الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(وتجب) الدية (كاملة في كل حاسة) أي القوة الحاسة يقال: حس وأحس أي علم وأيقن وبالألف أفصح وبها جاء القرآن (1)، قال الجوهري:"الحواس المشاعر الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس"(2)، لحديث:"وفي السمع الدية"، (3)، ولأن عمر:"قضى في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات والرجل حي" ذكره أحمد (4)، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، ولأن كلا منها يختص بنفع أشبه السمع.
(وكذا) تجب الدية كاملة في (كلام)، وفي بعض الكلام
(1) في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} من الآية (52) سورة آل عمران.
(2)
الصحاح 3/ 917.
(3)
عن معاذ رضي الله عنه: أخرجه البيهقي مرفوعًا، باب السمع، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 85، وضعفه الألباني في الإرواء 7/ 321.
(4)
لم أقف عليه في المسند، وأخرجه عبد الرزاق برقم (18183) المصنف 10/ 11 - 12، وابن أبي شيبة برقم (6943) الكتاب المصنف 9/ 167، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 86، 98، وحسنه الألباني في الإرواء 7/ 322.
بحسابه من الدية، (و) في (عقلي) قال بعضهم بالإجماع (1) لما في كتاب عمرو بن حزم (2)، وروي عن عمر وزيد (3)، ولأنه أكبر المعاني قدرا وأعظمها نفعا إذ به يتميز الإنسان عن البهائم وبه يهتدي للمصالح ويدخل في التكليف، وهو شرط للولايات وصحة التصرفات والعبادات.
وتجب كاملة في حدب -بفتح الحاء والدال المهملتين مصدر حدب بكسر الدال أي صار أحدب- لذهاب الجمال؛ لأن انتصاب القامة من الكمال والجمال، وبه شرف الآدمي على سائر الحيوانات.
وتجب كاملة في صعر بفتح المهملتين بأن يضرب فيصير وجهه في جانب نصا (4)، وأصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي منه عنقه (5)، قال تعالى:
(1) ينظر: المبسوط 26/ 69، والمدونة 6/ 411، والإجماع ص 148، والإشراف 2/ 150، والأم 6/ 87، والإفصاح 2/ 209، والمغني 12/ 151.
(2)
لم يرد هذا في كتاب عمرو بن حزم كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 29، وإنما هو من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعًا:"وفي العقل الدية مائة من الإبل" أخرجه البيهقي، باب السمع، كتاب الديات، السنن الكبرى 8/ 86، وضعفه الحافظ ابن حجر، وقال الألباني في الإرواء 7/ 322 - 323:"في مسنده ابن أنعم وهو ضعيف".
(3)
ما روي عن عمر رضي الله عنه سبق تخريجه ص 698.
وما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق برقم (17321) المصنف 9/ 307، وابن حزم في المحلى 10/ 434، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 86.
(4)
الهداية 2/ 89، والمغني 12/ 153، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 25/ 519 - 521، والمحرر 2/ 140، وشرح الزركشي 6/ 157، والمبدع 8/ 381.
(5)
قاله ابن قدامة في المغني 12/ 153، وينظر: لسان العرب 4/ 456.
{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} (1) أي لا تعرض عنهم بوجهك تكبرا (2).
وتجب كاملة في صيرورة المجني عليه لا يستمسك غائطا أو بولا لأن كلا منهما منفعة كبيرة ليس في البدن مثلها أشبه السمع والبصر، فإن فاتت المنفعتان ولو بجناية واحدة فديتان.
(و) تجب كاملة في (منفعة أكل) لأنه نفع مقصود أشبه الشم، (و) تجب كاملة في منفعة (مشي) لأنه نفع مقصود أشبه الكلام، (و) تجب كاملة في منفعة (نكاح) كإن كسر صلبه فذهب نكاحه، روي عن علي (3)؛ لأنه نفع مقصود أشبه المشي.
وتجب كاملة في ذهاب منفعة صوت ومنفعة بطش.
وتجب في إذهاب بعض يعلم بقدره، وإلا يعلم فحكومة، ويقبل قول مجني عليه في نقص سمعه وبصره بيمينه لأنه لا يعلم إلا من جهته، وإن ادعى نقص إحدى عينيه عصبت التي يدعي نقص ضوئها وأطلقت الأخرى، ونصب له شخص ويتباعد عنه حتى تنتهي رؤيته فيعلم الموضع، ثم تشد الصحيحة وتطلق الأخرى، وينصب له شخص ثم يذهب حتى تنتهي رؤيته فيعلم، ثم يدار الشخص إلى جانب آخر ويصنع كذلك ثم يعلم عند المسافتين ويذرعان ويقابل بينهما، فإن استوتا فقد صدق وله من الدية بقدر ما بين الصحيحة والعليلة من الرؤية، وإن
(1) سورة لقمان من الآية (18).
(2)
ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/ 430، وفتح القدير للشوكاني 4/ 239.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة برقم (7220) الكتاب المصنف 9/ 231، وأورده ابن المنذر في الإشراف 2/ 173.
اختلفت المسافتان فقد كذب، روى ابن المنذر نحوه عن عمر (1).
وإن اختلف جان ومجني عليه في ذهاب بصر أري أهل الخبرة بذلك، لأنهم أدرى به وامتحن بتقريب شيء إلى عينه وقت غفلته، فإن حركها فهو يبصر لأن طبع الآدمي الحذر على عينيه، وإن بقيتا بحالهما دل على أنه لا يبصر.
وإن اختلفا في ذهاب سمع أو شم أو ذوق صيح به وقت غفلته (2) إن اختلفا في ذهاب سمعه، وأتبع بمنتن إن اختلفا في ذهاب شمه، وأطعم الشيء المر إن اختلفا في ذهاب ذوقه، فإن فزع من الصياح أو عبس للمنتن أو المر سقطت دعواه لتبين كذبه وإلا صدق بيمينه؛ لأن الظاهر صحة دعواه.
(ومن وطئ زوجة يوطأ مثلها لمثله) بأن لم تكن صغيرة ولا نحيفة (فخرق) بوطئه (ما بين مخرج بول ومني، أو) خرق (ما بين السبيلين فـ) هو (هدر) لحصوله من فعل مأذون فيه كأرش بكارتها، وكما لو أذنت في قطع يدها فسرى القطع إلى نفسها، (وإلا) تكن الزوجة يوطأ مثلها لمثله فوقع ذلك (فـ) عليه أرش (جائفة إن استمسك بول) ثلث الدية لقضاء عمر في الإفضاء بثلث الدية (3)، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، (وإلا) يستمسك بول (فـ) عليه
(1) لم أقف عليه عن عمر رضي الله عنه، وأخرج نحوه عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه- برقم (17414 - 17415) المصنف 9/ 328، وابن أبي شيبة برقم (6960) الكتاب المصنف 9/ 171، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 87.
(2)
أي المجني عليه.
(3)
أخرجه عبد الرزاق برقم (17670) المصنف 9/ 377 - 378، وابن أبي شيبة برقم (7945) الكتاب المصنف 9/ 411، وابن حزم في المحلى 10/ 455، وضعفه الألباني في الإرواء 7/ 331.
(الدية) كاملة لإبطاله نفع المحل الذي يجتمع فيه البول وعليه المهر المسمى في النكاح؛ لأنه تقرر بالدخول مع أرش الجناية المذكور، ويجب أرش بكارة حكومة مع فتق بغير وطء لعدوانه بذلك الفعل، وإن التحم ما أرشه مقدر كجائفة وموضحة وما فوقها ولو على غير شين لم يسقط أرشه لعموم النصوص.
(وفي كل) واحد (من) الشعور الأربعة وهي: (شعر) إلى (رأس و) شعر (حاجبين و) شعر (أهداب العينين و) شعر (لحية الدية)، روي عن علي وزيد بن ثابت:"في الشعر الدية"(1)، ولأنه أذهب الجمال على الكمال كأذني الأصم وأنف الأخشم بخلاف اليد الشلاء فليس جمالها كاملا.
(و) في (حاجب نصفها) أي الدية لأن فيه منه شيئين، (و) في (هدب ربعها) لأن فيه منها أربعة، (و) في (شارب حكومة) نصا (2)، وفي بعض كل من الشعور
(1) عن علي رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق برقم (17374) المصنف 9/ 319، وابن أبي شيبة برقم (6926)، الكتاب المصنف 9/ 162 - 163، وابن حزم في المحلى 10/ 433.
وما روي عن زيد رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة برقم (6927) الكتاب المصنف 9/ 163، وابن حزم في المحلى 10/ 433، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 98. قال ابن حزم عن أثر علي وزيد رضي الله عنهما:"جاء ههنا عن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت ما لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا من التابعين مخالف". وقال البيهقي عن أثر زيد: "هذا منقطع، والحجاج بن أرطأة -أحد رواته- لا يحتج به". وقال ابن المنذر كما في السنن الكبرى للبيهقي 8/ 98: "في الشعر يجنى عليه فلا ينبت روينا عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أنهما قالا فيه الدية، قال: ولا يثبت عن علي وزيد ما روي عنهما". ا. هـ.
(2)
مسائل الإمام أحمد رواية عبد اللَّه ص 415، وكتاب الفروع 6/ 32، والمبدع 8/ 389، والإنصاف 25/ 548، والتنقيح ص 270، وغاية المنتهى 3/ 285.
الأربعة بقسطه من الدية بقدر المساحة كالأذنين، وسواء كانت هذه الشعور كثيفة أو خفيفة جميلة أو قبيحة من صغير أو كبير كسائر ما فيه دية من الأعضاء.
(وما عاد) من شعر (سقط ما فيه) من دية أو بعضها أو حكومة كما تقدم في سنن ونحوها إذا عادت، وإن عادت بعد أخذ ما فيه رده.
وإن قلع جفنا بهدبه فدية الجفن فقط لتبعية الشعر له في الزوال كالأصابع مع الكف، وإن قلع لحيين بأسنانهما فعليه دية الكل فلا تدخل دية الأسنان في دية اللحيين لأن الأسنان ليست متصلة باللحيين بل مغروزة فيها وكل من اللحيين والأسنان ينفرد باسمه عن الآخر، واللحيان يوجدان قبل الأسنان ويبقيان بعد قلعها، وإن قطع كفا بأصابعه لم يجب غير دية يد لدخول الكل في مسمى اليد كقطع ذكر بحشفة.
وفي كف بلا أصابع، وفي ذراع بلا كف، وفي عضد بلا ذراع في كل واحد ثلث ديته أي الكف شبهه أحمد بعين قائمة (1)، وكذا تفصيل رجل، ومقتضي تشبيه الإمام بالعين القائمة أن في ذلك حكومة، ومشى عليه في "الإقناع"(2)، وقال في حاشية "التنقيح"(3) أنه المذهب وعليه جمهور الأصحاب.
(1) كتاب الفروع 6/ 32، والمبدع 8/ 391، وشرح منتهى الإرادات 3/ 321.
(2)
4/ 225.
(3)
ينظر: شرح منتهى الإرادات 3/ 321.
"حاشية التنقيح" للشيخ موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي، صاحب الإقناع، المتوفى سنة 968 هـ، تعقب فيها صاحب التنقيح في مواضع كثيرة.
(وفي عين الأعور دية كاملة) قضى به عمر وابنه وعلي وعثمان (1)، ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة، ولأنه أذهب البصر كله فوجب عليه جميع ديته كما لو أذهبه من العينين لأنه يحصل بعين الأعور ما يحصل بعيني الصحيح لرؤيته الأشياء
= ينظر: السحب الوابلة 3/ 1134 - 1135.
(1)
أثر عمر رضي الله عنه يرويه قتادة عن أبي مجلز: أن رجلا سأل عمر عن الأعور تفقأ عينه، فقاله عبد اللَّه بن صفوان: قضى عمر بالدية. أخرجه عبد الرزاق برقم (17431) المصنف 9/ 331، وابن أبي شيبة برقم (7060) الكتاب المصنف 9/ 196، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 94، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 7/ 315.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرويه ابنه سالم عنه، قال:(إذا فقئت عين الأعور ففيها الدية كاملة) أخرجه ابن أبي شيبة برقم (7063) الكتاب المصنف 9/ 197، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 7/ 316.
وعن علي رضي الله عنه يرويه عطاء بن أبي رباح: أن عليا رضي الله عنه قضى في أعور فقئت عينه أن له الدية كاملة. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/ 94 وأعله بالإرسال. وله طريق أخرى عن علي رضي الله عنه يرويه قتادة عن خلاس بن عمرو عنه في رجل أعور فقئت عينه الصحيحة عمدا قال: (إن شاء أخذ الدية كاملة، وإن شاء فقأ عينا، وأخذ نصف الدية) أخرجه عبد الرزاق برقم (17432) المصنف 9/ 331، وابن أبي شيبة برقم (7062) الكتاب المصنف 9/ 197، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 94، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 7/ 316.
وعن عثمان رضي الله عنه يرويه أبو عياض: (أن عثمان قضى في أعور أصيبت عينه الصحيحة الدية كاملة) أخرجه ابن أبي شيبة برقم (7061) الكتاب المصنف 9/ 196 - 197، من طريق قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض. قال الألباني في الإرواء 7/ 316:"هذا إسناد ضعيف من أجل أبي عياض، فإنه مجهول، ومثله عبد ربه وهو ابن أبي يزيد".
البعيدة وإدراكه الأشياء اللطيفة.
(وإن قلعها) أي عين الأعور (صحيح) العينين (أقيد) أي قلعت عينه (بشرطه) السابق لما تقدم، (وعليه) أي الصحيح (أيضا) معه أي القود من نظيرتها (نصف الدية)؛ لأنه أذهب بصر الأعور كله، ولا يمكن إذهاب بصره كله لما فيه من أخذ عينين بعين واحدة، وقد استوفى نصف البصر تبعا لعينه بالقود وبقي النصف الذي لا يمكن القصاص فيه فوجبت ديته.
(وإن قلع) الأعور (ما يماثل صحيحته) أي عينه الصحيحة (من) شخص (صحيح) العينين (عمدا فـ) على الأعور (دية كاملة) ولا قود عليه في قول عمر وعثمان (1)، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة؛ لأن القصاص يفضي إلى استيفاء جميع البصر، وهو إنما أذهب بعض بصر الصحيح، فلما امتنع القصاص وجبت الدية لئلا تذهب الجناية مجانا، وكانت كاملة؛ لأنها بدل القصاص الساقط عنه رفقا به، ولو اقتص منه ذهب ما لو ذهب بالجناية لوجبت فيه دية كاملة، وإن قلع الأعور ما يماثل عينه الصحيحة خطأ فنصف الدية كما لو قلعها صحيح، وكذا لو قلع ما لا يماثل صحيحته، وإن قلع الأعور عيني صحيح عمدا فالقود أو الدية فقط لأنه أخذ جميع بصره ببصره.
(و) يد (الأقطع) ورجله (كغيره) إن قطعت يده الأخرى أو رجله ولو عمدا
(1) أخرجه عنهما عبد الرزاق برقم (17440) المصنف 9/ 333، وابن حزم في المحلى 10/ 421.
وعن عثمان أخرجه عبد الرزاق برقم (17438) المصنف 9/ 333، وابن حزم في المحلى 10/ 420، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 94.
ففيها نصف ديته ذكرا كان أو أنثى، مسلما كان أو كافرا، حرا أو رقيقا، كبقية الأعضاء؛ لأن أحد هذين العضوين لا يقوم مقامهما بخلاف عين الأعور، ولو قطع الأقطع يد صحيح أو رجله أقيد بشرطه السابق لوجود الموجب وانتفاء المانع.