المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الدعاوي والبينات - الفوائد المنتخبات في شرح أخصر المختصرات - جـ ٤

[عثمان ابن جامع]

فهرس الكتاب

- ‌(باب النفقات)

- ‌فصل في نفقة الأقارب والمماليك

- ‌فصل

- ‌فَصْلُ

- ‌(فَصْلٌ) في الحَضَانَةِ

- ‌فصل

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌(والخَطَأُ) ضربان:

- ‌فَصْلٌ

- ‌(فَصْلٌ) في شُرُوْطِ وُجُوْبِ القِصَاصِ

- ‌فصل فى استيفاء القصاص في النفس وما دونها

- ‌(فصل)

- ‌فصل في الجراح فيما دون النفس

- ‌(فصل) في الديات

- ‌(فَصْلٌ) في مَقَادِيْرِ دِيَاتِ النَّفْسِ

- ‌فصل

- ‌(فصل) فى دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل

- ‌فصل في الشجاج وكسر العظام

- ‌فصل

- ‌(فصل) في العاقلة وما تحمله من الدية

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القسامة

- ‌(كتاب الحدود)

- ‌فصل

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل

- ‌فصل في التعزير

- ‌فصل في حد المسكر

- ‌فصل في القطع في السرقة

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حد قطاع الطريق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فصل) في حكم المرتد

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في السحر وما يتعلق به

- ‌(فصل) في الأطعمة

- ‌فَصْلٌ في الذَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ في الصَّيْدِ

- ‌بَابُ الأَيْمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في النَّذْرِ

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في شُروطِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في آدَابِ القَاضِي

- ‌فَصْلٌ فِي طَرِيْق الحُكْمِ وَصِفَتِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌فصل

- ‌(فصل) في القسمة

- ‌فصل في الدعاوي والبينات

- ‌فصل

- ‌فصل في تعارض البينتين

- ‌(كتاب الشهادات)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشَّهادةِ على الشهادةِ والرجوع عنها وأدائها

- ‌فَصْلٌ في أَداءِ الشَّهادةِ

- ‌فَصْلٌ في اليَمِينِ في الدَّعاوي

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فَصْلٌ فيْمَا يَحْصلُ بهِ الإِقْرَارُ ومَا يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ فيمَا إذا وصَلَ بإِقْرَارِهِ ما يُغَيِّرهُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الإِقْرَارِ بالْمُجْمَلِ

الفصل: ‌فصل في الدعاوي والبينات

‌فصل في الدعاوي والبينات

الدعاوي: جمع دعوى من الدعاء لغة فهي الطلب (1)، قال تعالى:{وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} (2) أي: يتمنون ويطلبون (3)، ومنه حديث:"ما بال دعوى الجاهلية"(4)؛ لأنهم كانوا يدعون بها عند الأمر الشديد بعضهم بعضا وهي قولهم: يا لفلان.

والدعوى اصطلاحا: إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيء بيد غيره -إن كان المدعى عينا- أو في ذمته -إن كان دينا من قرض أو غصب- ونحوه (5).

والمدعي: من يطالب غيره بحق من عين أو دين يذكر استحقاقه عليه، ويقال

(1) التعريفات ص 139، والمطلع ص 403.

(2)

سورة يس من الآية (57).

(3)

ينظر: جامع البيان للطبري 23/ 21، وتفسير القرآن العظبم 3/ 553، وفتح القدير للشوكاني 4/ 376.

(4)

من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا: أخرجه البخاري، باب قوله {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ. .} ، كتاب التفسير برقم (4905) صحيح البخاري 6/ 127 - 128، ومسلم، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، كتاب البر والصلة والآداب برقم (2584) صحيح مسلم 4/ 1998 - 1999.

(5)

ينظر: المغني 14/ 275، والشرح الكبير والإنصاف 29/ 119، والمبدع 10/ 145، وغاية المنتهى 3/ 452، وكشاف القناع 6/ 384.

ص: 1159

أيضا: من [إذا](1) ترك ترك.

والمدعى عليه: من يطالب بفتح اللام أي يطالبه غيره بحق يذكر استحقاقه عليه، ويقال: من إذا ترك لا يترك.

والبينة: العلامة الواضحة، كالشاهد فأكثر (2)، وأصل هذا الباب حديث ابن عباس مرفوعا:"لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه" رواه أحمد ومسلم (3).

ولا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف، وكذا إنكار سوى إنكار سفيه فيما يؤاخذ به حال سفهه وبعد فك حجر عنه، وهو مالا يتعلق بالمال مقصوده كطلاق وحد قذف فيصح منه إنكاره ويحلف إذا أنكر حيث تجب اليمين.

وإذا ادعى كل من اثنين عينا لم تخل من أربعة أحوال: -

أحدها: أن لا تكون بيد أحد ولا ثم ظاهر يعمل به ولا بينة وادعى كل منهما أنها كلها له، حلف كل منهما أنها له لا حق للآخر فيها وتناصفاها، وإن وجد أمر ظاهر

(1) ما بين المعقوفين ليست في الأصل، والمثبت من شرح منتهى الإرادات 3/ 518.

(2)

ينظر: الطلع ص 403، والتوضيح 3/ 1347.

(3)

سبق تخريجه ص 496.

ص: 1160

لأحدهما عمل به فيحلف ويأخذها، فلو تنازعا عرصة (1) بها شجر أو بناء لهما فهي لهما بحسب البناء والشجر؛ لأن استيفاء المنفعة دليل الملك، والبناء والشجر استيفاء لمنفعة العرصة واستيلاء عليها بالتصرف، وإن كان الشجر أو البناء لأحدهما فالعرصة له وحده لما سبق.

وإن تنازعا جدارا بين ملكيهما حلف كل منهما أن نصفه له ويقرع بينهما إن تشاحا في المبتدئ منهما باليمين، لحديث البخاري عن أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين، فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف"(2)، ولا يقدح في حكم المسألة إن حلف أحدهما أو كل منهما أن كله له وتناصفاه كحائط معقود ببنائهما، وإن كان معقود ببناء أحدهما وحده أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه عادة أو كان له عليه أزج قال الجوهري: ضرب من

(1) العرصة: جمع عرصات، وعراص، وهي: كل بقعة بين الدار واسعة ليس فيها بناء، وعرصة الدار: وسطها، وقيل: ما لا بناء فيه، سميت بذلك لاعتراص الصبيان فيها باللعب.

ينظر: معجم مقاييس اللغة 4/ 268، ولسان العرب 7/ 52، والقاموس المحيط 2/ 307.

(2)

أخرجه البخاري، باب إذا تسارع قوم في اليمين، كتاب الشهادات برقم (2674) صحيح البخاري 3/ 156، وبنحوه أخرجه أبو داود، باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة، كتاب الأقضية برقم (3616، 3618) سنن أبي داود 3/ 311، وابن ماجة، باب القضاء بالقرعة، كتاب الأحكام برقم (2345) سنن ابن ماجة 2/ 786، وأحمد برقم (9974) المسند 3/ 272، والدارقطني، كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري، سنن الدارقطني 4/ 211.

ص: 1161

الأبنية (1)، أو كان له عليه سترة مبنية أو قبة فالجدار له بيمينه، ولا ترجيح بوضع خشبة على الجدار المتنازع فيه؛ لأنه مما يسمح به الجار، وورد الخبر بالنهي عن المنع منه (2) كإسناد متاعه إليه، ولا بوجود آجر (3) ولا تزويق (4) وتجصيص (5).

وإن تنازع رب علو ورب سفل في سقف بينهما تحالفا وتناصفاه لحجزه بين ملكيهما وانتفاعهما به واتصاله ببناء كل منهما كالحائط بين ملكيهما، وإن تنازع رب

(1) الصحاح 1/ 298. وينظر: المطلع ص 404، ولسان العرب 2/ 208.

(2)

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره". أخرجه البخاري، باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره، كتاب المظالم والغصب برقم (2463) صحيح البخاري 3/ 115، ومسلم، باب غرز الخشب في جدار الجار، كتاب المساقاة برقم (1609) صحيح مسلم 3/ 1230.

(3)

الآجر: جمع أجر وآجرة، وهو لبن مشوي يبنى به، فارسي معرب، وفيه ست لغات: أجر، وأجر، وآجور، وياجور، وآجرون، وآجرون.

ينظر: المطلع ص 404، ولسان العرب 4/ 11، والقاموس المحيط 1/ 362، ومختار الصحاح ص 7.

(4)

التزويق: التزيين والتحسين والتنقيش، من قولك: تزوقت الكلام أو الكتاب إذا حسنته وزينته وقومته، وزوقت سقف البيت: نقشته، والزوقة: هم نقاشوا السقوف.

ينظر: لسان العرب 10/ 150، والقاموس المحيط 3/ 243.

(5)

التجصيص: البناء بالجص، والجص: ما يبنى به أو ما يطلى به، وهو معرب.

ينظر: المطلع ص 34، 119، ولسان العرب 7/ 10، والقاموس المحيط 2/ 297، ومختار الصحاح ص 104.

ص: 1162

علو ورب سفل في سلم منصوب أو في درجة يصعد منها وليسن تحتها مرفق لصاحب السفل كدكته أو سلم مسمر فالسلم المنصوب والدرجة لرب العلو عملا بالظاهر، إلا أن يكون تحتها مسكن لصاحب السفل فيتحالفان ويتناصفاها، وإن تنازعا الصحن المتوصل منه إلى الدرجة والدرجة بصدره فهو بينهما، وإن كانت الدرجة في الوسط فما إليها من الصحن بينهما وما وراءه من باقي الصحن لرب السفل وحده؛ لأنه لا يد لرب العلو عليه، وكذا لو تنازع رب باب بصدر درب غير نافذ ورب باب بوسطه في الدرب، فمن أوله إلى الباب بوسطه بينهما، وما وراء الباب بوسطه إلى صدره لمن بابه بصدره لما تقدم.

الحال الثاني: أن تكون العين بيد أحدهما فهي له، ويحلف أنه لاحق فيها للآخر إن لم تكن لمن العين بغيريده بينة لخبر:"شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك"(1)، ولأن الظاهر من اليد الملك فإن كان للمدعي يينة حكم له بها، وإن سأل المدعى عليه الحاكم كتابة محضر بما جرى أجابه إليه وجويا وذكر فيه أن العين بقيت بيده لم يثبت ما يرفعها، ولا يثبت ملك بذلك كما يثبت ببينة فلا شفعة له بمجرد اليد؛ لأن الظاهر لا تثبت به الحقوق لاحتمال خلافه وإنما ترجح به الدعوى.

الحال الثالث: أن تكون العين المتنازع فيها بيديهما كل منهما ممسك لبعضها أو تكون في غير يد أحدهما ولا بينة لهما فيحلف كل منهما ويتناصفانها، لحديث أبي موسى: "أن رجلين اختصما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في دار ليس لأحدهما

(1) من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه سبق تخريجه ص 960.

ص: 1163

بينة، فجعلها بينهما نصفين" رواه الخمسة إلا الترمذي (1)، وكذا إن نكل كل منهما عن اليمين فهما سواء فلا مرجح لأحدهما على الآخر؛ لأن كل واحد يستحق ما في يد الآخر بنكوله عن اليمين له، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضي له بجميعها إلا أن يدعي أحدهما نصفها فأقل والآخر الجميع أو أكثر مما بقي، فيحلف مدعي الأقل وحده ويأخذه لأنه يدعي أقل مما بيده ظاهرا أشبه ما لو انفرد باليد، وإن كان الذي بيديهما مميز مجهول النسب فقال: إني حر خلي سبيله حتى تقوم بينة برقه؛ لأن الأصل في بني آدم الحرية، والرق طارئ، فإن قويت يد أحد المتنازعين في عين بأيديهما كحيوان أحدهما سائقه أو آخذ بزمامه وآخر راكبه أو عليه حمله فللثاني بيمينه؛ لأن تصرفه أقوى ويده آكد، وهو المستوفي لمنفعة الحيوان، أو واحد منهما عليه حمله وآخر راكبه فللثاني الراكب بيمينه لقوة تصرفه، وإن اتفقا على أن الدابة

(1) أخرجه أبو أبي داود، باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة، كتاب الأقضية برقم (3613) سنن أبي دواد 3/ 310، وأخرجه بنحوه النسائي، باب القضاء فيمن لم تكن له بينة، كتاب آداب القضاء برقم (5424) المجتبى 8/ 248، وابن ماجة، باب الرجلان يدعيان السلعة وليس بينهما بينة، كتاب الأحكام برقم (2330) سنن ابن ماجة 2/ 780، وأحمد برقم (19106) المسند 5/ 549، والحاكم، باب الخصمان يقعدان بين يدي الحاكم، كتاب الأحكام، المستدرك 4/ 94 - 95، والبيهقي، باب المتداعيين يتنازعان المال وما يتنازعان فيه في أيديهما معا، كتاب الدعوى والبينات، السنن الكبرى 10/ 254، والحديث قال عنه الحاكم "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. والحديث عندهم في الدابة أو البعير.

ص: 1164

للراكب وادعى كل منهما ما عليها من الحمل فهو للراكب بيمينه؛ لأن يده على الدابة والحمل معا، أو ادعيا قميصا واحد آخذ بكمه وآخر لابسه فهو للثاني بيمينه لما تقدم، فإن كان كمه بيد أحدهما وباقيه بيد الآخر، أو تنازعا عمامة طرفها بيد أحدهما وباقيها بيد الآخر فهما سواء فيهما.

وإن تنازع اثنان دارا فيها أربعة أبيات أحدهما ساكن في بيت منها والآخر ساكن في الثلاثة فلكل منهما ما هو ساكن فيه، وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما بالسوية لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها.

ويعمل بظاهر الحال فيما بيد المتنازعين مشاهدة أو حكما، أو بيد واحد منها مشاهدة والآخر حكما، وتأتي أمثلة ذلك، فلو نوزع رب دابة في رحل عليها وكل منهما آخذ ببعضه فهو لرب الدابة بيمينه؛ لأن ظاهر الحال عادة أن الرحل لصاحب الدابة، أو نوزع رب قدر ونحوه في شيء فيه مع اتفاقهما على أن القدر لأحدهما فما فيه له بيمينه عملا بظاهر الحال، ولو نازع رب دار خياطا فيها في إبرة أو في مقص فللثاني لما تقدم.

وإن تنازع مكتر ومكر لدار في رف مقلوع له شكل في الدار أو تنازعا في مصراع مقلوع له شكل منصوب في الدار فهو لربها بيمينه؛ لأن المنصوب تابع للدار، والظاهر أن أحد الرفين أو أحد المصراعين لمن له الآخر؛ لأن أحدهما لا يستغني عن صاحبه كالحجر الفوقاني في الرحى والمفتاح مع القفل، وإلا يكن معهما شكل منصوب في الدار فهما بينهما بيمينهما، وما جرت عادة به ولو لم يدخل في بيع

ص: 1165

الدار فهو لربها، وإلا تجر العادة بأنه لمكر كالأثاث والأواني والكتب فهو لمكتر بيمينه؛ لأن العادة أن الإنسان يكري داره فارغة.

ولو تنازع زوجان أو ورثتهما أو تنازع أحدهما وورثة الآخر ولو مع رق أحدهما نصا (1) في قماش البيت ونحوه فادعى كل منهما أنه كله له، فإن كان لأحدهما بينة بشيء أخذه، وإلا تكن بينة فما يصلح لرجل كعمامة وقمصان رجال وجيابهم وأقبيتهم والسلاح وأشباهه فهو للزوج، وما يصلح للمرأة من حلي وقمص نساء ومقانعهن ومغازلهن فهو للزوجة، وصالح لهما كفرش وقماش لم يفصل وأوان ونحوها فهو بينهما سواء كان بيديهما من طريق الحكم أو المشاهدة، نقل الأثرم:"المصحف لهما فإن كانت لا تقرأ ولا تعرف بذلك فله". (2) فإن كان المتاع بيد غيرهما فمن أقام به بينة فهو له، وإن لم تكن بينة أقرع، فمن قرع حلف وأخذه.

وكذا إن تنازع صانعان في آلة دكانهما فآلة كل صنعة لصانعها، كنجار وحداد بدكان وتنازعا في آلتهما أو بعضها فآلة النجارة للنجار وآلة الحداد للحداد سواء كانت أيديهما على الآلة من طريق الحكم أو طريق المشاهدة عملا بالظاهر، فإن لم تكن يد حكمية كرجل وامرأة تنازعا شيئا ليس بدارهما أو صانعان تنازعا آلة ليست بدكانهما

(1) المحرر 2/ 220، وكتاب الفروع 6/ 518، وشرح الزركشي 7/ 420، والمبدع 10/ 153، والتنقيح ص 310، وغاية المنتهى 3/ 455.

(2)

قال في الإنصاف 29/ 147: "وجزم به الزركشي، قلت: وهو الصواب" ا. هـ. وينظر: كتاب الفروع 6/ 519، وشرح منتهى الإرادات 3/ 523.

ص: 1166

فلا يرجح أحدهما بشيء مما ذكر بل إن كان بيد أحدهما فله، أو بيديهما فبينهما، أو في يد غيرهما ولم ينازع أقرع.

وكل من قلنا هو له فهو بيمنيه لاحتمال صدق غريمه إن لم يكن لأحدهما بينة، ومتى كان لأحدهما بينة حكم له بها ولم يحلف لحديث الحضرمي والكندي (1)، ولأن البينة أحد حجتي الدعوى فيكتفى بها كالعين، وإن كان لكل من المتنازعين بينة وتساوتا من كل وجه تعارضتا وتساقطتا؛ لأن كلا منهما تنفي ما تثبته الأخرى فلا يمكن العمل بهما ولا بأحدهما فيسقطان ويصيران كمن لا بينة لهما، فيتحالفان ويتناصفان ما بأيديهما، لحديث أبي موسى:"أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبعث كل منهما شاهدين، فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما" رواه أبو داود (2).

ويقرع بين المتنازعين إذا أقام كل منهما بينة فيما ليس بيد أحد أو بيد ثالث ولم

(1) سبق تخريجه ص 960.

(2)

في باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة، كتاب الأقضية برقم (3615) سنن أبي داود 3/ 310 - 311، والحاكم، باب الخصمان يقعدان بين يدي الحاكم، كتاب الأحكام، المستدرك 4/ 95، والبيهقي، باب المتداعيين يتنازعان شيئا في أيديهما ويقيم كل واحد منهما بينة بدعواه، كتاب الدعوى والبينات، السنن الكبرى 10/ 257، كلهم من طريق همام بن يحيى عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة عن أليه عن أبي موسى به. والحديث قال عنه الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وقال البيهقي:"كذلك رواه حجاج بن منهال عن همام، وهو من حديث همام بن يحيى عن قتادة بهذا اللفظ محفوظ".

ص: 1167

ينازع، فمن قرع حلف وأخذه، روي عن ابن عمر وابن الزبير (1)، وإن كان المتنازع فيه بيد أحدهما وأقام كل منهما بينة أنه له حكم به للمدعي وهو الخارج ببينته سواء أقيمت بينة منكر وهو الداخل بعد رفع يده أو لا، وسواء شهدت له أنها نتجت في ملكه أو أنها مطيعة من إمام أو لا، لحديث:"البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه"(2) فجعل جنس البينة في جنبة المدعي فلا يبقى في جنبة المدعى عليه بينة، ولأن بينة المدعي أكثر فائدة فوجب تقديمها كتقديم بينة الجرح على التعديل، ووجه كثرة فائدتها أنها تثبت سببا لم يكن، وبينة المنكر إنما تثبت ظاهرا تدل عليه اليد، فيجوز أن يكون مستندها رؤية اليد والتصرف، ولا يحلف الخارج مع بينته كما لو لم تكن بينة داخل، وتسمع بينة رب اليد وهو منكر لدعوى الخارج لادعائه الملك لما بيده، وكذا من ادعي عليه تعديا ببلد ووقت معينين وقامت به بينة وهو منكر فادعى كذبها وأقام بينة أنه كان بذلك الوقت بمحل بعيد من ذلك البلد فتسمع ويعمل بها، قال في "الانتصار" (3):"لا تسمع إلا بينة مدع باتفاقنا". ولا تسمع بينة داخل مع عدم بينة خارج لعدم حاجته إليها كما لو أقر مدعى عليه، ومع حضور البينتين لا تسمع بينة داخل قبل بينة خارج وتعديلها صححه في "الإنصاف". (4) وتسمع بعد

(1) لم أقف عليه مسندا.

(2)

سبق تخريجه ص 496.

(3)

ينظر: كتاب الفروع 6/ 534، وشرح منتهى الإرادات 3/ 524.

(4)

29/ 161.

ص: 1168

التعديل قبل الحكم وبعده قبل التسليم وتقدم عليها بينة الخارج، وإن كانت بينة المنكر غائبة حين رفعنا يده عن المدعى به فجاءت وقد ادعى فيه ملكا مطلقا غير مستند لحال وضع يده وأقام بينة فهي بينة خارج فتقدم على بينة المدعي الأول، وإن ادعى الملك مستندا لما قبل وضع يده وأقامها فهي بينة داخل فتقدم بينة المدعي عليها لاستناد دعوى المنكر إلى حال وضع يده، وإن أقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل وأقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج قدمت بينة الداخل؛ لأنه الخارج معنى لإثبات البينة أن المدعي صاحب اليد وأن يد الداخل نائبة عنه، وإن أقام الخارج بينة أنها ملكه وأقام الداخل بينة أنه باعها منه أو وقفها عليه أو أعتقها قدمت البينة الثانية لشهادتها بأمر حدث على الملك خفي على الأولى كقوله: أبرأني من الدين ويقيم به بينة، أما لو قال: لي بينة غائبة بأنه باعه مني أو وقفه علي طولب بالتسليه للمدعي به؛ لأن تأخيره يطول وقد يكون كاذبا، ومتى أرخ كل من البينتين والعين بيديهما في شهادة بملك أو بيد أو أرخت إحداهما فقط فهما سواء، لحديث أبي موسى:"أن رجلين اختصما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بعير، فأقام كل واحد منهما شاهدين، فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهما نصفين" رواه أبو داود (1)، ولأن كلا منهما داخل في نصف العين خارج في نصفها إلا أن تشهد المتأخرة تاريخا بانتقال الملك عن المشهود له بالملك المتقدم، ولا تقدم إحدى البينتين بزيادة نتاج بأن شهدت بأنها بنت فرسه أو ناقته نتجت في ملكه والأخرى شهدت بالملك فقط، ولا تقدم بزيادة سبب ملك بأن شهدت

(1) سبق تخريجه ص 1002.

ص: 1169

إحداهما أنه ملكها بالبيع ونحوه والأخرى بالملك فقط بل هما سواء لتساويهما فيما يرجع إلى المختلف فيه وهو ملك العين الآن فتساويا في الحكم، ولا تقدم إحداهما باشتهار عدالة أو كلثرة عدد ولا رجلان على رجل وامرأتين أو على رجل ويمين؛ لأن الشهادة مقدرة بالشرع فلا تختلف بالزيادة، ومتى ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه وأقاما بذلك بينتين تعارضتا إن لم تكن بيد أحدهما، ثم إن كانت العين بأيديهما تحالفا وتناصفاها، وإن كانت بيد ثالث لم ينازع أقرع بينهما، فمن قرع حلف وأخذها، وإن كانت بيد أحدهما فهي للخارج ببينته، وإن شهدت إحداهما بالملك والأخرى بانتقاله منه له قدمت الناقلة لشهادتها بأمر زائد على الملك خفي على الأخرى كما تقدم، كتقدم بينة ملك على بينة يد.

الحال الرابع: أن تكون العين المتنازع فيها بيد ثالث، فإن ادعاها لنفسه وأنكرهما حلف لكل منهما يمينا، فإن نكل عنهما أخذاها منه أو بدلها إن تلفت بتفريطه وهو ترك اليمين للأول أشبه ما لو أتلفها واقترعا عليها أو بدلها؛ لأن المحكوم له بالعين غير معين، وإن أقر الثالث بالعين لهما أخذاها منه واقتسماها نصفين وحلف كل منهما يمينا بالنسبة إلى النصف الذي أقر به لصاحبه؛ لأنه يدعيه له كما لو أقر بها لأحدهما فإنه يحلف للآخر وحلف كل من المدعين لصاحبه على النصف المحكوم له به كما لو كانت العين بأيديهما ابتداء، وإن نكل المقر بالعين لهما عن اليمين لكل منهما أخذا منه بدلها واقتسماه أيضا كما لو أقر لكل منهما بالعين، وإن أقر لأحدهما بعينه بالعين جميعها.

ص: 1170

حلف المقر له أنه لا حق لغيره فيها وأخذها؛ لأنه بالإقرار له صار كأن العين بيده والآخر مدع عليه وهو ينكره فيحلف له لنفي دعواه، ويحلف المقر للآخر إن طلب يمينه؛ لأنه يمكن أن يخاف من اليمين فيقر له فيغرم له بدلها، فإن نكل عن اليمين أخذ منه بدلها بنكوله وإذا أخذها المقر له فأقام المدعي الآخر بينة أنها ملكه أخذها منه لثبوت ملكه لها، وإن قال من العين بيده: هي لأحدهما وأجهله فصدقاه لم يحلف لتصديقهما له وإلا يصدقاه حلف لهما يمينا واحدة؛ لأن صاحب الحق منهما واحد غير معين، ولا يلزمه اليمين إلا بطلبهما جميعا؛ لأن المستحق منهما لليمين غير معين ويقرع بينهما، فمن قرع حلف وأخذها نصا (1) لحديث:"أن رجلين تداعيا في دابة ليس لواحد منهما بينة، فأمرهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين أحبا أو كرها" رواه أحمد وغيره (2)، ولأن المقر له بها يصير صاحب اليد وهو غير معين فيعين بالقرعة.

(1) مسائل الإمام أحمد رواية صالح 2/ 103، والمغني 14/ 293، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف 29/ 182، 183، وشرح الزركشي 7/ 407، والمبدع 10/ 165، وغاية المنتهى 3/ 457.

(2)

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه الإمام أحمد برقم (9974) المسند 3/ 272، وكذا أبو داود، باب الرجلين يدعيان شيئا وليست لهما بينة، كتاب الأقضية برقم (3616) سنن أبي داود 3/ 311، وابن ماجة، باب القضاء بالقرعة، كتاب الأحكام برقم (2346) سنن ابن ماجة 2/ 786، والدارقطني، كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري، سنن الدارقطني 4/ 211، والبيهقي، باب المتداعيين يتنازعان المال. . .، كتاب الدعوى والبينات، السنن الكبرى 10/ 255، والحديث صححه الألباني في الإرواء 8/ 278 لشواهده.

ص: 1171