الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في حد المسكر
وهو اسم فاعل من السكر، وهو اختلاط العقل. (1)
(وكل شراب مسكر) خمر (يحرم) شرب قليله وكثيره لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (2)، وحديث ابن مسعود مرفوعا:"إن اللَّه قد حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده شيء فلا يشرب ولا يبع، فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طرق المدينة فسفكوها" رواه مسلم مختصرا (3)، وأجمع المسلمون على تحريم الخمر (4)، لكن اختلفوا فيما يقع عليه اسمه.
(مطلقا) أي سواء كان من العنب أو الشعير أو غيرهما، لحديث:"كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" رواه أحمد وأبو داود (5)، وعن عائشة
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 89، ولسان العرب 4/ 372، والقاموس المحيط 2/ 50.
(2)
سورة المائدة من الآية (90).
(3)
لم أقف عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، باب تحريم بيع الخمر، كتاب المساقاة برقم (1578) صحيح مسلم 3/ 1205.
(4)
ينظر: المبسوط 24/ 2، وحاشية ابن عابدين 6/ 448، وبداية المجتهد 1/ 471، وعقد الجواهر الثمينة 1/ 607، وروضة الطالبين 10/ 168، ونهاية المحتاج 8/ 11، والإفصاح 2/ 267، والمغني 12/ 493، وشرح الزركشي 6/ 372، والمبدع 9/ 100.
(5)
من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: أخرجه الإِمام أحمد برقم (4815) المسند 2/ 109، وأبو داود، باب النهي عن المسكر، كتاب الأشربة برقم (3679) سنن أبي داود =
مرفوعا: "كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام" رواه أبو داود والترمذي وقال: "حسن صحيح"(1)، والفرق -بالتحريك-: مكيال يسع ستة عشر رطلا (2)، وعن ابن عمر مرفوعا:"ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أحمد وغيره (3)، وعن عمر: "نزل تحريم
= 3/ 327، ومسلم، باب بيان أن كل مسكر خمر. . .، كتاب الأشربة برقم (2003) صحيح مسلم 3/ 1587 - 1588، والترمذي، باب ما جاء في شارب الخمر، كتاب الأشربة برقم (1861) الجامع الصحيح 4/ 256، والنسائي، باب إثبات اسم الخمر لكل مسكر من الأشربة، كتاب الأشربة برقم (5585) المجتبى 8/ 297، وابن ماجة، باب كل مسكر حرام، كتاب الأشربة برقم (3390) سنن ابن ماجة 2/ 1124.
(1)
أخرجه أبو داود، باب النهي عن المسكر، كتاب الأشربة برقم (3687) سنن أبي داود 3/ 329، والترمذي، باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام، كتاب الأشربة برقم (1866) الجامع الصحيح 4/ 259، وأحمد برقم (24471) المسند 7/ 188، وابن حبان، باب ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن المسكر هو الشربة الأخيرة. .، كتاب الأشربة برقم (5383) الإحسان 12/ 203، والدارقطني، كتاب الأشربة وغيرها، سنن الدارقطني 4/ 255، والبيهقي، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، كتاب الأشربة والحد فيها، السنن الكبرى 8/ 296، والحديث قال الترمذي:"حسن". وصحح إسناده الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيق الإحسان.
(2)
ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 495، والقاموس المحيط 3/ 274.
(3)
أخرجه الإِمام أحمد برقم (5616) المسند 2/ 219، والبيهقي، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، كتاب الأشربة والحد فيها، السنن الكبرى 8/ 296، من طريق أبي معشر عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد اللَّه عن أبيه به مرفوعا، ورواه البيهقي أيضا من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر به. وأبو معشر هذا ضعيف. ينظر: إرواء الغليل 8/ 42. وللحديث شواهد كثيرة صححه بها الألباني في الإرواء.
الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والبر والشعير، والخمر ما خامر العقل" متفق عليه (1).
ولو شربه لعطش لم يجز؛ لأنه لا يحصل به ري بخلاف ماء نجس فيجوز شربه لعطش عند عدم غيره، ولا يجوز استعماله لدواء (إلا لـ[دفع] (2) لقمة غص بها) ولم يجد غيره (مع خوف تلف) فيجوز لأنه مضطر، (ويقدم عليه) أي الخمر في دفع لقمة غص بها (بول) لوجوب (3) الحد باستعمال المسكر دون البول، ويقدم عليهما ماء نجس؛ لأن أصله مطعوم بخلاف البول.
(فإذا شربه) أي المسكر أو شرب ما خلط به ولم يستهلك فيه أو استعط (أو احتقن به) أو أكل عجينا لت به (مسلم مكلف) لا صغير ولا مجنون (عالما أن كثيره يسكر) -ويصدق إن قال: لم أعلم- (مختارا) -فإن أكره عليه لم يحد-، وصبره على الأذى أفضل من شربها مكرها نصا (4)، وكذلك كل ما جاز لمكره، وإن أكره بالقتل تعين عليه الفعل ولم يجز له التخلف؛ لأنه إلقاء بنفسه إلى التهلكة، أو وجد مسلم سكران، أو تقيأ الخمر (حد)؛ لأنه لم يسكر، أو تقيأها إلا وقد شربها (حر) وجد منه شيء مما تقدم (ثمانين) جلدة، لما روى الجوزجاني
(1) أخرجه البخاري برقم (5581) صحيح البخاري 7/ 91، ومسلم برقم (3032) صحيح مسلم 4/ 2322.
(2)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، والمثبت من أخصر المختصرات المطبوع ص 251.
(3)
في الأصل: لوجود.
(4)
كتاب الفروع 6/ 99، والمبدع 9/ 102، والإنصاف 26/ 227، وغاية المنتهى 3/ 313، وشرح منتهى الإرادات 3/ 358.
والدارقطني وغيرهما أن عمر: "استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله كأخف الحدود ثمانين، فضرب عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام"(1)، وعن علي أنه قال في المشورة:"إنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فحدوه حد المفتري"(2)، (و) حد (قن نصفها) أي أربعين جلدة، ذكرا كان أو أنثى ولو مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد، ولو ادعى شاربه جهل وجوب الحد حيث علم التحريم.
ويعزر من وجد منه رائحة الخمر ولا يحد لاحتمال أنه تمضمض بها أو ظنها ماء فلما صارت في فيه مجها ونحوه.
ويعزر من حضر شربها لحديث ابن عمر مرفوعا: "لعن اللَّه الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه" رواه أبو داود (3)، ولا تقبل دعوى الجهل بالتحريم ممن
(1) أخرجه مسلم برقم (1706) صحيح مسلم 3/ 1330 - 1331، وأبو داود برقم (4479) سنن أبي داود 4/ 163، والترمذي برقم (1443) الجامع الصحيح 4/ 38، وأحمد برقم (11729، 12394) المسند 3/ 559، 4/ 16، والدارمي برقم (2311) سنن الدارمي 2/ 230، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 319. ولم أقف عليه في سنن الدارقطني.
(2)
أخرجه والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 153 - 154، والدارقطني في سننه 3/ 157، والحاكم في المستدرك 4/ 375، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 320، والأثر قال عنه الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
(3)
في باب العنب يعصر للخمر، كتاب الأشربة برقم (3674) سنن أبي داود 3/ 326، وابن ماجة، باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، كتاب الأشربة برقم (3380) سنن ابن ماجة =
نشأ بين المسلمين؛ لأنه لا يكاد يخفى، بخلاف من نشأ ببادية بعيدة وحديث عهد بالإسلام فيقبل منه ذلك لاحتمال صدقه.
(ويثبت) شرب مسكر (بإقراره) به (مرة كقذف)؛ لأن كلا منهما لا يتضمن إتلافا، بخلاف زنا وسرقة، (أو) بـ (شهادة عدلين) على الشرب أو الإقرار به ولو لم يقولا: شرب مختارا عالما بتحريمه لأنه الأصل، ويقبل رجوع مقر به فلا يحد وتقدم (1).
(وحرم عصير) عنب (ونحوه إذا غلا) كغليان القدر بأن قذف بزبده نصا (2)، وظاهره ولو لم يسكر؛ لأن علة التحريم الشدة الحادثة فيه وهي توجد بوجود الغليان، وعن أبي هريرة قال:"علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته به فإذا هو ينش (3) فقال: اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن باللَّه واليوم الآخر" رواه أبو
= 2/ 1121 - 1122، وأحمد برقم (4772) المسند 2/ 103، والبيهقي، باب ما جاء في تحريم الخمر، كتاب الأشربة والحد فيه، السنن الكبرى 8/ 287، والحديث صححه الألباني في الإرواء 8/ 50، وفي صحيح سنن أبي داود 2/ 700.
(1)
ص 739.
(2)
المغني 12/ 512، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 26/ 435 - 436، والمحرر 2/ 163، وشرح الزركشي 6/ 394، والإقناع 4/ 268، وغاية المنتهى 3/ 313.
(3)
قال في لسان العرب 6/ 352: "نش الماء ينش ونشا ونشيشا ونشش: صوت عند الغليان أو الصب، وقيل: النشيش أول أخذ العصير في الغليان، والخمر ينش إذا أخذت في الغليان".
داود والنسائي (1).
(أو) أي وحرم عصير (أتى عليه ثلاثة أيام) بلياليهن وإن لم يغل نصا (2)، لحديث:"اشربوا العصير ثلاثا ما لم يغل"(3)، وعن ابن عمر في العصير:"اشربه ما لم يأخذه شيطانه، قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: ثلاثا" حكاه أحمد وغيره (4)، ولحصول الشدة في الثلاث غالبها وهي خفية تحتاج لضابط والثلاث تصلح لذلك فوجب اعتبارها بها.
وإن طبخ عصير قبل تحريم حل إن ذهب بطبخه ثلثاه فأكثر نصا (5)،
(1) أخرجه أبو داود، باب في النبيذ إذا غلى، كتاب الأشربة برقم (3716) سنن أبي داود 3/ 336، والنسائي، باب تحريم كل شراب أسكر كثيره، كتاب الأشربة برقم (5610) المجتبى 8/ 301، وابن ماجة، باب نبيذ الجر، كتاب الأشربة برقم (3409) سنن ابن ماجة 2/ 1128، والبيهقي، باب ما جاء في الكسر بالماء، كتاب الأشربة والحد منها، السنن الكبرى 8/ 303، والحديث حسنه الألباني في الإرواء 8/ 52.
(2)
الهداية 2/ 108، والمغني 12/ 512، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 26/ 435 - 436، والمحرر 2/ 163، وشرح الزركشي 6/ 394، والإقناع 4/ 268، وغاية المنتهى 3/ 313.
(3)
لم أقف على إسناده مرفوعا، وذكره الشارح هنا تبعا للبهوتي في شرح منتهى الإرادات 3/ 359، كما ذكره بهذا اللفظ ابن قدامة في المغني 12/ 513، وعزاه للشالنجي، وأخرج النسائي في المجتبى 8/ 332 برقم (5734) من طريق حماد بن سلمة عن داود عن الشعبي قال:(اشربه ثلاثة أيام إلا أن يغلي). صححه الألباني في الإرواء 8/ 50.
(4)
أخرجه عبد الرزاق برقم (16990) المصنف 9/ 217، وابن أبي شيبة برقم (3915) الكتاب المصنف 7/ 496، وإسناده صحيح. ينظر: التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل ص 177.
(5)
المغني 12/ 514، والمحرر 2/ 163، وكتاب الفروع 6/ 102، والمبدع 9/ 106، والإنصاف 26/ 436، والإقناع 4/ 268، وغاية المنتهى 3/ 313.
وذكره أبو بكر إجماع المسلمين (1)؛ لأن أبا موسى: "كان يشرب من الطلاء (2) ما ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه" رواه النسائي (3) وله مثله عن عمر (4) وأبي الدرداء (5) ، ولذهاب أكثر رطوبته فلا يكاد يغلي فلا يحصل فيه الشدة بل يصير كالرب (6).
ويكره الخليطان كنبيذ تمر مع زبيب أو بسر مع تمر أو رطب، لحديث جابر مرفوعا:"نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا، ونهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا" رواه الجماعة إلا الترمذي (7).
(1) الإجماع ص 157.
(2)
قال الحافظ ابن حجر: "الطلاء: بكسر المهملة والمد هو الدبس شبه بطلاء الإبل وهو القطران الذي يدهن به، فإذا طبخ عصير العنب حتى تمدد أشبه طلاء الإبل وهو في تلك الحالة غالبا لا يسكر" ا. هـ. فتح الباري 10/ 64.
(3)
برقم 5721، المجتبى 8/ 330، من طريق قيس بن أبي حازم عنه به. وصحح إسناده الألباني في الإرواء 8/ 52، وأورده في صحيح سنن النسائي 3/ 1154.
(4)
أخرجه النسائي برقم (5717) المجتبى 8/ 329، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 301، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 8/ 50.
(5)
أخرجه النسائي برقم (5720) المجتبى 8/ 329 - 330، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 8/ 53.
(6)
الرب: الطلاء الخاثر، وقيل: دبس كل ثمرة، والجمع الربوب والرباب، وارتب العنب: إذا طبخ حتى يكون ربا يؤتدم به. قاله في لسان العرب 1/ 405، وينظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 381 - 382، والقاموس المحيط 1/ 71.
(7)
أخرجه البخاري، باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر. . .، كتاب الأشربة برقم (5601) صحيح البخاري 7/ 94، ومسلم، باب كراهة انتباذ التمر والزبيب مخلوطين، كتاب الأشربة برقم (1986) صحيح مسلم 3/ 1574، وأبو داود، باب في الخليطين، كتاب الأشربة برقم (3703) =
ولا يكره انتباذ في دباء -بضم الدال وتشديد الباء- أي القرع، ولا في حنتم أي جرار خضر، ولا في نقير أي ما حفر من خشب كقصعة وقدح، ولا في مزفت أي ملطخ بالزفت (1) لحديث بريدة مرفوعا:"كنت نهيتكم عن الشرب إلا في ظروف الأدم (2)، فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا" رواه أحمد ومسلم (3).
= سنن أبي داود 3/ 333، والترمذي، باب ما جاء في خليط البسر والتمر، كتاب الأشربة برقم (1876) الجامع الصحيح 4/ 263 - 264، والنسائي، باب خليط البسر والتمر، كتاب الأشربة برقم (5556) المجتبى 8/ 290، وابن ماجة، باب النهي عن الخليطين، كتاب الأشربة برقم (3395) سنن ابن ماجة 2/ 1125، وأحمد برقم (14501) المسند 4/ 338.
(1)
ينظر في معنى الحنتم والنقير والمزفت: المطلع ص 374.
(2)
ظروف الأدم: الظروف: جمع ظرف، وهو الوعاء. ينظر: معجم مقاييس اللغة 3/ 474، ولسان العرب 9/ 229.
والأدم: اسم للجمع، أو جمع أديم، والأديم: الجلد. ينظر: لسان العرب 12/ 9، والقاموس المحيط 4/ 73.
(3)
أخرجه الإِمام أحمد برقم (22449) المسند 6/ 479 - 480، ومسلم، باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير. .، كتاب الأشربة برقم (977) صحيح مسلم 3/ 1584 - 1585، وأبو داود، باب في الأوعية، كلنات الأشربة برقم (3698) سنن أبي داود 3/ 332، والنسائي، باب الإذن في شيء منها، كتاب الأشربة برقم (5652) المجتبى 8/ 310 - 311.
ومن تشبه بشراب الخمر في مجلسه وآنيته حرم وعزر ولو كان المشروب لبنا.