الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(فإذا وجب) القطع (قطعت يده اليمنى) لقراءة ابن مسعود: {اقطعوا أيمانهما} (1) وهو إما قراءة أو تفسير سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم يثبت في القرآن شيئًا برأيه، ولأنه قول أبي بكر وعمر (2)، ولا مخالف لهما من الصحابة، ولأن السرقة جناية اليمنى غالبًا فتقطع (من مفصل كفه) لقول أبي بكر وعمر:"تقطع يمنى السارق من الكوع"(3)، ولأن اليد تطلق عليها إلى الكوع، وإلى المرفق، وإلى المنكب، وإرادة ما سوى الأول مشكوك فيه فلا قطع مع الشك، (وحسمت) وجوبًا لقوله عليه السلام في سارق:"اقطعوه واحسموه"(4)،
(1) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان 6/ 228، وذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 2/ 52، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8/ 270، وضعفه الألباني في الإرواء 8/ 81.
(2)
لم أقف عليه مسندًا عنهما.
(3)
لم أقف عليه مسندًا عن أبي بكر رضي الله عنه، وعن عمر رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة برقم (8647، 8650) الكتاب المصنف 10/ 29 - 30، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 271، من طرق عن عمرو بن دينار عن عكرمة (أن عمر بن الخطاب قطع اليد من المفصل) وهذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ البيهقي (كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقطع السارق من الفصل) وأعلهما الألباني في الإرواء 8/ 83 بالانقطاع، وقال الحافظ ابن حجر:"الحديث أبي بكر وعمر أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يده من الكوع، لم أجده عنهما". ا. هـ التلخيص الحبير 4/ 71.
(4)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه الطحاوي، باب الإقرار بالسرقة التي توجب القطع، كتاب الحدود، شرح معاني الآثار 3/ 168، والدارقطني، كتاب الحدود والديات وغيره، سنن الدارقطني 3/ 102، والحاكم، كتاب الحدود، المستدرك 4/ 381، والبيهقي، باب السارق يسرق أولا فتقطع يده اليمنى. . كتاب السرقة: السنن الكبرى 8/ 275 - 276، والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وينظر: الإرواء 8/ 83.
وحسمها بغمسها في زيت مغلي لتنسد أفواه العروق فينقطع الدم إذ لو ترك بلا حسم لنزف الدم فأدى إلى موته، وسن تعليقها في عنقه ثلاثة أيام إن رآه الإمام لتتعظ السراق به.
(فإن عاد) من قطعت يمناه إلى السرقة (قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه) وترك عقبة. أما قطع الرجل فلحديث أبي هريرة مرفوعًا في السارق: "إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله"(1)، ولأنه قول أبي بكر (2) وعمر (3) ولا مخالف لهما من الصحابة، وأما كونها اليسرى فقياسا
(1) أخرجه الدارقطني، كتاب الحدود والديات، سنن الدارقطني 3/ 181، من طريق الواقدي عن ابن أبي ذئب عن خالد بن سلمة أراه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سرق السارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله. . " وفي إسناده الواقدي وهو متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب ص 498، والحديث صححه الألباني والإرواء 8/ 86 لطرقه الأخرى وشواهده.
(2)
أخرجه عبد الرزاق برقم (18774) المصنف 10/ 188، والدارقطني في سننه 3/ 184 - 185، وابن التركماني في الجوهر النقي 8/ 274.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة برقم (8312) الكتاب المصنف 9/ 510، وابن التركماني في الجوهر النقي 8/ 274.
على المحاربة، ولأنه أرفق به لأن المشي على الرجل اليمنى أسهل وأمكن له من اليسرى، وأما كونه من مفصل كعبه وترك عقبة فلما روي عن علي:"أنه كان يقطع من شطر القدم ويترك له عقبا يمشي عليها"(1)(وحسمت) لما تقدم في يده، وينبغي في قطعه أن يقطع بأسهل ما يمكن بأن يجلس ويضبط لئلا يتحرك فيجنى على نفسه، وتشد يده بحبل وتجر حتى يتيقن المفصل ثم توضع السكين وتحر بقوة ليقطع في مرة.
(فإن عاد) فسوق بعد قطع يده ورجله حبس حتى يتوب، ويحرم أن يقطع لما روي عن أبي سعيد المقبري (2) عن أَبيه عن جده قال:"حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: أقتله إذا وما عليه القتل بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلوات؟ بأي شيء يغتسل من جنابته؟ بأي شيء يقوم لحاجته؟ فرده إلى السجن أيامًا، ثم أخرجه فاستشار أصحابه فقالوا: مثل قولهم الأول، وقال لهم مثل ما قال أول مرة، فجلده جلدًا شديدا، ثم أرسله" رواه
(1) أخرجه الدارقطني في سننه 3/ 212، وبنحوه عبد الرزاق برقم (18759) المصنف 10/ 185، وحسنه الألباني في الإرواء 8/ 89.
(2)
أبو سعيد المقبري: كيسان المدني، مولى أم شريك من بني ليث، ثم من بني جندع، كان منزله عند المقابر فقيل له: المقبري، توفي في خلافة عبد الملك سنة 100 هـ.
ينظر: الجرح والتعديل 7/ 166، وتهذيب الكمال 24/ 240 - 242، وتقريب التهذيب ص 463.
سعيد (1)، ولأن في قطع يده الأخرى تفويتا لمنفعة جنس اليد وذهاب عضوين من شق، وحكمة حبسه كله عن السرقة وتعزيره.
فلو سرق شخص ويمينه ذاهبة أو رجله اليسرى ذاهبة قطع الباقي منهما؛ لأن منفعة الجنس لا تتعطل بذلك وليسا من شق واحد، وإن كان الذاهب يده اليسرى ورجله اليمنى لم يقطع منه شيء لتعطيل منفعة الجنس وذهاب عضوين من شق بذلك القطع لو فعل، ولو كان الذاهب يديه أو يسراهما لم تقطع رجله اليسرى لذهاب عضوين من شق، ولو كان الذاهب رجليه أو يمناهما قطعت يمنى يديه لأنها الآلة ومحل النص ولا يذهب بقطعها منفعة جنسها، ولو ذهبت بعد سرقته يمنى يديه أو يسرى يديه أو مع رجليه أو أحدهما سقط القطع، أما في الأولى فلتلف محل القطع كما لو مات من عليه قود، وأما سقوطه في الثانية فلذهاب منفعة الجنس بقطع يمناه، وأما في الأخيرتين فكذلك وأولى.
والشلاء من يد أو رجل ولو أمن التلف بقطعها كمعدومة، وما ذهب معظم نفعها لمن يد أو رجل وإن ذهب منها ثلاث أصابع كمعدومة لا ما ذهب منها خنصر وبنصر فقط، أو ذهب إصبع سواهما.
(1) لم أقف عليه في سنن سعيد المطبوع، وروي بنحوه من طرق أخرى، فأخرج الدارقطني في سننه 3/ 180، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 275 من طريق عمرو بن مرة عن عبد اللَّه بن سلمة (أن عليا رضي الله عنه أتي بسارق فقطع يده، ثم أتي به فقطع رجله، ثم أتي به فقال: أقطع يده؟ بأي شيء يتمسح؟ وبأي شيء يأكل؟ ثم قال: أقطع رجله؟ على أي شيء يمشي؟ إني لأستحيي من اللَّه، ثم ضربه وخلده في السجن) قال الألباني في الإرواء 8/ 90: "رجاله ثقات إلا أن عبد اللَّه بن سلمة كان تغير حفظه". وله شواهد عند عبد الرزاق برقم (18764) المصنف 10/ 186، وابن أبي شيبة برقم (8310) الكتاب المصنف 9/ 509.
وإن وجب قطع يمناه فقطع قاطع يسراه بلا إذنه عمدًا فعليه القود، وإلا يتعمد فعليه دية البدل؛ لأنه خطأ ولا تقطع يمنى السارق بعد قطع يسراه لئلا يفضي إلى تعطيل منفعة الجنس.
ويجتمع على سارق القطع والضمان؛ لأنهما حقان لمستحقين فجاء اجتماعهما كالدية والكفارة في قتل الخطأ فيرد ما سرقه لمالكه إن كان باقيًا؛ لأنه عين ماله، وإن تلف فعليه مثل مثلي وقيمة غيره كمغصوب ويعيد ما خرب من حرز لتعديه.
وعليه ثمن زيت حسم حفظًا لنفسه إذ لا يؤمن عليها التلف بدونه.
(ومن سرق ثمرا) أو طلعا أو جمارا (أو ماشية) في المرعى (من غير حرز غرم قيمته مرتين) لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق فقال: من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة (1) فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن تؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع" رواه أحمد وغيره (2)، قال أحمد: لا أعلم شيئًا يدفعه (3)، واحتج أحمد أَيضًا أن عمر: "غرم حاطب
(1) الخبنة: ما تحمله في حضنك.
ينظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 243، ولسان العرب 13/ 136، والقاموس المحيط 4/ 218.
(2)
الحديث سبق تخريجه ص 785.
(3)
المغني 12/ 438، والمبدع 9/ 132، وشرح منتهى الإرادات 3/ 370.
بن أبي بلتعة (1) حين نحو غلمانه ناقة رجل من مزيتة مثلي قيمتها" رواه الأثرم (2)، ولا تضعف قيمتها في غير ما ذكر، (ولا قطع) عليه لحديث رافع بن خديج (3) مرفوعا: "لا قطع في ثمر ولا كثر (4) " رواه أحمد وغيره (5)، فإن كانت الشجرة بدار محرزه قطع
(1) حاطب بن أبي بلتعة: بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل، اللخمي، حليف بني أسد بن عبد العزي، شهد بدرًا وما بعدها من الشاهد، وهو الذي كتب إلى أهل مكة يخبرهم يتجهيز رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم، فنزلت فيه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} سورة الممتحنة الآية (1)، فقال عمر: دعني أضرب عنقه، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه شهد بدرًا، واعتذر حاطب بأنه لم يكن له في مكة عشيرة تدفع عن أهله، فقبل عذره، توفي سنة 30 هـ وصلى عليه عثمان رضي الله عنهم جميعًا-.
ينظر: أسد الغاية 1/ 431 - 433، والإصابة 2/ 4 - 5.
(2)
أخرجه عبد الرزاق برقم (18977 - 18978) المصنف 10/ 238 - 239، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 278، 279، من طريق هشام بن عروة عن أَبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بنحوه. وأعله في الجوهر النقي بالانقطاع، فإن يحيى بن عبد الرحمن لم يلق عمر ولا سمع منه.
(3)
رافع بن خديج؛ بن رافع بن عدي بن يزيد الأنصاري، الأوسي، الحارثي، أبو عبد اللَّه، أو أبو خديج، استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وأجازه يوم أحد فشهدها وما بعدها، توفي بالمدينة سنة 74 هـ وصلى عليه ابن عمر رضي الله عنهم.
ينظر: أسد الغابة 2/ 190 - 191، والإصابة 2/ 362 - 364.
(4)
الكثر والكثر: جمار النخل، وهو شحمه الذي في وسط النخلة، ويقال: الكثر طلع النخل، وقد أكثر النخل أي: طلع.
ينظر: لسان العرب 5/ 133 - 134، والقاموس المحيط 2/ 125.
(4)
أخرجه الإِمام أحمد برقم (16809، 16830) المسند 5/ 131، 134، وأبو داود، باب ما لا قطع فيه، كتاب الحدود برقم (4388) سنن أبي داود 4/ 136 - 137، والنسائي، باب ما لا قطع فيه، =
وأضعفت عليه قيمته مرتين لما تقدم.
(ومن لم يجد ما) أي شيئًا (يشتريه أو) ما (يشتري به زمن مجاعة غلاء لم يقطع بسرقة) قال جماعة: ما لم يبذل له ولو بثمن غال، وفي "الترغيب": ما يحيي به نفسه (2).
= كتاب قطع السارق برقم (4961، 4965) المجتبى 8/ 87، ومالك، باب ما لا قطع فيه، كتاب الحدود برقم (1583) الموطأ ص 559، والشافعي في المسند 2/ 84، والدارمي، باب ما لا قطع فيه من الثمار، كتاب الحدود برقم (2304) سنن الدارمي 2/ 228، والبيهقي، باب القطع في كل ما له ثمن إذا سرق من حرز. . .، كتاب السرقة، السنن الكبرى 8/ 263، من طرق عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع به. قال الألباني في الإرواء 8/ 72:"هذا إسناد رجاله ثقات، لكنه منقطع بين ابن حبان ورافع". وقد جاء الحديث موصلا من طريقين آخرين. ينظر: الجامع الصحيح 4/ 42 - 43 برقم (1449)، والمجتبى 8/ 87 - 88 برقم (4966 - 4967)، وسنن ابن ماجه 2/ 865 برقم (2593)، والسنن الكبرى للبيهقي 8/ 263.
(2)
ينظر: كتاب الفروع 6/ 139، والمبدع 9/ 132، والإنصاف 26/ 534.