتاب المصنف 9/ 133، 134، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 74.
(3)
سبق تخريجه، وقوله:"المؤمنة" زيادة عند البيهقي أخرجها عن عمرو بن حزم، باب دية أهل الذمة، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 100، وصحّحه الألباني في الإرواء 7/ 305.
ألف"، (1) دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك.
(ودِيَةُ أُنْثَى) حُرَّة (نِصْفُ دِيَةِ) الـ (رجُل مِنْ أَهْلِ دِيَتِها)(2) حكاه ابن المنذر وابن عبد البر إجماعًا (3)، وفي كتاب عمرو بن حزم:"دية المرأة على النصف من دية الرجل"، (4)، وهو مخصّص للخبر السابق، (وجِرَاحُهَا) أي الأنثى وقطعها (تُسَاوي جِرَاحَهُ) أي الرجل وقطعه (فِيمَا دُونَ ثُلُثِ دِيَتِهِ) لحديث عمرو بن شعصب عن أبيه عن جده مرفوعًا:"عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي (5)، وقال ربيعة (6): "قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع
(1) أخرجه أبو داود برقم (4542) سنن أبي داود 4/ 184، وعنه البيهقي في السنن الكبرى 8/ 77، 80، وحسّنه الألباني في الإرواء 7/ 305 - 306.
(2)
في الأصل: دينها، والمثبت من أخصر المختصرات المطبوع ص 247.
(3)
ينظر: الإجماع ص 147، والإشراف 2/ 139، والتمهيد 17/ 358، والاستذكار 25/ 63.
(4)
قالا الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 24: "هذه الجملة ليست في حديث عمرو بن حزمٍ الطويل، وإنما أخرجها البيهقي من حديث معاذ بن جبل" ا. هـ. وهو كما قال فقد أخرجها البيهقي من طريق عبادة بن نسي عن ابن غنم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه به، باب ما جاء في دية المرأة، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 95 وقال:"وروي ذلك من وجه آخر عن عبادة بن نسي وفيه ضعف" ثم قال: "وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت مثله". اهـ السنن الكبرى 8/ 96، وضعّفه الألباني في الإرواء 7/ 306.
(5)
في باب عقل المرأة، كتاب القسامة برقم (4805) المجتبى 8/ 44 - 45، والدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره، سنن الدارقطني 3/ 91، وضعّف إسناده الألباني في الإرواء 7/ 308 - 309.
(6)
ربيعة: بن أبي عبد الرحمن، القرشي، التيمي، أبو عثمان، ويقال: أبو عبد الرحمن، المدني، المعروف بربيعة الرأي، كان ثقةً كثير الحديث، من أئمة الاجتهاد، توفي بالمدينة سنة 136 هـ.
ينظر: تهذيب الكمال 9/ 123 - 130، وسير أعلام النبلاء 6/ 89 - 96.
المرأة؟ قال: عشر، قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون، قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون، قلت: ففي أربع أصابع؟ قال: عشرون، قلت: لما عظمت مصيبتها قل عقلها، قال: هكذا السنة يا بن أخي" رواه سعيد في سننه (1)، ولأنهما يستويان في الجنين فكذا باقي ما دون الثلث، وأما ما يوجب الثلث فما فوق فهي فيه على النصف من الذكر لقوله في الحديث: "حتى يبلغ الثلث" وحتى للغاية، فيجب أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها.
ودية خُنثى مُشكل نصف دية كل [من](2) الذكر والأنثى، أي ثلاثة أرباع دية ذكر لاحتماله الذكورة والأنوثة احتمالًا واحدًا، وقد أيس من انكشاف حاله فوجب التوسط بينهما، والعمل بكل من الاحتمالين، وكذا جراحه إذا بلغ ثلث الدية فأكثر.
(ودِيَةُ كِتَابِيٍّ) أي يهودي أو نصراني ومن تدين بالتوراة والإنجيل (حُرٍّ) ذمي أو
(1) وأخرجه الإمام مالك برقم (1613) الموطأ 574، وعبد الرزاق برقم (17749) المصنف 9/ 394، وابن أبي شيبة برقم (7554) الكتاب المصنف 9/ 302، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 96، وصحّحه الألباني في الإرواء 3/ 309.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل.
معاهد أو مستامن (نِصْفُ دِيَةِ مُسْلِمٍ) حرٍّ، لحديث عمِرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا:"دية المعاهد نصفُ دية المسلم"(1) وفي لفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين" رواه أحمد (2)، قال الخطّابي (3):"ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، ولا بأس بإسناده". (4)، وكذا جراحه نصف جراح المسلمين.
(و) دية (مَجُوْسِيٍّ) حر ذمي أو معاهد أو مستأمن (و) دية حر (وثَنِيٍّ) أي عابد وثن، ودية غيرهما من المشركين مستأمن أو معاهد بدارنا أو غيرها (ثمَانمائةِ دِرهمٍ) وهو قول عمر، وعثمان، وابن مسعود في
(1) أخرجه أبو داود، باب في دية الذمي، كتاب الديات برقم (4583) سنن أبي داود 4/ 194، والترمذي، باب ما جاء في دية الكفار، كتاب الديات برقم (1413) الجامع الصحيح 4/ 18، والنسائي، باب كم دية الكافر، كتاب القسامة برقم (4806) المجتبى 8/ 45، وابن ماجة، باب دية الكافر، كتاب الديات برقم (2644) سنن ابن ماجة 2/ 883، وأحمد برقم (6653) المسند 2/ 376، والحديث حسّنه الترمذي، وكذا الألباني في الإرواء 7/ 307.
(2)
في المسند برقم (6677، 7052) 2/ 380، 448، والحديث السابق بنحوه.
(3)
الخطابي: حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البُستي، الخطابي، أبو سليمان، الإمام، الفقيه والمحدث، اللغوي، له مصنفات كثيرة منها:"معالم السنن"، و"غريب الحديث"، و"شرح الأسماء الحسنى"، توفي ببُسْتٍ سنة 388 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء 17/ 23، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 282 - 290.
(4)
معالم السنن 4/ 37 - 38.
المجوسي (1)، وألحق به باقي المشركين لأنهم دونه، وأما قوله عليه السلام:"سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب"(2) فالمراد في حقن دمائهم وأخذ الجزية منهم، ولذلك لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم، وجراحه وأطرافه بالنسبة إلى ديته نصًّا (3)، كما أن جراح المسلم بالحساب من ديته، ودية أنثى ممن تقدم ذكره من الكفار كنصف دية ذكرهم، قال في "الشرح" (4):"لا نعلم فيه خلافا".
وتغلظ دية خطأ في كل من حرم مكة وإحرام وشهر حرام ثلث دية نصًّا (5) وهو
(1) قول عمر رضي الله عنه: أخرجه الإمام الشافعي في المسند 2/ 107، وعبد الرزاق برقم (18489) المصنف 10/ 95، وابن أبي شيبة برقم (7504) الكتاب المصنف 9/ 288، والدارقطني في سننه 3/ 130، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 101.
وقول عثمان رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في المسند 2/ 106.
وقول ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/ 101.
(2)
من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه الإمام مالك، باب جزية أهل الكتاب والمجوس، كتاب الزكاة برقم (617) الموطأ ص 171، والشافعي في المسند 2/ 130، وعبد الرزاق، باب أخذ الجزية من المجوس، كتاب أهل الكتات برقم (10025) المصنف 6/ 68 - 69، والبيهقي، باب المجوس أهل الكتاب والجزية تؤخذ منهم، كتاب الجزية، السنن الكبرى 9/ 189 - 190، والحديث ضعّفه الألباني في الإرواء 5/ 88.
(3)
المغني 12/ 53 - 54، وكتاب الفروع 6/ 18، والمبدع 8/ 352، والإنصاف 25/ 399، وشرح منتهى الإرادات 3/ 308.
(4)
25/ 397 - 398.
(5)
الإرشاد ص 447، والهداية 2/ 93، والمغني 12/ 26، والكافي 4/ 76، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 25/ 443، والمحرر 2/ 145، والمبدع 8/ 362، وغاية المنتهى 3/ 276.
من المفردات، لما روى أبو نجيح (1):"أن امرأة وطئت في الطواف، فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظًا للحرم"(2)، وعن ابن عباس:"في رجل قتل في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام ديته اثنا عشر ألف درهم، وللشهر الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف"(3)، وهذا في مظنّة الشهرة ولم ينكر، ومع اجتماع حالات التغليظ كلها يجب ديتان، قال في "الشرح" (4):"وظاهر كلام الخرقي أن الدية لا تغلظ بشيء من [ذلك] (5) ". وهو ظاهر الآية والأخبار، وعلم منه أنه لا تغليظ في القتل عمدًا ولا في قطع طرف، وإن قتل مسلم كافرًا ذميًا أو معاهدًا عمدًا أضعفت ديته على المسلم لإزالة القود، قضى به عثمان، رواه عنه أحمد (6)، فظاهره
(1) أبو نجيح: يسار الثقفي، المكي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، توفي سنة 109 هـ.
ينظر: الجرح والتعديل 9/ 306، وتهذيب الكمال 32/ 298 - 299.
(2)
أخرجه عبد الرزاق برقم (17282) المصنف 9/ 298، وابن أبي شيبة برقم (7659) الكتاب المصنف 9/ 326، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 71، وصحّحه الألباني في الإرواء 7/ 310.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة برقم (7657) الكتاب المصنف 9/ 325، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 71، وضعفه الألباني في الإرواء 7/ 311.
(4)
25/ 447.
(5)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من الشرح الكبير.
(6)
لم أقف عليه في المسند، وقد رواه عبد الرزاق برقم (18492) المصنف 10/ 96، وابن حزم في المحلى 10/ 349، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 33، والأثر قال عنه ابن حزم:"هذا في غاية الصحة عن عثمان". ا. هـ، وصححه الألباني في الإرواء 7/ 312.
الإضعاف في جراحه، وفي "الوجيز" (1):"يضعف". ولم يتعرض له في "الإنصاف"(2).
(ودِيَةُ رَقِيْقٍ) ذكرا أو أنثى أو خنثى صغيرا أو كبيرا ولو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا (قِيْمَتُهُ) عمدًا كسان القتل أو خطأ من حر أو غيره، وسواء ضمن باليد أو الجناية ولو كانت قيمته فوق دية حر لأنه مال متقوم فضمن بكمال قيمته كالفرس، وضمان الحر ليس بضمان مال، ولذلك لم يختلف باختلاف صفاته التي يزيد بها قيمته لو كان رقيقا وإنما يضمن بما قدره الشرع، وضمان الرقيق ضمان مال يزيد بزيادة المالية وينقص بنقصانها.
(وجرحُهُ) أي الرقيق (إِنْ كَانَ مُقَدَّرًا مِنَ الْحُرِّ فَهو مقدَّرٌ منه مَنْسُوبًا إلى قِيمتِهِ)، ففي لسانه قيمته كاملة، وفي يده نصفها، وفي موضحة نصف عشر قيمته سواء نقص بجنايته أقل من ذلك أو أكثر منه، (وإِلَّا) يكن فيه مقدر من الحر كالعُصْعُصِ (3)
(1)"الوجيز" من تأليف الشيخ الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السَّريِّ الدُّجَيْلِيْ البغدادي، الإمام الفقيه، (664 - 732 هـ)، ولما صنف كتابه هذا عرضه على شيخه الرزيراتي، فمما كتب له عليه: ألفيته كتابًا وجيزًا جامعًا لمسائل كثيرة وفوائد غزيرة قل أن يجتمع مثلها في أمثاله، أو يتهيأ لمصنف أن ينسخ على منواله.
ينظر: الذيل 2/ 417 - 418، والمدخل ص 412.
(2)
25/ 451، وينظر: شرح منتهى الإرادات 3/ 309.
(3)
العُصْعُصُ: بضم العينين من عَجْبِ الذنب، وهو: العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز.
ينظر: المطلع ص 368، ولسان العرب 7/ 54، والقاموس المحيط 2/ 308.
وخَرْزَةِ الصُّلْب (1)(فـ) على جان (مَا نَقَصَهُ) بجنايته (بعد بُرْءٍ)؛ لأن الأرش جبر لما فات بالجناية وقد انجبر بذلك فلا يزاد عليه كغيره من الحيوانات، فلو جنى على رأسه أو وجهه دون موضحة ضمن بما نقص ولو أنه أكثر من أرش موضحة كسائر الأموال إذا نقصها، ودية من نصفه حر نصف دية حر ونصف قيمته وكذا جراحه.
(ودِيةُ جَنِيْنٍ) ولو أنثى (حُرٍّ) مسلم، والجنين: الولد في البطن من الإجنان وهو الستر لأنه أجنه بطن أمه أي ستره (2)، قال تعالى:{وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (3)، أو ما تصير به قِنٌّ أمَّ ولد، وهو ما تَبَيَّنَ فيه خلق إنسان ولو خفيا إن ظهر أو ظهر بعضه ميتا، ولو كان ظهوره بعد موت أمه بجنايته عمدا أو خطأ فسقط في الحال أو بقيت متالمة حتى سقط -فإن لم يسقط كأن قتل حاملا ولم يسقط جنبنها فلا شيء فيه- ولو كان إسقاطها بفعلها بشرب دواء أو كانت أمة والجنين حر لغرور أو شرط أو اعتاقه وحده -فتقدر أمه حرة- (غُرَّة) خبر: دية جنين، وتتعدد بتعدده وهي عبد أو أمة، وأصلها الخيار سمي بها العبد والأمة لأنهما من أنفس الأموال.
ووجه وجوب الغرة في الجنين حديث أبي هريرة قال: "اقتتلت امرأتان من هذيلٍ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على
(1) أي فقاره. ينظر: المطلع ص 368.
(2)
ينظر: المطلع ص 138، والقاموس المحيط 4/ 210.
(3)
سورة النجم من الآية (32).
عاقلتها، وورثها ولدها ومن معه" متفق عليه (1).
(مَوْرُوثَةٌ عنهُ) أي الجنين، كأنه سقط حيًا ثم مات لأنها بدله، ولأنها دية آدمي حر فوجب أن تورث عنه كسائر الديات فلا حق فيها لقاتل؛ لأنه لا يرث المقتول ولا لكامل رقّ؛ لأنه مانع للإرث.
(قِيْمَتُهَا عُشْرُ دِيةِ أُمِّهِ) صفة لغرة أي خمس من الإبل روي ذلك عن عمر وزيد (2)؛ لأنه أقل ما قدره الشرع في الجناية وهو أرش الموضحة.
ولا يقبل فيها معيب ولا من له دون سبع سنين؛ لأنه لا يحصل به المقصود من الخدمة، فإن أعوزت الغرة فقيمتها من الدية.
(1) سبق تخريجه ص 627.
(2)
ما روي عن عمر رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة برقم (7335)، الكتاب المصنف 9/ 254، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 116، وأعله بالانقطاع.
ما روي عن زيد رضي الله عنه لم أقف عليه.
(و) في جنين (قِنٍّ) ولو أنثى (عُشرُ قِيْمَتِها) أي أمه كما لو جنى عليها موضحة.
وإن كان الجنين قِنًّا وأمُّهُ حُرةً بأن أعتقها سيدها (و) استثناه فـ (تُقَدَّرُ) أمه الـ (حرة أمةً) كعكسه ويؤخذ عُشر قيمتها يوم جناية عليها نقدًا كسائر أروش الأموال.
ولا يجب مع غرة ضمان نقص أم، وفي جنين محكوم بكفره كجنين ذمية من ذمي لاحق به غرة قيمتها عشر دية أمه قياسًا على جنين الحرة السلمة.
وإن سقط الجنين حيا لوقت يعيش لمثله وهو نصف سنة فصاعدًا ولو لم يستهل ثم مات بسبب جناية ففيه دية كاملة، كما لو كانت الجناية عليه بعد ولادته حيا.
وإن اختلف الجاني ووارث الجنين في خروجه حيا ولا بينة فقول جانٍ بيمينه؛ لأنه منكر لما زاد عن الغرة، والأصل براءته منه، وإن أقاما بينتين بذلك قدمت بينة الأم، وإن ثبتت حياته وقالت لوقت يعيش لمثله وأنكر جانٍ فقولها.
وإن ادعت امرأة على آخر أنه ضربها فألقت جنينها فأنكر الضرب فقوله بيمينه؛ لأن الأصل عدمه، وإن أقر بالضَّرب أو قامت به بينة وأنكر أن تكون أسقطت فقوله بيمينه أنه لا يعلم أنها أسقطت لا على البَتِّ؛ لأنه على فعل الغير.
وإن ثبت الإسقاط والضرب وادعى إسقاطها من غير الضرب فإن كانت أسقطت عقب الضرب فقولها بيمينها إحالة للحكم على ما يصلح أن يكون سببا له، وكذا لو أسقطت بعده بأيام وكانت متألمة إلى الإسقاط وإلا فقوله بيمينه.
وفي جنين دابةٍ ما نقص أمه نصًّا (1)، كقطع بعض أجزائها، قال في "القواعد" (2):"وقياسه جنين الصيد في الحرم والإحرام".
(1) ينظر: المغني 12/ 81، وشرح منتهى الإرادات 3/ 312.
(2)
ص 196.
و"القواعد الفقهية" من تصنيف العلامة، الحافظ، شيخ الحنابلة في وقته، عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي، الدمشقي، المتوفى (سنة 795 هـ)، أجاد فيه وأفاد، دون فيه مائة وستين قاعدة وألحق بها فوائد وهي فرائد مسائل مشتهرة، فيها اختلاف في المذهب ينبي على الاختلاف فيه فوائد متعددة، وهي مطبوعة في مجلد.