الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الحدود)
وهي جمع حد، وهو لغة: المنع (1)، وحدود اللَّه محارمه لقوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (2) وحدوده أيضًا: ما حده وقدره كالمواريث وتزويج الأربع لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (3) وما حده الشرع لا يجوز فيه زيادة ولا نقصان.
وعرفا: عقوبة مقدرة شرعا في معصية من زنا وقذف وشرب وقطع طريق وسرفهّ لتمنع تلك العقوية من الوقوع في مثلها. (4)
و(لا تجب) الحدود (إلا على مكلف) لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة" رواه أبو داود والترمذي وحسنه (5)، والحد أولى بالسقوط من العبادة لعدم التكليف لأنه يدرء بالشبهة، ومن يخنق إذا أقر أنه زنا في إفاقته أخذ بإقراره وحد، وإن أقر في إفاقته أنه زنا ولم يضفه إلى حال أو شهدت عليه بينة أنه زنا ولم تضفه إلى حال إفاقته فلا حد للاحتمال، وكذا لا حد على نائم ولا نائمة.
(ملتزم) أحكامنا من هم وذمي، بخلاف حربي ومستأمن (عالم بالتحريم)
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 3، ولسان العرب 3/ 140.
(2)
سورة البقرة من الآية (187).
(3)
سورة البقرة من الآية (229).
(4)
ينظر: التعريفات ص 117، وغاية المنتهى 3/ 296، والروض المربع 2/ 345.
(5)
سبق تخريجه ص 416.
لقول عمر وعثمان وعلي: "لا حد إلا على من علمه"(1)، فلا حد على من جهله لأن جهل تحريم الزنى أو عين المرأة كأن زفت إليه غير امرأته فوطئها ظانا أنها امرأته ونحوه لحديث:"ادرؤا الحدود بالشبهات ما استطعتم"(2).
(وعلى إمام أو نائبه إقامتها) أي الحدود مطلقا سواء كان الحد للَّه تعالى كحد زنا أو لآدمي كحد قذف؛ لأنه يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب اللَّه تعالى في خلقه، ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، ويقوم
(1) قول عمر وعثمان رضي الله عنهما أخرجه عبد الرزاق برقم (13644 - 13645، 13647) المصنف 7/ 404 - 405، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 238، وضعفه الألباني في الإرواء 7/ 342 من رواية البيهقي. وعن عمر أخرجه أيضًا عبد الرزاق برقم (13642) المصنف 7/ 402.
وقول علي رضي الله عنه أخرجه عبد الرزاق برقم (13648) المصنف 7/ 405.
(2)
رواه الحارثي في "مسند أبي حنيفة" من حديث مقسم عن ابن عباس مرفوعًا بهذا اللفظ، كما في المقاصد الحسنة ص 30، قال الألباني في الإرواء 7/ 345:"وهو ضعيف". وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 23/ 347 بإسناده عن أبي عمران الجوني عن عمر بن عبد العزيز، فذكر قصة طويلة، جاء فيها: أن شيخا وجدوه سكران فأقام عمر عليه الحد ثمانين ثم قال: إذا رأيتم مثل هذا في هيبته وعلمه وفهمه وأدبه فأحملوه على الشبهة، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"ادرؤا الحدود بالشبهة". ورواه أبو سعد السمعاني في "الذيل" من هذا الوجه كما في المقاصد الحسنة ص 30، وقال:"قال شيخنا: وفي سنده من لا يعرف". وضعفه الألباني في الإرواء 7/ 343.
نائب الإمام مقامه لقوله عليه السلام: "واغد يا أنيس (1) إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها"(2)، وأمر برجم ماعز (3) ولم يحضره (4)، وقال في سارق أتي به: "اذهبوا
(1) أنيس: بن الضحاك الأسلمي، صحابي ورد خبره في قصة العسيف، قال الحافظ ابن حجر:"جزم ابن حبان وابن عبد البر بأنه هو الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "اغد يا أنيس على امرأة هذا. . . " وتعقبه بأن الظاهر أنه غيره إلا أنه لم يعينه.
ينظر: أسد الغابة 1/ 157، والإصابة 1/ 285، 287.
(2)
من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما: أخرجه البخاري، باب الاعتراف بالزنى، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة برقم (6827 - 6828) صحيح البخاري 8/ 139 - 140، ومسلم، باب من اعترف على نفسه بالزنى، كتاب الحدود برقم 1697 - 1698، صحيح مسلم 3/ 1324 - 1325.
(3)
ماعز: بن مالك الأسلمي، كتب له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتابا بإسلام قومه، اعترف على نفسه بالزنى فرجم وتاب اللَّه عليه، قيل: اسمه غريب وماعز لقبه.
ينظر: أسد الغابة 5/ 8، والإصابة 5/ 521.
(4)
يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى رجل من أسلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول اللَّه! إن الآخر قد زنى -يعني نفسه- فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال: يا رسول اللَّه! إن الآخر قد زنى، فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال له ذلك، فأعرض فتنحى له الرابعة، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه فقال: هل بك جنون؟ قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه، وكان قد أحصن". أخرجه البخاري، باب الطلاق في الإغلاق. . .، كتاب الطلاق برقم (5271) صحيح البخاري 7/ 40، ومسلم، باب من اعترف على نفسه بالزنى، كتاب الحدود برقم (1691) صحيح مسلم 3/ 1318.
به فاقطعوه" (1). وتحرم شفاعة في حد للَّه تعالى بعد أن يبلغ الإمام، ويحرم قبولها بعد أن تبلغه لقوله عليه السلام: "فهلا قبل أن تأتيني به" (2)، ولأن الشفاعة فيه طلب فعل محرم على من طلب منه.
(1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه الطحاوي، باب الإقرار بالسرقة التي توجب القطع، كتاب الحدود، شرح معاني الآثار 3/ 168، والدراقطني، كتاب الحدود والديات وغيره، سنن الدارقطني 3/ 102، والحاكم، باب النهي عن الشفاعة في الحد، كتاب الحدود، المستدرك 4/ 381، والبيهقي، باب جماع أبواب قطع اليد، كتاب السرقة، السنن الكبرى 8/ 271، والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وقال الألباني في الإرواء 8/ 83 - 84:"هو كما قال"، وصححه ابن القطان كما في التعليق المغني على سنن الدارقطني 3/ 102.
(2)
من حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه: أخرجه أبو داود، باب من سرق من حرز، كتاب الحدود برقم (4394) سنن أبي داود 4/ 138، والنسائي، باب الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته بعد أن يأتي به الإمام. . .، كتاب قطع السارق برقم (4878 - 4879، 4881، 4883 - 4884) المجتبى 8/ 68 - 69، وابن ماجة، باب من سرق من الحرز، كتاب الحدود برقم (2595) سنن ابن ماجة 2/ 865، وأحمد برقم (27090، 27092، 27096) المسند 7/ 620، والدارمي، باب السارق يوهب من السرقة بعد ما سرق، كتاب الحدود برقم (2299) سنن الدارمي 2/ 226، والدارقطني، كتاب الحدود، سنن الدارقطني 3/ 204، والحاكم، باب النهي عن الشفاعة في الحد، كتاب الحدود، المستدرك 4/ 380، والبيهقي، باب ما يكون حرزا وما لا يكون، كتاب السرقة، السنن الكبرى 8/ 265، من عدة طرق، قال الألباني في الإرواء 7/ 345:"وجملة القول أن الحديث صحيح الإسناد من بعض طرقه، وهو صحيح قطعا بمجموعها، وقد صححه جماعة".
ولسيد حر مكلف عالم بالحد وشروطه ولو كان فاسقا أو امرأة إقامة الحد بجلد أو تعزير على رقيق كله [له](1)، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"(2)، ولأن السيد يملك تأديب رقيقه وضربه على الذنب وهذا من جنسه، ولكون سبب ولايته الملك استوى العدل والذكر فيه وضدهما، ولو كان الرقيق مكاتبا أو مرهونا أو مستاجرا فلسيده جلده في الحد بشرطه لعموم الخبر، ولتمام ملكه عليه.
ولا يقيمه سيد على أمة مزوجة لقول ابن عمر: "إذا كانت الأمة مزوجة رفعت إلى السلطان، فإن لم يكن لها زوج جلدها سيد نصف ما على المحصن"(3)، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، ولأن منفعتها مملوكة لغيره ملكا غير مقيد بوقت أشبهت المشتركة، وما ثبت مما يوجب الحد على رقيق بعلم السيد برؤية أو غيرها أو إقرار كالثابت ببينة؛ لأنه يجري مجرى التأديب، بخلاف الحاكم فإنه متهم، وللسيد سماع البينة على رقيقه إذا علم شروطها، وليس له قتل
(1) ما بين المعقوفين ليست في الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 336.
(2)
من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه أبو داود، باب في إقامة الحد على المريض، كتاب الحدود برقم (4473) سنن أبي داود 4/ 161، وأحمد برقم (1141) المسند 1/ 218، والطحاوي، باب حد البكر في الزنى، كتاب الحدود، شرح معاني الآثار 3/ 136، والدارقطني، كناب الحدود، سنن الدارقطني 3/ 158، والبيهقي، باب حد الرجل أمته إذا زنت، كتاب الحدود، السنن الكبرى 8/ 245، والحديث حسن الألباني إسناده في الإرواء 7/ 360.
(3)
أخرجه عبد الرزاق بنحوه برقم (13610) المصنف 7/ 395، وأورده ابن عبد البر في الاستذكار 24/ 108.
في ردة، ولا قطع في سرقة؛ لأن الأصل تفويض إقامة الحد إلى الإمام، وإنما فوض الجلد إلى السيد خاصة لأنه تأديب، والحديث جاء في جارية زنت، فالظاهر أنه إنما أراد ذلك الحد وشبهه، ولأن في الجلد سترا على رقيقه لئلا يفتضح بإقامة الإمام الحد عليه فتنقص قيمته وذلك منتف فيهما.
ويجب إقامة الحد ولو كان من يقيمه شريكا أو عونا لمن يقيمه عليه في تلك المعصية لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في هذه الحالة، ولا يجمع بين معصيتين.
وتحرم إقامته بمسجد لحديث حكيم بن حزام (1): "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد بالمسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود"(2)؛ ولأنه لا يؤمن من حدوث ما يلوث المسجد، فإن أقيم به لم يعد لحصول المقصود من الزجر.
(1) حكيم بن حزام: بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، الأسدي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، أسلم عام الفتح، وشهد حنينا ونال من مغانمها مائة بعير، كان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها، توفي سنة 50 هـ.
ينظر: أسد الغابة 2/ 45 - 46، والإصابة 2/ 97 - 98.
(2)
أخرجه أبو داود، باب في إقامة الحد في المسجد، كتاب الحدود برقم (4490) سنن أبي داود 4/ 167، وأحمد برقم (15152) المسند 4/ 456، والدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره، سنن الدارقطني 3/ 85، والحاكم. باب النهي للأمير عن ابتغاء الريبة في الناس، كتاب الحدود، المستدرك 4/ 378، والبيهقي، باب لا تقام الحدود في المساجد، كتاب الأشربة والحد فيها، السنن الكبرى 8/ 328، والحديث سكت عنه الحاكم، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 77 - 78:"لا بأس بإسناده" ا. هـ، وحسنه الألباني في الإرواء 7/ 361 - 363 لطرقه الأخرى وشواهده.
ويحرم أن يقيمه إمام أو نائبه بعلمه بلا بينة لقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (1) ولقوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (2)، ولأنه لا يجوز له التكلم به فالعمل أولى، حتى لو رماه بما علمه منه لكان قاذفا يحد للقذف.
(ويضرب) الـ (رجل) الحد (قائما) ليعطى كل عضو حظه من الضرب (بسوط)، قال في "الرعاية" (3) من عنده:"حجم السوط بين القضيب والعصا". وهو معنى ما في شرح المهذب للحنفية، وفي المختار لهم: بسوط لا ثمرة له (4). قال في "المبدع"(5): "فيتعين أن لا يكون من الجلد". (لا خلق) نصا بفتح اللام؛ لأنه لا يؤلم (ولا جديد) لئلا يجرح، وفي "الرعاية" (6): بين اليابس والرطب. وروى مالك عن زيد بن أسلم (7) مرسلا أن رجلا اعترف عند
(1) سورة النساء من الآية (15).
(2)
سورة النور من الآية (13).
(3)
ينظر: الإنصاف 12/ 866 - 187، وشرح منتهى الإرادات 3/ 337.
(4)
ينظر: المختار مع شرحه الإختيار 4/ 85، والهداية شرح بداية المبتدي 2/ 97، وحاشية ابن عابدين 4/ 13.
(5)
9/ 47.
(6)
ينظر: الإنصاف 26/ 187، وشرح منتهى الإرادات 3/ 338.
(7)
زيد بن أسلم: القرشي، العدوي، المدني، أبو أسامة، الفقيه، الإمام، القدوة، كان له حلقة بمسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، توفي سنة 136 هـ.
ينظر: تهذيب الكمال 10/ 12 - 18، وسير أعلام النبلاء 5/ 316 - 317.
النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي بسوط مكسور فقال:"فوق هذا"، فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته فقال:"بين هاذين"(1)، وروي عن أبي هريرة مسندا (2)، وعن علي:"ضرب بين ضربين وسوط بين سوطين"(3)، أي لا شديد فيقتل ولا ضعيف فلا يردع.
بلا مد ولا ربط ولا تجريد لقول ابن مسعود: "ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد"(4)، ولم ينقل عن أحد من أصحابه عليه السلام فعل ذلك، (ويكون
(1) أخرجه الإمام مالك، باب ما جاء فبمن اعترف على نفسه بالزنا، كتاب الحدود برقم (1562) الموطأ ص 549، والشافعي، باب السوط الذي يضرب به، كتاب الحدود، الأم 6/ 157، وابن أبي شيبة، باب في السوط من يأمر به أن يدق، كتاب الحدود برقم 8734، الكتاب المصنف 10/ 51، والبيهقي، باب جماع أبواب صفة السوط. . .، كتاب الأشربة والحد فيها، السنن الكبرى 8/ 326، والحديث قال عنه الإمام الشافعي:"منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه، وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به" ا. هـ، وقال ابن عبد البر في الاستذكار 24/ 85:"لم يختلف عن مالك فى إرسال هذا الحديث ولا أعلمه يستند بهذا اللفظ من وجه من الوجوه". ا. هـ، وضعف الحديث الألباني في الإرواء 7/ 363.
(2)
لم أقف عليه، وروي نحوه عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 5/ 322، والاستذكار 24/ 86، وابن حزم في المحلى 11/ 171، وضعفه بالإرسال.
(3)
أورده الرافعي وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 78: "لم أرد عنه هكذا". ا. هـ، وقال الألباني في الإرواء 7/ 364:"لم أقف عليه، والمصنف تبع الرافعي في ذكره".
(4)
بنحوه أخرجه عبد الرزاق برقم (13522) المصنف 7/ 373، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 326، عن سفيان الثوري عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن عبد اللَّه بن مسعود قال:(لا يحل في هذه الأمة تجريد ولا مد ولا غل ولا صفد) قال الألباني في الإرواء 7/ 364: "هذا إسناد =
عليه قميص وقميصان) وينزع عنه فرو وجبة محشوة؛ لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب، ولا يبالغ في ضرب بحيث يشق الجلد؛ لأن القصد أدبه لا إهلاكه، (ولا يبدي ضارب إبطه) في رفع يد للضرب نصا، (ويسن تفريقه) أي الضرب (على الأعضاء) ليأخذ منه كل عضو حظه، وتوالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى قتله، وهو مأمور بعدمه، قال في "الشرح" (1):"ويكثر منه في مواضع اللحم كالآليتين والفخذين". ويضرب من جالس ظهره وما قاربه، (ويجب) في الجلد (اتقاء وجه و) اتقاء (رأس و) اتقاء (فرج و) اتقاء (مقتل) كفؤاد وخصيتين لئلا يؤدى ضربه في شيء من هذه المواضع إلى قتله أو ذهاب منفعته، والقصد أدبه فقط.
(وامرأة كرجل لكن تضرب جالسة) لقول علي: "تضرب المرأة جالسة، والرجل قائما"(2)، (وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها) لئلا تنكشف لأن المرأة عورة وفعل ذلك أستر لها.
= ضعيف، فإنه مع انقطاعه بين الضحاك وابن مسعود، فإن جويبرا متروك".
(1)
26/ 188.
(2)
أخرجه عبد الرزاق برقم (13532) المصنف 7/ 375، عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى عن علي رضي الله عنه به، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/ 327، من طريق سعيد بن منصور عن هشيم أخبرني بعض أصحابنا عن الحكم عن يحيى بن الجزار أن عليا رضي الله عنه كان يقول، فذكره. قال الألباني في الإرواء 7/ 365:"هذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين الجزار وعلي، فإنه لم يسمع منه إلا بضعة أحاديث، وليس هذا منها، ولجهالة بعض أصحاب هشيم".
ويعتبر لإقامة حد نية بأن ينويه للَّه ولما وضع اللَّه ذلك [لأجله كالزجر](1)، لحديث:"إنما الأعمال بالنيات"(2)، لكن إن نوى الإمام وأمر عبدا أعجميا لا معرفة له بالنية أجزأت نية الإمام والعبد كالآلة ذكره في "الفصول"(3)، ولا تعتبر موالاة الضرب في الجلد لزيادة العقوبة ولسقوطه بالشبهة.
وأشد الجلد في الحدود جلد زنا فقذف فشرب فتعزير.
(ولا يحفر لمرجوم) ولو كان أنثى ولو ثبت الزنى عليها ببينة؛ لأنه عليه السلام لم يحفر للجهنية (4)،
(1) ما بين المعقوفين ليست في الأصل، والمثبت من كشاف القناع 6/ 81.
(2)
سبق تخريجه ص 513.
(3)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 56، والإنصاف 26/ 189.
"الفصول": من تأليف أبي الوفاء علي بن عقيل بن محمد البغداري، حامل لواء الذهب في عصره، المتوفي سنة 513 هـ، ويسمى كتابه هذا (كفاية المفتي) في عشر مجلدات منه نسخة في شستربتي برقم (5369) ومنه الجزء الثالث في دار الكتب المصرية تحت رقم (أصول الفقه - 13) ومنتخب منه في الظاهرية (3750).
ينظر: الذيل 2/ 142، 156، والدر المنضد ص 24 - 25.
(4)
عن عمران بن حصين رضي الله عنه: "أن امرأة من جهينة أتت نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى. . . فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها الثياب ثم أمر بها فرجمت". أخرجه مسلم، باب من اعترف على نفسه بالزنى، كتاب الحدود برقم (1696) صحيح مسلم 3/ 1324، وأبو داود، باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، كتاب الحدود برقم (4440) سنن أبي داود 4/ 151، والترمذي، باب تربص الرجم بالحبلى حتى تضع، كتاب الحدود برقم (1435) الجامع الصحيح 4/ 33، والنسائي، باب الصلاة على المرجوم، كتاب =
واليهوديين (1). (ومن مات وعليه حد سقط) بموته.
وإن رأى الإمام أو نائبه الضرب في حد شرب مسكر بجريد أو نعال وأيد فله ذلك، لحديث أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال:"اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بنعله، والضارب بثوبه، والضارب بيده"(2).
ولا يؤخر استيفاء حد لمرض ولو رجي زواله؛ لأن عمر أقام الحد على قدامة بن مظعون (3) في مرضه ولم يؤخر (4) وانتشر ذلك ولم ينكر؛ ولأن الأصل في الأمر
= الجنائز برقم (1957) المجتبى 4/ 63، وأحمد برقم (19360) المسند 5/ 593، والدرمي، باب الحامل إذا اعترفت بالزناء، كتاب الحدود برقم (2325) سنن الدارمي 2/ 235.
(1)
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريبا من حيث توضع الجنائز عند المسجد". أخرجه البخاري، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم. .، كتاب الاعتصام برقم (7332) صحيح البخاري 9/ 85، ومسلم، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، كتاب الحدود برقم (1699) صحيح مسلم 3/ 1326.
(2)
أخرجه أبو داود، باب الحد في الخمر، كتاب الحدود برقم (4477) سنن أبي داود 4/ 162 - 163، والبخاري، باب الضرب بالجريد والنعال، كناب الحدود برقم (6777) صحيح البخاري 8/ 132، وأحمد برقم (7926) المسند 2/ 580، والبيهقي، باب ما جاء في وجوب الحد على من شرب خمرا. .، كتاب الأشربة، السنن الكبرى 8/ 312.
(3)
قدامة بن مظعون: بن حبيب بن وهب بن حذافة الجمحي، القرشي، أبو عمرو، له صحبة، من السابقين البدريين، هاجر الهجرتين، وهو خال عبد اللَّه بن عمر، جلده عمر في الشراب، وكان واليه على البحرين فعزله، توفي بالمدينة سنة 36 هـ.
ينظر: الإستيعاب 3/ 1277 - 1279، وأسد الغابة 4/ 394 - 396، والإصابة 5/ 322 - 325.
(4)
أخرجه عبد الرزاق برقم (17076) المصنف 9/ 240 - 243، وابن أبي شيبة برقم (8684) الكتاب المصنف 10/ 39، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 315 - 316.
أنه للفور فلا يؤخر المأمور به بلا حجة، ولا يؤخره لحر أو برد أو ضعف لما تقدم.
فإن كان الحد جلدا وخيف على المحدود من السوط لم يتعين، فيقام عليه الحد بطرف ثوب وعثكول (1) نخل وهو: الضغث -بالضاد والغين المعجمتين والثاء المثلثة- فإذا أخذ ضغثا به مائة شمراخ فضربه ضربة واحدة أجزأ، لحديث أبي داود والنسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف (2) عن بعض أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (3) لكن قال ابن المنذر: في إسناده مقال. (4)، ولأن ضربه التام يؤدي إلى
(1) قال في المطلع ص 370: "العثكول: بوزن عصفور، والعثقال: بوزن مفتاح، كلاهما الشمراخ، وهو في النخل بمنزلة العنقود في الكرم" ا. هـ.
(2)
أبو أمامة بن سهل: بن حنيف بن واهب الأنصاري، مشهور بكنيته، ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين، وأتي به النبي فحنكه وسماه أبو أمامة، باسم جده لأمه أبي أمامة أسعد بن زرارة، توفي سنة 100 هـ.
ينظر: أسد الغابة 1/ 87 - 88، وتهذيب الكمال 2/ 525 - 527، والإصابة 1/ 325 - 327.
(3)
ولفظه: عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: "أنه أخبره بعض أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال: استفتوا لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت علي، فذكروا ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فبضربوه بها ضربة واحدة". أخرجه أبو داود، باب في إقامة الحد على المريض، كتاب الحدود برقم (4472) سنن أبي داود 4/ 161، والنسائي، باب توجيه الحاكم إلى من أخبرنا أنه زنى، كتاب آداب القضاة برقم (5412) المجتبى 8/ 242 - 243، وابن ماجة، باب الكبير والمريض يجب عليه الحد، كتاب الحدود برقم (2574) سنن ابن ماجة 2/ 859، وأحمد برقم (21428) المسند 6/ 292، والبيهقي، باب الضرير في خلقته لا من مرض يصيب الحد، كتاب الحدود، السنن الكبرى 8/ 230، والحديث أورده الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/ 846، وفي صحيح سنن ابن ماجة 2/ 85، وفي صحيح سنن النسائي 3/ 1099.
(4)
الإشراف 2/ 29.
إتلافه، وتركه بالكلية غير جائز فتعين ما ذكر.
ويؤخر الحد لسكر حتى يصحو الشارب نصا (2)، فلو خالف وأقام الحد عليه في سكره سقط الحد إن أحس بألم الضرب وإلا فلا.
ويؤخر قطع في سرقة ونحوها خوف تلف محدود بقطعه لما مر أن القصد زجره لا إهلاكه.
ويحرم بعد إقامة حد حبس محدود وإيذاؤه بكلام كالتعبير لنسخه بمشروعية الحد كنسخ حبس المرأة، ومن مات بجلد في تعزير أو في حد بقطع أو جلد ولم يلزم تأخيره فهدر؛ لأنه مات في فعل مأذون فيه شرعا.
فإن لزم تأخير الحد بأن كانت حاملا أو كان مريضا ووجب عليه القطع فاستوفاه إذن فتلف المحدود ضمنه لعدوانه.
(2) الإرشاد ص 476، والمغني 12/ 505، وكتاب الفروع 6/ 57، والمبدع 9/ 49، والإنصاف 26/ 195، والإقناع 4/ 247، وغاية المنتهى 3/ 298.
ومن زاد في عدد جلد ولو جلدة أو في السوط الذي ضرب به أو اعتمد في ضربه أو ضربه بسوط لا يحتمله فتلف ضمنه بديته كاملة لحصول التلف بعدوانه.
ويجب في إقامة حد زنا حضور إمام أو نائبه وحضور طائفة من المؤمنين ولو واحدا مع من يقيم الحد لقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1)، وسن حضور من شهد بزنا وبداءتهم برجم، وإن ثبت بإقرار سن بداءة إمام أو نائبه، لما روى سعيد عن علي:"الرجم رجمان، فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الإِمام، وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الناس"(2)، ولأن فعل ذلك أبعد من التهمة في الكذب عليه، والسنة أن يدور الناس حول المرجوم إن ثبت ببينة لا بإقرار ولاحتمال أن يهرب فيترك.
ومتى رجع مقر بزنا عن إقراره، أو رجع مقر بسرقة، أو بشرب خمر عن إقراره قبل أن يقام عليه الحد ولو بعد الشهادة على إقراره لم يقم عليه، وإن رجع في أثناء الحد أو هرب ترك؛ لأن ماعزا هرب فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"هلا تركتموه يتوب فيتوب اللَّه عليه"(3).
(1) سورة النور من الآية (2).
(2)
بنحوه أخرجه عبد الرزاق برقم (13350، 13353) المصنف 7/ 326 - 327، وابن أبي شيبة برقم (8867، 8869) الكتاب المصنف 10/ 90 - 91، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 220، وصححه الألباني في الإرواء 8/ 7.
(3)
من حديث نعيم بن هزال: أخرجه أبو داود، باب رجم ماعز بن مالك، كتاب الحدود برقم (4419) سنن أبي داود 4/ 145، وأحمد برقم (21383، 21385) المسند 6/ 284 - =
فإن تمم حد على راجع فلا قود للشبهة، ويضمن راجع لا هارب بالدية لزوال إقراره برجوعه عنه، بخلاف الهارب، ومثله من طلب أن يرد للحاكم لأن ذلك ليس صريحا في رجوعه.
وإن ثبت زنا أو سرقة أو شرب ببينة على الفعل فهرب لم يترك؛ لأنه لا أثر لرجوعه ولا هربه إذن.
ومن أتى حدا ستر نفسه استحبابا، ولم يجب ولم يسن أن يقر به عند حاكم لحديث:"إن اللَّه ستير ويحب من عباده الستير"(1)، والحد كفارة لذلك الذنب الذي أوجبه للخبر.
= 285، وابن أبي شيبة، باب في الزاني كم مرة يرد، كتاب الحدود برقم (8816) الكتاب المصنف 10/ 71، 72، والبيهقي، باب من أجاز أن لا يحضر الإِمام المرجومين ولا الشهود، كتاب الحدود، السنن الكبرى 8/ 219، والحديث حسن إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 58، وكذا الألباني في الإرواء 7/ 358.
(1)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرجه أبو داود، باب النهي عن التعري، كتاب الحمام برقم (4012) سنن أبي داود 4/ 40، والنسائي، باب الاستتار عند الاغتسال، كتاب الغسل برقم (406) المجتبى 1/ 200، والبيهقي، باب الستر في الغسل عند الناس، كتاب الطهارة، السنن الكبرى 1/ 198، كلهم من طريق زهير عن عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي عن عطاء عن عن يعلي بن أمية أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز بلا إزار فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:"إن اللَّه عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر". قال الألباني في الإرواء 7/ 367: "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وفي العزرمي هذا كلام لا يضر، وزهير ثقة ثبت". وصححه في صحيح سنن أبي داود 2/ 758، وصحيح سنن النسائي 1/ 86.
وإذا اجتمعت حدود للَّه تعالى من جنس واحد بأن زنى أو سرق أو شرب مرارا تداخلت، فلا يحدّ سوى مرة حكاه ابن المنذر إجماع كل من يحفظ عنه من أهل العلم (1)؛ لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل وهو حاصل بحد واحد، وكالكفارة من جنس.
وإن اجتمعت حدود للَّه تعالى من أجناس كإن زنى وسرق وشرب وفيها قتل بأن كان محصنا استوفى القتل وحده، لقول ابن مسعود:"إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أحاط القتل بذلك" رواه سعيد (2)، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، وكالمحارب إذا قتل وأخذ المال، ولأن الغرض الزجر ومع القتل لا حاجة له.
وإلا يكن فيها قتل وهي من أجناس وجب أن يبدأ بالأخف فالأخف، فيحد أولا لشرب، ثم لزنا، ثم يقطع.
وتستوفى حقوق آدمي كلها فيها قتل أو لا كسائر حقوقه، ولأن ما دون القتل حق لآدمي فلا يسقط بالقتل كالديون، بخلاف حق اللَّه فإنه مبني على المسامحة، ويبدأ بغير قتل بالأخف فالأخف وجوبا، فمن قذف، وقطع
(1) الإجماع ص 140.
وينظر: المبسوط 9/ 177، والهداية شرح بداية المبتدي 2/ 130 - 131، وبدائع الصنائع 7/ 85: والموطأ ص 551، والذخيرة 12/ 84، وروضة الطالبين 10/ 151، ومغني المحتاج 4/ 179، والإرشاد ص 476، والهداية 2/ 106، والمغني 12/ 443.
(2)
أخرجه عبد الرزاق برقم (18220 - 18221) المصنف 10/ 19 - 20، وابن أبي شيبة برقم (8175) الكتاب المصنف 9/ 479، وضعفه الألباني في الإرواء 7/ 368.
عضوا، وقتل مكافئا، حد أولا لقذف، ثم قطع، ثم قتل.
وكذا لو اجتمعت حقوق آدمي مع حدود اللَّه تعالى فتستوفى كلها ويبدأ بحق آدمي، فلو زنى وشرب مسكرا وقذف وقطع يدا قطعت يده؛ لأنه محض حق آدمي لسقوطه بإسقاطه، ثم حد لقذف للاختلاف في كونه حقا لآدمي، ثم لشرب، ثم لزنا.
ولا يستوفى حد حتى يبرأ ما قبله لئلا يؤدي توالي الحدود عليه إلى تلفه.